< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الحادي عشر: الكلام في المعاطاة

 

الكلام في المعاطات بعد إن انتهى الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" من بيان حقيقة البيع في اللغة والإصطلاح شرع في بيان المعاطات والبيع المعاطاتي.

المعاطات مصدر من باب المفاعلة عاطاه شيئاً أي ناوله إياه والغرض من ذكر المعاطات هو بيان أن البيع كما ينشأ بالقول كالإيجاب والقبول ينشأ أيضاً بالفعل أي ينشأ بغير القول وبالتالي المعاطات لا يراد بها خصوص البيع المتضمن للإعطاء وإنما يقصد بالمعاطات هو البيع الذي يتم بغير الإيجاب والقبول الصحيحين فلو تم البيع بالإيجاب والقبول غير الصحيحين صدق عليه أنه معاطات وهكذا لو تم البيع بالفعل من دون قول كالإيجاب والقبول فإنه يصدق عليه أنه معاطات.

والأمر سهل إذ أن عنوان المعاطات لم يرد في آية ولا رواية حتى نطيل البحث في بيان معنى المعاطات في الشريعة الغراء نعم مصطلح المعاطات مصطلح بين الفقهاء والمتشرعة وغالباً يقصد بالمعاطات البيع بغير قول صحيح يعني البيع بغير إيجاب وقبول صحيحين.

قال المحقق الميرزا علي الإيرواني "رحمه الله" هذا نص عبارته فالظاهر أنهم لا يعنون بالمعاطات ما اشتمل على العطاء فضلاً عن أن يكون ذلك من الجانبين وإنما يريدون بالمعاطات كل معاملة لم تكن بالصيغة المشتملة على شرائط الإيجاب والقبول سواء حصلت تلك المعاملة بالتعاطي للعوضين أو حصلت بإنشاء المعاملة بالألفاظ الفاقدة للشرائط إلى هنا تم تنقيح معنى المعاطات البيع الذي لا يكون بالقول الصحيح فيشمل المعاملة أو البيع القولي الفاسد ويشمل أيضاً البيع غير القولي كالبيع الفعلي نعم ربما أطلق عليه المعاطات لأنه في الغالب يكون البيع بدون الصيغة عن طريق الإعطاء البائع يعطي المعوض والمشتري يعطي ويسلم الثمن والعوض ثم إن شيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه الشريف تطرق في بحث المعاطات لبيان أربعة أمور:

الأمر الأول بيان حقيقة المعاطات.

الأمر الثاني بيان صور المعاطات بحسب قصد المتعاقدين.

الأمر الثالث بيان الأقوال في المعاطات.

الأمر الرابع بيان حكم المعاطات وأنها تفيد الإباحة أو الملكية وعلى تقدير أن المعاطات تفيد الملكية هل تفيد الملكية اللازمة أو تفيد الملكية الجائزة وهذا ما سنبحثه تباعاً إن شاء الله تعالى.

في درس اليوم نتطرق إلى النقطة الأولى والثانية، النقطة الأولى حقيقة المعاطات، النقطة الثانية صور المعاطات الأربعة.

أما النقطة الأولى بيان حقيقة المعاطات

هي أن يعطي البائع المعوض ويعطي المشتري العوض هكذا قد يتصور في كلمات بعض الأعلام على تعديل طفيف منا ونقرأ ما ذكره الشيخ الأنصاري ونذكر بعض الحيثيات التي قد ترد على هذا التفسير لحقيقة المعاطات.

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" الكلام في المعاطات شرع في بيان المعاطات بعد بيان حقيقة البيع لغة وشرعاً ولم يقل الكلام في بيع المعاطات لأن هناك من يرى أن المعاطات ليست بيعاً وهناك من يرى أن المعاطات بيع لذلك شرع في بحث المعاطات.

الكلام في المعاطات النقطة الأولى بيان حقيقة المعاطات اعلم أن المعاطات بناء على ما فسره جماعة مثل العلامة الحلي والشهيد الثاني في الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية والسيد علي الطباطبائي في الرياض أن يعطي كل من اثنين عوضاً عما يأخذه من الآخر أن يعطي كل من اثنين مثل البائع والمشتري عوضاً ورد في هذا التعريف أن البائع يعطي عوض والمشتري يعطي عوض والصحيح أن البائع إنما يعطي معوضاً لا عوضاً والمشتري هو الذي يعطي العوض لذلك عدلنا تعديلاً طفيفاً قلنا أن يعطي كل من اثنين أحدهما عوض والآخر معوضاً إذن الإيراد الأول الذي يرد على التعريف أنه عرف المعاطات بأنها عوض في مقابل عوض والصحيح أن المعاطات عوض في مقابل معوض وليست عوضاً في مقابل عوض آخر.

الإيراد الثاني على هذا التعريف قال أن يعطي فظاهر الإعطاء الفعلية فقد يتوهم أنه يشترط في المعاطات تحقق الإعطاء فعلاً وخارجاً والحال إن المعاطات تشمل ما لو لم يحصل إعطاء من الطرفين كما في بيع النسيئة فإنه عند تأخير الثمن يكون البائع هو الذي يعطي وأما المشتري فلا يعطي فعلاً وإنما يتأخر إعطاءه بعد ذلك وأيضاً قد لا يكون هناك إعطاء أصلاً كما لو كان البيع قولياً وقد اشتمل على إيجاب وقبول فاسدين أو أحدهما فاسد فهذا يصدق عليه أنه معاطات في عرف المتشرعة وإن لم يتضمن الإعطاء خارجاً إذن الملاحظة الثانية إن قوله أن يعطي كل من اثنين يستفاد منه لزوم التعاطي الفعلي من الطرفين في صدق المعاطات والحال إن هذا الشرط ليس بلازم إلى هنا اتضحت حقيقة المعاطات هي كل بيع ليس بقولي صحيح فيشمل البيع الفعلي ويشمل البيع القولي غير الصحيح هذا تمام الكلام في النقطة الأولى الأمر الأول بيان حقيقة المعاطات.

الأمر الثاني صور المعاطات تطرق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى صورتين ثم تطرق بعدهما إلى صورتين أخريين ذكرهما صاحب الجواهر "رحمه الله" فتكون الصور أربعة ثم ناقش في الصورتين الأخريين يعني الثالثة والرابعة تكون النتيجة صور المعاطات عند الشيخ الأنصاري صورة الأولى والثانية نذكر خلاصة الصور الأربع.

الصورة الأولى إباحة التصرف، الطرف الأول يسلم الكتاب يعطي الكتاب الطرف الثاني يسلم الدينار المعنى الأول أن يبيح صاحب الكتاب لمن أعطاه الكتاب أن يقرأ فيه وأن يتصرف فيه وأن يبيح معطي الدينار التصرف في ديناره فالمعنى الأول للمعاطات الصورة الأولى إباحة التصرف.

الصورة الثانية التعاطي على وجه التمليك يعني معطي الكتاب يملك الكتاب ومعطي الدينار يملك الدينار.

الصورة الثالثة وهي التي ذكرها صاحب الجواهر "رحمه الله" مطلق النقل يعني معطي الكتاب يقصد أن ينتقل هذا الكتاب منه إلى من أعطاه من دون قصد وجه النقل هل ينتقل على وجه البيع هل ينتقل على وجه العارية هل ينتقل على وجه الإجازة فهو يقصد مطلق النقل.

الوجه الرابع أن يقصد مطلق التمليك لا خصوص التمليك على وجه البيع إذن ما الفرق بين الرابع والثاني؟ الثاني يرى التمليك بنحو البيع الرابع مطلق التمليك فإن التمليك كما يكون بالبيع يكون بالمصالحة أيضاً وغير ذلك هذه صور أربع قد تتصور للمعاطات، الوجه الأول إباحة التصرف الوجه الثاني التمليك بنحو البيع الوجه الثالث مطلق النقل الوجه الرابع مطلق التمليك.

وهو المعاطات هنا يشرع في بيان الأمر الثاني صور المعاطات، وهو يتصور على وجهين يعني عند الشيخ الأنصاري يمكن تصوير المعاطات بأحد وجهين أما الوجه الثالث والرابع ففيه مناقشة فلا يكون تاماً عند الشيخ الأنصاري.

أحدهما الوجه الأول أن يبيح كل منهما من المتعاقدين للآخر يبيح التصرف فيما يعطي من دون نظر إلى تمليكه يعني من دون قصد المتبايعين تمليك ما يعطي كما يكون في الضيافة.

والثاني أن يتعاطيا على وجه التمليك يعني التمليك بنحو البيع لا مطلق التمليك وربما يذكر وجهان آخران والذاكر لهما الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام الجزء 22 صفحة 226 و227 أحدهما يعني هذا المعنى الثالث وهو المعنى الأول الذي ذكره صاحب الجواهر.

أن يقع النقل من غير قصد البيع يعني مطلق النقل ولا تصريح بالإباحة المذبورة من غير قصد البيع هذا لنفي الثاني ولا تصريح بالإباحة المزبورة لنفي الأول لأن الأول إباحة الثاني تمليك بنحو البيع بل يعطي شيئاً يتناول شيئاً فدفعه الآخر إليه.

الثاني أن يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع، مطلق التمليك لا خصوص التمليك على وجه البيع ويرد الأول الآن يناقش الأول ما هو الأول؟ مطلق النقل الدافع المعطي واقعاً لا يخلو من أنه قصد أحد العناوين إما أنه أعطاه بعنوان البيع وإما أنه أعطاه بعنوان الإباحة كان ضيف عنده أباح له وإما أعطاه بنحو العارية وإما أعطاه بنحو القرض فالدافع عادة لابد أن يقصد عنواناً من العناوين فلا يتم المعنى الثالث لأنه في الواقع إما أن يقصد جواز الانتفاع بالعين مع حفظها عن التلف بنحو الانتفاع المجاني فتصير عارية وإما أن يقصد الانتفاع بالعين مع العوض فيكون بيع وهكذا كل هذه العناوين لها معيار وضابطة للتفرقة بين البيع والعارية وما شاكل ذلك.

قال الشيخ الأنصاري ويرد الأول يعني أن يقع النقل من غير قصد بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الإباحة أو العارية أو الوديعة أو القول أو غير ذلك من العنوانات الخاصة هذا تمام الكلام في بيان إشكال الشيخ الأنصاري على الوجه الثالث.

وفيه إن تحقق مطلق النقل متصور بل معقول من دون قصد أحد العناوين مثلاً لو كان عندي شيء أريد أن أتخلص منه وجئتني قلت فكني منه تقول الآن تعطيه لي بيع هبة قرض والله ما أتى في بالي أنا أريد أن أتخلص منه أنا أريد أن أنقله من عهدتي ومن ملكيتي فقد يكون الدافع يدفع شيئاً ويريد النقل لأنه يريد أن يتخلص من الشيء وإن لم يقصد وجه النقل لأنه لم يلتفت إلى وجه النقل أصلاً بل هو يريد مطلقاً النقد وهذا معقول نعم في الغالب يقصد ولكن أن يدعى كما في العبارة بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من العناوين الجواب لا يمتنع يمكن الدافع أن يدفع الشيء ويريد أن ينتقل من ملكيته من دون أن يقصد أي عنوان من العناوين ثم يتطرق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى الرابع وهو الثاني في مصطلح صاحب الجواهر يعني مطلق التمليك.

الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يقول نحن ماذا عرفنا البيع سابقاً؟ إنشاء تمليك عوض بمعوض بمال هذا إنشاء تمليك عوض بمال يعني هناك مبادلة يدفع المال في مقابل العوض أو المعوض هذا هو مفهوم البيع فما ذكر في الأمر الرابع وهو أن يقصد مطلق التمليك هو نفس ما ورد في تعريف البيع هذا تعريف الشيخ الأنصاري للبيع إنشاء تمليك عين بمال هذا تعريف الشيخ الأنصاري وتعريف اللغويين إنشاء تمليك عين بمال فهذا الذي أعطى الكتاب في مقابل ما استلمه من الدينار هو أنشأ تمليك عين وهو الكتاب بمال فتعريف البيع الذي ذكره الشيخ الأنصاري يصدق على هذا التمليك.

وبعبارة أخرى المعاطات جزء من البيع وليست هي عنوان آخر غير البيع ثم يستدرك الشيخ الأنصاري ويقول قف هنيئة هذا على مبنانا ولكن على مباني أخر يتصور أن يكون تمليك في خصوص البيع وهناك تمليك أعم يشمل البيع وغير البيع مثل بعض العقود التي تذكر كبيع لبن شاة مدة أقول لك هكذا بعتك لبن هذه الشاة أو هذه البقرة أو هذا الجمل بما حمل مدة شهر كامل والحال إن البيع يشترك فيه إذا كان المبيع من المكيل أو الموزون أن يكون معلوماً فلا نعرف هل هي بقرة هولندية في اليوم تولد ثلاثين كيلو أو أربعين كيلو أو لا بقرة ليست هولندية في إحدى الأيام تولد خمس كيلو فصار عنوان البيع لا يصدق على بيع لبن الشاة، بيع لبن الشاة مدة شهر لا يصدق عليه عنوان البيع لأنه من شرائط البيع معلومية العوضين إذا كانا من المكين أو الموزون فقالوا هذا التعبير بلفظ البيع مسامحة هذا تمليك إلى لبن الشاة لمدة شهر فإذا قلنا هذا تمليك يعني يوجد تمليك عام ويوجد تمليك بخصوص البيع فإشكال الشيخ الأنصاري إن ما ذكره إنشاء تمليك عين بمال يصدق على الأمر الرابع بناء على مسلكه وأما بناء على هذا المسلك إنه توجد مغايرة بين التمليك بخصوص البيع ومطلق التمليك فيكون في هذه إشكال الشيخ الأنصاري ليس وارداً.

قال والثاني بما تقدم طبعاً الثاني في تعبيري أن يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع، يرد بما تقدم في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض هو هكذا كان تعريفه إنشاء تمليك عين بمال من أن التمليك بالعوض يعني تمليك العين مقابل العوض على وجه المبادلة يعني يكون العوض بديل للعين، على وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير لا يوجد مفهوم آخر هذا هو نفس البيع نعم هنا يستدرك يوجد مفهوم بناء على القول بوجود تمليك المطلق نعم يظهر من غير واحد هنا من غير واحد ليس المراد غير واحد يعني باللغة العربية غير واحد في اللغة العربية اثنين ثلاثة غير واحد يعني كثيرين جماعة كثيرة من الفقهاء كالمحقق الكركي رضوان الله عليه والعلامة يظهر من غير واحد منهم من الفقهاء في بعض العقود كبيع لبن شاة مدة وغير ذلك وغير هذا المورد بيع لبن الشاة مدة شهر شهرين كون التمليك المطلق أعم من البيع لأنه في مثل هذا المثال عنوان البيع لا يصدق عليه لعدم معلومية اللبن كم كيلو، هذا تمام الكلام في بيان صور المعاطات الأربع واتضح أن الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يرتضي الأمر الأول والثاني وناقش في الأمر الثالث والرابع وأتضح أن مناقشة الأمر الثالث غير تامة كما أن مناقشة الأمر الرابع تتم على مبناه لا على مبان أخر، هذا تمام الكلام في بيان الأمر الأول حقيقة المعاطات والأمر الثاني صور المعاطات ويقع الكلام في الأمر الثالث وهو الأقوال في المسألة ما هي أقوال الفقهاء في المعاطات؟ ثم إن المعروف بين علمائنا في حكمها يأتي عليه الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo