< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وسبعون: الأدلة على أن تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة في المالية

 

الأدلة على أن تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة المالية، ويمكن الاستدلال على أن الشركة هي بنحو الشركة في المالية بوجوه أربعة كلها ليست تامة، وهي كما يلي:

الوجه الأول ظهور أدلة تشريع الخمس من الآية الكريمة والروايات الخاصة حيث عبر فيها عن متعلق الخمس الغنيمة أو الربح أو الفائدة أو المال، ويستفاد من هذه التعابير أن المقصود بالذات ليس الخصوصيات العينية الخارجية للشيء بل المقصود حيثية الفائدة والربح والمالية.

وعنوان الربح والفائدة متقومٌ بمالية العين لا بخصوصياتها العينية الشخصية فالشركة الحاصلة بين صاحب الخمس ومالك العين إنما هي الشركة في المالية فقط بمقتضى ظهور هذه الأدلة.

إذا تبقى ملكية المالك للخصوصيات العينية ولا يشترك معه أرباب الخمس، ولا أقل من الشك فإذا شككنا فمقتضى الأصل الاقتصار على القدر وهو الأقل أي اشتراك أرباب الخمس مع المالك في خصوص مالية العين فقط، وأما لخصوصيات العينية فتبقى من حق المالك.

وفيه: إن هذه الاستفادة إنما تصلح إذا لم يكن المقصود من عنوان الغنيمة والفائدة والربح وغير ذلك ذكر الجامع لما يكتسب، ولكن يظهر منها هذه العناوين المختلفة أنها ذكرت في مقام بيان جامع الفائدة أو ما يكتسب، لذلك ذكرت الغنيمة أو كل ما أفاد الناس.

والشاهد على ذلك: أنه عد في بعض الروايات الأشياء التي يتعلق بها الخمس بخصوصها كما في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها حيث ذكر فيها مصاديق عديدة.

كما أن الموضوعات المختلفة للخمس في غير مورد أرباح عبر عنها بالجامع بين أفرادها المختلفة كعنوان المعادن والكنوز والغوص والمال الحلال المختلط بالحرام، ولم يتوهم أحد أن لهذه التعابير دخلاً في الشركة وفي كيفية التعلق، فكذا المقام لاشتراك في كيفية تعلق الخمس.

هكذا ناقش الوجه الأول شيخنا الأستاذ الداوري[1] .

أقول ظاهر الأدلة المختلفة من آية الغنيمة وروايات خمس أرباح المكاسب هو تعلق الخمس بالعين بنحو الإشاعة، ولسان الروايات المخالفة لذلك والتي قد يدعى أنها ظاهرة في الشركة في المالية أو الكلي في المعين لا تنافي ظهور الروايات الظاهرة في الشركة بنحو الإشاعة فنتمسك بظاهر الروايات الظاهرة في الشركة بنحو الإشاعة ولا نرفع اليد عن هذا الظهور إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك.

وما ذكر في الوجه الأول أشبه بالاجتهاد في مقابل النص كما صرح بذلك الشيخ محمد الجواهري في الواضح في شرح العروة الوثقى الجزء السادس كتاب الخمس فما ذكر أشبه بالاستحسان الذي لا يرقى إلى مرتبة الظهور الذي يوجب رفع اليد عن ظهور الآية والروايات في الشركة بنحو الإشاعة.

فالوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني إن الشركة في مالية العين هو مقتضى بدلية الخمس عن الزكاة فإن ظاهر بعض نصوص الزكاة وإن كان هو الشركة بنحو الإشاعة كقوله ـ عليه السلام ـ : «في كل أربعين شاة شاة»[2] .

فظاهرها الإشاعة بأن يكون كل فرد من تلك الأموال مشتركاً بين المالك والفقير بحيث تدفع من كل أربعين شاة شاة واحدة.

لكن هناك طائفة أخرى من أدلة الزكاة تأبى عن إرادة الشركة بنحو الإشاعة أو الشركة بنحو الكلي في المعين، ويتعين حملها على الشركة في المالية مثل قوله ـ عليه السلام ـ : «في خمس من الإبل شاة»[3] .

فلو كانت الشركة بنحو الإشاعة لكانت الزكاة من سنخ العين التي أخرج منها الزكاة وهي الإبل لكن الزكاة صارت شاة وهذا لا ينسجم مع القول بالشركة بنحو الإشاعة أو الكلي في المعين وإنما الشاة التي تخرج زكاةً تنسجم مع مبنى الشركة في المالية، وغير ذلك من الفروض التي تذكر فيها الزكاة مباينة للعين الزكوية كالحقة وابن اللبون وغير ذلك.

فلا بد من رفع اليد ظهور بعض الأدلة الظاهرة في الشركة بنحو إشاعة وحملها بمقتضى الطائفة الثانية من الروايات على الشركة بنحو المالية هذا في كتاب الزكاة.

وأما في كتاب الخمس فظاهر بعض النصوص فيه هو الشركة بنحو الإشاعات أو الكلي في المعين لكننا نحمل الشركة في الخمس على الشركة في المالية بمقتضى البدلية وكون الخمس بدلاً عن الزكاة فيكون الخمس نظير شركة الزوجة في استحقاقها الإرث من البناء والأشجار والآلات فهي تشترك في القيمة لا في العين إذ أن الزوجة لا ترث من الأرض بل ترث من الأعيان وتقوم هذه الأعيان من بناء وأشجار وآلات وتشترك مع سائر الورثة في قيمة الأعيان فإرث الزوجة من باب الشركة في المالية لذلك يصح أن تعطى من مال آخر من قيمة حصتها في الإرث، فالخصوصيات العينية في زوجة لا دخل لها فكذلك الخمس.

وفيه أولاً الدليل ثبوت بدلية خمس عن الزكاة ضعيف فهو ليس بتام.

وثانياً لو فرضنا ثبوت البدلية فهي لا تثبت البدلية في جميع الأحكام بل تثبت البدلية في خصوص أصل الحق وهذا هو القدر المتيقن، وأما بقية الخصوصيات والأحكام فإثباتها يحتاج إلى دليل.

وثالثاً قد قام الدليل على العكس فالآية والروايات التي ظاهرها الشركة في العين بنحو الإشاعة تنفي الشركة في المالية فلا يتم الوجه الثاني.

الوجه الثالث إن الخمس كالزكاة نوع من الضرائب والميزانيات الإسلامية العامة، والمركوز عند العرف والعقلاء أنها تجعل بلحاظ مالية الأموال الخارجية لا خصوصياتها العينية بل إن تلك الخصوصيات العينية قد لا تكون مفيدة عادة لتلك الجهات والمصالح فهذا الارتكاز العرفي الواضح يوجب استفادة الشركة في المالية من أدلة الخمس والزكاة ونحوهما من الضرائب العامة وإن كان ظاهر النصوص فيها قد يدل على الشركة الحقيقية من الإشاعة أو الكلي في المعين.

وفيه هذا الاستظهار يرجع إلى رفع اليد عن ظواهر أدلة الخمس والزكاة، ومن الواضح أن أدلة الخمس ظاهرة في الشركة في العين بنحو الإشاعة لا بنحو الشركة في المالية فقط، ورفع اليد عن هذا الظهور يحتاج إلى دليل.

وما ذكر من الارتكاز وأن الضرائب كالخمس والزكاة والخراج وغيرها من الضرائب إنما شرع بلحاظ مالية الأموال الخارجية لا الخصوصيات العينية هذه الدعوة تحتاج إلى ضرس قاطع، فمن قال إن جميع الضرائب المالية على نسق واحد فمن الضرائب والميزانيات ما لا يقبل الدفع من غير النقدين كزكاة النقدين ومنها ما يقبل الدفع من الغير فهذا الوجه أشبه بالقياس والاستحسان ولا يوجب رفع اليد عن ظهور أدلة الخمس في الشركة في العين بنحو الإشاعة.

الوجه الرابع إنه يجوز دفع القيمة بدل العين في الخمس كالزكاة، وهذا ما ورد به النص في الزكاة، ويتعدى إلى الخمس أيضاً كما سيأتي والحكم متسالم عليه بين الأصحاب، ولعل السيرة القطعية المتصلة بزمان الأئمة ـ عليهم السلام ـ قائمة على ذلك فقد ورد في صحيحة مسمع بن عبد الملك أنه أتى بثمانين ألف درهم إلى الإمام ـ عليه السلام ـ ، وقال بأنه خمس ماله الذي أصابه من الغوص وقرره الإمام ـ عليه السلام ـ على ذلك وهذا مما يدل على أن المقصود من الشركة عند العرف هي الشركة في المالية كما أن عمل العرف على أن الشركة في المال لا في نفس العين.

وفيه إن جواز دفع القيمة لعله كان من باب الإذن العام والتسهيل على المالكين وربما يشعر بذلك قوله ـ عليه السلام ـ في صحيحة البرقي «أيما تيسر يخرج»[4] .

إذا هذا الوجه الرابع لا يدل على الشركة في المالية.

والنتيجة النهائية:

إن الوجوه الأربعة لا تصلح للتصرف في ظواهر الأدلة التي يظهر منها الشركة في المالية والعين معاً، وهذه الوجوه لا توجب صرف هذه الأدلة إلى الشركة في خصوص المالية دون العين، فينتفي هذا الاتجاه وهو أن الشركة بنحو الشركة في المالية فقط دون العين ويبقى الاتجاهان الآخران وهو في الشركة بنحو الإشاعة الذي هو مقتضى الظهور الأولي للآية والروايات والشركة بنحو الكلي في المعين فلا بد من بحث الأدلة التي تقام على أن تعلق الخمس بالعين بنحو الكل في المعين.

فإن تمت قلنا به وإن لم تتم كما هو الصحيح سيتضح أن الصحيح هو حمل الروايات والآية والأدلة على أن تعلق الخمس بالعين من باب الشركة بنحو الإشاعة فينتفي القول بأنها بنحو الحق أو بنحو الشركة في المالية، وقد مضى الحديث عليهما وسيأتي الحديث عن الشركة بنحو الكل في المعين وسيتضح أنه ليس بصحيح والصحيح ما ذهب إليه سيد أساتذتنا السيد الخوئي[5] ، من أن ظاهر الأدلة في الخمس هو أن تعلق الخمس بالعين بنحو الشركة على نحو الإشاعة.

الأدلة التي أقيمت على أن تعلق الخمس بالعين بنحو الكلي في المعين يأتي عليه الكلام.


[1] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص258.
[2] وسائل الشيعة، ج9، ص116، الباب6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.
[3] مستدرك الوسائل، ج7، ص60، الباب2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.
[4] الكافي، ج3، ص550، كتاب الزكاة، باب الرجل يعطي عن زكاته الغوص، الحديث 1.من لا يحضره الفقيه، للصدوق، ج2، ص32، الحديث 1625.تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص380، الحديث 270.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص167، الباب14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 1.وأيضاً هذه الرواية في نفس الوسائل، ج9، ص192، الباب9 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.
[5] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص293.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo