< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوجه الخامس ما ذكره السيد أبو القاسم الخوئي ـ ره ـ

 

الإستدلال على جواز تأخير أداء الخمس بوجوه

الوجه الخامس

ما ذكره سيد أساتذتنا السيد ابو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ ، وجعله العمدة في المقام، وهو يبتني على تمهيد أمور:

تمهيد أمور

الأمر الأول لا إشكال في جواز صرف الربح في المؤونة، والمؤونة على قسمين:

المؤونة على قسمين

الأول المصارف الضرورية التي لابد منها من المأكل والمسكن والملبس ونحوها مما يحتاج إليه الإنسان في إعاشته فإنها غالباً محدودة بحد معين ربما يعلم الإنسان بمقدارٍ وربما يشك ويكون لها قدر متيقن.

الثاني المصارف غير الضرورية مما يكون باختيار الإنسان له أن يفعل وأن لا يفعل كالهبة اللائقة بشأنه والحج المندوب والزيارات وما يصرف في سبيل الخيرات والمبرات فإن هذه تعد من المؤون، ومن ثم جاز الصرف فيها من غير تخميس وليست محدودة بحدٍ كما أن الجواز لم يكن منوطاً بالصرف الخارجي فهو ثابت حتى في حق من يقطع من نفسه بعدم الصرف هذه السنة في شيء من ذلك[1] .

الأمر الثاني إن جواز الصرف غير منوط بالصرف الخارجي بل هو ثابت حتى في حق من يقطع من نفسه بعدم الصرف هذه السنة وذلك لأن المستفاد من الأدلة هو تعلق الخمس بالربح عند ظهوره إلا أنه مشروط بعدم الصرف في المؤونة بقسميها مؤونة الربح ومؤونة المعيشة بنحو الشرطة المتأخر.

وقد تقرر في الأصول أن الواجب المشروط لا ينقلب إلى الواجب المطلق بحصول شرطه عن العلم به كوجوب الحج المشروط بالاستطاعة فإنه يكون مشروطاً دائماً حتى بعد تحقق الاستطاعة وحصول الاستطاعة خارجاً إذ أن موضوع الحكم لا ينقلب عما هو عليه بوجهٍ.

الأمر الثالث إن جواز صرف الربح في المؤونة ملازم لجواز الإبقاء إلى آخر السنة بطبيعة الحال لأن جواز الصرف لا يجتمع مع وجوب الخمس فوراً وفعلاً فإنهما متخالفان فإما يؤدي ويدفع الخمس فوراً وإما يصرف المال.

وبالجملة القطع بعدم فعلية الصرف خارجاً لا ينافي جواز الصرف شرعاً لعدم استلزام جواز الصرف تحقق الصرف بالضرورة فهو مرخصٌ في إعدام موضوع الخمس وإسقاطه بالصرف في المؤونة إلى نهاية السنة، ومن الواضح أن هذا ملازمٌ لجواز الإبقاء، فكيف يجتمع جواز الصرف مع وجوب الإخراج فوراً، ومن لدن ظهور الربح، للتهافت الواضح بين الإلزام بإخراج الخمس عند ظهور الربح وبين الحكم بجواز الصرف في المؤونة إلى نهاية السنة كما هو ظاهر جداً.

انتهى كلام السيد الخوئي[2] ـ رحمه الله ـ .

مناقشة الشيخ الداوري على السيد الخوئي

وناقشه شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ بالخدشة في الأمر الثالث فيقال: إنما ذكره السيد الخوئي من التهافت والتنافي بين جواز الصرف وبين وجوب الأداء في صورة العلم بعدم الصرف غير تامٍ، وذلك لأن المولى إذا قال لعبده: يجوز لك صرف هذا المال في إعاشة نفسك وعيالك إلى آخر الشهر، لكن إذا علمت بأنك لا تصرفه فتصدق به على الفقر، فهل يوجد بين الحكمين تهافت؟ فإن الحكم الثاني وهو الصرف على الفقراء بما أنه في طول الحكم جواز الصرف في إعاشة نفسه، ومترتب عليه فلا تنافي بينهما.

فبناءً على صحة الترتب كما اختاره السيد الخوئي تبعاً لأستاذه الميرزا النائيني لا يكون الحكم الأول وهو جواز الصرف منافياً لوجوب الإخراج في صورة العلم بعدم الصرف. نعم، بناء على عدم صحة الترتب يتم ما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

ولكن الذي يسهل الخطب أن حصول القطع بعدم الصرف مستبعد جداً، وذلك لما ذكره ـ قدس سره ـ من وجود القسم الثاني من المؤونة وأنها ليست محدودة بحد فمن المحتمل أن يبدو لصاحب المال في أثناء أو في آخرها أن يصرف الربح أحد تلك الوجوه أو أن يتفق احتياجه إلى صرف غير متوقع فإن الإنسان محل الحوادث والآفات، فاصل تحقق العلم والقطع بعدم الصرف في محل المنع، ولعل عدم الإشارة إليه في الروايات وكذا في كلمات الأعلام كان لهذه الجهة.

ثم يعقب شيخنا الأستاذ الداوري ويذكر رأيه النهائي. نعم، لو فرض وجوده فمقتضى القاعدة هو وجوب الإخراج وأداء الخمس إلى حيث إنه ملك لهم وإبقاء ملك الغير تحت تصرف شخص آخر يحتاج إلى دليل والمفروض فقدانه في المقام.

هكذا اأفاد شيخنا الأستاذ الداوري[3] .

الإشكال على مناقشة الشيخ الداوري

وفيه: إننا لم نفترض الطولية بين المصرفين حتى نجيب بأنه بناءً على صحة الترتب لا يتم ما أفاده السيد الخوئي وبناء على عدم صحة الترتب يتم ما أفاده السيد الخوئي بل أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ افترض العرضية بين القسم الأول والقسم الثاني من المصارف فهي في عرض واحد المصارف الضرورية كالأكل والشرب والسكن والملبس في عرضها توجد مصارف غير ضرورية كالحج والزيارة والهبة ولم نفترض الطولية بينها حتى يجاب على ما أفاده السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بمثال يفتقر إلى الطولية والقول بصحة الترتب.

كما ناقش سيد أساتذتنا المحققين السيد الخوئي سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ بمناقشات طويلة[4] .

وقد دخل سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي في مناقشة السيد الخوئي إلى مناقشات تدقيقية عقلية وانتهى في ختام مناقشاته إلى أنه لعل مقصود السيد الخوئي من الملازمة هو الملازمة العرفية لا الملازمة العقلية.

قال أستاذنا السيد محمود الهاشمي[5] ـ رحمه الله ـ :

«ولعل المقصود له دام ظله دعوى الملازمة العرفية لا العقلية فيرجع إلى الوجه الثاني المتقدم».

والوجه الثاني حسب ترتيب السيد محمود الهاشمي الشاعرودي هو فحوى أدلة استثناء المؤون والسيد محمود يقبل هذا.

والخلاصة:

إن دعوى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إما أن ترجع إلى فحوى استثناء المؤون المستفاد من الروايات الشريفة وهو تام بنظرنا كما سيأتي، وإما أن تكون دعوى مستقلة.

ومن الواضح عرفاً وجود ملازمة والتهافت بين أمرين فالتهافت في أنه إن دفع الخمس فور فإنه لن يصرف مقدار الخمس الذي أخرجه في مؤونته، وإن قلنا إنه يجوز له أن يبقي المال فلعل يطرأ عليه حاجة من مؤونته فهذا يلزم منه أنه لن يدفع الخمس فوراً.

فالحكم بجواز صرف الربح في مؤونته يلزم منه جواز تأخير أداء الخمس فنلتزم بتعلق الخمس بالمال فور ظهور الربح لكن على نحو الشرط المتأخر أي بشرط ألا يصرف هذا المال إلى انتهاء السنة في مؤونته.

وحينئذ نقول: يجوز له أن يخرج الخمس فور الربح ويجوز له أن يبقي المال ولا يخرج الخمس إلى انتهاء السنة فلعله إلى انتهاء السنة تطرأ له حاجة.

مثال ذلك: لو قطع أنه ليست لديه حجة في أثناء السنة وتوفر عنده مبلغ من المال يقطع أنه لن يصرفه في أثناء السنة لكن في أثناء السنة اضطر أن يزوج ولده ولم يكن في الحسبان أن يزوج ولده أو احترق بيته فاضطر أن يصرف المال الذي كان يقطع ويعتقد أنه ليس بحاجة إليه واضطر بعدئذ إلى أن يصرفه.

فبناء على القول الأول أنه إذا قطع بعدم حجته المال في مؤونته يجب عليه التخميس فوراً يلزمه أن يخمس فوراً ولا يجوز له تأخير إخراج الخمس، وبناء على القول الثاني يجري يجوز له أن يخرج الخمس فوراً لتحقق موضوعه وهو الربح الزائد على المؤونة كما يجوز له أن يؤخر الإخراج إلى نهاية السنة فإن لم يحتج إليه خمسه عند نهاية السنة وإن احتاج إلى صرفه في المؤونة فهي مؤونة مستثناة ولا يخمسه.

نعتقد بتمامية الوجوه الأول والثاني والثالث

إذا الوجه الثالث الذي ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ تامةٌ لا غبار عليه، كما أن الوجه الأول والثاني والثالث الذين ناقشهم الأستاذ الداوري أيضاً نعتقد بتماميته.

أما الوجه الأول وهو الإجماع والسيرة فقد ناقشها شيخنا الأستاذ الداوري قائلاً الإجماع والسيرة دليل لبي وعند الشك نقتصر فيه على القدر المتيقن وهو خصوص صورة إذا علم أو احتمل الصرف المؤونة أما إذا قطعا بعدم الصرف بالمؤونة فهذا خارج عن هذه السيرة والإجماع.

أقول دعوى من ادعى الإجماع والسيرة القطعية هو الإطلاق اي أن السيرة العملية القطعية قائمة على عدم التفصيل وعلى جواز تأخير أداء الخمس مطلقاً سواء علم بالمؤونة أو احتمل الصرف في المؤونة أو قطع بعدم الصرف المؤونة، بل إن بعضهم نص في دعوى الإجماع وعدم الخلاف على صورة القطع بعدم المؤونة.

فلنرجع إلى مستمسك العروة للسيد محسن الحكيم[6] ـ رحمه الله ـ قال ـ قدس سره ـ :

«فإطلاق ما دل على عدم حل مال المسلم بغير إذنه العدم واحتمال وجود المؤونة منفي بالأصل مع أنه قد يعلم بعدمها، لكن القدر المتيقن من الإجماع غير هذه الصورة» يعني صورة العلم بعدم المؤونة موطن الشاهد هنا «وإن حكي عن المناهل ظهور عدم الخلاف في جواز التأخير حتى في هذه الصورة» والحاكي هو الشيخ الأعظم الأنصاري كتاب الخمس صفحة مئتين وأربعة وثمانين، ويمكن مراجعة مستمسك العروة للسيد محسن الحكيم الطبعة الجديدة ستة عشر صفحة مئتين وستة وثمانين.

ولقد أجاد وأفاد سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي في بيان دعوى الإجماع والسيرة لمورد العلم بعدم الصرف المؤونة كما أجاد وأفاد في دعوى شمول روايات الخمس بعد المؤونة لمثل مورد القطع بعدم المؤونة.

والسر في ذلك:

أن روايات الخمس في كل ما أفاد الناس[7] أو آية الغنيمة[8] تثبت تعلق الخمس بالغنيمة وبكل فائدة، لكن روايات الاستثناء التي تقول الخمس بعد المؤونة[9] توجد طولية أي أن إخراج الخمس في طول المؤونة أي أنه يتعلق الخمس بمجرد ظهور الربح لكن لا يجب دفع الخمس إلا بعد استثناء المؤونة.

ويستفاد من هذه الروايات التي مدلولها المطابقي الخمس بعد المؤونة يستفاد مدلول التزامي وهو حق الإبقاء أي أنه كما يحق له أن يستثني المؤونة إذاً يحق له التزاماً إبقاء المال لكي يصرفهم في المؤونة.

قال سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي[10] ـ رحمه الله ـ

«وهكذا يتضح أن العمدة من هذه الوجوه خصوصاً الوجهين الأولين، وهما: الإجماع أو السيرة العملية القطعية على جواز تأخير دفع الخمس إلى آخر السنة وفحوى أدلة استثناء المؤون» إلى أن يقول وهو ناظر إلى صورة القطع بعدم الصرف المؤونة يقول:

«فإن هذا أيضاً مشمول للإجماع والسيرة القطعية لشيوع مثل هذه الحالة وهي أن يكون مجموع أرباح المكلف أكثر من حجاته ومؤوناته خلال السنة بحيث يعلم بعدم صرف قسم منها على الأقل في مؤوناته ومع ذلك السيرة قائمة على عدم لزوم دفع خمس ذلك القسم فوراً كما أن الفحوى العرفية أو الظهور المتقدم بيانه في روايات الاستثناء يشمل مثل هذه الحالة أيضاً فإن مقتضى دلالتها على تقدم حق المكلف في التصرف في المال استرباحاً أو مؤونته على حق صاحب الخمس جواز إبقاءه لأجل ذلك حتى مع العلم بعدم الحجة إليه في تمام السنة فكأنما حق الإبقاء مدلول التزام عرفي لحق الصرف المؤونة وتقدمه على حق صاحب الخمس وأن موضوع وجوب الأداء هو الربح الباقي بحسب طبعه إلى آخر السنة وإن كان التعلق فعلياً من حين حصوله».

والخلاصة:

الدليل الأول والثاني والثالث والخامس تامٌ. نعم، الرابع صحيحة علي بن مهزيار الطويلة ليس بتام لأننا نستظهر منها أن الإمام ـ عليه السلام ـ كان في مقام بيان التخفيف أي مقام بيان الحكم الولائي لا الحكم الشرعي، وأما روايات الخمس بعد المؤونة هي تقدم حق المكلف في الصرف على حق الخمس وأرباحه، وبالتالي يجوز له أن يؤدي الخمس فوراً ويجوز له أن يؤخره إلى انتهاء السنة.

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني أن الحكم بجواز التأخير هل هو إرفاق بالمكلف أو أنه من باب أن الخمس يتعلق عند انتهاء السنة لا عنده ظهور الربح؟ يأتي عليه الكلام.


[3] كتاب الخمس في فقه أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، ج2، ص213 و 214.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo