< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة واثنان وستون: لو واقع التلف في غير مال التجارة

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة ثلاثة وسبعين:

«لو تلفى بعض أمواله مما ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح وإن كان في عامه إذ ليس محسوباً من المؤونة».

الأموال التي تتلف أو تسرف أو تتعرض لعارضة نوعان:

الأول أموال التجارة.

الثاني الأموال الخارجة عن أموال التجارة.

أما النوع الأول وهو مال التجارة فله أقسام سيتعرض لها السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ في المسألة القادمة رقم أربعة وسبعين.

وأما النوع الثاني وهو المال مع عدم التجارة فهو على أقسام أو صور:

الصورة الأولى أن يكون المال التالف من المؤونة وما يحتاج إليه في معيشته كما لو احترقت داره أو تلفت سيارته فاحتاجت إلى التعمير فصرف الربح في تعمير الدار أو شراء بدل السيارة.

الصورة الثانية نفس الصورة الأولى لكنه لم يصرف الربح في التعمير أو شراء البدل بل بقيت الدار أو السيارة على حالها.

الصورة الثالثة إذا كان المال التالف مالاً خارجياً ليس من المؤونة كما لو كان له دواب أو أغنام فتلفت ولم تكن ضمن المؤونة.

هذه صور ثلاث لا بد من ملاحظة حكمها.

أما الصورة الأولى وهي ما إذا كانت التالف من المؤونة كما لو انهدمت داره أو تلفت سيارته أو احترق أثاث بيته فصرف ربح مال التجارة في تعمير الدار أو شراء بدل الأثاث والسيارة.

الذي تلف مال غير التجارة والآن فرض مسألتنا هكذا جبر الخسارة في غير مال التجارة بربح مال التجارة هذا هو موطن بحثنا.

فالصورة الأولى لو تلف مال غير التجارة وصرف ربح سنته سواء كان من مال التجارة أو غير مال التجارة في جبر المال التالف الذي لم يكن من مال التجارة فحينئذ لا شك ولا ريب أنه قد صرف الربح في مؤونة سنته المستثناة، فلو صرف ربح مال التجارة أو أي فائدة في تعمير داره أو شراء بدل أثاثه أو سيارته فإن هذا الصرف يعد صرفاً في المؤونة.

صار هنا لا يتعلق الخمس بالمقدار الذي صرفه حتى لو كان من ربح مع للتجارة لأنه قد صرفه في مؤونة سنته المستثناة من وجوب الخمس واضح إن شاء الله.

يبقى القسمان الآخران كما لو احترقت داره وعنده ربح مال تجارة لكن لم يصرف ربح مال التجارة فهل يجوز له أن يستثني من ربح مال التجارة مقدار المبلغ الذي به يعمر الدار أو لا؟

وكما لو تلفت المواشي والدواب ولم يشتري بدلها فهل يجوز له أن يجبر المقدار التالف من غير مال التجارة ويجبره بمال التجارة، مال التجارة وغيره يعني أي فائدة يعني أي مال من أموال سنتين مال التجارة باعتبار الفرد الأبرز.

أقوال في المسألة:

القول الأول عدم الجبر مطلقاً، ولعله المشهور، وقد اختاره السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى.

القول الثاني الجبر مطلقاً ويظهر من بعض الأعلام كالسيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى[1] .

القول الثالث التفصيل بين القول بأن متعلق الخمس هو خصوص الفائدة المكتسبة وأرباح المكاسب وعليه لا جبر، وبين القول بأن متعلق الخمس هو مطلق الفائدة فيجبر.

هذا تمام الكلام في ذكر أقوال المسألة الثلاثة.

أدلة المسألة:

استدل على القول الأول وهو للمشهور وهو عدم الجبر مطلقاً بأن المقتضي لتعلق الخمس موجود والمانع مفقود فإن موضوع الخمس مؤلف من أمرين: الربح وعدم الصرف في المؤونة، وكلاهما متحققان في المقام لصدق الربح والفائدة حقيقة بحيث يصح أن يقال: إنه استفاد في تجارته أو في ربح كسبه لكنه لم يصرفه في المؤونة حسب الفرض هذا بلحاظ المال الذي اكتسبه من التجارة.

نعم، وردت عليه خسارة خارجية أجنبية عن مال التجارة وهي احتراق بيته الذي لم يكن من مال التجارة أو مواشيه فالخسارة لم تقع فيما التجارة وإنما وقعت في مال أجنبي آخر وليس بينه وبين تجار أي ارتباط حتى يجبر أحدهما بالآخر فالجبر يحتاج إلى دليل والدليل على الجبر مفقود في المقام فلا مفر من التخميس.

نعم، في مال التجارة كما سيأتي في المسألة القادمة أربعة وسبعين يجبر الربح بالخسارة والقدر المتيقن منه التجارة الواحدة كما لو كان يبيع القماش فإنه قد يربح اليوم ويخسر غداً فيجبر خسارة الغد بربح اليوم ويجرد حسابات سنة كاملة ويجبر الربح بالخسارة إلى أن يرى المحصلة النهائية أنه ربح أو خسر، وسيأتي إن شاء الله هل يجوز له أن يجبر تجارة بتجارة آخرى؟ مثلاً: خسر في بيع القماش لكنه ربح في بيع الغنم هذه تفاصيل وأقسام ستأتي.

فرض مسألتنا ثلاثة وسبعين أن يجبر الخسارة في القسم الثاني مال غير التجارة بالرب الحاصل من المال الأول مع التجارة أو بمال آخر من القسم الثاني لم يكن مالاً للتجارة هذا تمام الكلام في الاستدلال على القول الأول وهو أن مقتضي وجوب الخمس تامٌ في المال الآخر الذي لم يقع فيه التلف فيجب فيه الخمس والتلف وقع في مالٍ مستقل عنه فلا تجبر هذه الخسارة بالربح المستقل عنه.

دليل القول الثاني المنع من تحقق المقتضي وهو صدق الفائدة فإن العرف لا يساعد على صدق الاستفادة على هذا الشخص مع التلف والخسران فالعرف يرى أنه استفاد وربح في تجارته إذا لم تقع في أمواله خسارة أصلاً سواء كان ذلك في مال التجارة أو غيره لأن الربح والفائدة إنما يحسبان بالنسبة إلى شخص واحد في مجموع ماله لا بالنسبة إلى بعض أمواله دون بعض آخر بل قد يقال إنه يحسب في مجموع السنة جميع أمواله فإذا لم يصدق على هذا الشخص أنه استفاد أو ربح فلا بد من الحكم بالجبر مطلقاً.

فلو ربح مليون دينار في تجارته واحترق بيته الذي قيمته مليون دينار فإن العرف لا يرى أنه قد ربح في هذه السنة، ولا أقل من الشاك نشك هل يصدق عنوان الربح في مال التجارة مع وجود خسارة في غير مال التجارة فنشك في أن ربح مال التجارة وهذا المال يصدق عليه عنوان الربح والفائدة إذا وقعت خسارة في مال غيره حتى يجب الخمس في أو لا يصدق عليه عنوان الربح والفائدة يجب فيه الخمس هذا شك في التكليف ومرجعه إلى جريان البراءة الشرعية فلا يجب عليه الخمس لأنه يشك هل يجب عليه أن يخمس الربح الذي حصل من مال التجارة ومنشأ الشك في الوجوب هو الشك في صدق عنوان الربح والفائدة مع وجود خسارة في مال آخر هذا شك في التكليف ومرجعه البراءة الشرعية.

هذا تمام الكلام فيه دليل القول الثاني.

دليل القول الثالث وهو التفصيل فإذا قلنا إن متعلق الخمس هو خصوص الفائدة المكتسبة أي خصوص أرباح المكاسب فصدف الفائدة بالنسبة لاكتسابه وتجارته محققٌ فيتعلق به الخمس ولا يجبر التلف أو الخسارة من ربح مال التجارة لأنه ربح ولم يخسر في مال تجارته وموضوع وجوب الخمس هو خصوص مال التجارة والاكتساب لا مطلق الفائدة وما وقعت فيه الخسارة هو فوائد وليس مال التجارة فلا جبر حينئذ.

بخلاف ما إذا قلناه إن متعلق الخمس هو مطلق الفائدة سواء كانت هذه الفائدة مكتسبة ومن مال التجارة أو كانت هذه الفائدة غير مكتسبة كما لو كانت هبة أو إرث فإنه لا يصدق عليه أنه أفاد أو ربح على نحو الإطلاق ولا بد من القول بجبر الخسارة هذا تمام الكلام في بيان دليل القول الثالث.

ولكن الظاهر قوة وصحة قول المشهور وهو القول الأول وضعف القولين الآخرين وفاقاً لشيخنا الأستاذ الداوري الذي أجاد وأفاد في هذا المبحث، يراجع الخمس في فقه أهل البيت، الشيخ مسلم الداوري، الجزء الثاني، صفحة مئتين وواحد وعشرين.

أما ضعف القول الأول القول الأول احنا رجحناه الآن نقول القولان الآخران ضعيفان، فالقول الأول يعني القول الثاني الذي الجبر مطلقاً، فقد ناقشه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ يراجع المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس صفحة مئتين وتسعة وسبعين وقد ناقش كلا القولين.

أما القول الآن ترتيبنا ضعف القول الثاني وهو الجبر مطلقاً فقد ذكر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن صدق الفائدة معلوم وجدانا ًوعرفاً على ما ربحه في تجارته.

أما وجدانا فمعلوم أنه قد دخل عليه ربحٌ، وأما عرفاً فإنه يقال أنه قد ربح في كسبه وتجارته غاية في الأمر أنه وردت عليه خسارة أخرى في بيته أو أثاثه أو سيارته فالعرف يفصلون بين الفائدة الحاصلة من تجارته فيعدونه لها وبين الخسارة في مال آخر، وبما أن أحدهما أجنبي عن الآخر فلا مقتضي لجبر أحدهما بالآخر فالحكم هو وجوب تخميس مال التجارة وإن وردت عليه خسارة في مال آخر غير مال التجارة.

نعم، هنا لو تنزلنا جدلاً وقلنا نحن نشك في صدق عنوان الربح والفائدة مع وجود التلف والخسارة فيكون شكاً في التكليف فيكون مجرى للبراءة الشرعية فلا يجب عليه التخميس.

لكننا نقول لا تصل النوبة إلى الشك ولا تصل النوبة إلى هذه المرتبة لأنه من الواضح عرفاً أنه يقال فلان ربح في تجارته وخسر بيته واحترق أثاثه، فالخسارة في البيت والاحتراق في الأثاث ولا دخل له بمال التجارة.

إذاً القول الثاني ضعيف ولا تجبر الخسارة الحاصلة في مال غير التجارة بالربح الحاصل من مال التجارة.

وأما ضعف القول الثالث وهو التفصيل أن يكون المبنى في وجوب الخمس هو خصوص مال الاكتساب أو مطلق الفائدة.

فنقول: لا فرق بين القول باختصاص الخمس بأرباح المكاسب أو التعميم لمطلق الفائدة الخارجة عن الكسب كالهبة والإرث والوصية أو غيرها لأن موطن بحثنا في جبر الخسارة بالربح وليس في أصل تعلق وجوب الخمس فليس كلامنا في مورد وجوب الخمس أن موضوع وجوب الخمس في أرباح المكاسب هل هو خصوص مال التجارة ومال الاكتساب أو مطلق الفائدة؟ ليس هذا هو موطن بحثنا.

موطن بحثنا إذا وقعت خسارة في غير مال التجارة هل هذه الخسارات تجبر من مال آخر كمال التجارة أو غير مال التجارة أو لا؟ هذا هو موطن بحثنا.

فمتعلق بالخمس أيا كان هل كان من العنوان الخاص المال المكتسب أو العنوان العام مطلق الفائدة، لا تنجبر به الخسارة الخارجية لأنه لا توجد علاقة ولا ارتباط بين الفائدة أو الربح وبين الخسارة، لأجنبية كل منهما عن الآخر.

وتلك الخسارة في مال غير التجارة كما انها لا توجب زوال الربح أيضاً لا توجب زوال الفائدة بمناط وملاك واحد فلا وجه لابتناء الجبر وعدمه على تلك المسألة من أن موضوع وجوب الخمس هل هو المال الخاص أو المال العام.

إذا الصحيح عدم جبر الخسارة الواقعة في مال غير التجارة بمال آخر مثل مال التجارة والله العالم.

هذا تمام الكلام في المسألة ثلاثة وسبعين الجبر في مال غير التجارة.

المسألة اربعة وسبعين الجبر في خصوص مال التجارة يأتي عليها الكلام.


[1] مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص525.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo