< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: زمان تعلق الخمس بالربح

 

المسألة اثنين وسبعين من العروة الوثقى

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ :

«متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلق به الخمس وإن جاز التأخير في الأداء إلى آخر السنة فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه وإنما هو إرفاق للمالك لاحتمال تجدد مؤونة أخرى زائدا على ما ظنه، فلو أسرف أو اتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه»[1] .

هذه المسألة تتضمن أمرين:

الأمر الأول هل الخمس يتعلق بمجرد حصول الربح أم يتعلق بعد انتهاء السنة.

الأمر الثاني لو التزمنا بأن الخمس يتعلق بالشيء بمجرد ظهور الربح، فهل يجوز تأخير إخراج الخمس إلى آخر السنة أو لا؟

سؤال: وهل الحكم بجواز تأخير الخمس هو من جهة الإرفاق بالمالك؟ أم أن الخمس يتعلق بعد انتهاء السنة؟

توضيح ذلك:

تارة لا يكون على المكلف المكتسب مؤونة نفسه، كالمرأة التي يتحمل زوجها مؤونتها ويصرف عليها ويقوم بجميع شؤونها، فبناءً على وجوب الخمس بمجرد ظهور الربح قد يقال: إنه يجب على المرأة أداء الخمس بمجرد حصول الربح وعدم الانتظار إلى نهاية السنة لأنها لا تتحمل مؤونتها.

الأمر الثاني أن يكون على المكلف مؤونة نفسه ومن يعوله بحسب شأنه، فهنا يقع الكلام في جواز تأخير الخمس إلى انتهاء السنة، سواء علم أن له مؤونة أو احتمل أن له مؤونة أو علم بعدم احتياجه إلى المؤونة.

وبناءً على جواز التأخير من جهة الإرفاق بالمالك فحينئذ يقال: يجوز له أن يؤخر أداء الخمس إلى انتهاء السنة.

يقع الكلام في مقامين

ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول لا إشكال ولا خلاف ظاهراً كما إدعاه في الجواهر[2] في جواز تأخير أداء الخمس عند ظهور الربح، ويجوز للمالك التصرف في الربح إلى انتهاء السنة، إذا علم أو احتمل أن له مؤونة.

لكن يبقى الكلام في أن المكلف لو علم عدم حاجته إلى المؤونة أو كان الربح زائداً على المؤونة، فهل يجوز له التأخير إلى نهاية السنة أم يجب عليه أداء الخمس فور ظهور الربح؟

وبعبارة أخرى: هل جواز تأخير أداء الخمس إلى انتهاء السنة هو مطلقٌ بحيث يجوز له التأخير سواء علم بوجود مؤونة له أو علم بعدم وجود مؤونة له، وسواء علم بأن الربح يزيد على المؤونة أو ينقص عن المؤونة، فإنه يجوز له تأخير أداء الرب أداء الخمس مطلقاً.

أم جواز تأخير أداء الخمس مقيد بخصوص صورة علمه أو احتماله وجود مؤونة.

وأما لو علم بأنه لا مؤونة له، أو علم بأن ربحه قطعاً يزيد على المؤونة فإنه يجب عليه أن يؤدي الخمس فور ظهور الربح ولا يؤخره إلى نهاية السنة.

الإستدلال على جواز تأخير الأداء

قد يستدل على جواز تأخير أداء الخمس إلى نهاية السنة بشكل مطلق بوجوه:

الوجه الأول الإجماع والسيرة القطعية من المتشرعة القائمة على أنهم لا يرتابون في جواز تأخير أداء الخمس إلى نهاية السنة، ولا يبادروا إلى إخراج الخمس بمجرد ظهور الربح، ولو كان واجباً عليهم إخراج الخمس بمجرد ظهور الربح لكان من الواضحات، مع أن المسألة عامة البلوى، وهذه السيرة مستمرة ومستحكمة إلى زمان الأئمة ـ عليهم السلام ـ .

ولكن يمكن الإشكال على هذا الوجه بأن سيرة المتشرعة دليل لبي ومع الشك يقتصر فيه على القدر المتيقن، والقدر المتيقن من السيرة ما إذا كان المكلف يعلم بحاجته إلى المؤونة أو يحتمل ذلك.

وأما إذا علم أو قطع باستغنائه عن المؤونة وعدم الحاجة إليها فهذا خارج عن القدر المتيقن ولا تكون السيرة اللبية المذكورة حجة فيه، ولابد من الاقتصار على القدر المتيقن.

الوجه الثاني ما تقدم من الروايات الكثيرة الدالة على أن الخمس بعد المؤونة، وهي وإن ورد فيها أن الخمس بعد المؤونة ولم تذكر مؤونة السنة لكن الظاهر منها عرفاً أن المراد طبيعة المؤونة لا المؤونة الشخصية خاصةً.

ويظهر من طبيعة المؤونة بحسب الفهم العرفي إرادة مؤونة السنة لا مؤونة اليوم والشهر، فالمستفاد من هذه الروايات أن وجوب أداء الخمس إنما يكون بعد مؤونة السنة وانتهاء الحول إرفاقاً بالمالك حتى لا يقع في ضيق ويلزم من ذلك عدم وجوب إخراج الخمس بمجرد ظهور الربح، وإنما يجب أداء الخمس بعد مؤونة السنة.

لكن يمكن الإشكال على هذا الوجه بأن الروايات الشريفة قد فرض فيها وجود المؤونة فلابد من العلم بوجود المؤونة أو احتمال وجود المؤونة، وأما إذا علم وقطع بعدم وجود المؤونة فلا تكون هذه الروايات ناظرة إليها ولا يستفاد من هذه الروايات جواز التأخير، فهذا المورد من موارد السالبة بانتفاء الموضوع إذ أن موظوع هذه الروايات الخمس في موارد وجود المؤونة لا الخمس في موارد القطع بعدم وجود المؤونة فالحكم حينئذ منتفٍ بانتفاء الموضوع.

الوجه الثالث ما جاء في صحيحة علي بن مهزيار من قوله ـ عليه السلام ـ : «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام»[3] .

وقد علق وجوب الخمس في الغنائم والفوائد على العام لا على كل يوم أو شهر، ولم يعلق على ظهور الربح، فيمكن الاستدلال بهذه الروايات على أن ووجوب إخراج الخمس إنما يكون بعد انتهاء العام مطلقاً، ويقال بجواز تأخير أداء الخمس إلى انتهاء السنة، فلا يجب أداء الخمس في أثناء السنة أو عند ظهور الربح وإن علم أنه لا مؤونة له.

وفيه: ما تقدم منا من أن صحيحة علي بن مهزيار الطويلة إنما هي في مقام بيان تخفيف الخمس على الشيعة فالإمام الجواد ـ عليه السلام ـ في آخر سنة من عمره الشريف بين الموارد التي فيها تخفيف الموارد التي ليس فيها تخفيف، فهذه الصحيحة ناظرة إلى عدم التخفيف في كل عام بالنسبة إلى الغنائم والفوائد فهي واجبة دائماً أي هي واجبة أبداً في كل عام بخلاف بقية الأشياء كالذهب والفضة الواردين في صدر الصحيحة.

وكذلك الغلات والضياع وغيرها التي ذكر الإمام ـ عليه السلام ـ فيها نصف السدس وغير ذلك من موارد تخفيف الخمس على الشيعة.

وبعبارة أخرى: هذه الرواية ظاهرة في الحكم الولائي وأن الإمام ـ عليه السلام ـ اعمل ولايته التشريعية وليست ظاهرة في بيان أصل الحكم الشرعي فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على وجوب على جواز أداء الخمس وتأخيره إلى السنة مطلقاً.

الوجه الرابع ما ورد في صحيحة ابن أبي ناصر قال: «كتبت إلى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة، فكتب بعد المؤونة»[4] .

تقريب الاستدلال:

المؤونة ظاهرة في الأعم من مؤونة الربح ومؤونة نفسه وعياله، وقد علق الإخراج في الصحيحة على ما بعد المؤونة فتدل على أنه لا يجب وأداء الخمس قبل ذلك سواء علم بوجود المؤونة أو احتمل ذلك أو علم بعدم وجود مؤونة له.

وفيه:

أولاً قد يحمل لفظ المؤونة في هذه الرواية على خصوص مؤونة الربح لا مؤونة المعيشة كما استظهر ذلك السيد الخوئي[5] ـ رحمه الله ـ فقد ذهب ـ قدس الله نفسه الزكية ـ إلى أن لفظ المؤونة الوارد في هذه الروايات ظاهر في خصوص مؤونة الربح يعني مؤونة التجارة مؤونة الاكتساب لا مؤونة المعيشة.

ثانياً لو تنزلنا وسلمنا بالإطلاق في هذه الرواية وأن لفظ المؤونة يشمل مؤونة الربح والمعيشة معاً لكن يأتي فيها المناقشة السابقة في المورد الثاني في الوجه الثاني وهي أن هذه الرواية قد افترضت وجود مؤونة فلا تشمل موارد العلم والقطع بعدم وجود مؤونة أي أن هذه الرواية افترضت أصلاً موضوعياً وهي وجود مؤونة فقالت: الخمس بعد المؤونة فلا تشمل الموارد التي نقطع فيها ونعلم بعدم وجود مؤونة فيكون المورد من موارد السالبة بانتفاء الموضوع، فتكون صحيحة ابن أبي ناصر قاصرة عن الدلالة على جواز التأخير إذ أنه مع العلم بعدم وجود لا يبقى موضوع لوجوب الإخراج بعد المؤونة.

هذا تمام الكلام في الوجوه الأربعة الأولى التي استدل بها على جواز تأخير أداء الخمس على نحو الإطلاق، وقد اتضح أن هذه الوجوه الأربعة قابلة للمناقشة.

يبقى الكلام في الوجه الخامس وهو العمدة عند سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo