< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم الآلات المحتاج إليها في الكسب

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الثانية والستون:

«في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤونة إشكالٌ فالأحواط كما مر إخراج خمسه أولاً، وكذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه، مثل: آلات النجارة للنجار وآلات النساجة للنساج وآلات الزراعة للزارع وهكذا فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أولاً»[1] .

في هذه المسألة يكرر صاحب العروة السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ ما ذكره في المسألة تسعة وخمسين إذ تطرق في تلك المسألة إلى أن رأس مال التجارة لا يعد من المؤونة حتى لو كان محتاجاً إليه في معيشته للتكسب به.

وفي هذه المسألة الثانية والستون عطف صاحب العروة على تخميس رأس المال المحتاج إليه تخميس ما يحتاج إليه الإنسان في التكسب من آلات وأدوات كما في الصناعة والزراعة والنجارة فإن الإنسان يحتاج إلى بعض الأدوات لاستعمالها في ذلك العمل.

وحسب الضابطة العلمية فإن الحاجة إلى هذه الأدوات وإلى رأس المال لا يكون منشأ لصدق المؤونة عليها بناءً على ما اخترناه من اشتراط كون الانتفاع استهلاكياً في المعيشة وفي القوت والإعاشة فلا يشمل الصرف مع الواسطة بل يختص بخصوص الصرف المباشر.

المؤونة قسمان، المباشر ومع الواسطة

ومن الواضح أن أدوات النجارة أو الزراعة وما يستعمله في التجارة لا يصرفها بنفسها مباشرة بل يعمل بها من أجل الاستثمار والاسترباح ثم الإعاشة بالأرباح فالملاك واحدٌ في المقامين، وهما: رأس مال التجارة أولاً، وأدوات الكسب ثانياً.

فحتى لو كان يحتاج إلى رأس المال أو إلى الأدوات في معيشته إلا أنه لا يستهلكها ولا يصرفها مباشرة بل يعيش بها مع الواسطة فهو يعيش من خلال الأرباح الحاصلة منها.

يبقى الكلام في تعبير السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ في بداية في هذه المسألة وبداية مسألة تسعة وخمسين إذ قال: «فالأحوط كما مر إخراج خمسه أولاً» ثم قال في نهاية المسألة: «فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أولاً» أي أنه التزم بمقتضى الاحتياط بوجوب إخراج الخمس أولاً ثم المتاجرة أو شراء الأدوات ثانياً.

مراد السيد اليزدي من إخراج الخمس من رأس المال أو أدوات الكاسب

فهذا التعبير بوجوب إخراج الخمس من رأس المال أو أدوات الكاسب:

تارة يراد به عدم استثنائه من الخمس، وحينئذ يكون على القاعد ولا يوجد مطلب جديد.

وتارة يراد به وجوب إخراج خمسه فوراً بحيث لا يجوز تأخير دفعه إلى آخر السنة، وحينئذ يكون مطلباً جديداً.

ولكن لا دليل على وجوب إخراج خمس رأس المال أو أدوات الكسب فوراً فإن أدلة استثناء المؤونة التي تقول الخمس بعد المؤونة كما تجوز الصرف في المؤونة ولا يجب إخراج الخمس مباشرة كذلك تجوز الصرف في الاسترباح إلى آخر السنة.

فلو أراد شخص أن يتخذ رأس كمليون دينار مثلاً فإن رواية الخمس بعد المؤونة تشمله ولا يجب عليه أن يخرج خمس المليون فوراً ثم يتاجر بثمانمائة ألف دينار، بل يعمل بالدليل العام والخاص معاً.

الدليل العام يقول: «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[2] فيفيد تعلق الخمس برأس المال.

والدليل الخاص المنفصل الذااي يقول: «الخمس بعد المؤونة»[3] يعني الخمس إنما يكون بعد مؤونة السنة.

فما المانع من الالتزام بأن الخمس قد تعلق؟ برأس المال وأدوات الكشف بمجرد اتخاذها لكن إرفاقاً بالمكلف يؤخر إخراج الخمس إلى ما بعد المؤون ما المانع من ذلك؟!

إذا الاحتياط الذي ذكره صاحب العروة لا دليل على إجابة. نعم، قد يقال بالاحتياط نظراً لجزمه بأنه لن يحتاج إلى هذا رأس المال أو هذه الأدوات ولن يحتاج إلى صرف عينها مباشرة، لكن فيه تأمل.

هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

هو لن يصرفه وسيستثمره وتبقى عينه دليل الخمس في كل ما أفاد الناس ماذا؟ ثبوت الخمس، لكن هل يستفاد منه فورية إخراج الخمس؟ ولو استفدنا منه فورية إخراج الخمس، الخمس بعد المؤونة يستفاد منه الإرفاق أنه حصل إرفاق بالمكلفين، فهذا الآن اتخذ المال كرأس مال للتجارة لربما في أثناء السنة يصرف النظر ولا يتاجر ويصرف عين المال فيكون قد صرفه في المأمون فيؤخره الشارع المقدس ويقول له: رفقاً بك يجب عليك إخراج الخمس بعد مؤونة السنة فلعلك في أثناء السنة تكتشف أنك فاشل في النجارة أو الزراعة فتعمد إلى بيع الآلات وتعيش من ثمنها وتصرف ثمنها في المؤونة.

جيد هو الآن اتخذ رأس مال للتجارة أراد أن يتاجر المفروض ماذا؟ عند الشروع في الإتجار يخرج الخمس صحيح؟ أعرض ولم يتاجر وأراد صرف رأس مال التجارة في مؤونة سنته يجب عليه أن يخرج الخمس، تاجر لم يربح ولم يخسر وبقي رأس المال وأعرض عن التجارة لاحتياجه لصرف مال التجارة مباشرة في شؤون معاشه، هل تلتزمون بوجوب إخراج الخمس؟!

الدليل العام يقول: الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير، وهذه فائدة فيشملها الدليل العام، لكن الفورية عندنا أدلة الخمس بعد المؤونة وغيره التي إرفاق بالمكلفين، وأن الخمس لا يجب إخراجه فوراً، ويجوز تأخير إخراجه إلى نهاية السنة.

فحينئذٍ لا يجب تخميس رأس المال فوراً رفقاً بالمكلف، ما الإشكال والمحذور في ذلك، أفتونا مأجورين ما الإشكال؟ لا مانع من الالتزام بذلك.

نعم، طبعاً المسألة السابقة اثنين وستين على مبنى السيد الخوئي الذي فرق بين رأس المال الذي يحتاج إليه في شؤون معاشه فلا يخمس، وبينما زاد عليه فيخمس، يقول: الكلام هو الكلام في الآلات فآلات الكسب التي يحتاج إليها في معاشه لا يجب خمسه، وآلات الكسب التي تزيد على مؤونة معاشه فيجب تخميسها، فهذا المسألة تكرارية فقط إضافة آلات الكسب.

المسألة الثالثة والستون:

«لا فرق في المؤونة بينما يصرف عينه فتتلف، مثل: المأكول والمشروب ونحوهما، وبينما ينتفع به مع بقاء عينه، مثل: الظروف والفروش ونحوها، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً»[4] .

هذه المسألة تشير إلى أن المؤونة لا تتحدد بالمقدار الذي يستهلكه في معاشه بالدقة العقلية لكي تختص بخصوص ما يتلف خلال الاستهلاك والإعاشة بل تصدق أيضاً على نفس الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء أعيانها كالظرف كالظروف والمسكن والفرش وإن كان بالدقة ما يستهلكه في هذه السنة إنما هو منفعتها لا نفس تلك الأعيان.

لكن مثل هذا التفكيك وليس عرفياً بل العرف يرى أنه قد استخدم واستعمل هذه الأشياء في مؤونة سنته.

وبالتالي ما يصرفه في مؤونة السنة، قد يكون مما لا بقاء له كالمأكول والمشروب، ولا شك في استثنائه، وقد يكون له بقاء كالظروف والفرش، فهل يجب الخمس بعد مضي السنة أو بعد الاستغناء عنها أو لا؟ مثال ذلك: المرأة العجوز التي قد تستغني عن ذهبها أيام شبابها.

الظاهر أنه لا ينبغي التأمل في عدم الوجوب نظراً لصدق عنوان المؤونة في هذه السنة المقتضي للاستثناء.

وبعبارة أخرى: المدار على حدوث احتياج لا بقاء احتياج، فقد يفرض الاحتياج لكنه لا يختص بهذه السنة بل في السنة اللاحقة أيضاً يصرف احتياجه، وأخرى يستغنى عنه بعد استعماله كما في حلي المرأة العجوز التي قد تستغني عن حلي أيام شبابها، فهل إذا استغنيت عن الذهب الذي اشترته في شبابها نحكم بوجوب تخميس ذهابها أيام كبرها؟

مقتضى البعدي في قوله ـ عليه السلام ـ الخمس بعد المؤونة[5] أن تشريع الخمس إنما هو بعد استثناء المؤونة، وهذا نظير البعدية الواردة في آية الإرث قال تعالى: ﴿من بعد وصية يوصي بها أو دين﴾[6] .

فالإرث لا يخرج إلا بعد إخراج الموردين، وهما: الديون والوصايا، فكذلك لا خمس إلا بعد إخراج المؤونة، وأما بقاء المؤونة بعد انقضاء السنة أو عدم بقائها فلا مدخلية له فيها هذا الاستثناء بعد فرض صدق المؤونة عليها.

بعبارة أخرى: المدار كل المدار على عنوان حدوث صدق المؤونة ولا عبرة ببقاء هذا العنوان كما أن موضوع الخمس هو الفائدة أو الغنيمة بالمعنى الأعم وهو ظاهر في الحدوث لا البقاء، فعنوان الغنيمة والفائدة والربح ظاهر في الحدوث أي حدوث الربح والفائدة، وإنما الذي يبقى هو المال أنت تربح الفرش، أنت تستفيد الأواني، وبعد ذلك تبقى مالاً لا يقال أن هناك فائدة جديدة.

إذا أعطوك هدية سجادة أو أواني أو ظروف فهنا يقال: حصل على جائزة أو هبة أو إذا ربحت شيئاً منها، فيقال: إنه قد ربح الشيء الفلاني، ولكن بعد بقائه لا يقال مرة ثانية في السنة الثانية أنه ربح السجادة وفي السنة الثالثة قد ربح أيضاً أواني المطبخ. نعم، قد تبقى على ماليتها.

إذاً الإفادة أمرٌ حادث يقع في كل ربح مرة واحدة من غير تكرر، فإذا بقيت العين بعد السنة وخرجت عن الحاجة والمؤونة كالحلي للنسوان أو بعض الكتب لأهل العلم كما يقول السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ كتاب الخمس صفحة مئتين وخمسة وخمسين من مستند شرح العروة الوثقى، فليست هناك إفادة جديدة ولم تحدث فائدة ثانية لكي يتعلق بها الخمس، هكذا أجاد وأفاد سيد اساتذتنا السيد الخوئي.

إذاً حينما حدثت الإفادة لم يثبت الخمس لكونها من المؤونة ولا خمس إلا بعد المؤونة، وبعد زوال الحاجة والخروج عن المؤونة لم تتحقق فائدة ثانية لكي يتعلق بها الخمس.

ثم يذكر السيد الخوئي مثالاً مقارباً على مبناه إذ أنه لا يرى وجوب تخميس مال الصبي وخالفه في ذلك المرجع الكبير السيد علي السيستاني ـ حفظه الله ـ إذ يرى أنه يجب على ولي الصبي إخراج خمس مال الصبي، وأما السيد الخوئي فإنه لا يرى وجوه خمس مال الصبي.

قال ـ قدس سره ـ [7] : «ومن هنا ذكرنا في محله عدم وجوب الصبي الذي ربح بإتجار وليه لا حال صباه ولا بعد البلوغ، أما الأول فلحديث رفع القلم عنه تكليفاً ووضعاً، وأما الثاني فلعدم حصول فائدة جديدة، فحين حدوث الفائدة لا وجوب لعدم البلوغ، وبعده لم تتحقق فائدة أخرى ليتعلق بها الخمس، ومن المعلوم أن تلك الفائدة لا بقاء لها وإنما الباقي المال لا الاستفادة التي هي الموضوع للحكم.

وهذا هو الميزان الكلي وضابطه أنه في كل مورد لم يتعلق الخمس من الأول لجهة من الجهات إما لكون الربح من المؤونة أو لعدم استجماع شرائط التكليف أو لمانع آخر لم يتعلق ثانياً لأن موضوع الحكم هي الفائدة ولم تتحقق فائدة جديدة» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة والستين.

المسألة الرابعة والستون يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo