< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثلاثة وستون: التلف أو الخسارة في رأس المال

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الرابعة والسبعون:

«لو كان له رأس مال وفرقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها فالأحوط عدم جبره بربح تجارة أخرى، بل كذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى ، لكن الجبر لا يخلو عن قوة خصوصاً في الخسارة.

نعم، لو كان له تجارة وزراعة مثلاً فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها فعدم الجبر لا يخلو عن قوة، خصوصاً في صورة التلف وكذا العكس.

وأما التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي فالأقوى الجبر، وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين سواء تقدم الربح أو الخسران فإنه يجبر الخسران بالربح».

هذه المسألة تتطرق إلى جبر الخسارة الواقعة في مال الاكتساب بالتجارة أو الصناعة أو الزراعة فهي ناظرة إلى مال الاكتساب لا إلى مال مؤونة المعيشة فإذا وقع التلف أو الخسارة في رأس مال الاكتساب فهنا توجد صور:

الصورة الأولى أن يجعل رأس المنال في كسب واحد فقط من تجارة واحدة أو صناعة واحدة أو زراعة واحدة كما لو جعل ماله في خصوص صناعة السيارات أو في خصوص تجارة القماش أو في خصوص زراعة النخيل، فهذا مالٌ في صنف واحد من أصناف نوع التجارة أو الصناعة أو الزراعة.

الصورة الثانية أن يفرق رأس المال في أنواع من كسب واحد كما لو اختص بالتجارة لكن فرق ماله في تجارة الأقمشة وفي تجارة الحبوب وفي تجارة الخشب، أو في الزراعة فبعض المال صرفه في زراعة الحبوب والمال الآخر صرفه في زراعة النخيل، والمال الآخر صرفه في زراعة الفواكه والخضروات، وهكذا في الصناعة وبعض صرفه في صناعة السيارات والمال الآخر صرفه في صناعة البلاستيك والمال الآخر صرفه في صناعة مثلا الحديد أو الألمونيوم.

الصورة الثالثة أن يفرق رأس المال في أنواع من الاكتساب كان يجعل بعضه التجارة والبعض الآخر في الزراعة والبعض الآخر في الصناعة وما شاكل ذلك هذه صور ثلاث، وفي الصور الثلاث تارة يقع التلف وتارة تقع الخسارة فتكون الصور ستة.

وعلى كل تقدير تارة يقع التنلف أو الخسارة قبل حصول الرأس وأخرى يقع بعد حصول الربح فالمجموع اثنا عشر صورة ستة في اثنين اثنا عشر، وقد فصل السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوسطى في هذه المسألة أربعة وسبعين بين الصور الثلاث وتفصيله كما يلي:

أولاً حكم في الصورة الأولى بالجبران مطلقاً بلا فرق بين التلف والخسارة ولا بين إما إذا كانا متقدمين على الربح أو متأخرين عنه.

والظاهر عدم الخلاف في هذا الحكم إلا من بعض كالسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ حيث ذهب إلى أن الخسارة التي تقع بعد ظهور الربح هي التي تجبر لا الخسارة المتقدمة على ظهور الربح[1] .

ثانياً فصل السيد اليزدي في الصورة الثانية بين التلف والخسارة فقال بعدم الجبر في خصوص صورة التلف وبالجبر في صورة الخسارة على نحو الإطلاق.

ثالثاً في الصورة الثالثة توجد أقوال خمسة:

القول الأول ما اختاره السيد اليزدي في العروة الوثقى من عدم الجبر مطلقاً بلا فرق بين التلف والخسارة ولا بينما إذا كانا متقدمين على الربح أو متأخرين عنه، وفي مقابل قول السيد اليزدي توجد أقوال أخرى إذا هذا القول الأول.

القول الثاني الجبر في جميع الصور ويظهر هذا من عدة من الأعلام كالسيد البروجردي ـ رحمه الله ـ يراجع زبدة المقال في خمس الرسول والآل صفحة سبعة وثمانين السيد حسين البروجردي، والمحقق النائيني والسيد محسن الحكيم يراجع تعليقتهما على العروة الوثقى الجزء الرابع صفحة مئتين وخمسة وتسعين من التعليقات الخمسة عشر.

القول الثالث عدم الجبر مطلقاً إلا بالتجارة الواحدة أو الزراعة الواحدة ونحوهما في خصوص الخسارة دون التلف وهذا يظهر من صاحب الجواهر[2] .

القول الرابع التفصيل بين التلف والخسارة فيحكم بعدم الجبر في التلف مطلقاً ويحكم بالجبر في الخسارة مطلقاً كما يظهر من الشيخ مرتضى الأنصاري[3] .

القول الخامس التفصيل بين التلف والخسارة المتقدمين على الربح فلا جبر وبينما إذا كان متأخرين على الربح فيجبران، وقد ذهب إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي[4] .

وقد أجاد وأفاد شيخنا الأستاذ الداوري ـ حفظه الله ـ في بيان النكات المهمة التي يمكن أن تصلح أن تكون مدركاً أو توجيه لهذه الأقوال الخمسة فيراجع ما أفاده شيخنا الأستاذ الداوري في كتاب الخمس فقه أهل البيت الجزء الثاني صفحة مئتين وخمسة وعشرين إلى مئتين وسبعة وعشرين.

إذ قال ـ أيده الله ـ ما نصّه:

«والتحقيق في وجه الخلاف في ذلك هو انه بعدما ثبت بالأدلة أن موضوع الخمس هو كل فائدة وربح يحصلان للمكلف في أثناء السنة وأنه يجب على المكلف إخراج خمس الفائدة والربح هذا من جهة، ومن جهة أيضاً أخرى ثبت بالأدلة استثناء المؤونة وأن الخمس إنما يخرج بعد المؤونة سواء كانت المؤونة مؤونة الربح والاكتساب مؤونة المعيشة ومصارف فإنه ينظر في نحو لحاظ الملاك في الجبر، فسبب تعدد الأقوال يرجع إلى الاختلاف في لحاظ الملاك في الجبر، فما هو المعيار والملاك المعتبر في تحقق الجبر؟

يمكن أن يذكر للجبر أحد ثلاثة أمور تصلح كملاك للجبر:

الأول التعميم في الربح والفائدة بأن يكون الملاحظ في الفائدة هو مجموع أنواع الكشف في عام واحد، فيحسب الربح بالنسبة إلى المجموع لا بالنسبة لكل عنوان مستقل فإنه لا يقال عرفاً لمن ربح في الصناعة وخسر في الزراعة مثلاً إنه ربح وأفاد في هذا العمل لأن العرف يرى أن جميع صرفه هو أنواع اكتسابه في طريق واحد وهو تحصيل الفائدة والرفع فلو ربح في أحدهما وخسر في أخرى فهم لا يرون صدق الربح أو الاستفادة.

الثاني التعميم في المؤونة بأن يقال إن مؤونة التجارة مثلاً وهي ما يصرف في سبيل تحصيل الربح لا تنحصر في تجارة واحدة بل المقصود من مؤونة الاكتساب هو مجموع أنواع الكسب إذا كان الجميع في طريق واحد وهو طريق الربح والفائدة، والتلف أو الخسارة في أي منها يعد من مؤونة الاكتساب والربح سواء وقع الجبر من نفس هذا الكسب أو من نوع آخر منه فإذا صدق على التالف مؤونة العمل شمله إطلاق دليل الاستثناء.

إذا إما أن نلتزم بالتعميم في الربح والفائدة أو نلتزم بالتعميم في المؤونة أو نلتزم بالتعميم فيهما، فإذا قلنا بأحد الأمرين كان القول بالجبر مطلقاً قوياً فنقول: المدار على مطلق الربح و مطلق المؤونة في السنة الواحدة هذا يشمل كل التجارات والصناعات والإيجارات.

الثالث اختصاص الربح والفائدة بكل تجارة بخصوصها كما أن المؤونة المستثناة أيضاً مختصة بمؤونة نفس الربح والفائدة الحاصلة من التجارة بخصوصها ولا تشملوا مؤونة مؤونة تجارة أخرى لأنها لا تحسب من مؤونتها وعلى القول بهذا الملاك الثالث يختص الجبر بالصورة الأولى ومن ذلك يظهر الوجه في الحكم والصورة الثانية وفي الصورة الثالثة وسائر الأقوال.

والحاصل: إن الملاك في الخلاف في هو إما التعميم في الربح والفائدة وعدمه أو التعميم في المؤونة وعدمه وإما القول باختصاص الربح والمؤونة بتجارة خاصة أو صناعة خاصة أو صنف خاص منهما.

والفرق بين التعميمين واضحٌ ففي الفرض الأول وهو التعميم في الربح والفائدة لو افترضنا الشك في الملاك الأول وهو صدق الربح والفائدة وعدمه كان المرجع أصالة البراءة لأنه شكٌ في وجوب أداء الخمس نشك في تعلق الخمس بهذا المال، هل يصدق عليه أنه ربح أو لا؟ فيصير شك في التكليف ومرجعه البراءة الشرعية رفع عن أمتي ما لا يعلمون.

وأما إذا فرض الشك في الملاك الثاني وهو تعميم المؤونة وأنها هل تشمل أو لا؟ هل المؤونة خاصة بخصوص مؤونة هذه التجارة؟ أو المؤونة تشمل مطلق المؤونة من تجارات وصناعات؟

فحينئذٍ مقتضى الأصل هو الاحتياط والاقتصار على القدر المتيقن من المؤونة إذا شكينا ما نلتزم بمطلق المؤونة وإنما نأخذ بالقدر المتيقن.

إذاً لا بد من ملاحظة الأدلة والروايات الشريفة أولاً وملاحظة العرف ثانياً فإذا لم يثبت من الأدلة الشرعية يصلح لاستظهار العموم أو الاختصاص فلا بد من الرجوع إلى العرف لنرى أن الروايات والعرف هل يدلان على التعميم أو يدلان على التخصيص؟

وقد استظهر شيخنا الأستاذ التعميم من عدة روايات شريفة تحقيق هذا المطلب يأتي عليه الكلام.

 


[1] المستند في شرح العروة الوثقى، ص283.
[2] جواهر الكلام، ج16، ص61.
[3] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ص212 و 213.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص283.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo