< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المال الذي يجوز إخراج المؤونة منه

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ المسألة أربعة وستين من العروة الوثقى:

«يجوز إخراج المؤونة من الربح وإن كان عنده مال لا خمس فيه بأن لم يتعلق به أو تعلق وأخرجه فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع، وأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه، ولو كان عنده عبدٌ أو جارية أو دار أو نحو ذلك مما لو لم يكن عنده كان من المؤونة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤونة وأخذ مقدارها بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً»[1] .

الفرعان في المسألة

تطرق السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة إلى فرعين:

الفرع الأول هل يجوز إخراج الخمس من الربح مع وجود مال آخر له.

الفرع الثاني إذا كان عنده عبدٌ أو جارية أو دار أو نحو ذلك من المؤون هل يجوز له احتساب قيمتها وأخذ مقدارها من المؤونة أو لا؟

ثلاث صور للمال الذي يخرج منه المؤونة

نشرع في بيان الفرع الأول، وقبل بيان الفرع الأول نوضح ثلاث صور للمال الذي يخرج منه الخمس:

الصورة الأولى أن لا يكون للمكلف مال آخر عدا هذا الربح كمال المضاربة لصاحب العمل فإن مال المضاربة والتجارة ملك لصاحب رأس المال وأما العامل الذي يتاجر بالمال فقد يكون لا يملك مالاً آخر إلا الربح الذي يجنيه من المضاربة.

ففي الصورة الأولى لو افترضنا أن المكلف لا يملك إلا هذا الربح كمال العامل في المضاربة أي الربح، أو الهبة كما لو لم يكن له أي عمل ووهبه هبة أو هدية، وفي هذه الحالة لا شك ولا ريب أنه يجوز إخراج الخمس من هذا أو الفائدة.

الصورة الثانية أن يكون له مالٌ آخر لكن لم تجري العادة بصرفه في المؤونة أي صرف عينه كالدار والبستان ورأس المال، فمثل هذه الأمور لا تصرف عينها وإنما يستفاد منها.

وحكمه حكم الأول في جواز إخراج المؤونة من الربح فلا يقال له لا تخرج المؤونة من الربح وأخرج المؤونة من قيمة الدار أو قيمة البستان أو من رأس مال التجارة بل يجوز له أن يبقي هذه الأموال التي تصرف في معاشه ويخرج الخمس من الربح.

الصورة الثالثة أن يكون له مال آخر غير الربح الذي ثبت فيه الخمس ويمكن صرف المال الآخر أيضاً في المؤونة.

أقوال ثلاثة في الصورة الثالثة

ففي هذه الحالة هل تستخرج المؤونة من خصوص الربح أو تستخرج المؤونة من خصوص المال الآخر أو لابد من التوزيع بينهما بالنسبة؟ أقوال ثلاثة:

القول الأول جواز إخراج المؤونة من الربح وعدم لزوم إخراج المؤونة، طبعاً فرض المسألة هو الصورة الثالثة الآن هذه الأقوال وفرض مسألتنا أربعة وستين في الصورة الثالثة.

القول الأول جواز إخراج المؤونة من الربح وعدم لزوم إخراجها من المال الآخر، ونسب هذا القول إلى المشهور وحكي عن المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي وصاحب المدارك والكفاية والذخيرة وشارح المفاتيح واستجوده في الحدائق الناظرة، وقواه في جواهر الكلام وكذلك قال به الشيخ كاشف الغطاء والشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري من المتأخرين، أيضاً الشهيد الثاني.

تراجع المصادر التالية:

الروضة البهية، للشهيد الثاني، الجزء الثاني، صفحة سبعة وسبعين.[2]

وقد حكى الشيخ أحمد النراقي في مستند الشيعة، الجزء العاشر، صفحة اثنين وسبعين[3] عن المحقق الكركي في جامع المقاصد أنه يرى ذلك.

يراجع جامع المقاصد، الجزء الثالث، صفحة ثلاثة وخمسين[4] .

لكن المحقق الكركي لم يزد فيه على قوله: «والتقسيط عليها وعلى ما عنده من المال أعدل وأحوط».

يراجع مدارك الأحكام السيد محمد العاملي سبط الشهيد الثاني، الجزء الخامس، صفحة ثلاثمئة وخمسة وثمانين.[5]

كفاية الأحكام، الجزء الأول، صفحة ثلاثمئة وثلاثة عشر.[6]

ذخيرة المعاد، الجزء الثاني، صفحة أربعمئة وأربعة وثمانين. [7]

مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الأحكام، مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني، مصابيح الظلام هذا شارح المفاتيح جزء أحد عشر، صفحة ثمانية وستين.

الحدائق الناضرة، للشيخ يوسف البحراني، الجزء اثنا عشر، صفحة ثلاثمئة وأربعة وخمسين.[8]

كشف الغطاء، الجزء الرابع، صفحة مئتين وثمانية.[9]

جواهر الكلام، الجزء ستة عشر، صفحة ثلاثة وستين.[10]

كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، صفحة مئتين وثلاثة.[11]

وسيتضح إن شاء الله تعالى أن هذا القول هو القول الصحيح.

القول الثاني تعين إخراج المؤونة من المال الآخر لا من هذا الربح، وهو ظاهر المحقق الأردبيلي ـ رحمه الله ـ .

يراجع مجمع الفائدة والبرهان، الجزء الرابع، صفحة ثلاثمئة وثمانية عشر. [12]

والمحقق القمي في غنائم الأيام، الجزء الرابع، صفحة ثلاثمئة وتسعة وعشرين.[13]

القول الثالث لزوم التوزيع وإخراجها منهما بالنسبة، فتخرج المؤونة من جميع ما يملك من الربح والمال الآخر بنسبتهما النصف أو الثلث أو الربع، فلو كانت المؤونة خمسين والربح مائة والمال الآخر مائة فقد تساويا في المئة، إذاً تخرج المؤونة منهما بالتساوي فيستثني خمسة وعشرين من الربح وخمسة وعشرين من المال الآخر.

فإذا يخرج نصف المؤونة من الربح ونصف المؤونة من المال الآخر، لو كان مثلاً مئة ومئتين شتصير النسبة؟ يصير ثلث الثلثين، وهكذا حسب اختلاف النسب لو مائة وأربعمئة يصير ربع وثلاثة أرباع.

وقد ذهب إلى ذلك الشهيد الأول في الدروس الشرعية، الجزء الأول، صفحة مئتين وتسعة وخمسين،[14] والشهيد الثاني في مسالك الأفهام، الجزء الأول، صفحة أربعمئة وخمسة وستين.[15]

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال الثلاثة في الصورة الثالثة.

تقريب الاستدلال:

الدليل الأول استدل على القول الأول بأصالة البراءة عن وجوب الصرف من المال الآخر، فلو شككنا هل يجب إخراج المؤونة من خصوص المال الآخر لا من هذا الربح فإنه تجري البراءة الشرعية «رفع عن أمتي ما لا يعلمون»[16] هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني التمسك بإطلاقات أدلة الخمس فإن ما دل على أن الخمس بعد المؤونة[17] مطلقٌ يشمل ما إذا كان له مال آخر أو لم يكن له مال آخر.

نعم، قد يدعى أن أدلة الخمس منصرفة إلى خصوص حالة وجود ربح وعدم وجود مال آخر،

الجواب عن الدليل

لكنه لا وجه لدعوى انصراف أدلة الخمس إلى صورة الاحتياج وعدم وجود مال آخر فإن الظاهر من أدلة الخمس هو أن العبرة باحتياج إلى الصرف في المؤونة وهي متحققة، وأما أن الاحتياج مسوغ للصرف في المؤونة من خصوص هذا الربح فلا دلالة في أدلة الخمس على ذلك بل أدلة الخمس مطلقة تقول الخمس بعد المؤونة يعني يخرج مؤنته يستثنيها ثم يخمس، ولا يخصص إخراج المؤونة بخصوص الربح أو المال الآخر بل تدل على أنه يجوز صرف الربح في المؤونة مع الاحتياج إلى المؤونة سواء كان له مال آخر أو لا.

ومن هنا يتضح ضعف ما استدل به المحقق الأردبيلي ـ رحمه الله ـ إذ ذهب في مجمع الفائدة والبرهان إلى تعين إخراج المؤونة من غير الربح إذا كان له مال آخر للاحتياط وإطلاق أدلة الخمس إذ المتبادر مما دل على أن الخمس بعد المؤونة صورة الاحتياج إليه في المؤونة مع عدم صحة سنده والإجماع ونفي الضرر يختصان بصورة الاحتياج مع أن ذلك يؤول إلى عدم الخمس في أموال كثيرة مثل أرباح تجارات السلاطين وزراعتهم وأكابر التجار والزراع وهو منافٍ لحكمة شرع الخمس،[18] انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

يراجع مجمع الفائدة والبرهان، الجزء الرابع، صفحة ثلاثمئة وثمانية عشر.

ومن الواضح أن المحقق الأردبيلي قد استند إلى إطلاق أدلة الخمس والاحتياط وادعى أن المتبادر من أدلة الخمس المطلقة هو خصوص صورة الاحتياج إلى هذا المال في المؤونة كما ادعى أن الروايات ضعيفة السند وليست صحيحة، ومن هنا تنزل ولم يأخذ بالأدلة اللفظية ولجأ إلى الإجماع الذي هو دليل لبي ولجأ إلى قاعدة نفي الضرار.

وبالتالي يقتصر في المورد على القدر المتيقن لأن الإجماع دليل لبي فيقتصر فيه على القدر المتيقن، واستثناء المؤونة خلاف الأصل، الأصل هو ثبوت وجوب الخمس واستثناء المؤونة هنا خلاف العاصي فيقتصر فيه على القدر المتيقن والقدر المتيقن هو ماذا؟ إذا لم يكن له مال غير هذا الربح وأما إذا كان له مع الآخر غير هذا الربح ومقتضى الاقتصار على القدر المتيقن ومقتضى الاحتياط تعين إخراج الخمس من المال الآخر.

تراجع هذه ومناقشتها في مستمسك العروة الوثقى السيد محسن الحكيم جزء ستة عشر صفحة مئتين واحد وسبعين ومئتين وثمانية وسبعين.

الإشكال على ما إستدل به المحقق الأردبيلي

وفيه إن ما استدل به المحقق الأردبيلي ـ رحمه الله ـ من أن ما دل على جواز صرف الربح في المؤونة ضعيف السند ليس بتام إذ توجد عدة روايات صحيحة كصحيحتي علي بن مهزيار، وحيث إن الأدلة اللفظية تامة لا تصل النوبة إلى الإجماع أو التمسك بقاعدة نفي الضرر.

فما ادعاه من أن اعتبار المؤونة ثابتٌ على تقدير الاحتياج فقط بالإجماع ودليل نفي الضرر، وأما مع عدم وجود الحاجة لمال آخر فلا إجماع وأن مقتضى أدلة الخمس إخراجه من غير استثناء ومع قطع النظر عن المناقشة في السند فما ادعى من دعوى الإنصراف وأن أدلة وجوب الخمس منصرفة عن صورة وجود مال آخر قابل للتأمل، الروايات مطلقة الخمس بعد المؤونة سواء لو لم يكن له إلا هذا الربح أو كان له مال آخر الروايات تقول يجوز استثناء المؤونة ولا تنصص على أن هذه المؤونة تستثنى من خصوص هذا الربح أو تستثنى من المال الآخر أو يقسط بينهما، الروايات تقول الخمس بعد المؤونة.

إذاً ما ذكره المحقق الأردبيلي ـ رحمه الله ـ من ضعف سند ما دل على المؤونة ليس بتام توجد عدة روايات صحيحة وبالتالي لا حاجة إلى التمسك بالإجماع أو قاعدة نفي الضرر وأما دعواه الإنصراف فعهدتها على مدعيها وليست تامة.

إلى هنا اتضح تمامية أدلة القول الأول وأن الإطلاق محكم وعدم تمامية أدلة القول الثاني.

أدلة القول الثالث

تبقى أدلة القول الثالث فقد تمسك بقاعدة العدل والإنصاف فيقال: إن مقتضى قاعدة العدل والإنصاف هو التوزيع والتقسيط بين الربح والمال الآخر.

الإشكال على الدليل

أولا وفيه أولاً قد يناقش في أصل ثبوت هذه القاعدة، وقد أنكرها سيد أساتذتنا المحققين السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ فيراجع المستند في شرح العروة الوثقى، الجزء السادس، صفحة مئتين وأربعة وخمسين.

وثانياً لو سلم بها وتنزلنا جدلاً فقد يقال أن هذه القاعدة واردة في موارد معينة وهي خصوص الشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية ومورد بحثنا شبهة حكمية وهي وجوب إخراج المؤونة من خصوص المال الآخر أو جواز إخراجه من الربح الأول، فلا تجري القاعدة.

وقد ذهب شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ إن قاعدة العدل والإنصاف وإن كان ثابتة إلا أنها تجري في خصوص الشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية.

أقول: مع غض النظر عن ثبوت قاعدة العدل والإنصاف أو عدم ثبوتها كما عليه السيد الخوئي، وعن موردها أنه خصوص الشبهات الموضوعية أو مطلق الشبهات حكمية أو موضوعية لا بد من في تمامية إطلاقات أدلة الخمس هل هي تامة أو ليست تامة.

فإن التزمنا واستظهرنا تمامية إطلاقات أدلة الخمس يعني إطلاقات أدلة استثناء المؤونة من الخمس فلابد من اختيار القول الأول وجواز صرف المؤونة من الربح، فيجوز له أن يخرج المؤونة من الربح الأول ويجوز له أن يخرجها من المال الآخر أو من كلا المالين الأدلة مطلقة.

وأما إذا قلنا بعدم تمامية إطلاقات أدلة استثناء المؤونة فلا بد من اختيار القول الثاني الذي ذهب إليه المحقق الأردبيلي فلابد من صرف جميع المؤونة من المال الآخر فهذا هو القدر المتيقن إذ لا إطلاق في أدلة استثناء المؤونة فلا يبقى وجه للقول بالتوزيع مستنداً إلى قاعدة العدل والإنصاف.

هذا تمام الكلام في الفرع الأول من المسألة الرابعة والستين.

الفرع الثاني يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo