< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المراد بالمؤونة

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة الحادية والستون:

«المراد بالمؤونة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل والملبس والمسكن، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما اتلفه عمداً أو خطأ.

وكذا ما يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم ونحو ذلك، مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه.

ولو زاد على ما يليق بحاله مما يعد سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها»[1] .

المراد بالمؤونة

النقاط الثلاثة

هذه هي الجهة الثالثة من الجهات الأربع وهذه الجبهة الجهات المراد بالمؤونة وتتضمن ثلاث نقاط:

النقطة الأولى ما يتعلق بمؤونة تحصيل الربح والمال كما يصرفه في التجارة والصناعة وغير ذلك.

النقطة الثانية ما يصرفه على نفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق به وما يحتاج إليه من صدقات وزيارات.

النقطة الثالثة ما يتعلق بما يتلفه عمداً أو سهواً.

تفصيل الكلام

تفصيل الكلام في بيان النقاط الثلاث:

النقطة الأولى وهي ما يصرفه المكلف في مؤونة التحصيل أي مؤونة تحصيل الربح والمال من التجارة أو الصناعة أو الزراعة وغير ذلك فإنه يصرف بعض المال لكي يجني الربح، ولا شك ولا ريب أن مؤونة تحصيل الربح تعد من المؤونة من دون فرق بين المدة القصيرة والطويلة، فجميع ما يصرفه في مؤونة التحصيل يستثنى من وجوب الخمس، ولا فرق في ذلك بينما يحصله بالمباشرة وما يحصله بالتسليم.

والوجه في أن الروايات الشريفة الواردة في التجارة دلت على استثناء ذلك إذ قالت الخمس بعد المؤونة بل لو لم تنص الروايات الشريفة على استثناء مؤونة التحصيل فإن استثنائها يكون موافقاً للقاعدة لأن موضوع وجوب الخمس هو الغنيمة والفائدة، وخالص الفائدة لا يثبت إلا بعد إخراج ما صرفه من أموال في سبيل تحصيل هذه الفائدة، فما يصرفه في مؤونة التحصيل ليس فائدة ولا بدّ من استثناءه لتشخيص الفائدة والربح الذي حصل عليه المكلف من التجارة والصناعة والزراعة.

وخلاصة الكلام في النقطة الأولى: إن مؤونة تحصيل الربح تستثنى مطلقاً بمقتضى الأدلة الخاصة وبمقتضى القاعدة العامة.

النقطة الثانية البحث في مؤونة نفسه وعياله، وهذا يقسم إلى قسمين:

المؤونة على القسمين

القسم الأول مؤونته في الأمور الدنيوية.

القسم الثاني مؤونته في الأمور الأخروية.

أما القسم الأول وهو ما يصرفه من مؤونه في الأمور الدنيوية كالأكل واللبس والشرب والسكن، وهذه المؤونة تقيد بقيدين:

القيدان للمؤونة

القيد الأول أن يكون الصرف لائقاً بشأنه.

القيد الثاني أن لا يكون الصرف إسرافاً.

ويمكن أن يجعل القيدان قيداً واحداً، إذ أن ما يليق بشأنه لا يعد إسرافاً أو سفهاً فيكون القيد الثاني وهو أن لا يكون إسرافاً توضيحيا، كما يحتمل أن يكون قيداً احترازياً فإنما يكون خارجاً عن شأنه قد يكون إسرافاً في بعض الموارد وقد لا يعد إسرافاً في موارد أخرى.

واستثناء مؤونة المعيشة المقيدة بهذين القيدين هو مقتضى الأدلة الواردة الدالة على استثناء المؤونة على نحو الإطلاق وعدم تحديدها، وهنا تأتي القاعدة وهو أنه إذا جاءنا مفهوم أو موضوع وقد حدده الشارع فنحن وتحديد الشارع، وإذا لم يحدده الشارع فنرجو حينئذ إلى العرف، ولفظ قد ورد في الروايات الشريفة، ولم تحدد حدود المؤونة، فتنصرف إلى ما هو المتعارف عند العرف.

وهذا شأن كل مورد ومصطلح قد ورد وانصب الحكم عليه وهذا المصطلح لم يحدد شرعاً فإنه لا بد الرجوع في تحديده إلى العرف والمؤونة من هذا القبيل.

وخلاصة معنى المؤونة:

هي كل ما يعد من أسباب جلب المنفعة أو دفع المضرة هذا بحسب العرف يعد ماذا؟ يعد مؤونة.

فإذا كان ما أعده لمعيشة نفسه وعياله لائقاً بشأنه، ويستعين به في جلب المنفعة أو دفع المكروه، فإنه يعد من المؤونة.

هذا تمام الكلام في المؤونة للأمور الدنيوية.

القسم الثاني ما يصرفه المكلف في الأعمال والأمور الراجعة إلى الآخرة، وهو نوعان:

مؤونة الآخرة على نوعين

القسم الأول ما يصرفه في الواجبات، كالحج والعمرة الواجبين وغيرهما من الواجبات المالية، ولا شك أنه من المؤونة.

القسم الثاني ما يصرفه في المستحبات كالحج المستحب والعمرة المستحبة والزيارات للعتبات المقدسة والصدقات والهدايا وبناء المساجد والمدارس ومطلق أعمال الخير، فهل هذا يستثنى من المؤونة أو لا؟ أقوال ثلاثة:

ثلاثة الأقوال في المؤونة الأخروية المستحبة

القول الأول الاستشكال في استثنائه من المؤونة فحتى لو كان المستحب من شأنه فإن استثناءه من المؤونة فيه إشكال.

وقد استشكل في ذلك السيد المجاهد في مناهل الأحكام، وتبعه المحقق الشيخ أحمد النراقي في مستند الشيعة حيث قال ما نصّه: «وكذا تظهر صحة استشكال بعض الأجلة في احتساب الصلة والهدية اللائقين بحاله»، وقال: «إنه لا دليل على احتسابه وكذلك ترديد في الحج المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة، وهما في موقعهما بل الظاهر عدم كونها من المؤونة وهو كذلك فلا يحتسب إلا مع إدعاء الضرورة العادية إليهما»[2] .

القول الثاني وهو التفصيل بين المستحب الائق بشأنه فيستثنى من المؤونة وبين المستحب غير اللائق بشأنه فلا يستثنى من المؤونة، وهذا ما يظهر من السيد الماتن السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى، ولعله المشهور إذ ذهبوا إلى التفصيل بين ما كان بحسب شأنه وما كان يلق بحاله في العادة فيستثنى ويعد من المؤون فهذا من شأنه يتصدق ويعمل الخيرات، وبين غيره فلا يعد من المؤون ولا يستثنى كما لو كان فقيراً لا مال له، وليس من شأنه أن يتصدق فلا يحتسب ما دفعه من المؤونة.

القول الثالث كل المستحبات من شأن أي مسلم، وهو ما ذهب إليه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي من أن الأعمال الأخروية كلها من شأن المسلم، فإن له القيام بكل عمل قربي والتصدي للمستحبات الشرعية، امتثالاً للأمر الإلهي وابتغاء لمرضاته وطلباً لجنته فالكل مفتقر إلى رضوان الله تعالى فهي تناسب الجميع.

ولا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر، فلو صرف أحد الجميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته مما زاد عن مؤونته ومؤونة عياله في سبيل الله ذخراً للآخرة ولينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المؤونة ولا يعد ذلك إسرافاً بوجه بعد أمر الشارع المقدس بذلك[3] .

وما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ليس ببعيد إذ أن الشارع المقدس يشجعنا الناس للإقدام على المستحبات فلو قلنا بالتفصيل وأن هذا من شأنه أن يأتي بالمستحب وذاك ليس من شأنه فإننا في الشأنية هنا قد يدعو البعض إلى الإحجام عن عمل المستحبات والشارع يرغب في هذه الأعمال المستحبة.

والمراد بالمؤونة الآن هذا المراد بالمؤونة كل ما يحتاج إليه الإنسان في جلب المصالح ودفع المفاسد والمضار عن نفسه، ولا شك ولا ريب أن عمل الخيرات والمبرات كلها من مصاديق جلب المنفعة، فكيف لا تعد من المؤونة؟

إذا الصحيح هو القول الثالث الذي ذهب إليه السيد الخوئي رحمه الله

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية واتضح أن المؤونة في الأمور الدنيوية مقيدة بأن يكون الصرف لائقاً بشأنه ولا يعد سفهاً أو سهفاً وإسرافاً، وأما ما يصرف في الأمور الأخروية فكله من شأن أي مسلم ويستثنى من المؤونة.

النقطة الثالثة وهي البحث في النذور والكفارات وأروش الجنايات وما يتلفه عمداً أو خطأ، والظاهر يأتي هنا القيدان الذين ذكرناهما في مصارف الأمور الدنيوية، فلابد أن يكون الصرف لائقاً بشأنه ولا يعد سفها ولا سرفا.

وقد نلتزم بالتفصيل بين العمد وبين السهو أو النسيان، فنقول: بالنسبة إلى النذور فإن كانت من شأنه ولائقه بحاله فلا إشكال في دخولها في المأمونة، وأما البواقي وهي الكفارات وأروش الجنايات والغرامات فإن كانت عن خطأ فهي أيضاً داخلة في المؤونة.

القولان في الكفارات العمدية

وأما إذا كانت عن عمد كما إذا أفطر عمداً أو أتى بتروك الإحرام ومحرمات الإحرام عمداً في الحج أو جنى على شخص عمداً أو اتلف مال الغير كما لو أخذ مال الغير وألقى به في البحر عدوانا وغطرسة، فهل تحسب من المؤونة أو لا؟ قولان:

القول الأول الظاهر من المشهور هو الاحتساب، فلم يعلق المحشون على كلام السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ مع أنه قد صرح، وقال: «أو غرامة ما اتلفه عمداً أو خطأ» ولم يعلق أحد عليه ويستثني الغرامة العمدية.

ولعل الوجه في ذلك: أنه بعد تعلق هذه الأمور بذمة المكلف يكون تفريغها من جملة المؤونة بل من أهمها وهذا لا ينافي كون أصل صدور العمل من المكلف محرماً وبدون إذن الشارع فهو يحرم عليه أن يلقي متاع الآخرين في البحر هذا حكم تكليفي، ولكن لو رمى أموال الآخرين في البحر تعلق ما جناه على مالهم في ذمته فيجب عليه أن يخرجه، فبعد اشتغال ذمته ووجوب تفريغها عن آثار هذه الأمور تعد من المؤونة بلا إشكال.

القول الثاني عدم عد ما يصرفه في الجناية العمدية من المؤونة، ولذلك استشكل صاحب الجواهر، وقال: «وكذا الإشكال في احتساب أروش جناياته وقيم متلفاته العمدية منها بخلاف الخطئية وإن كان قد يدفع بأنه من الديون التي قد عرفت احتسابها من المؤونة بل هي مما يحتاجه الناس في كثير من الأوقات، بل هو من أعظم مؤونهم»[4] .

ويمكن أن يقال في توجيه كلام صاحب الجواهر رحمه الله : «إن ما فعله المكلف حيث كان حراماً هو غير مأذون من الشارع المقدس فيما يترتب عليه من الدين على ذمته بحكم الدين الذي تعلق به سفهاً وإسرافاً فهو خارج عن المعتادة بغير سفه وإسراف فمن قال أن كل الديون تستثنى؟ بل لابد من ملاحظة هذا الدين لأي شيء هل هذا الدين لمصارف المؤونة مؤونة السنة أم هذا الدين لمصارف السنوات أو ليس من شأنه؟ وبذلك يشكل عده من المؤونة المقيدة بكون معتادة بغير سفه وإسراف» إذاً مقتضى القاعدة مع الشك هو الأخذ بالقدر المتيقن من المؤونة وهو غير هذه الموارد المذكور.

فالصحيح هو التفصيل بين الجناية العمدية وبين الجناية الخطئية السهوية، ولا أقل من الاحتياط بالنسبة إلى الجناية العمدية فلا تستثنى من المؤونة، وأما بحث الدين فسيأتي إن شاء الله تفصيله في المسألة واحد وسبعين.

هذا تمام الكلام في بيان المراد من المؤونة، والبحث فيها بحث عرفي وما يراه العون في تشخيص المؤونة.

المسألة اثنين وستين يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo