< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الأولى: تعريف البيع

 

نبدأ اليوم الأحد 22 من محرم الحرام لعام 1441 هجرية قمرية الموافق 22 من سبتمبر من عام 2019 ميلادية المصادف 31/6/1398 هجرية شمسية ونشرع في دورة جديدة من كتاب المكاسب للشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه الشريف والشيخ الأنصاري قدس الف كثيراً في الفقه والاصول ولكن أبرز مؤلفين للشيخ الأنصاري هما كتاب المكاسب المؤلف من ثلاثة أقسام المكاسب المحرمة والبيع والخيارة وكتاب الرسائل المؤلف من ثلاث رسائل رسالة في القطع ورسالة في الشك ورسالة في الظن المعروف بكتاب فرائد الأصول وكتاب المكاسب أعمق من كتاب الفرائد وخصوصاً كتاب البيع وقد أبدع الشيخ الأنصاري "رحمه الله" في فقه المعاملات حتى أصبح كتابه المكاسب محوراً للدراسات العليا في الحوزة العلمية في قم والنجف الأشرف وسائر الحوزات في العالم.

قال الشيخ الأنصاري كتاب البيع وهو في الأصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال يقع الكلام في عدة نقاط:

النقطة الأولى البيع لغة واصطلاحاً

النقطة الثانية في بحث اختصاص المعوض بالعين وعدم شموله للمنفعة

البحث الثاني في جواز كون العوض منفعة ثم يتفرع على هذه المسألة عدة مسائل نبحثها تباعاً إن شاء الله تعالى.

أما النقطة الأولى وهي بيان معنى البيع فقد عرّف البيع بعدة تعريفات وأخذت فيه عدّة حيثيات مطولة ومفصلة تدرس في أبحاث الخارج وليس البناء على التوسعة لئلا يطول الكلام ويتشوش ذهن الطالب ومن أراد أن يتوسع فيها فعليه بمراجعة الشرح العظيم لكتاب المكاسب وهو كتاب هدى الطالب في شرح المكاسب للسيد محمد جعفر المروج الجزائري أعلى الله مقامه الشريف فقد شرح المكاسب في أربعة عشر مجلداً بشكل واف وكاف ويمكن أيضاً الرجوع إلى كتاب أستاذنا تمهيد المطالب في شرح المكاسب للشيخ علي المروجي القزويني حفظه الله ففي هذين الكتابين وفي غيرهما تم تناول معنى البيع في عدة صفحات وتناولوا كلمات الفقهاء والأعلام بالنقض والإبرام ولا داعي لإطالة البحث على مستوى السطح فالمهم في مرحلة السطح فهم المضمون أولاً وفك العبارة والتمكن من استخراج المضمون من ثنايا العبارة ثانياً.

التعريفات للبيع كثيرة وقد اقتصر الشيخ الأنصاري على ذكر تعريف واحد وهو للفيومي في كتابه المصباح المنير ومن المعلوم أن الفيومي كتب كتابه اللغوي لبيان المصطلحات في الفقه الشافعي.

الفيومي في مصباحه عرف البيع بأنه مبادلة مال بمال ومن الواضح جداً أن المالَ كما يشمل العين يشمل أيضاً المنفعة، مبادلة مال بمال يعني مبادلة العوض بالمعوض مبادلة الثمن بالمثمن وكما أن للعين مالية عرفاً فكذلك أيضاً للمنفعة مالية فيكون تعريف المصباح المنير فيه توسعة للبيع، مبادلة مال بمال هذا يشمل أن يكون كل من العوض والمعوض عيناً أو منفعة أن يكون كل من الثمن أو المثمن عيناً أو منفعة من هنا يشرع الشيخ الأنصاري "رحمه الله" في بيان النقطة الثانية وهي اختصاص المعوض بخصوص العين وعدم شموله للمنفعة فالمثمن في معاملة البيع لابد أن يكون عيناً ولا يصح أن يكون منفعة.

يقول والظاهر أختصاص المعوذ بالعين، سؤال ما هو منشأ هذا الظهور هل منشأ الظهور الروايات؟

الجواب منشأ الظهور ظاهر لفظة العين عرفاً فهذا استظهار عرفي فالمتعارف في حياة الناس أن يكون المبيع عيناً يبيع الدار وهي عين يبيع السيارة وهي عين، يبيع الكتاب وهو عين من الأعيان فالمتعارف في المعاملات العرفية وفي المحاورات العرفية أن يكون المثمن عيناً وأن يكون المعوذ عيناً ولا يطلق العرف على المثمن لفظ البيع فيما إذا كان المثمن منفعة من المنافع.

هذا الظاهر عرفاً استقر عليه اصطلاح الفقهاء في البيع نعم بعض الفقهاء ربما استخدم لفظة البيع في نقل غير الأعيان أي في نقل المنافع بل يظهر ذلك من كثير من الأخبار ففي بعض الروايات التي سنقرأها إن شاء الله استخدم وأطلق لفظ العين على تبادل المنفعة بحيث يكون المعوض والمثمن منفعة من المنافع هذه الروايات الثلاث مبنية على المسامحة عرفاً يعني هناك تسامح في التعبير يحمل على المجاز إذن الروايات وكلمات الفقهاء التي استخدمت لفظ البيع فيما إذا كان المثمن والمعوض منفعة من المنافع تحمل على المجاز والتسامح في التعبير كما أن لفظ الإجارة قد استخدم بنحو التسامح فيما إذا أطلق على بيع الأعيان كما لو قال آجرني الثمرة الموجودة في النخل فلا معنى لاستئجار الرطب الموجود على النخلة فالمراد آجرني أو آجرتك الرطب الموجود في هذه النخلة يعني بعتك الرطب الموجود في هذه النخلة، هذا تمام الكلام في النقطة الثانية وخلاصة النقطة الأولى والثانية.

النقطة الاولى البيع مبادلة مال بمال

النقطة الثانية ظاهر المثمن في خصوص الأعيان وعدم شموله للمنافع وتحمل الروايات وكلمات الفقهاء التي استخدم فيها لفظ البيع في نقل المنافع على التسامح في التعبير كما أنه يوجد تسامح في التعبير بالنسبة إلى إطلاق لفظ الإجارة على نقل الأعيان هذا تمام الكلام في النقطة الأولى والثانية نطبق العبارة ونقرأ الروايات.

كتاب البيع وهو في الأصل ـ يعني أصل اللغة العربية ـ كما عن المصباح مبادلة مال بمال والمال يعم العين والمنفعة.

النقطة الثانية والظاهر اختصاص المعوض يعني المبيع المثمن بالعين يعني وإن كان تعريف المصباح شاملاً للمنافع أيضاً فلا يعم البيع إبدال المنافع بغيرها وعليه يعني على أختصاص المعوض بالعين استقر اصطلاح الفقهاء في البيع، ما هو منشأ هذا الظهور؟ العرف والمحاورات اللغوية.

نعم هنا استدراك لبيان التجوز والتسامح في بعض الكلمات والروايات، نعم بما يستعمل لفظ البيع في كلمات بعضهم في نقل غيرها يعني في نقل غير الأعيان وهي المنافع بل يظهر ذلك يعني أطلاق لفظ البيع على نقل المنافع من كثير من الأخبار كالخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر.

هنا كالخبر هذه الجنسية فلا يراد الخبر الواحد هناك مجموعة من الأخبار سنقرأ بعضها هذه الأخبار ثلاثة أخبار:

الخبر الأول الخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر، المدبر هو العبد الذي قال له مولاه أنت حر دبر حياتي أو دبر وفاتي.

الرواية الثانية وبيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها وهو خبر اسحاق بن عمار سنقرأه إن شاء الله، لا يعلم صاحبها فكيف يتم البيع، بيع السكنى، السكنى منفعة وأيضاً خدمة المدبر، الخدمة منفعة.

الرواية الثالثة وكأخبار بيع الأرض الخراجية وشرائها ومن الواضح أن الأرض الخراجية لا تملك هي للمسلمين فالمراد ببيع الأرض الخراجية يعني بيع منفعة الأرض الخراجية، والظاهر أنها مسامحة في التعبير، أنها يعني اطلاق لفظ البيع على نقل المنفعة، المسامحة في التعبير يعني من باب المجاز كما أن لفظ الإجارة يستعمل عرفاً ـ ولم يقل يستعمل في الروايات إذن هذا هو منشأ الظهور ـ في نقل بعض الأعيان كالثمرة على الشجرة فيقول البعض للبستان هل تؤجر ثمرة الشجرة يعني هل تبيعني ثمرة الشجرة.

الروايات كما يلي:

الرواية الأولى صحيح أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر أيطأها إنشاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته ـ هنا الشاهد ولاحظوا هذا وارد في كلام السائل وليس في كلام الإمام عليه السلام فقد يشكل إن هذه الرواية لا تدل لأن خدمة الجارية ورد في كلام السائل والحجة إنما هو كلام الإمام عليه السلام والجواب ليس المراد الاستدلال بكلام الإمام على هذا التعبير وإنما المراد الاستدلال على أن المحاورات العربية كانت تطلق لفظ البيع على نقل المنفعة والخدمة فيتم الاستدلال بهذه الرواية.

فقال أي ذلك شاء فعل ـ يعني كل هذا صحيح وتام هذا كلام الإمام عليه السلام.

الرواية الثانية الخبر الدال على جواز بيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها وهذه ظاهرة في نقل المنفعة لأنه بيع السكنى والسكنى منفعة.

الرواية معتبرة اسحاق بن عمار قلت فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول أبيعك سكناي ويكون في يدك كما هي في يدي الشاهد هنا بيع السكنى.

الرواية الثالثة الواردة في الأرض الخراجية ما رواه أبو بردة بن رجاء قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ الإمام عليه السلام تعجب قال ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين قال قلت يبيعها الذي في يده قال ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال لا بأس اشترى حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى عليها وأملا بخراجهم منه الشاهد هنا أنه اشترى حقه، الحق منفعة المراد أنه استفاد من هذه الأرض الخراجية، إذن هذه الروايات الثلاث أطلق فيها لفظ البيع على نقل المنفعة.

إلى هنا انتهينا من النقطة الأولى والثانية.

وأما النقطة الثالثة العوض والثمن هل يصح أن يكون منفعة أم لا؟ مثلاً لو استأجرت الخياط ليوم أو يومين فأنت تملك منفعة الخياط ليوم أو يومين ثم بعد ذلك تذهب إلى المكتبة وتشتري كتاباً وتقول إن ثمن هذا الكتاب هو منفعة خياطة الخياط ليوم أو يومين فهي لك فلم تعطه دينار أو دينارين ولم تدفع الدراهم والأعيان وإنما بذلت له في مقابل العين وهو الكتاب منفعة وهي عمل الخياط ليوم أو يومين فهل يصح هذا أو لا؟

الجواب لا شك ولا ريب أن الثمن كما يصح أن يكون عيناً يصح أيضاً أن يكون منفعة بخلاف المثمن والمبيع الذي لابد أن يكون عيناً من الأعيان.

قال وأما العوض يعني الثمن فلا اشكال في جواز كونها والأصح كونه منفعة كما في غير موضع من القواعد للعلامة الحلي يعني العلامة الحلي في كتابه قواعد الأحكام في كذا مورد وكذا موضع نص على جواز أن يكون الثمن منفعة.

وعن التذكرة، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي وجامع المقاصد للمحقق الثاني علي بن عبد العال الكركي ولا يبعد عدم الخلاف فيه يعني في جواز كون الثمن منفعة.

نعم الشيخ جعفر كاشف الغطاء "رحمه الله" نسب إلى الوحيد البهبهاني أنه اشترط أن يكون الثمن أيضاً عيناً ولا يصح أن يكون منفعة، كاشف الغطاء وما ادراك ما كاشف الغطاء وهو القائل لو تلف الفقه بأكمله لكتبته من أوله إلى آخره عن ظهر قلب ويكفي من عظمته أن العائلة سميت بكتابه كما أن عائلة الجواهري سميت نسبة إلى كتاب جواهر الكلام الشيخ محمد النجفي ليس لقبه الجواهري كتب كتاب جواهر الكلام لعظمة هذا الكتاب سميت العائلة باسمه كذلك الشيخ جعفر كاشف الغطاء له كتاب كشف الغطاء فسميت العائلة بعائلة كاشف الغطاء وهو القائل الفقهاء ثلاثة الشهيد الأول وأنا وأبني موسى وأنصافاً الشيخ جعفر كاشف الغطاء هو وأولاده الشيخ موسى والشيخ علي والشيخ حسن من فقهاء الطراز الأول ولذلك الشيخ الأنصاري وقد حضر تبركاً عند صاحب الجواهر في كتابيه المكاسب والرسائل إذا يذكر صاحب الجواهر يقول بعض المعاصرين ولكن إذا يذكر شيخ جعفر كاشف الغطاء يقول بعض الأساطين يعني فقيه من الطراز الأول.

يقول نعم نسب إلى بعض الأعيان من هو الناسب؟ الناسب الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه شرح القواعد، من هو بعض الأعيان؟ العين هو الرئيس وبعض الأعيان يعني بعض رؤساء المذهب وهو الوحيد البهبهاني الذي ذروة علم الأصول بلغت على يديه بدايتها الوحيد البهبهاني رحمة الله عليه هو الذي فرق بين الدليل الفقاهتي والدليل الاجتهادي ثم جاء الشيخ الأنصاري وفرق بين الأمارات والأصول.

نسب إلى بعض الأعيان الخلاف فيه يعني في اشتراط كون الثمن عيناً، الشيخ الأنصاري يذكر منشأ توهم الخلاف يقول هناك تعبير مسامحي يقولون البيع نقل الأعيان والإجارة نقل المنافع حينما يقال الإجارة نقل المنافع لا يراد أن كلا الطرفين الثمن والمثمن منافع وإنما المبيع منفعة هو الثمن عيناً ولكن من باب تغليب أحدهما على الآخر يقال الإجارة لبيع لنقل المنافع وهكذا في البيع حينما يقال البيع لنقل الأعيان يعني الغالب في البيع نقل الأعيان لأن المبيع لابد أن يكون عيناً وإلا الثمن قد يكون عيناً وقد يكون منفعة فهذا التعبير المسامحي لعله هو منشأ توهم وجود خلاف.

ولعله يعني منشأ توهم اشتراط كون الثمن عيناً لما اشتهر في كلامهم ـ كلام الفقهاء ـ من أن البيع لنقل الأعيان والظاهر إرادتهم بيان المبيع ـ لنقل الأعيان يعني أن يكون المبيع والمثمن والمعوض عيناً من الأعيان نظير قولهم إن الإجارة لنقل المنافع يعني المعاملة التي تكون في الإجارة هي نقل المنفعة وهي سكنى الدار مثلاً ـ ثم بعد أن أتم الشيخ الأنصاري هذه النقاط الثلاث تطرق إلى مسائل تتفرع على النقطة الثالثة.

أول مسألة تطرق لها عمل الحر ولماذا قال عمل الحر ولم يقل عمل العبد لأن عمل العبد لا شك ولا ريب مال فيصدق عليه مبادلة مال بمال إنما الكلام كل الكلام في عمل الحر فهل تصح المعاوضة عليه أو لا، مثلاً اشتري منك هذا الكتاب بعمل ولدي ليوم واحد بعمل أخي ليوم واحد هل يصح هذا البيع أو لا يصح؟

يوجد تفصيل قبل المعاوضة وقبل عملية البيع هل يصدق على عمل الحر المالية أو لا فتارة يصدق كما لو استأجرت الخياط ليوم واحد أو استأجرت الكهربائي أو الميكانيكي ليوم واحد ومن الواضح أن منفعة الخياط والميكانيكي والنجار ليوم واحد مال عرفاً بعدما استأجرته وصدقت المالية ذهبت وقلت أنا اشتري هذا الكتاب مقابل عمل النجار ليوم واحد في هذه الحالة تصح المعاوضة ولكن عمل ولدي أو عمل أخي الآن لا تصدق عليه المالية فآتي وأقول اشتري منك هذا الكتاب مقابل عمل أخي ليوم واحد هو لم يتم استأجاره مسبقاً حتى تصدق المالية إذن يوجد تفصيل بالنسبة إلى عمل الحر إن صدقت المالية على عمل الحر قبل المعاوضة ففي هذه الحالة تكون المعاوضة صحيحة يصدق بيع مال بمال مبادلة مال بمال وأما إن لم تصدق المالية قبل ذلك فلا يصح.

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" وأما عمل الحر فإن قلنا إنه يعني عمل الحر قبل المعاوضة عليه من الأموال فلا إشكال يعني فلا إشكال على وقوعه عوضاً في المبين وإلا يعني إن قلنا إنه قبل المعاوضة ليس من الأموال ففيه إشكال، ما هو وجه هذا الإشكال؟ من حيث احتمال اعتبار يعني اشتراط كون العوضين في البيع ما لم قبل المعاوضة يعني يشترط تحقق عنوان المالية للعوض والمعوض قبل وقوع معاوضة البيع كما يدل عليه يعني على اشتراط كون العوضين مال ما تقدم على المصباح في تعريف المصباح مبادلة مال بمال هذا تمام الكلام في المسألة الأولى وهي جواز المعاوضة بعمل الحر يقع الكلام في المسألة الأخرى في الحقوق هناك عدة حقوق كحق الشفعة وحق الخيار فهل تصح المعاوضة على الحقوق أو لا فيه تفصيل وكلام دقيق نرجئه إلى الدرس القادم إن شاء الله وأما الحقوق يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo