< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس مائة وثمانون: شرطية التكليف والحرية في تعلق الخمس

 

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى المسألة الرابعة والثمانون:

«الظاهر عدم اشتراط التكليف والحرية في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم فيتعلق بها الخمس ويجب على الولي والسيد إخراجه وفي تعلقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال والأحوط إخراجه بعد بلوغه».

يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول اشتراط البلوغ والعقل في تعلق الخمس بالأشياء، وفيه أقوال أربعة:

القول الأول عدم الاشتراط مطلقاً أي في جميع موارد تعلق الخمس فالخمس يتعلق بمال الصبي والمجنون كما يتعلق بمال غيرهما من المكلفين بلا فرق بينهم، واختاره جماعة منهم المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي[1] .

القول الثاني الاشتراط مطلقاً فلا يجب الخمس على الصبي أو المجنون ولا على وليهما، واختاره صاحب المدارك[2] والسيد الخوئي[3] ـ رحمه الله ـ ، واستثنى المال الحلال المخلوط بالحرام، وهو الصحيح في المسألة ومختارنا من بين الأقوال.

القول الثالث التفصيل بين ثلاثة، وهي: الكنز والغوص والمعدن فلا يشترط البلوغ والعقل فيها، وبين الباقي فيشترط البلوغ والعقل فيما عدا الثلاثة وهو المشهور بل ادعي عليه الإجماع[4] .

القول الرابع التفصيل بين خمسة والباقي فلا يشترط التكليف في الكنز والغوص والمعدن والحلال المخلوط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، لكن التكليف يشترط فيما عدا الخمسة.

واختاره جمع من الأعلام منهم صاحب العروة في هذه المسألة لكنه احتاط في أرباح مكاسب الطفل.

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال في المسألة.

أدلة المسألة والمهم منها هو القولان الأولان:

أدلة القول الأول وهو عدم اشتراط البلوغ والعقل في جميع موارد الخمس السبعة، وقد يستدل له بأن تعلق الخمس بمال الصبي والمجنون على مقتضى الأصل والقاعدة، ومع عدم وجود دليل على خلافه لابد من الحكم به، والقول بعدم الاشتراك.

بيان ذلك:

دعوة أن مقتضى الأصل والقاعدة هو ذلك بمعنى أن مقتضى إطلاق كثير من الأدلة هو أن الخمس حقٌ مالي متعلق بعين المال، وأن هذا الحقّ يكون لله ولرسوله ـ صلى الله عليه وآله ـ وللإمام ـ عليه السلام ـ وللفقراء من السادة فمقتضى الأدلة ثبوت أثر وضعي للمال في جميع الموارد السبعة بلا فرقٍ بين أن يكون المال للبالغ العاقل أو لغيره فالخمس حكم وضعي يتعلق بالمال في موارد خاصة كالموارد السبعة شأنه شأن سائر الأحكام الوضعية كالطهارة والنجاسة والضمان ونحوها ولا يختص بالبالغ العاقل دون المكلف فالضمان يثبت على الصبي وعلى المجنون ويجب على وليهما أن يدفعوا الضمان فكذلك الخمس.

نعم، بالنسبة إلى المكلف العاقل البالغ العاقل يوجد بالإضافة إلى الحكم الوضعي وهو ثبوت الخمس وتعلقه بالمال يوجد أيضاً حكم آخر وهو حكم تكليفي وهو عبارة عن وجوب دفع الخمس وأدائه إلى المستحق مع قصد القربى.

وأما بالنسبة إلى غير البالغ العاقل فيوجد حكم واحد وضعي فقط وهو تعلق الخمس ولا يتوجه حكم تكليفي إلى الصبي والمجنون بوجوب الدفع فيدفعه وليهما.

ولا ينافي ما ذكرناه ما ورد في بعض الروايات من قوله ـ عليه السلام ـ : «أوجبت عليهم»[5] .

أو ورد في بعضها «أوجب عليهم الخمس»[6] أو غير ذلك من التعابير الظاهرة في توجه الحكم التكليفي فإنها كلها مترتبة على تعلق الخمس بالمال أي أنها ناظرة إلى أن الخمس أثر وضعي يترتب على ماذا؟ على المال فهي في مقام بيان الحق الثابت في المال، ولذلك يجوز التقاص، ويجوز للحاكم الشرعي أن يأخذ مقدار الخمس من أموالهم إذا امتنعوا.

إلا أن يقال أن هذه الإطلاقات إنما هي في مقام بيان أصل التشريع وأن الخمس واجب في هذه الموارد وليست في مقام بيان كيفية تعلق الخمس وأنه هل يتعلق بمال المكلف خاصة أو أنه يتعلق بالمال الأعم سواء كان للمكلف أو كان لصبي أو مجنون.

ولكن هذه الدعوة يعني أن الإطلاقات في مقام بيان أصل التشريع، قد يقال أنها ضعيفة مع كثرة الأدلة وعدم التقييد فيها.

هذا تمام الكلام فيما يمكن أن يستدل به على القول الأول، والمناقشة فيه واضحة إذ أن هذه الإطلاقات من الواضح أنها في مقام بيان أصل التشريع وليست في مقام بيان كيفية تعلق الخمس بالمال وأنه هل هو عبارة عن أثر وضعي دون الحكم التكليفي أو لا؟ وسيتضح ضعف دليل القول الأول من خلال عرض أدلة القول الثاني.

أدلة القول الثاني وهو اشتراط البلوغ في جميع موارد الخمس السبعة. نعم، قد يستثنى بعضها لخصوصية كما سيأتي إن شاء الله مثل: المال المختلط بالحرام حلال مختلط بالحرام.

وقد يستدل على القول الثاني بوجوه:

الوجه الأول التمسك بعموم حديث الرفع من قوله ـ عليه السلام ـ : «إن القلم رفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ»[7] .

ونحو هذا الحديث إذ ورد بصيغ متعددة.

ومفاد حديث الرفع هو رفع قلم التشريع وعدم وضع التشريع على الصبي والمجنون فكأنهما لم يذكرا في القانون ولم يجري عليهما شيء أي أن الله عزّ وجل لم يكلفهما بحكم شرعي أو تكليف، فالحكم منفي عن الصبي والمجنون سواء كان الحكم حكماً تكليفياً أو حكماً وضعياً فقالم التشريع مطلقاً قد رفع عن الصبي والمجنون سواء كان قلم الوضع أو قلم التكليف فترتفع عنهما الأحكام كلها بمناط واحد وهو حكومة حديث الرفع على أدلة الأحكام الأولية.

نعم، يلحظ أن حديث الرفع امتناني فإن الله قد من على الصبي وعلى المجنون وعلى النائم برفع التكليف عنه لكن هذا الامتنان بالنسبة لهم لا ينبغي أن ينافي الامتنان بالنسبة للآخرين كما في مورد الضمانات فإذا الصبي أو المجنون أو النائم كسر سيارة مكلف فيقال: لا يجب على المجنون والصبي والنائم الضمان ببركة حديث الرفع فإن المنة على هؤلاء الثلاثة تتنافى مع المنة بالنسبة إلى غيرهم والآخرين.

وهكذا قد يكون الرفع خلاف الامتنان بالنسبة إلى نفس المكلف كما في موارد المستحبات والمكروهات، أو أحياناً يرد نص خاص يثبت الحكم كموارد التعزيرات الموكول تحديدها إلى نظر الحاكم الشرعي.

وأما فيما عدا ذلك يعني هذه الموارد الثلاثة أن الامتنان ينافي الامتنان إلى الآخرين أو إلى نفسه أو نصّ خاص فالحكم التكليفي والوضعي مرفوعٌ نظراً لإطلاق الدليل إطلاق حديث الرفع.

وفيه: إن الظاهر من حديث الرفع رفع القلم والظاهر من القلم هو خصوص قلم العقوبة لا قلم التشريع، وذلك من جهة نفس التعبير بالقلم الذي هو كناية عن المؤاخذة فالقلم كناية عن التسجيل والكتابة والإدانة والمؤاخذة والعقوبة.

ويتضح هذا من جهة تتبع موارد استعمال كلمة القلم في الروايات كما في أبواب الحدود والتعزيرة.

وبناءً على هذا الاستظهار يلزم أن كل ما ينشأ منه عقوبة فهو مرفوع عن الصبي والمجنون لا مطلقاً فيختص حديث الرفع بخصوص الأحكام التكليفية الإلزامية من وجوب وتحريم ولا يشمل الأحكام التكليفية الترخيصية كالمستحب والمكروه والمباح فضلاً عن الأحكام الوضعية.

فحديث الرفع لا يرفع كل ما فيه كلفة حتى يقال: بأن الأحكام الوضعية ترتفع لأنها موجبة للكلفة.

لكن هذا الاعتراض لا يمكن المساعدة عليه فبحسب الظهور العرفي لرفع القلم يستفاد بحسب فهم المتشرعة وبحسب قرينة مناسبة الحكم والموضوع هو رفع التكليف ورفع القانون الذي ينبغي أن يتعلق بالمكلف دون غيره من الصبي والمجنون، فنستظهر أن المراد برفع القلم رفع قلم التشريع بكلا قسميه: التكليفي والوضعي معاً وليس خصوص المؤاخذة، فظاهر سياق الامتنان في حديث الرفع أن الله امتن على عباده برفع التكليف مطلقاً في هذه الموارد وليس خصوص رفع المؤاخذة، فلا وجه لاختصاص حديث بخصوص رفع الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي.

وما ادعي من تتبع موارد كلمة القلم في الروايات، وأنها في أبواب الحدود والعقوبات قد استعملت في رفع خصوص المؤاخذة لا يمكن المساعدة عليه، فإذا تتبعنا مورد استعمال القلم، وكذلك رفع القلم في الروايات نجد أنها في أكثر من اثني عشر مورداً قد استعمل رفع القلم بمعنى رفع التكليف ورفع التشريع لا خصوص المؤاخذة.

ومما يؤكد ذلك أن رفع التكليف الوضعي قد عدّ في جملة من الموارد المرفوعة المذكورة في النبوي المشهور الذي عبر عنه بحديث الرفع وحديث الرفع في الحديث النبوي المشهور ظاهر في الحكم الوضعي ولا أقل من أن الحكم الوضعي يشمله وتفصيل الكلام في نهاية علم الأصول البراءة الشرعية لما نتكلم عن حديث فالوجه الأول تام لا غبار عليه.

الوجه الثاني والثالث قابلان للمناقشة.

الوجه الثاني يراجع ما شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري لكتابه[8] .

الوجه الثاني ما ورد في الزكاة من صحيحة زرارة وصحيحة محمد بن مسلم «أنهما» يعني الإمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ قالا: «ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شيء فأما الغلاة فعليها الصدقة واجبة»[9] .

تقريب الاستدلال:

التمسك بإطلاق قوله ـ عليه السلام ـ : «ليس في ماله شيء» وهذا شامل للخمس لكن نجد أن ذيل الحديث قد ورد في الزكاة، فلربما يقال: إنه قرينة على أن المراد بالصدقة خصوص الزكاة، ومن يستدل بهذا الحديث فإنه يتمسك بأن الشيء ظاهر في الأعم من الزكاة والخمس.

لكن إن لم نستظهر أن هذا الحديث ظاهر في خصوص الزكاة لا أقل أن ما ورد في الذيل قرينة تكفي في تحقيق الإجمال فلا يصح الاعتماد على الإطلاق حينئذ فنقتصر على القدر المتيقن وهو خصوص الزكاة، فالوجه الثاني ليس بتام.

الوجه الثالث التمسك بموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة وكان عليه مثل ما على غيره من الناس»[10] .

تقريب الاستدلال:

المستفاد من هذه الرواية أن الزكاة مرفوعة عن الصبي، وهي بمناط حديث الرفع فتدل على أن الحكم الوضعي مرفوع عن الصبي كالحكم التكليفي من دون اختصاص الرفع بخصوص الحكم التكليفي، ومن المعلوم عدم خصوصية حكم وضعي دون حكم وضعي آخر مع أن دلالة أدلة الخمس على الوضع ليست بأقوى من دلالة أدلة الزكاة على الوضع، فالرواية تدل أن الحكم الوضعي مرفوعٌ عن الصبي سواء كان زكاةً أو خمساً فقبل بلوغه لم يضع ربّ العالمين عليه خمس ولا زكاة، وشيخنا الأستاذ الداوري استظهرت تمامية هذا الوجه[11] .

لكن النظر إلى هذا الحديث لا يساعد على ذلك فهذه الموثقة ناظرة إلى خصوص الزكاة وتعديتها إلى الخمس أشبه بالقياس إن لم نقل إنها قياس فالوجه الثالث ليس بتام يكفي الوجه الأول لإثبات أحقية القول الثاني.

هذا تمام الكلام في المقام الأول اشتراط التكليف الخمس.

المقام الثاني اشتراط الحرية في تعلق الخمس، ومن الواضح أن الخمس يثبت مطلقاً على الحر والمملوك معاً، وثبوته على المملوك هو مقتضى القاعدة ووجوب الخمس في ماله وعدم اشتراط الحرية نظراً لإطلاق الأدلة مثل قوله ـ عليه السلام ـ : «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» ولم يرد في شيء من الأدلة اعتبار واشتراط الحرية وعدم كون المال مالاً للمملوك في باب الخمس.

نعم، ورد في خصوص باب الزكاة ما يدل على عدم تعلق الزكاة بمال المملوك كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «ليس في مال المملوك شيء ولو كان له ألف ألف ولو احتاج لم يعطى من الزكاة شيء»[12] .

ويمكن أن يقال إن إطلاق هذه الرواية يشمل الخمس لكن ذيل الرواية وهو شيء إما أن يكون قرينة على أن المراد بالشيء في صدر الرواية هو خصوص الزكاة أو أنه يصلح للقرينية وعليه لا يمكن التمسك بهذه الصحيحة على عدم تعلق الخمس بمال المملوك.

وأضعف من التمسك بصحيحة عبد الله بن سنان التمسك بما ورد من الروايات الدالة على بدلية الخمس عن الزكاة وأن الخمس عوض الزكاة وقد تقدم الكلام في مناقشة ذلك ولم تثبت البدلية.

النتيجة النهائية: لا دليل على اعتبار الحرية في وجوب تعلق الخمس بل الدليل وهو الإطلاق يدل على ثبوت الخمس على الحر والمملوك معاً سواء قلنا إن المملوك يملك ما في يده فيجب عليه أداء الخمس أو قلنا إن المملوك لا يملك ما في يده وماله لمالكه فيجب على المالك أداء الخمس، والله العالم.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة أربعة وثمانون وبها مسك الختام في الموارد السبعة التي يجب فيها الخمس.

فصل في قسمة الخمس ومستحقيه يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


[1] العروة الوثقى، ج4، ص304.
[2] مدارك الأحكام، ج5، ص389.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس، ص308.
[4] غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، ج4، ص297، الميرزا أبو القاسم القمي ـ ره ـ.
[5] وسائل الشيعة، ج9، ص501، الباب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
[6] الاستبصار، ج2، ص80، الحديث 198.
[7] الخصال، الشيخ الصدوق، ج1، ص119، الباب3، الحديث 40.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص45، الباب4 من أبواب مقدمات، الحديث 11، مع اختلاف يسير.
[8] الخمس في فقه أهل البيت، ج2، ص303 إلى 305.
[9] وسائل الشيعة، ج9، ص83، الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
[10] وسائل الشيعة، ج9، ص608، الباب1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.
[11] الخمس، ج2، ص304.
[12] وسائل الشيعة، ج9، ص91، الباب4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo