< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثلاثة وسبعون: جواز دفع غير قيمة الخمس جنساً أو منفعةً

 

المقام الثاني جواز دفع غير قيمة الخمس جنساً أو منفعة، سواءً كان الجنس مماثلاً لجنس الشيء الذي أخرج منه الخمس أو غير مماثل، وهنا قولان:

الأول الجواز، وقد ذهب كثيرٌ من الفقهاء إلى أنه كما يجوز إخراج قيمة الخمس كذلك يجوز إخراجه من جنس آخر، وقد ذهب إلى ذلك صاحب العروة الوثقى ومن وافقه من الأعلام كالمحقق العراقي والمحقق النائيني والسيد حسين البروجردي وغيرهم[1] .

القول الثاني عدم الجواز فقد استشكل جملة من الأعلام كالسيد الإمام الخميني والسيد أبو القاسم الخوئي وجملة من تلامذته كالسيد التقي القمي[2] .

وهذا القول ظاهره كل من قال بعدم جواز إخراج الجنس الآخر الجنس المماثل في الزكاة كما عن الذخيرة والمدارك[3] .

هذا تمام في بيان القولين في المسألة.

مدرك المسألة:

لم يقم دليل خاص على جواز إعطاء الخمس من آخر غير العين والقيمة فالحكم بجواز إخراج الجنس يبتني على أحد وجهين:

الوجه الأول القول بأن الخمس حقّ في الذمة لا العين أو أنه حقّ قائم بالعين فالخمس لا يتعلق بالعين بنحو الشركة والإشاعة أو بنحو الشركة في المالية أو بنحو الكلي في المعين.

وقد تقدم ضعف هذا القول فنحن لا نبني على أن الخمس يتعلق بالذمة لا بالعين بل نبني على أنه يتعلق بالعين وإذا تعلق بالعين فإنه لا يثبت بنحو الحق وإنما يثبت بنحو الشرك على نحو الإشاعة فالوجه الأول ليس بتام عندنا.

الوجه الثاني إلحاق الخمس بالزكاة فكما أنه يجوز في الزكاة أداؤها من جنس آخر كذلك يجوز في الخمس، وهذا يتوقف على ثبوت أحد أمرين:

الأول أن يكون الخمس بدلاً عن الزكاة وهذا لم يثبت.

الثاني إثبات جواز الاكتفاء بجنس آخر في الزكاة كما نسب إلى الأصحاب بل عن الخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه وإن كان المستفاد من عبارة الغنية غير ذلك[4] .

ويمكن أن يستدل على جواز إخراج الخمس من الجنس الآخر بأدلة ثلاثة:

الدليل الأول الاستدلال بصحيحة البرقي المتقدمة قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه السلام ـ هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة والشعير؟ وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شيء ما فيه؟

فأجاب ـ عليه السلام ـ أيما تيسر يخرج»[5] .

تقريب الاستدلال:

التمسك بقوله ـ عليه السلام ـ : «أيما تيسر يخرج» وهذا يشمل إخراج الخمس من نفس العين أو من قيمة العين أو من جنس إما مماثل للعين أو مغاير للعين فإنه هذا هو المتيسر.

وفيه: إن ظاهر قوله ـ عليه السلام ـ : «أيما تيسر يخرج» بقرينة السؤال ناظر أن الإمام ـ عليه السلام ـ ناظرٌ إلى الخمس الذي يخرج إما من العين أو القيمة بمعنى أن أي من العين أو القيمة تيسر فإن للسائل إخراجه هذا هو القدر المتيقن إذ أن الإمام ـ عليه السلام ـ أجاب على سؤال السائل فلا يمكن أن نتمسك بهذا الإطلاق.

ولا أقل من الإجمال فنشك في شمول قوله ـ عليه السلام ـ : «أيما تيسر يخرج» لـمورد إخراج الجنس فلا يمكن استفادة العموم من الصحيحة ولا يمكن الاستدلال بها.

الدليل الثاني التمسك بما ورد في قرب الإسناد للحميري بسنده المعتبر عن يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثياباً وطعاماً وأرى أن ذلك خير لهم. فقال: لا بأس»[6] .

تقريب الاستدلال:

أن الإمام ـ عليه السلام ـ نفى البأس عن دفع الجنس في الزكاة فالسائل سئل عن لزوم دفع الزكاة نقداً أو جواز دفع الثياب والطعام وغيرهما من الأجناس.

وفيه: إن الظاهر من الروايات أن شراء الثياب والطعام كان بعد إخراج الزكاة وتعين الزكاة في القيمة فإن السائل قد قال: «فاشتري لهم منها» أي أن قيمة الزكاة كانت حاضرة ومتعينة، والسائل يسأل هل يلزم أن ادفع الزكاة بعينها أم يجوز لي أن اشتري منها أجناساً تكون أنفع لهم كالطعام أو الثياب؟

فحينئذ تكون هذه الرواية خارجة عن محل الكلام فإنه لا إشكال في جواز تبديل الزكاة بالقيمة كما لا إشكال في عدم جواز التصرف في قيمة الزكاة وتبديل هذه القيمة إلى أعيان إلا بعد إجازة أرباب الزكاة أو ولي الزكاة، ولذلك استجاز السائل من الإمام ـ عليه السلام ـ في التصرف في الزكاة والشراء لأطفال المسلمين منها وأجازه الإمام ـ عليه السلام ـ لأنه كانت المصلحة لعيال المسلمين في أن يشترى لهم الطعام أو الثياب من القيمة فهذه الرواية خارجة عن محل الكلام، وهذه الرواية قد جرت على طبق القاعدة.

الدليل الثالث التمسك بإطلاق ما ورد من جواز احتساب الزكاة من الدين كما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن الأول ـ عليه السلام ـ» الإمام الكاظم «عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن ادعه واحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم»[7] .

فالسائل وهو عبد الرحمن بن الحجاج يقول: قد أدنت بعض من يستحق الزكاة ولا قدرة لهم على أداء الزكاة، فهل يجوز أن احتسب الزكاة من هذا الدين وأسقط عنهم هذا الدين؟ فأجابه الإمام الكاظم ـ عليه السلام ـ بقوله: نعم.

وفيه: إن الدين الذي يكون على ذمة الدائن له صور ثلاث:

الأولى أن يكون مالاً أي من النقدين.

الثاني أن يكون جنساً مماثلاً للمال الزكوي كما لو كان غنماً أو بقراً أو تمراً أو زبيباً.

الثالث أن يكون جنساً غير مماثل للمال الزكوي كما لو كان طابوقاً أو إسمنت.

وهنا نقول بالنسبة إلى الاحتمال الأول وهو أن يكون الدين مالاً أي من النقدين فاحتساب الزكاة عنه واضحٌ وجائزٌ.

وأما الاحتمال الثاني وهو أن يكون الدين جنساً من نفس جنس المال الزكوي فلا إشكال في جواز دفع الزكاة بجنس مماثل والاكتفاء به وهذا الحكم محل الاتفاق والتسالم بين الفقهاء ولم يخالف فيه إلا شاذٌ من الأصحاب في خصوص الزكاة.

وأما الاحتمال الثالث وهو أن يكون جنساً غير مماثل للمال الزكوي فحينئذ يحسب كل جنس بقيمته أي يحسب جنس الدين ويحسب جنس الزكاة فتلحظ قيمة كلا الجنسين ثم يقاس ذكل على المديون بمقدار القيمة فحينئذ يكون الإخراج بالقيمة لا بالجنس فيكون خارجاً عن محل بحثنا.

إذا هذه الرواية بناءً على الصور الثلاث المحتملة للمسألة تكون خارجة عن محل الاستدلال فلا يتم الاستدلال بهذه الرواية على جواز إخراج غير الجنس في الزكاة.

ولم يبق في البين إلا التمسك بالإجماع أو الشهرة فإن تم ذلك فبه ونعمت، لكن آنا لنا أن نحصل دعوى الإجماع على هذه المسألة، والالتزام بدعوى وجود شهرة عملية أو سيرة متشرعية على جواز إخراج الجنس تحتاج إلى ضرس قاطع ولا يمكن الجزم بذلك.

ومقتضى القاعدة عدم جواز التبديل بجنس آخر في الزكاة فإذا سقط العرش سقط النقش فلم يثبت هذا في الزكاة فكيف نعديه ونسريه إلى الخمس؟! فظهر عدم تمامية الدليل على جواز إعطاء الجنس في الخمس، ولم ينهض دليل يدل على ذلك، ومقتضى القاعدة بناءً على القول بأن الشرك في الخمس بنحو الإشاعة وعدم جواز إعطاء الجنس عيناً أو منفعة مطلقاً سواء كان الجنس مماثلاً أو مغايراً، والله العالم.

ومن هنا فإن استشكال السيد الإمام الخميني ـ رحمه الله ـ في تعليقته على العروة الوثقى وكذلك استشكال السيد أبو القاسم الخوئي وجملة من تلامذته كالسيد تقي القمي وأخيه السيد حسن القمي وجملة من الأعلام في محله.

وقد ثبت لدينا جواز إخراج الخمس من العين التي ثبت فيها الخمس أو من قيمتها المالية بحيث تخرج نقداً أما أن يخرج الخمس من جنس آخر مماثل أو غير مماثل فلم يقم الدليل على ذلك ولم يثبت لدينا والجواز يحتاج إلى دليل والدليل مفقود في المقام، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الحكم الثاني.

يبقى الكلام في الحكم الثالث جواز التصرف في العين قبل أداء الخمس يأتي عليه الكلام.


[1] العروة الوثقى، التعليقات الخمسة عشر، ج4، ص296 و 297.
[2] العروة الوثقى، ج12، ص266 و 267.المستند في شرح العورة الوثقى، تقرير بحث السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص286.
[3] ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري، ص446 إلى 450.مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، ج5، ص92.
[4] غنية النزوع، ج1، ص126.كتاب الخلاف، الشيخ الطوسي، ج2، ص50، المسألة 59.
[5] وسائل الشيعة، ج9، ص167، الباب14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 1.
[6] قرب الإسناد، ص49، الحديث 159.وسائل الشيعة، ج9، ص168، الباب14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 4.
[7] الكافي، ج3، ص549، باب قصاص الزكاة بالدين، الحديث 1.وسائل الشيعة، ج9، ص295، الباب46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2، مع اختلاف يسير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo