< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم الاقتراض للمؤونة وصرف بعض رأس المال فيها

قال السيد محمد كاظم اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى مسألة ستة وستين:

«إذا اقترض من ابتدائي سنته لمؤونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح»[1] .

اختلاف حكم المسألة على حسب المباني

مبنى السيد الماتن

هذه المسألة تتم بناء على ما اختاره السيد كاظم اليزدي واختاره المشهور من أن مبدأ السنة من حين الشروع في الاكتساب، وبالتالي يمكن استثناء المؤونة من الربح المتأخر.

المبنى المختار

ولكن بناءً على ما اخترناه وذهب إليه سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن ظاهر الأدلة أن مبدأ حساب السنة هو ظهور الربح مطلقاً فيجوز صرفه في المؤونة، وأما إخراج مقدار المؤونة المصروفة سابق على ظهور الربح ووضعه من الربح المتأخر فلا دليل عليه.

هذا بالنسبة إلى مؤونة النفس والعيال أي مؤونة المعيشة.

مؤونة التحصيل

وأما ما يصرفه في مؤونة التحصيل فمن الواضح أنه يستثنى فقد يتحمل في بعض الموارد مصارف في تحصيل الربح كالسفر إلى بلاد بعيدة كما لو اشترى بضاعة من البحرين بمئة دينار وذهب إلى عمان وباعها بخمسمائة دينار فإنه بطبيعة الحال يصرف مبالغ على السفر والأكل والسكن وهذا كله لا بد من حسابه فهو يخرج عن الربح المتأخر قطعاً بل حقيقة لا يصدق على الربح أنه ربح إلا إذا حسب هذه المصارف فهذا خارج عن محل الكلام هذا ناظر إلى مؤونة تحصيل الربح وكلامنا في مؤونة الشخص وعياله لا في مؤونة الربح والتجارة.

والخلاصة: بناء على مسلك المشهور والسيد محمد كاظم اليزدي يصح استثناء ما اقترضه لمؤونة سنته من الربح اللاحق، وبناء على أن مبدأ السنة هو ظهور الربح لا يصح استثناء ما اقترضه لأنه لمؤونة متقدمة على مبدأ السنة التي مبدأها ظهور الربح.

هذا تمام الكلام المسألة ستة وستين.

مسألة سبعة وستين

«لو زاد ما اشتراه وادخره للمؤونة من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها مما يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول، وأما ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها فالأقوى عدم الخمس فيها. نعم، لو فرض الاستغناء عنها فالأحواط إخراج الخمس منها، وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها»[2] .

الصور الثلاثة في المسألة

تطرق صاحب العروة الوثقى رحمه الله في هذه المسألة إلى ثلاث صور:

الصورة الأولى لو كانت المؤونة مما يصرف عينها، مثل: الحنطة والشعير والفحم، ومن الواضح في هذه الصورة أن الزائد على ما استهلكه خلال لا يعد من المؤونة لأن المدار في المؤونة على المؤونة الفعلية لا التقديرية ولا وجه لاستثناء الباقي الذي لم يصرف خلال السنة فتشمله إطلاقات الخمس في كل فائدة.

الصورة الثانية ما يبقى عينه ويمكن الانتفاع به، وقد يستغنى عنه في أثناء السنة أو بعد انتهاء السنة، كالفرش والأواني والألبسة والسيارة وغير ذلك.

الصورة الثالثة ما يبقى عينه ويمكن الانتفاع به لكن يستغنى عنه بعد سنوات كحلي النسوان فالمرأة تستفيد من الذهب والحلي في شبابها، لكنها إذا شاخت وعجزت فإنها قد تستغني عن هذه الحلي، ومن هنا وقع الكلام في الصورة الثانية والثالثة في أنه إذا تم الاستغناء عن هذه الأشياء في أثناء فهل يجب خمسها؟ وإذا تم الاستغناء عنها خارج السنة فهل يجب خمسها؟ واذا تم الاستغناء عنها بعد سنوات كحلي النسوان فهل يجب خمسها؟

ذهب البعض إلى التفصيل بينما يستغنى عنه في أثناء السنة فيجب خمسه لأنه ليس من مؤونة السنة بخلاف ما إذا تم الاستغناء عنه خارج السنة فهو ليس من أرباح السنة اللاحقة حتى يخمس وإنما هو من أرباح السنة الماضية، فقال البعض بالتخميس إذا كان في أثناء السنة لا ما إذا تم الاستغناء خارج السنة.

وقد ذهب السيد الماتن إلى ذلك إذ قال: لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس منها بخلاف ما إذا كان الاستغناء بعد السنة إذ قال فالأقوى عدم الخمس فيه.

والصحيح عدم وجوب الخمس في المؤونة التي تبقى عينها وحصل الانتفاع بها في أثناء السنة فلا يجب تخميسها لو تم الاستغناء عنها بعد استعمالها مطلقاً سواء تم الاستغناء في أثناء السنة أو تم الاستغناء خارج السنة أو تم الاستغناء بعد سنوات.

الحكم في الصورة الأولى

فالحكم في الصورة الأولى وجوب التخميس من الشيء الذي تبقى عينه إذا لم تصرف عينه بينما الحكم في الصورة الثانية والثالثة هو عدم وجوب التخميس لو تم الاستغناء عن العين التي استفيد منها في أثناء السنة.

تنقيح مفهومين

تحقيق ذلك يحتاج إلى تنقيح مفهومين:

المفهوم الأول مفهوم الغنيمة والربح أو الفائدة، وهذا المفهوم قد ورد في الدليل العام.

المفهوم الثاني مفهوم المؤونة المستثناة من الربح، وقد ورد هذا في الدليل المنفصل.

أما المفهوم الأول وهو الغنيمة أو الربح أو الفائدة، فقد ورد في قوله تبارك وتعالى: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه﴾[3] وقد ورد في الرواية الشريفة: «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[4] فما هو المراد بالغنيمة؟

قد يقال: إن الغنمة عبارة عن تجدد فائدة لم تكن موجودة، ولا تصدق على ما كان موجوداً ومحتاجاً إليه إلا أنه قد تم الاستغناء عنه، فالرواية تقول: «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[5] فالدليل العام يشمل الأواني والفرش وحلي النسوان ولكن بعد صرفها في المؤونة والاستفادة من الحلي فإنه قد يقال بعد ذلك لا يصدق عليها أنها غنيمة أو أنها فائدة بل يصدق عليها أنها مال.

وأما المفهوم الثاني وهو المؤونة، فهل المراد المؤونة المحتاج إليها حدوثاً وبقاء أو المراد المؤونة محتاج إليها حدوثاً؟ فالدليل المنفصل يقول: الخمس بعد المؤونة أي بعد إخراج المؤونة، فهل المقصود المؤونة المحتاج إليها حدوثاً وابتداءً؟ فهذا يشمل الفرش الذي استعمله واستغنى عنه، أو المراد المؤونة المحتاج إليها حدوثاً و بقاءً وهذا لا يشمل الفرش الذي استغنى عنه لأنه احتاج إليه حدوثاً لكن لم يحتج إليه بقاء وجهان مبنيان على استظهارين من قوله ـ عليه السلام ـ : «الخمس بعد المؤونة»[6] .

فإذا قلنا أن المتبادر منه أن وصف الشيء بالمؤونة في فترة من الفترات كافٍ في عدم تعلق الخمس به وإن خرج عن المؤونة في أثناء السنة فهذا يعني أن المدار على المؤونة حدوثه.

وإن قلنا بأن الخارج ما يعد من مؤونة السنة ما دام كونه من مؤونتها فلو خرجت السنة وبقيت عينها ولم يحتج إليها لم يصدق عليها أنها من مؤونة السنة التي ربح فيها.

وهذا يعني أن المدار وأن الموضوع هو صدق المؤونة حدوثاً وبقاءً.

يراجع كتاب الخمس في الشريعة الإسلامية الغراء، الشيخ جعفر السبحاني، صفحة ثلاثمئة وتسعة وثلاثين إلى ثلاث مئة واثنين وأربعين.[7]

والصحيح والله العالم أنه تكفي حيثية الحدوث فإذا اشترى أو أواني أو فرشاً أو سيارة أو متاعاً مما تبقى عينه ويستفاد منه ثم استغنى عنه في أثناء السنة أو استغنى عنه بعد السنة أو استغنى عنه بعد سنوات فإنه لا يخمسه.

والسر في ذلك: أن عموم العام يشمله، وهو قوله تعالى: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه﴾[8] ، وقوله ـ عليه السلام ـ : «الخمس في كل ما أفاد الناس»[9] فعموم أدلة الخمس يشمل مثل هذه الأشياء لكن المخصص المنفصل أيضاً يشملها وهو قوله ـ عليه السلام ـ : «الخمس بعد المؤونة»[10] وقد تحققت المؤونة حدوثاً إذ استخدم والأواني والثياب والسيارة في سنته فتخرج هذه الأشياء ببركة المخصصة المنفصل.

لكنه قد استغنى عنها في أثناء السنة وحينئذ لا يشملها من جديد عموم ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء﴾ أو عموم «الخمس في ما أفاد الناس» فبعد خروجها عن الحاجة والاستغناء عنها لا يتمسك بعموم وجوب أدلة الخمس بل يتمسك بعموم الدليل المنفصل الخمس بعد المؤونة.

والسر في ذلك من ناحية أصولية:

أنه إذا جاءنا دليل عام كقولنا: «أكرم العلماء» ثم جاءنا مخصص منفصل أفراد كقوله: «لا تكرم زيداً» ففي هذه الحالة نحمل العام على الخاص، فنقول: «أكرم العلماء إلا زيداً» فنتمسك بالعموم الأفراد في الدليل المنفصل.

هكذا أجاد وأفاد سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ يراجع المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، صفحة مئتين وواحد وستين، ومئتين واثنين وستين.

مناقشة الشيخ الداوري

وناقشه شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ في كتاب الخمس في فقه أهل البيت، الجزء الثاني، صفحة مئة وواحد وتسعين، قائلاً: «إن موطن بحثنا ليس هو عبارة عن العموم الأفراد في مقابل العموم الأزماني بل المنفصل هنا ليس هو الذات بل الوصف المتعلق بالذات، فتارة يقول الدليل المنفصل: «لا تكرم زيداً» الذي هو ذات، وتارة يقول المنفصل: «لا تكرم الفاسق» الذي هو وصف متعلق بالذات.

وموطن بحثنا يكون المستثنى هو الوصف لا الذات أي وصف المؤونة فيكون المدار على وجود الوصف وجوداً وعدماً، فإذا استعمل هذه الأشياء في أثناء السنة صدقت المؤونة وإذا استغنى عنها في أثناء السنة انتفت المؤونة نظراً لانتفاء الصفة وهي الاحتياج إليها. فذهب إلى أن المستثنى هو الوصف والوصف ظاهرٌ في الحدوث والبقاء معاً.

والجواب عن المناقشة

وفيه أننا لو سلمنا أن المخصص المنفصل ظاهرٌ في الوصف، وهي صفة المؤونة لكننا لا نسلم أنها ظاهرة في حيثية الحدوث والبقاء معاً.

والقدر المتيقن من المؤونة الخارجة هو خصوص حيثية الحدوث دون البقاء، واثبات حيثية البقاء يحتاج إلى دليل».

فتكون النتيجة: إن الدليل العام ظاهر في الربح المتجدد الغنيمة الفائدة المتجددة، والدليل الخاص ظاهر في المؤونة الحادثة لا المؤونة الأعم من الحادثة الباقية، فإذا صرف هذه الأشياء في مؤونة السنة واستغنى عنها في أثناء السنة أو بعد السنة فلا يجوز وإذا شككنا نتمسك بعموم الدليل المنفصل.

قال سيد أساتذتنا السيد الخوئي رحمه الله في المستند في شرح العروة الوثقى، صفحة مئتين واثنين وستين : «المستفاد من عليه السلام : «الخمس بعد المؤونة» الذي هو بمثابة المخصص لعموم ما دل على وجوب الخمس في كل غنيمة وفائدة من الكتاب والسنة أن هذا الفرد من الريح، وهو ما يحتاج إليه خلال السنة المعبر عنه بالمؤونة خارج عن عموم الدليل، والظاهر منه أن الخروج لم يكن بلحاظ الزمان بل هو متعلق بنفس هذا الفرد من الربح بالذات كما عرفت فهو من قبيل التخصيص الأفراد لا الأزماني».

إلى أن يقول صفحة مئتين وثلاثة وستين: «وبالجملة فعلى التقديرين أي سواء أكان التخصيص فردياً كما هو الظاهر أم زمانياً لم يجب الخمس بعد الاستغناء إذ الموجب له كونه غنيمة والمفروض أن هذا الفرض حال كونه غنيمه لم يجب خمسه لكونه من المؤونه، فعروض الوجوب ثانياً وخروج الخمس عن الملك يحتاج إلى دليل ولا دليل بل المرجع حينئذ إطلاق الدليل المخصص أو استصحابه» نستصحب الدليل المخصص لا عموم العام وتكفينا أصالة البراءة عن وجوب الخمس ثانياً بعد وضوح عدم كون المؤونة في السنة اللاحقة أو بعد الاستغناء مصداقاً جديداً للربح ليشمله عموم وجوب الخمس في كل فائدة»[11] .

يراجع المستند ذكر الضابط الأصولية الوقت بعد لا يكفي.

إذاً الصحيح ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وفق الضابطة ووفق الصناعة الأصولية لا ما ذهب إليه صاحب العروة وشيخنا الأستاذ الداوري.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo