< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثمانية وسبعون: لو اشترى بالربح شيئاً قبل إخراج الخمس منه

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة ثمانون:

«إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جاريةً لا يجوز له وطؤها كما أنه لو اشترى به ثوباً لا تجوز الصلاة فيه، ولو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصح وهكذا. نعم، لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصداً لإخراجه منه جاز وصح كما مرّ نظيره».

توضيح المسألة:

إذا ربح وتعلق الخمس بالربح فاشترى به شيئاً كالجارية أو الثوب أو الماء للغسل أو الوضوء وغير ذلك فهنا توجد ثلاث صور:

الصورة الأولى أن يكون الشراء قد وقع في أثناء السنة، وكان ما اشتراه يعد من مؤونته وشؤونه، فهنا لا إشكال في صحة المعاملة وجواز التصرف سواء اشترى الشيء بعين الربح أو في الذمة ثم أداه من الربح لأنه حسب الفضل قد اشترى بمال لم يتعلق به الخمس.

الصورة الثانية أن يشتري الشيء بعد انتهاء السنة، وتعلق الخمس به، لكنه اشتراه في الذمة وأداه من الربح فحينئذ لا إشكال في صحة المعاملة وجواز التصرف لأن المعاملة كلية وليست شخصية ولم تقع على شخص المال الذي استقر فيه الخمس.

فالصورة الأولى والثانية خارجتان عن محل كلام صاحب العروة ـ رضوان الله عليه ـ .

الصورة الثالثة إذا اشترى الشيء بعين الربح بعد انتهاء السنة واستقرار الخمس في المال الذي اشترى به الشيء فالمعاملة شخصية، والحكم في هذه الصورة يختلف بحسب المباني المتقدمة في نحو تعلق الخمس، والمسألة ثمانون ناظرة إلى الصورة الثالثة أي المعاملة بالمال الشخصي الذي استقر فيه الخمس.

والمباني ثلاثة:

الأول الإشاعة.

الثاني الحقّ المتعلق بالمال.

الثالث الكلي في المعين.

ومن هنا نبحث المسألة بناءً على المباني والمسالك الثلاثة:

المسلك الأول تعلق الخمس بالعين على نحو الإشاعة، وهو ما نبني عليه، وذهب إليه سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ، وبناء على هذا المبنى لا يجوز التصرف بالثوب أو الجارية وغير ذلك سواء أجاز الحاكم الشرعي أم لم ينجز.

وهنا شقان:

الشق الأول إجازة الحاكم الشرعي، ومع إجازته تصح المعاملة لكن يكون مقدار الخمس من الجارية أو الثوب أو الشيء ملكاً لأرباب الخممس فتصير هذه المذكورات مشتركات بين أرباب الخمس وبين المالك والتصرف فيها يحتاج إلى إجازة الشيء.

الشق الثاني عدم إجازة الحاكم الشرعي، وحينئذ تقع المعاملة باطلة فيما يقابل مقدار الخمس، ويبقى المبيع بمقدار الخمس ملكاً للبائع ويكون شريكاً مع المالك ويحتاج التصرف إلى إجازته.

هذا تمام الكلام بناء على المسلك الأول وهو الإشاعة.

المسلك الثاني تعلق الخمس بنحو الحقّ كما ذهب إلى ذلك السيد محسن الحكيم ـ رحمه الله ـ فالخمس حقّ قد تعلق بالمال وحكم المسك الثاني نفس حكم المسلك الأول، فإن أجاز صاحب الحق صحة المعاملة لكن تحصل الشركة بين أرباب الخمس والمالك، وإن لم يجاز الحاكم الشرعي وقعت المعاملة باطلة.

المسلك الثالث تعلق الخمس بالعين بنحو الكلي في المعين، وقد اختاره صاحب العروة وقواه شيخنا الأستاذ الداوري[1] .

وبناء على الكلي في المعين يحكم بصحة البيع ويجوز له التصرف ما دام مقدار الخمس باقياً لكن مع اشتراط أن يقصد أداء الخمس من الباقي.

والوجه في ذلك وهو اشتراط القصد إن هذا المقدار المردد الذي يكون لأرباب الخمس وهو خمس قابل للانطباق على الأربعة أخماس الأخرى فلا يتمحض ما يتصرف فيه المالك في كونه ماله لاحتمال كونه مالاً مستحقا للآخرين فلا يجوز له التصرف به.

نعم إذا تصرف مع قصد أداء الخمس من الباقي يرتفع هذا التردد ويتعين الخمس بالمقدار الباقي لأن للمالك الحق في التعيين فيتخلص المقدار المتصرف فيه ملكاً له بقصده وبذلك يجوز له التصرف فيه.

لكن علق غير واحد من الأعلام على كلام صاحب العروة بأنه على تقدير الكلي في المعين لا تتوقف صحة التصرف على قصد إخراج الخمس من الباقي بل يكفي مجرد بقاء مقدار الخمس ولو لم يقصد الأداء من الباقي ولا عبرة بالقصد[2] .

وقد ذهب إلى عدم اعتبار القصد سيد أساتذتنا المحققين السيد أبو القاسم الخوئي[3] ، وما ذهب إليه هو الصحيح لو التزمنا بمبنى الكلي في المعين إذ يكون حاله حال من باع صاعاً من صبرة فإنه يجوز له أن يتصرف في الصبرى بالأكل أو البيع أو الهبة على أن يبقى خارجاً مقدار صاع ولا يتصرف بالصاع هنا يشترط القصد في جواز تصرفه في ماله هكذا الحال هنا المالك مالك للمال عدا مقدار الخمس الذي هو كلي غير معين فيجوز له أن يتصرف في ماله وملكه على أن يبقى مقدار الخمس ولا نشترط أن يقصد إخراج الخمس فالمهم بقاء مقدار الخمس خارجاً وعدم التصرف فيه خارجاً وليس المدار على القصد، على أننا لا نبني على هذا المبنى وهو الكلي في المعين بل نبني على الإشاعة وبالتالي لا يجوز له وطئ الجارية أو التصرف في الثوب وغير ذلك والله العالم.

المسألة واحد وثمانون:

«قد مرّ أن مصارف الحج الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكن من المسير من مؤونة تلك السنة، وكذا مصارف الحج المندوب والزيارة، والظاهر أن المدار على وقت إنشاء السفر فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤونته ذهاباً وإياباً، وإن تم الحول في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب أو مع القصد وبعض الذهاب».

هذه المسألة تتطرق إلى المدار في مصارف الحج فالسفر إذا كان طويلاً كالسفر إلى الحج فهل يكون في إخراج الخمس من الربح هو وقت إنشاء السفر أو أن المدار على وقت الصرف؟

اختار صاحب العروة الأول وهو ووقت إنشاء وأفاد أن مصارف الحج كلها من البدو إلى الختم بما في ذلك الذهاب والإياب وما بينهما من مخارج السفر تخرج من عام الربح الذي أنشأ فيه السفر لا من ربح الأعوام الأخرى، فالمدار على وقت إنشاء السفر فالعرف يرى الحج والزيارة عملاً واحداً لا تعدد فيه والمفروض أن الحج أو العمرة أو الزيارة من شأنه ومن مؤونته فجميع ما يصرف فيه معدودٌ من مؤونة سنة الربح فلابد من استثنائه ثم إخراج الخمس من السنة الحالية هذا القول الأول.

القول الثاني إن المدار على وقت الصرف في المؤونة، وقد اختار جماعة من الأعلام ومنهم السيد الخوئي هذا القول[4] لأن المستثنى من الربح هو المؤونة الفعلية لا نفس المؤونة والاحتياج إليها فإذا وقع بعض التصرف بعد انتهاء حول الربح فإنه لا يعد من مؤونة العام السابق.

وبناءً على هذا يمكن تقسيم مصارف الحج إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول ما يعد من مؤونة هذه السنة التي شرع في الحج فيها، و‘ن كان هذا الشيء من شأنه البقاء إلى السنة الآتية كشراء المركوب من سيارة ودابة وطائرة وما يحتاج إليه فعلاً في سفر الحج وإن كان عينه يبقى للسنوات الآتية فيستثنى من المؤونة لأنه من المؤونة بلا إشكال.

الثاني ما لا تبقى عينه ولابد من صرفه في سفر الحج ولا يمكن الحج بدونه كالأموال التي تأخذها الحكومات على جواز السفر والفيزا وأجور السيارات والطائرات للذهاب والإياب فلابد من إعطاء هذا المبلغ ولا يمكن استرداده فهذه المصارف تعد من مؤونة سنة الربح وإن انتهت سنة المؤونة والسنة الخمسية أثناء سفره.

الثالث المصارف التدريجية التي تدفع شيئاً فشيئاً كالأكل والشرب وأجور السكن في الأثناء وأجور السكن عند الحج والعمرة فلو احتاج للبقاء في مكان في طريق سفره ودفع أجرة على الفندق والسيارات وتم الحول في أثناء السنة فإن جميع هذه الأجور التي يدفعها قبل انتهاء السنة وبعد انتهاء السنة تعد من مؤونة الحج ولا يقال ما دفعه قبل انتهاء السنة هذا من مؤونته الحج وما بعده ليس من مؤونة الحج.

فاحتساب هذه المصارف من مؤونة السنة الماضية مع ـنها من مصارف هذه السنة يحتاج إلى دليل وهو معدوم وقد تحقق الصرف الفعلي لمؤونة الحج، هذا نظير إذا احتاج إلى علاج وزواج وطالت مدته حتى دخلت السنة اللاحقة فإنما يصرف في كل عام يحسب من مؤونة ذلك العام لا العام الماضي كذلك مصارف الحج فما يصرف فعلاً في الحج يعد من مؤونة الحج اللائق بشأنه عرفاً.

هذا تمام الكلام في مسألة واحد وثمانين.

المسألة اثنين وثمانين يأتي عليها الكلام.


[1] كتاب الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص292.
[2] العروة الوثقى، ج4، ص302.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ج25 من موسوعة الإمام الخوئي، ص302.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص303.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo