< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وسبعة وسبعون: تعجيل إخراج الخمس

 

تعجيل إخراج الخمس المسألة تسعة وسبعين من العروة الوثقى:

«يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة ولا يجب التأخير إلى آخرها فإن االتأخير من باب الإرفاق كما مرّ، وحينئذ فلو أخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظن، فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤون لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته خمساً، فله الرجوع به على المستحق مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده إلا إذا كان عالماً بالحال، فإن الظاهر ضمانه حينئذ».

يتطرق السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة إلى أنه لو أخرج الخمس ثم اتضح بعد ذلك أن المال الذي أخرجه ضمن المؤونة وليس زائداً على المؤونة، فإذا قدر المالك مؤونة السنة وأخرج الخمس خمس المال الزائد قبل انتهاء السنة، ثم ظهر له أن تخمينه وتقديره لم يكن صحيحاً لتجدد مؤون لم تكن له بالحسبان كما لو تزوج أو زوج ولده أو رمم داره التي خربت أو انهدمت، وهذه المؤون لم تكن في الحسبان حينما عجل بإخراج الخمس قبل انتهاء السنة وحلول الحول وسلم الخمس للمستحب، فما هو الحكم؟

توجد ثلاثة احتمالات:

احتمال الأول الرجوع على المستحق مطلقاً، فيجوز له أن يرجع إلى السادة أو الحاكم الشرعي لاسترجاع ما دفعه إليهم سواء بقيت العين أو تلفت.

الاحتمال الثاني ليس له الرجوع مطلقاً سواء بقيت العين أو تلفت، فإن الخمس قد وصل إلى مستحقه وقد خرج من يده.

الاحتمال الثاني التفصيل بين بقاء العين فيجوز له الرجوع على المستحق لاسترجاع العين وبين تلف العين، وعند تلف العين أيضاً يوجد تفصيل: فإن كان المستحق قد قبض العين وهو عالم بالحال فهو يعلم أن دافع المال سيحتاج إليه وأنه مشتبه ففي هذه الحالة يجوز للمالك أن يرجع عليه لأنه قد غرر به والمغرور يرجع على من غرر به.

بخلاف ما لو كان المستحق جاهلاً وليس بعالم فعند تلف العين لا يحق للمالك الرجوع على المستحق.

هذه احتمالات ثلاثة وإذا رجعنا إلى كلمات الأعلام نجد قولين:

القول الأول عدم الرجوع مطلقاً، واختاره الشهيد الثاني في المسالك[1] وقواه صاحب الجواهر[2] والشيخ مرتضى الأنصاري[3] والسيد أبو القاسم الخوئي[4] ، فقالوا: بأن المالك إذا سلم المستحق العين وقبضها لا يحق للمالك أن يرجع على المستحق حتى لو كانت العين باقية.

القول الثاني التفصيل بين بقاء العين فيجوز الرجوع وبين تلف العين فلا يجوز الرجوع إذا كان المستحق جاهلاً، وأما إذا كان عالماً فيجوز الرجوع عليه.

وقد ذهب إلى هذا التفصيل السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى وأغلب المعلقين على العروة الوثقى وهو القول المنصور والصحيح بنظرنا.

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال.

أدلة المسألة:

الأول وجه القول بالتفصيل.

بيانه:

إن الخمس وإن كان متعلقاً بالربح حين حصوله إلا أنه مشروطٌ على نحو الشرط المتأخر بعد صرفه في المؤونة إلى آخر السنة، فمع فرض تجدد المؤونة فإنه يكشف عن عدم تعلق الخمس به واقعاً فله استرجاعه مع بقاء العين إذ أن الخمس يتعلق بمجرد ظهور الربح لكن بشرط متأخر وهو أن لا يصرف في المؤونة فإذا تجددت المؤونة فإنها تكشف عن عدم كون ذلك الربح ربحاً أو عدم كونه ربحاً قد تعلق به الخمس.

وبالتالي إذا كانت العين باقية رجع المالك على المستحق لاسترجاعها ومع التلف فليس على ضمان لأنه مغرور قد غرر به إلا أن يكون المستحق الأخذ عالماً بالحال فإنه يحكم بضمان ما اتلف وأن وأن عليه البدل لأنه أخذه بغير استحقاق ومن اتلف مع لغيره فهو له ضامن.

هذا تمام الكلام في وجه التفصيل الثاني وجهه عدم مطلقاً، ويمكن أن يستدل له بوجهين:

الأول إن الظن والتخمين بمقدار المؤونة عند الدفع كافٍ في الحكم بوجوب الخمس وتعلقه، وقد أخذت ملاحظة المؤونة على نحو الموضوعية لوجوب الخمس لا على نحو الطريقية فلو قلنا إن لحاظ المؤونة أخذ كطريق فحينئذ يلزم انتفاء الخمس عند الخطأ في التخميس.

وقد يفهم أن الشيخ الأنصاري[5] ـ رحمه الله ـ استظهر الموضوعية من كلام الأصحاب حيث عبروا بأنه يجوز التأخير في أداء الخمس إلى آخر السنة احتياطاً للمكلف.

وقولهم احتياطاً للمكلف يدل ذلك فإنه إذا جاز له الرجوع مع مع تجدد المؤون فلا وجه للقول بجواز التأخير احتياطاً فالمكلف إذا علم أنه إذا دفع الخمس إلى المستحق ومتى ما تجددت له مؤونة جاز له أن يرجع إلى المستحق ويأخذ مقدار الخمس فلا معنى أن نقول له احتياطاً لا تعجل دفع الخمس بل آخر الخمس إلى نهاية السنة فما دام يضمن أنه يرجع إلى المستحق ويسترد الخمس فلا معنى للاحتياط بتأخير إخراج الخمس إلى نهاية السنة.

لكن هذا الوجه ضعيف جداً، ونذكر ملاحظتين:

الأولى إن ظاهر الأدلة التي ورد فيها استثناء المؤونة يفيد أنها المؤونة الواقعية في نفس الأمر لا المؤونة العلمية فضلاً عن المؤونة الظنية والتخمينية فإنها مجرد طريق والعبرة بما يستفاد من الأدلة لا ما يستفاد من تعبير الأصحاب فإن تعبيرهم بذلك لو افترضنا أنه يدل على المدعى لا يكون حجة في قبال ظاهر الروايات.

خصوصا أن خمس أرباح المكاسب وتفصيل هذه المسائل متداول بين المعاصرين أو متأخر المتأخرين والعبرة بتتبع كلمات الأصحاب القدامى، فالعبرة بكلام المتقدمين دون المتأخرين، وأتذكر أستاذنا سماحة آية الله الشيخ باقر الإيرواني كان يقول: لا داعي لإتعاب النفس بتتبع كلمات ومن بعده كما يفعل الشيخ مرتضى الأنصاري فهؤلاء من المتأخرين والعبرة في تتبع كلمات المتقدمين التي قد تكشف عن النص أو الدليل الشرعي.

الثاني يمكن أن يقال أن مقصود الأصحاب بالاحتياط بتأخير الخمس إلى السنة هو لحاظ الفرد الغالب وهو أن المخرج للخمس إذا سلم الخمس إلى المستحق ففي الغالب يصرف وتتلف عينه كما أنه في الغالب القابض والمستحق لا يعلم بحال الدافع وأنه قد اشتبه أو تجددت له مؤونٌ، ولا شك ولا ريب أنه لا يجوز الاسترداد في هذه الصورة، لذلك احتاطوا في تأخير دفع الخمس إلى نهاية السنة حتى لا يذهب هذا المال من كيس المالك المسكين.

إذا الوجه الأول ليس بتام.

الوجه الثاني أن يقال إن الحكم بجواز التأخير حكمٌ تكليفي محض، وأما الحكم الوضعي وهو تعلق الخمس بالربح فهو فعلي حين حصول الربح، والشارع المقدس قد أجاز للمالك تأخير الإخراج وصرف الربح في المؤونة قبل انتهاء السنة إرفاقاً بالمالك المكلف.

فالمال في الحقيقة لأرباب الخمس إذ أن الخمس يتعلق بالربح بمجرد ظهوره، كما أن المالك يجوز له ومرخص له أن يؤخر دفع الخمس إلى نهاية السنة، فإذا بادر وعجل في تسليم الخمس إلى مستحقه ودفع المالك المال إلى المستحق فحينئذ يكون المال قد صدر من أهله ووقع في محله كما يقول سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم[6] ـ رحمه الله ـ .

وبالتالي لا يبقى وجه لجواز استرداده سواء كانت العين باقية أو تالفة بعد فرض أن المالك إنما أعطاهم ملكهم وليس في البين ما يجوز الاسترداد منهم.

وبعبارة أخرى: إن المالك ورخص له أن لا يدفع المال إلى المستحق، وأن يؤخر دفع المال إلى نهاية الحول نظراً لاحتمال تجدد مؤون حادثة له على أن الخمس يتعلق بالمال بمجرد ظهور الربح أي أن مستحق الخمس يملك المال يعني يملك خمس الربح بمجرد ظهور الربح، فإذا لم يستعمل المالك صلاحيته ولم يؤخر دفع الخمس بل عجل في ذلك ودفع الخمس إلى مستحقه فحينئذ قد وصل المال إلى مالكه فلا يجوز للدافع أن يرجع على المستحق لأن المستحق قد قبض ما يستحقه فلا يجوز الرجوع سواء كانت العين باقية أو تالفة.

لذلك ذكر السيد الخوئي في تعليقاته على العروة الوثقى[7] أنه لا مقتضي لما ذكره الماتن ـ قدس سره ـ من كشف تجدد المؤونة بعد أدائه للخمس عن عدم صحة ما أداه خمساً بعدما فرض أن الخمس يتعلق بالربح من الأول غاية الأمر أنه لا يجب عليه أداؤه أثناء السنة ويجوز له التأخير إلى نهايتها إلا أنه لم يؤخره وأداه إلى مستحقه باختياره فملكه المستحق، وحينئذ لم يجز للدافع استرداد ما قبضه المستحق حتى مع بقاء العين فضلاً عن تلفها.

نعم، يتم ما ذكره صاحب العروة ـ رحمه الله ـ من فرض الكاشف فيما إذا تخيل المالك أن له ربحاً فأخرج خمسه ودفعه إلى المستحق ثم انكشف أنه قد اشتبه ولم يكن له ربحٌ فله حينئذ استرداد مع بقاء العين لا مع تلفها إلا إذا كان المعطى له عالماً بالحال لأنه قد ما لم يستحقه.

هذا تمام الكلام في بيان الوجه الثاني لما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وصاحب بالجواهر والشيخ الأنصاري من عدم جواز الرجوع مطلقاً.

وقال شيخنا الأستاذ الداوري: «والظاهر أن هذا هو الأقوى»[8] أي قوى ما ذهب إليه السيد الخوئي.

أقول هذه المسألة تخضع للمبنى والمسلك الذي اتخذ في الخمس وتم استظهاره من الروايات الشريفة فلو بنينا على أن الخمس يتعلق بمجرد ظهور الربح أو الفائدة، لكنه معلق على شرط متأخر، وهو أن لا يكون من ضمن مؤونة السنة، فحينئذٍ لو ظهر الربح وجرد المكلف حسابه وظن أن هذا الربح زائد على المؤونة، وأخرج خمسه وعجل بإخراجه ودفعه إلى المستحق، ولكن بان قبل انتهاء السنة أن هذا الربح لم يكن زائداً على المؤونة بل كان من ضمن المؤونة أو اتضح أنه لم يكن بحاً فيكون سالبة بانتفاء الموضوع، فإذا اتضح أنه لم يكن ربحاً جرت نهاية السنة اتضح أنه خسران، فإذا اتضح أنه لم يكن ربحاً أي لم يتعلق به الخمس من أول الأمر فحينئذ يجوز له الرجوع إلى المستحق إن كانت العين باقية وإن كانت تالفة لا يجوز له الرجوع إلا إذا كان المستحق عالماً.

وأما إذا جرت الحسابات واتضح أنه ربح لكن هذا الربح ضمن المؤونة وليس خارجاً عن المؤونة فحينئذ قد يقال العالم أن تجدد المؤونة يكشف عن عدم تعلق الخمس بهذا الربح واقعاً فهو وإن قطع ظاهراً عتد ظهور الرمح أن هذا الربح خارج المؤونة لكن بتجدد المؤونة انكشف له أن هذا الربح داخل المؤونة وليس خارج المؤونة.

فتجدد المؤونة يكشف عن الواقع وهذا الشرط المتأخر يكشف عن تعلق الخمس واقعاً فإذا تجددت المؤونة في نهاية السنة زوج ولده واتضح أن المال الذي دفعه يحتاج إلى صرفه في تزويج ولده فتجدد المؤونة هذا يكشف عن أن الربح الذي ظن أو قطع أنه خارج المؤونة هذا التقدير اشتباه وأن داخل المؤونة، وبالتالي لا يجب تخميسه ولم يتعلق به خمس في صقع الواقعة، وبالتالي يجوز له أن يرجع إلى المستحق، ويقول له: قد اشتبهت فما ظننت أنه يجب فيه الخمس لم يجب فيه الخمس.

والفرق بين الأمرين:

أنه بالنسبة إلى الأول اتضح أنه ليس بربحٍ فيكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع ثبت العرش ثم النقش ثبت أنه ربح ثم ثبت تعلق الخمس به.

بينما في الفرض الثاني جزم بأنه ربح في نهاية السنة اتضح أنه ربح لكن اتضح أيضاً أنه ربح ضمن المؤونة وليس خارج المؤونة فاتضح أنه لم يكن يجب عليه الخمس واقعاً.

وبالتالي قد دفع المال اشتباهاً وليس خمساً.

فالصحيح ما ذهب إليه صاحب العروة حينما قال: «كشف ذلك عن عدم صحته خمساً» والله العالم، فالصحيح ما ذهب إليه صاحب العروة الوثقى وأغلب المحشين خلافاً لسيد أساتذتنا السيد الخوئي وشيخنا الأستاذ الحبيب آية الله الشيخ مسلم الداوري.

هذا تمام الكلام في المسألة تسعة وسبعين، المسألة ثمانون إن شاء الله نأخذها بعد زيارة الحسين، رزقنا الله وإياكم الوصول والحصول، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج1، ص408.
[2] جواهر الكلام، الشيخ النجفي، ج16، ص80.
[3] كتاب الخمس، الشيخ مرتضى الأنصاري، ص211.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص300، ج25 من موسوعة الإمام الخوئي.
[5] كتاب الخمس، الشيخ الأنصاري، ص211.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص300.
[7] ج4، ص301.
[8] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص290.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo