< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الدرس الثلاثون: الدليل الأول والثاني على لزوم المعاطاة

 

قال الشيخ الأنصاري "رحمه الله" وبالجملة فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعاً.[1]

 

خلاصة الدرس

كان الكلام في الأدلة التي استدل بها على لزوم الملك من المعاطاة، قلنا فيما سبق المعاطاة يوجد قول بأنها تفيد الإباحة ويوجد قول بأنها تفيد الملك اثبت الشيخ الأنصاري "رحمه الله" فيما سبق أن المعاطاة تفيد الملك ومن ثم شرع في بحث آخر هل الملك المستفاد من المعاطاة يفيد اللزوم أو يفيد الجواز، شرع في إقامة الأدلة على اللزوم الدليل الأول الاستصحاب ويمكن تصوير الاستصحاب بنحويين:

النحو الأول شخصي والنحو الثاني كلي أما استصحاب الكلي فهو من القسم الثاني وقد ترد عليه إشكالات توجب عدم جريانه فالاستصحاب الكلي مفاده كنا على يقين من وجود جامع الملك الشامل للزوم والجواز نشك في بقاء جامع الملك برجوع المالك الأول بعد التعاطي الاستصحاب يقول لا تنقض اليقين بالشك نستصحب جامع الملك قلنا استصحاب الكلي هنا مبتلى بإشكالين:

الإشكال الأول هو أصل مثبت لا يثبت فهو يثبت المستصحب فقط وهو بقاء جامع الملك وأما اللزوم فهو لازم عقلي لهذا الجامع

وثانيا استصحاب الجامع أصل مسببي أصل محكوم فإذا جرى الأصل السببي والأصل الحاكم وهو استصحاب ملكية المالك الأصلي فإنه قبل التعاطي كان بائع الكتاب مالكاً للكتاب ثم باعطاءه الكتاب للغير وهو المشتري نشك في بقاء ملكيته لأن هذا التعاطي هل يفيد اللزوم أو يفيد الجواز فإذا أفاد الجواز أمكن للبائع الأصلي أن يرجع ويسترجع كتابه فكنا على يقين من ملكية المالك الأصلي نشك في بقاءها بالتعاطي وبرجوعه لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء ملكية المالك الأصلي إذا رجع هذا أصل حاكم وأصل سببي يحكم الأصل المسببي استصحاب جامع الملك

إذن يتعين أن يكون الاستصحاب استصحاباً شخصياً وهو استصحاب الملك والملك بسيط واللزوم والجواز ليسا داخلين في حقيقة الملك وهاتان الخصوصيتان اللزوم والجواز يستفادان من حكم الشرع والكاشف عنهما السبب فالشرع جعل بعض الأسباب لازمة كعقد البيع وجعل بعض الأسباب جائزة كعقد الهبة غير المعوضة لغير الرحم وبالتالي عند المعاطاة تحصل الملكية لأن هذا أصل موضوعي فرغنا عنه فيما سبق فكنا على يقين من حصول الملكية بالتعاطي عند رجوع المالك الأصلي نشك في بقاء الملكية لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء الملك والملكية هذا الاستصحاب لا غبار عليه وليس بأصل مثبت وليس معارض باستصحاب حاكم وسببي،

إذن هذا ما نعبر عنه بأصالة اللزوم في العقود، الأصل في العقود أن تكون لازمة هذا الاستصحاب أو أصالة اللزوم اليوم نأتي إلى الخاتمة

النتيجة يريد أن يقول الشيخ الأنصاري "رحمه الله" أصالة اللزوم كما تجري في الشبهات الحكمية تجري أيضا في الشبهات الموضوعية، الشبهة الحكمية واضحة ما مثلنا به يبقى الكلام في الشبهة الموضوعية يعني اللزوم والجواز واضح لدينا لكن ما وقع في الخارج هل هو اللازم أو هو الجائز مثال الجائز الهبة غير المعوضة لغير الرحم فإن الهبة المعوضة لازمة وهبة ذي الرحم لازمة لكن الهبة لغير ذي الرحم وغير المعوضة جائزة فإذن الهبة مفادها الجواز والصلح مفاده اللزوم والصلح على نحويين صلح بعوض وصلح بغير عوض، صلح بعوض كما لو قلت لك صالحتك على سكنى الدار بمائة دينار صار المائة دينار صلح في مقابل سكنى الدار فالمائة دينار في مقابل منفعة سكنى الدار شهر واحد وأحيانا من دون عوض، صالحتك على سكنى الدار مدة شهر كامل هذا ما يقال له الصلح المجاني، هذا الصلح المجاني بمثابة الهبة المجانية الهبة غير المعوضة.

بعض الفقهاء لا يرى أن الصلح المجاني صحيح خلاف بينهم في ثبوته، الصلح عقد لازم والهبة عقد جائز إذا وقع عقد في الخارج ولا ندري هل هذا العقد صلح فيكون لازماً أو هو هبة غير معوضة ولغير ذي الرحم فيكون العقد جائزاً هنا تجري أصالة اللزوم في العقود أنت على يقين من وجود عقد هذا العقد إما صلح وإما هبة والأصل في العقود اللزوم جرت ولكن أحيانا يحصل التداعي أحيانا كلا المتعاطيين أو كلا المتعاقدين لا يدري ما وقع في الخارج ما هو هل هو صلح أو هبة أحيانا يصير تداعي مثلا البائع يقول صلح البائع يريد اللزوم ما يرجع المعاملة المشتري بالعكس المشتري يقول هبة حتى يرجع في الغالب هكذا قد يكون بالعكس قد يكون أيضا البائع مبخوس حقه والمشتري هو الباخس فالمشتري يقول لا هذا كان صلح والبائع يقول هذا كان هبة فهنا حصل تداعي يعني الاختلاف في الدعوى احدهما يدعي الصلح أي اللزوم والآخر يدعي الهبة أي الجواز إذن ما في هنا مدعي ومنكر دعويان في مقابل البعض في هذه الحالة كل منهما يحلف والله بالله تالله كان العقد صلحاً كان العقد هبة لكن في بعض الموارد يعني لا يقال بالتحالف في مطلق التداعي في بعض موارد التداعي يرى الفقهاء أنه لا يتم التحالف وتفصيله في كتاب القضاء تبحث هذه الأمور.

الخلاصة نحن الآن أولا فرغنا من أن المعاطاة تفيد الملك وشرعنا في إقامة الأدلة على أن المعاطاة تفيد الملك اللازم أول دليل الاستصحاب وفي أثناء هذا الدليل تطرقنا إلى نكتة مهمة وهي أن حيثية اللزوم والجواز ليستا داخلتين في حقيقة الملك فحقيقة الملك بسيطة وإنما اللزوم والجواز من ناحية السبب وهو العقد لا من ناحية المسبب والذي يحدد أن هذا السبب يفيد الملك اللازم أو يفيد الملك الجائز هو الشرع وبالتالي نحن يمكن أن نستصحب المسبب وهو الملك لا السبب لكن لا نستصحب الجامع إذا نستصحب الجامع هذا مبني على أن الملك تدخل فيه حيثية اللزوم وحيثية الجواز وإنما نستصحب الملك من دون دخالة حيثية اللزوم والجواز لأن هاتين الحيثيتين اللزوم والجواز إنما لهما دخل في السبب دون المسبب وبعد أن أنهينا الدليل وهو الاستصحاب وخرجنا بنتيجة أصالة اللزوم في العقود نقول أصالة اللزوم كما تجري في الشبهات الحكمية تجري أيضا في الشبهات الموضوعية وكمثال للشبهة الموضوعية قلنا لو اشتبه الخارج بين الصلح وبين الهبة.

سؤال ما الفارق بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية؟

الجواب الشبهة الحكمية شك واشتباه في الحكم الكلي والشبهة الموضوعية شك واشتباه في الحكم الجزئي ومنشأه الاشتباه في المصداق والأمر الخارجي، مثلاً لو شككت هل أكل لحم الأرنب حلال أو حرام لو شككت هل الإقامة واجبة في الصلاة أو مستحبة هذا شك في الشبهة الحكمية يعني أصل الحكم أصل التشريع هو الوجوب أو الاستحباب للإقامة هو الحلية أو الحرمة لأكل الأرنب فلو فرغنا عن أن لحم الأرنب حرام ولحم البقر حلال وعلمنا بوجود لحم في الخارج واشتبه علينا هل هو لحم أرنب فيكون حراماً أو لحم بقر فيكون حلالاً هذا شك في الحكم الجزئي يعني في حكم اللحم الخارجي الحكم الكلي واضح ثبوت كلي الحرمة لأكل لحم الأرنب وثبوت كلي الحلية لأكل لحم البقر إذن الفارق بين الشبهة الحكمية والشبهة لا تقل إن الشبهة الحكمية هي شك في الحكم والشبهة الموضوعية شك في الموضوع هذا اشتباه، الشبهة الحكمية شك في الحكم صحيح هذا شك في أصل الحكم في الحكم الكلي وأما الشبهة الموضوعية ليس شكاً في الموضوع الموضوع واضح اللحم الشبهة الموضوعية شك في الحكم الجزئي للموضوع ومنشأ الشك في الشبهة في الحكم الجزئي هو الاشتباه بالموضوع يعني في وجه الموضوع الخارجي يعني اللحم واضح هذا لحم لكن ما هو وجهه هل هو لحم أرنب فيصير حرام أو لحم بقر فيصير حلال.

 

تطبيق المتن

وبالجملة يعني النتيجة النهائية بعد أن أثبتنا الدليل الأول على إثبات لزوم الملك في المعاطاة وهو الاستصحاب فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد، هذا التنكير يفيد العموم يعني سواء كان العقد لفظياً وسواء كان العقد فعلياً بخلاف العقود تابعة للقصود فهذه القاعدة مختصة بخصوص العقود القولية دون العقود الفعلية.

وبالجملة فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه لزوم هذا العقد شرعا هذا إشارة إلى الشبهة الحكمية الآن يشير إلى الشبهة الموضوعية، وكذا يعني لا إشكال في أصالة اللزوم لو شك في أن الواقع في الخارج يعني هذه الشبهة الموضوعية يعني وكذلك تجري أصالة اللزوم في الشبهة الموضوعية وكذا لو شك في أن الواقع في الخارج هو العقد اللازم كالصلح أو الجائز كالهبة كالصلح من دون عوض هذا إشارة إلى العقد اللازم والهبة، المفروض يقول والهبة غير المعوضة بغير ذي الرحم لأن هبة الرحم والهبة المعوضة لازمة فهذه شبهة موضوعية في الخارج صار صلح أو هبة

نعم لو تداعيا يعني المتعاملان تداعيا ادعى احدهما الصلح وادعى الآخر الهبة يعني احدهما اللزوم والآخر الجواز احتمل التحالف في الجملة، في الجملة يعني في بعض الموارد في بعض المسائل يعني كل واحد منهم يحلف وإلا إذا يوجد مدعي ويوجد منكر تجري القاعدة البينة على المدعي وعلى المنكر اليمين لكن هنا التداعي، كليهما يدعون وكليهما يحلفون لأن كل واحد ينكر دعوى الثاني من يدعي الصلح ينكر دعوى الهبة ومن يدعي الهبة ينكر دعوى الصلح هذا تمام الكلام في الدليل الأول الاستصحاب.

الدليل الثاني على اللزوم التمسك بعموم قوله "صلى الله عليه وآله" الناس مسلطون على أموالهم[2] ونحن افترضنا كأصل موضوعي أن المعاطاة تفيد الملك إذا تفيد الملك يعني تفيد السلطنة إذا أفادت السلطنة فهي تفيد السلطنة مطلقاً لا السلطنة في شيء دون شيء فإن مقتضى السلطنة أن لا يخرج شيء عن ملكه بغير اختياره يكون تام الاختيار فجواز تملك شيء من ملكه بدون اختياره مناف للسلطنة المطلقة تمت المعاطاة أعطيتك الكتاب ثبتت لك يا من استلم الكتاب الملكية وبالتالي ثبتت لك السلطنة وأحببت الكتاب فإذا رجعت أنا المعطي لأخذ كتابي وقلنا بجواز رجوعي وأخذي للكتاب من دون رضاك هذا نقض لسلطنتك المطلقة إذن حديث الناس مسلطون على أموالهم يفيد السلطنة المطلقة يعني السلطنة اللازمة الملك اللازم وبسبب هذا التوجيه المحقق الحلي صاحب الشرائع استدل على لزوم القرض بقاعدة السلطنة، أنا المقرض الدائن أنت المقترض المديون أعطيتك ألف دينار وقبضت الألف دينار إذا قبضت الألف دينار هذه الألف دينار صارت ملكك أو لا؟ نعم دخلت في ملك المقترض في ملك المديون إذا صارت ملكاً له هو مسلط عليها أو لا؟ نعم الناس مسلطون على أموالهم سلطنة مطلقة إذا سلطنة مطلقة أنا بعد يحق لي أن أخذه منه لا يحق لي صار القرض لازم ببركة قاعدة السلطنة والعلامة الحلي أيد كلام المحقق الحلي خاله.

قال ويدل على اللزوم مضافاً إلى ما ذكر، ما الذي ذكر؟ الاستصحاب، ويدل على اللزوم يعني لزوم الملك في المعاطاة مضافاً إلى ما ذكر وهو الدليل الأول الاستصحاب الدليل الثاني عموم قوله "صلى الله عليه وآله" (الناس مسلطون على أموالهم) [3] فإن مقتضى السلطنة أن لا يخرج عن ملكيته ملكية المتعاطي بغير اختياره يعني أن لا يخرج عن ملكيته شيء بغير اختياره أن لا يخرج عن ملك المتعاطي شيء بغير اختياره فجواز تملكه تملك المعطى عنه بالرجوع فيه من دون رضاه من دون رضا المتعاطي مناف للسلطنة المطلقة،

فجواز تملكه يعني تملك المعطى المبيع عنه يعني عن ما أعطي عن المتعاطي بالرجوع فيه، فيه يعني في المبيع يعني برجوع المالك الأصلي في المبيع يسترجع الكتاب من دون رضاه، من دون رضا المتعاطي المشتري في مثالنا مناف للسلطنة المطلقة يعني مناف لسلطنة المشتري المطلقة مناف لسلطنة المتعاطي المطلقة

فاندفع ما ربما يتوهم من أن غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه ولا نسلم ملكيته له يعني ملكية الشخص له للمبيع لما أعطي بعد رجوع المالك الأصلي هذا وهم، يقول القدر المتيقن سلطنته قبل رجوع المالك الأصلي وأما بعد رجوع المالك الأصلي تنتفي سلطنته هذا يتنافى مع السلطنة المطلقة

ولما ذكرنا من أن السلطنة مطلقة تمسك المحقق "رحمه الله" في الشرائع على لزوم القرض بعد القبض يعني المقترض بعد ما قبض القرض صار القرض ماله صارت له سلطنة مطلقة عليه إذا صارت له سلطنة مطلقة عليه المقرض ما له سلطنة على أخذه منه.

قال بإن فائدة الملك السلطنة يعني فائدة ملك المقترض السلطنة على ما اقترضه فتصير القرض لازم ونحوه، نحو المحقق الحلي، قال العلامة الحلي "رحمه الله" في موضع آخر لعله أشار بذلك إلى ما أفاده العلامة الحلي في التذكرة الجزء الأول صفحة 464 قال يجوز بيع كل ما فيه منفعة لأن الملك سبب لإطلاق التصرف[4] ويحتمل أنه يشير إلى موضع آخر في الجزء الأول من التذكرة صفحة 595 قال العلامة الحلي وفائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات[5] يعني مطلقاً هذا تمام الكلام في الدليل الثاني إذن الدليل الأول على لزوم المعاطاة الاستصحاب الدليل الثاني قاعدة السلطنة الدليل الثالث حديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه[6] ) والدليل الرابع ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض﴾[7] ، الدليل الثالث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه[8] ) يعني حلية أكل المال عن طيب النفس يأتي عليها الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo