< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وستة وسبعون : لو حصل من الربح الأول ربح آخر قبل انتهاء السنة

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ ـ رحمه الله ـ ـ في الوثقى مسألة سبعة وسبعين:

«إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالإتجار، وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح منه لأرباب الخمس بخلاف ما إذا إتجر به بعد تمام الحول فإنه إن حصل ربحٌ كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه مضافاً إلى أصل الخمس فيخرجهما أولاً ثم يخرج خمس بقيته إن زادت على مؤونة السنة».

توضيح المسألة:

إذا حصل للمالك ربحٌ في ابتداء السنة أو في أثنانها وانتهت السنة فلا إشكال في عدم جواز التصرف في ذلك الربح الذي تعلق به الخمس بعد انتهاء السنة سواء كان التصرف بالصرف في المؤونة أو الإتجار أو غير ذلك فلا يجوز له التصرف في المال إلا بعد إخراج الخمس وإعطائه إلى أربابه.

ولكن لو استجاز من الحاكم الشرعي، وقال له: قد ثبت الخمس في مالي فأجزني أن أتاجر به وأجازه الحاكم الشرعي فحينئذ يكون الربح الحاصل مشتركاً بين المالك وأرباب الخمس، ويوزع بينهما بالنسبة كسائر الأموال المشتركة، فمقدار الخمس وربحه يكون للحاكم الشرعي وأرباب الخمس وأربعة الأخماس وربحها تكون للمالك، وإذا لم يجز الحاكم الشرعي فالمعاملة باطلة بالنسبة إلى مقدار الخمس.

هذا تمام الكلام فيما إذا حال الحول وانتهت السنة.

ولكن إذا لم تنتهي السنة فلا شك ولا ريب في جواز التصرف في المال قبل تمام الحول كالصرف في المؤونة.

وإنما وقع الكلام فيما إذا إتجر بالمال وربح فهل هذا المال الذي تاجر به وربح منه في أثناء السنة يقسم بينه وبين أرباب الخمس بالنسبة كما هو الحال في الأموال المشتركة؟ أو يكون الربح بتمامه للمالك لأن السنة لم تنتهي ويتعلق به الخمس كسائر الأرباح؟

وقد ضرب صاحب الجواهر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ مثالاً واشتهر ونقل في الكتب الفقهية، وهنا يوجد قولان:

القول الأول يثبت عليه الخمس ولا يجوز له التصرف.

القول الثاني لا يثبت الخمس.

ولنأخذ هذا المثال الذي ذكره صاحب الجواهر، وهو:

ما إذا ربح في أول السنة ستمائة دينار، وكانت مؤونته مائة دينار فعزلها، فيبقى له خمسمائة دينار، ويكون خمسها وهو مائة لأرباب فإذا إتجر بهذه الخمسمائة وربح خمسمائة أخرى.

فعلى القول الأول يكون لأرباب الخمس مائتان وثمانون ديناراً لأن المائتين هو الخمس من الربح الأول والربح الثاني، والثمانين هي خمس الأربعمائة التي كانت ربحاً ثانياً للمالك.

وأما على القول الثاني فيكون لأرباب الخمس مائتا دينار فحسب حيث إن الربح الثاني وهو خمسمائة دينار كلها للمالك، وخمسها يكون مئة دينار فمع انضمامها إلى خمس الربح الأول وهي ماء دينار فيكون المجموع مائتين.

وقد نقل صاحب الجواهر هذا القول عن بعضٍ[1] بل ذكر صاحب الجواهر في رسالته العملية نجاة العباد أنه أحوط إن لم يكن أقوى[2] .

الخامس ما يفضل عن مؤونته له ولعياله، والسيد الإمام الخميني أول رسالة عملية طبعت له في بداية مرجعيته رسالة نجاة العباد بالفارسية موجودة لعل الكثير من الطلبة ما يعرفون، لكن أول أول ما طرح مرجعيته طبع له رسالة نجاة العباد تيمناً باسم رسالة صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ والسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ عبر عن هذا القول الأول قال: ومال إلى الأول ـ القول الأول ـ صاحب الجواهر، فاستفاد من عبارة الجواهر أن صاحب الجواهر يميل إلى القول الأول[3] .

هذا القول الأول.

واختار الشيخ الأنصاري ـ رحمه الله ـ وجملة من المتأخرين ومنهم صاحب العروة القول الثاني[4] .

ومنشأ القولين هو أن خمس الربح الأول بما أنه صار ملكاً لأرباب الخمس إذ أن الخمس يتعلق بالشيء بمجرد ظهور الربح، وإن لم يجب التعجيل في إخراج وأداء الخمس، لكن الخمس قد تعلق بالفائدة، وإن لم يجب إعطاء الخمس لمستحقه قبل تمام السنة.

ومقتضى القاعدة تبعية النماء للأصل، وبما أن أصل المال قد ثبت فيه الخمس فإذا الربح المترتب على هذا الخمس أيضاً يكون لأرباب الخمس.

وبالتالي يصبح الربح الثاني مشتركاً بين أرباب الخمس وبين المالك بالنسبة، هذا نظير الربح الحاصلل للمال المشترك بين مالكين هذا هو منشأ القول الأول.

ومنشأ القول الثاني رفع اليد عن هذه القاعدة في المقام إما تخصصاً وإما تخصيصاً.

الأول الرفع التخصصي.

فيقال: إن قاعدة تبعية النماء للأصل إنما تجري فيما إذا لم يكن مستحق ممنوعاً من التصرف في المال، فإذا كان حق التصرف في المال إنما هو لخصوص الذي بيده المال وهو المالك دون المستحق، فالقاعدة لا تجري في مثل هذا المورد، خصوصاً إذا كان لذي اليد حق التصرف في المال بل حق في إتلافه إذ أنه مالك له.

الثاني الرفع التخصيصي.

فيقال: على فرض القول بعمومية قاعدة النماء للأصل وأنها تجري بشكل مطلق من دون فرق بينما إذا كان للمستحق حقّ التصرف أو لم يكن له ذلك لكن لابد من القول بخروج المورد عن هذه القاعدة لوجود الدليل على ذلك، ويمكن أن يذكر وجهان للتخصيص والخروج عن القاعدة:

الوجه الأول التمسك بالسيرة القطعية.

فيقال: قد استقر عمل المتشرعة على ملاحظة مجموع الأرباح في آخر السنة وجعلها كربح واحد لا ملاحظة كل ربح على حدة والتقسيط والتوزيع ثم إخراج الخمس عن الباقي لأن ذلك إذا لم يكن متعذراً فهو متعسرٌ وحرجي قطعاً فإنه قد يتفق لشخص في يوم واحد تجارات متعددة فضلاً عن الشهر الواحد أو السنة فتفكيك الأرباح وتوزيعها بالنسبة إلى الربح السابق أمرٌ صعب جداً.

الوجه الثاني التمسك بما يظهر من الروايات الشريف الدالة على أن الخمس بعد المؤونة كصحيحة علي بن مهزيار التي يقول الإمام ـ عليه السلام ـ في إحداهما: «الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله»[5] .

وفي أخرى «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»[6] وغيرهما من الروايات فإن الظاهر منها أن المراد بالمؤونة هي مؤونة السنة الخارجة عن مجموع الأرباح لا مقدار المؤونة الخارج من بعضها حتى يجب دفع تمام بعضها الآخر باعتبار أنه ربح مثلاً وهكذا.

ويمكن الاستدلال أيضاً بمعتبرة أبي بصير المتقدمة فقد ورد فيها «السؤال عن الفاكهة يأكلها العيال ويبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، فهل عليه الخمس؟ فكتب ـ عليه السلام ـ أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو كسائر الضياع»[7] .

وكذلك يمكن التمسك بمعتبرة الريان بن الصلت المتقدمة قال: «كتبت إلى أبي محمد ـ عليه السلام ـ ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب ابيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى»[8] .

فالإمام ـ عليه السلام ـ حكم بالخمس في ثمن ما تعلق به الخمس بعد الإتجار والبيع.

والظاهر والله العالم أن القول الثاني هو الصحيح وفاقاً لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[9] ـ رحمه الله ـ .

المسألة ثمانية وسبعين: نقل الخمس إلى الذمة

قال صاحب العروة:

«ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثم التصرف فيه كما أشرنا إليه. نعم، يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم وحينئذ فيجوز له التصرف فيه ولا حصة له من الربح إذا إتجر به ولو فرض تجدد مؤون له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح».

هذه المسألة لها تفسيران وشرحان، والمشهور هو الشرح الأول.

التفسير الأول إن مراد السيد اليزدي ـ رحمه الله ـ أنه ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته بعد انتهاء السنة والحول واستقرار الخمس عليه فلا يجوز له التصرف في المال بعد حلول السنة، ولا يجوز له الإتجار به. نعم، يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم الشرعي فبعد المصالحة أو المداورة يجوز له التصرف.

وإذا إتجر به بعد المصالحة وربح فالمال كله له فليس في مقابل الخمس حصة من الربح لفرض أن الخمس صار ملكاً للمالك بمقتضى المصالحة فلا يكون للخمس حصة من الربح، وهذا الحكم واضح، وهذا هو الظاهر من عبارة الماتن وتعليق الأعلام عليها إذ أن أكثر المحشين على العروة هكذا فهموه.

لكن هذا التفسير الأول لا يلائم قول صاحب العروة بعد ذلك «ولو فرض تجدد مؤون له في أثناء الحول» فالتفسير الأول يلحظ بعد الحول لا أثناء الحول، وظاهر هذا الذيل أن المصالحة كانت واقعة في أثناء الحول لا بعد انتهائه.

لكن يمكن توجيه هذا الذيل بأن يكون المقصود هو اكتشاف مؤون كانت في أثناء الحول السابق ولم يعلم بها، كما أن الربح لا يقوم بها، وحينئذ يحكم بفساد مصالحة للكشف عن عدم وجود معوض في البين يعني لم تكن في مقابل عوض بعد.

وهذا التوجيه وإن كان صحيحاً في نفسه إلا أنه خلاف ظاهر العبارة جداً لأن العبارة صريحة في تجدد المؤونة أثناء السنة لا الكشف عن مؤونة سابق في سنة المصالحة.

ولذلك حملت هذه العبارة وهذا الذيل على أنه وقع سهواً من قلمه الشريف، وهكذا قال السيد الخوئي[10] ـ رحمه الله ـ قال: هذا سهو من قلمه الشريف، لأن هذا الذيل وهو تجدد المؤون أثناء السنة لا يرتبط بما في صدر المسألة وهو ثبوت الخمس بعد انتهاء السنة، فنتمسك بظاهر الصدر ونحمل ظاهر الذيل المخالف لظاهر الصدر على الاشتباه والسهو.

التفسير الثاني أن يكون مقصود صاحب العروة ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته في أثناء الحول ثم يتصرف فيه ويتجر به على أن يكون تمام الربح له. نعم، يجوز نقله في الذمة مع المصالحة في أثناء السنة ولو تجددت له مؤون أثناء السنة ولا يقوم بها الربح كشف ذلك عن فساد الصلح، لأن الصلح لم يقع في مقابل العوض لأن المال ضمن المؤونة المستثناة.

ولكن هذا التفسير يواجه بإشكالين مهمين:

إشكال الأول إن جواز التصرف هو الإتجار بالربح أثناء الحول وكون الربح له لا يتوقف على الإجازة والمصالحة مع الحاكم الشرعي بل هذا الجواز أمر متسالم عليه بين الفقهاء. نعم، لا يجوز له التصرف بعد انتهاء السنة.

الإشكال الثاني إن المصالحة لا تكون صحيحةً نظراً لعدم ترتب أثر عليها فإن للمالك الولاية على التصرف ونقل الخمس إلى ذمته أو إلى مال آخر فلا وجه للمصالحة مع الحاكم الشرعي.

وقد أجيب عن الإشكال الأول بأن جواز التصرف وإن كان ثابتاً للمالك أثناء الحول إلا أنه إرفاقٌ وأما بعد المصالحة فيكون استحقاقاً وفرق بين الإرفاق والاستحقاق، ولذلك فإنه يترتب عليه بعد المصالحة عدم ضمان الخمس عند الخسارة وعدم وجوب التدارك، وإذا بقي إلى انتهاء السنة لم يتعلق الخمس بهذا المال.

وكذلك بالنسبة إلى كونه مالكاً للربح قبل المصالحة فإنه مورد للخلاف كما أشرنا إليه في المسألة السابقة ولكن بعد المصالحة فالربح له بلا خلاف.

ومن هذا الجواب على الإشكال الأول يظهر الجواب على الإشكال الثاني فإن المقصود بالمصالحة أن يكون الربح بتمامه للمالك على جميع المباني، فالقول بأن المصالحة ليس لها أثر ليس بصحيح، ولم يقم دليل على أن للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته أثناء الحول والمصالحة تحقق ذلك.

نعم، للمالك الولاية على نقل المال إلى مال آخر أو إلى القيمة هذا في أثناء السنة، وأما نقله إلى ذمته بحيث يكون ملكاً خالصاً له ويخرج عن تعلق الخمس به حتى مع بقائه إلى نهاية السنة فلا دليل عليه.

عموماً هذا التفسير الثاني لا يخلو من تكلف وخلاف ظاهر العبارة هذا ينسجم مع ذيل عبارة صاحب العروة ولا ينسجم مع صدر عبارة صاحب العروة فهذا التفسير خلاف الظاهر، لأن صدر عبارة صاحب العروة كالصريح في التفسير الأول، فالتفسير الأول هو الصحيح، وهكذا فهم أكثر المحشين على العروة الوثقى.

وبالتالي يحمل ما ورد في ذيل عبارة صاحب العروة على الاشتباه أو سهو القلم أو أن هناك سقط خصوصاً إذا نراجع سائر النسخ والمخطوطات لعله نجد شيئا آخر.

هذا تمام الكلام في هذا الأمر، والأمر سهل لأنه عبارة فقهية وليس رواية.

المسألة تسعة وسبعين تعجيل إخراج الخمس، يأتي عليه الكلام.


[1] جواهر الكلام، ج16، ص55.
[2] نجاة العباد، ص87.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص295.
[4] كتاب الخمس، الشيخ الأنصاري، ص281 إلى 283.العروة الوثقى، ج4، ص299.
[5] وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
[6] وسائل الشيعة، ج9، ص500، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
[7] وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
[8] وسائل الشيعة، ج9، ص504، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
[9] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25، ص296.
[10] المستند في شرح العروة الوثقى، ج25، ص297.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo