< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الدرس التاسع والثلاثون: الأمر الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة

 

الأمر الثالث من تنبيهات المعاطاة تميز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية.[1]

 

خلاصة الدرس

انتهينا من التنبيه الأول والثاني للمعاطاة ويشرع الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" في بيان التنبيه الثالث، التنبيه الثالث معقود للتفرقة بين البائع والمشتري والتمييز بينهما في المعاطاة الفعلية وقد يقال إن المعاطاة لا تكون إلا فعلية فكيف قيد الشيخ الأنصاري "رحمه الله" المعاطاة بالفعلية، هذا القيد احتراز عن البيع اللفظي الذي فيه لحن والذي قد يدعى أنه بحكم المعاطاة لكنه قد تضمن لفظا ولتضمنه اللفظ يشخص البائع من المشتري، بعتك قبلت غاية ما في الأمر لطروء اللحن على هذا البيع القولي اللفظي أصبح ملحقاً بالمعاطاة وأصبح بحكم المعاطاة، إذن المراد بالمعاطاة المعاطاة الفعلية فإنه في بعض صورها قد يتعذر تشخيص أو تمييز البائع من المشتري ويتطرق الشيخ الأنصاري "رحمه الله" إلى ثلاث صور وفي الصورة الثالثة وهي المشكلة توجد أربعة احتمالات ويرجح الاحتمال الثاني مع الإشكال عليه، هذا خلاصة الدرس.

الصورة الأولى أن يكون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدنانير الذهبية أو الدراهم الفضية أو الفلوس المسكوكسة بسكة المعاملة كما في عالمنا اليوم فهنا يتشخص المشتري فمن يأتي ويدفع الفلوس هذا هو المشتري ومن يقبض الفلوس هذا هو البائع إذن الصورة الأولى تمييز البائع من المشتري فيها واضح جدا وهي ما إذا كان أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا والدافع للثمن هو المشتري والمقابل له هو البائع.

الصورة الثانية أن لا يكون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا لكن قصد قيامه مقام الثمن في العوضية كاللحم والدجاج والسمك والحنطة والشعير وغيرها فلو قصد أن هذا اللحم يعادل درهم أو هذا الدجاج يعادل دينار أو هذه الحنطة تعادل نصف دينار وجعلت الحنطة التي هي نصف دينار في مقابل الكتاب ففي هذه الحالة نعلم أن الكتاب هو المبيع والحنطة هي الثمن إذن في الصورة الثانية وهو قصد البدلية عن الثمن أيضا يكون تشخيص البائع من المشتري واضحا.

إلى هنا الصورة الأولى والثانية فيهما وضوح تام، الصورة الأولى كون احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا فمن يدفعه هو المشتري، الصورة الثانية لا يكون أحد العوضين مما تعورف جعله ثمنا لكن جُعل عوضا في مقابل الثمن فدافعه يكون أيضا المشتري من يقصد البدلية عن الثمن هذا هو المشتري.

الصورة الثالثة أولا لا يكون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا ثانيا لا يقصد البدلية يعني لا يقصد أحد المدفوعين أنه يعادل ثمنا معينا يعني إما أنه لم يلحظ كون أحدهما يقوم مقام الثمن بالنسبة إلى العوضية أو لوحظت القيمة والعوضية في كليهما هنا توجد احتمالات أربعة يقوي الشيخ الأنصاري "رحمه الله" الاحتمال الثاني ويشكل عليه.

 

تطبيق المتن

الأمر الثالث تميز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية، المعاطاة الفعلية قيد الفعلية قيد احترازي لإخراج البيع اللفظي الذي فيه لحن وهو بحكم المعاطاة فذاك يتشخص فيه البائع من المشتري مع كون أحد العوضين المبيع والثمن العوض والمعوض الثمن والمثمن أحدهما وهو ما يخص الثمن مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم والدنانير والفلوس المسكوكة واضح يعني مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا واضح فإن صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف، إذا صرح في الخلاف فنحن وتصريحه هذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية وأما مع كون العوضين من غيرها يعني من غير ما تعارف جعله ثمنا فالثمن ما قصدا البائع والمشتري المتعاوضان المتعاطيان، ما قصدا قيامه مقام الثمن في العوضية فإذا أعطى الحنطة في مقابل اللحم قاصدا إن هذا المقدار من الحنطة يساوي درهما هو ثمن اللحم فيصدق عرفا أنه اشترى اللحم بالحنطة وإذا انعكس انعكس الصدق يعني إذا أعطى اللحم في مقابل الحنطة قاصدا إن هذا المقدار من اللحم يسوي درهما هو ثمن الحنطة فيصدق عرفا أنه اشترى الحنطة باللحم وإذا انعكس يعني انعكس اللحم مكان الحنطة انعكس الصدق يعني صار اللحم ثمنا وصارت الحنطة مبيعا والعكس بالعكس فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدرهم والدينار هو الثمن وصاحبه ـ صاحب المدفوع ـ هو المشتري، أيضا الصورة الثانية واضح فيها.

الصورة الثالثة يدفع اللحم والحنطة كل منهما واحد يدفع الحنطة وواحد يدفع اللحم وكل منهما لا يقصد البدلية أو كل منهما يقصد البدلية هذه الصورة مشكلة ولو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام أحدهما مقام الثمن في العوضية هذا الشق الأول من الصورة الثالثة، الشق الثاني أو لوحظ القيمة في كليهما ـ في كلا المدفوعين اللحم والحنطة في المثال ـ بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم وذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق مقاولة ما عندهم مواعدة لم يتفقا على شيء قبل البيع المقاولة الاتفاق قبل البيع قبل إجراء الصيغة، فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل على كون أحدهما بالخصوص بائعا هنا يشرع الشيخ الأنصاري في بيان الاحتمالات الأربعة:

الاحتمال الأول يكون كل منهما بائع ومشتري

الاحتمال الثاني يكون الذي يعطي أولا هو البائع ومن يقبض ثانيا هو المشتري

الاحتمال الثالث هذه معاطاة مصالحة بمعنى التسالم على الشيء

الاحتمال الرابع أصلا هذه معاوضة مستقلة ليست بيعا وليست معاطاة وليست مصالحة هذه معاوضة ومعاملة مستقلة عن جميع المعاملات المتعارفة هذه احتمالات أربعة.

نأتي إلى الاحتمال الأول وبيان وجهه، يصدق عنوان البائع والمشتري على كلا المتعاطيين هذا بلحاظ تعريف البيع والشراء ما هو البيع؟ مبادلة مال بمال الأول بادل مال بمال والثاني بادل مال بمال فكل منهما بائع الشراء، ما هو معنى الشراء؟ ترك شيء والأخذ بغيره هكذا عرفه أهل اللغة الأول ترك اللحم وأخذ الحنطة والثاني ترك الحنطة واخذ اللحم فتعريف البيع والشراء يصدق على كليهما تعريف البيع مبادلة مال بمال يصدق على الأول والثاني وتعريف الشراء وهو ترك شيء والأخذ بغيره يصدق على الأول والثاني فكل منهما بائع ومشتري فلو حلف أحدهما أنه لم يبع أو لم يشتري يكون قد حلف بحلفه لأنه حلف على شيء غير صحيح وغير واقعي فهو بائع وهو مشتري.

هناك أحكام تترتب على البائع وهناك أحكام تترتب على المشتري لا تشملهما لأن الدليل الدال على أحكام البائع والدليل الدال على أحكام المشتري تنصرف إلى من اختص بصفة البيع ومن اختص بصفة المشتري وهنا لا خصوصية هو بائع وهو مشتري فأدلة أحكام البائع وأحكام المشتري لا تشمل من صدق عليه أنه بائع ومشتري في معاملة واحدة لأن الأدلة تنصرف إلى من اختص بصفة البيع أو اختص بصفة الشراء لا من كان بائعا بلحاظ وهو مبادلة مال بمال ومشتر باعتبار آخر ترك شيء في مقابل شيء آخر.

الصورة الأولى ففي كونه بيعا وشراء بالنسبة إلى كل منهما إلى كل من المتعاطيين بناء على صدق تعريف البيع والشراء عليهما، بناء على أن البيع لغة كما عرفت فيما تقدم مبادلة مال بمال والاشتراء ترك شيء والأخذ بغيره ـ غير الشيء ـ كما عن بعض أهل اللغة كما في قاموس المحيط للفيروز آبادي ولسان العرب لابن منظور فيصدق على صاحب اللحم أنه باعه بحنطة لأنه بادل اللحم بالحنطة بادل مال بمال وأنه اشترى الحنطة لأنه ترك اللحم من أجل الحنطة فيصدق أنه اشترى الحنطة فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم وعدم شراء الحنطة يكون قد حنث بحلفه نعم يستدرك لا يترتب عليهما البائع والمشتري في هذه المعاملة أحكام البائع ولا المشتري لانصرافهما ـ أحكام البائع والمشتري ـ في أدلة تلك الأحكام ـ أحكام البائع والمشتري ـ إلى من اختص بصفة البيع أو الشراء ـ أختص بصفة الشراء ـ لا من صدق عليه أنه بائع أو مشتري في نفس المعاملة فلا يعم يعني أدلة تلك الأحكام لا تعم من كان في معاملة واحدة مصداقاً لهما ـ للبائع والمشتري ـ باعتبارين، بائع باعتبار مبادلة مال بمال مشتري بلحاظ ترك الشيء من أجل شيء آخر إلى هنا بيّن الاحتمال الأول كل منهما بائع ومشتري ولم يناقشه لوضوحه يعني ما عبر بعد وهو كما ترى يعني معاملة أنه في نفس المعاملة واحد هو بائع ومشتري الثاني أيضا هو بائع ومشتري.

الاحتمال الثاني أن المعطي أولا هو البائع والمعطي ثانيا هو المشتري، قال الصورة الثانية أو كونه بيعا بالنسبة إلى من يعطي أولا لصدق الموجب عليه على من أعطى أولاً وشراءً يعني كونه شراء بالنسبة إلى الآخذ لكونه قابلا يعني لكون الآخذ قابلا عرفا فالأول موجب والثاني جاء بالقبول هذا بحسب حكم العرف.

الاحتمال الثالث هذه معاطاة مصالحة فهي بمعنى التسالم على الشيء صار مسلم الشيء بين الأول والثاني.

الاحتمال الثالث أو كونها معاطاة مصالحة لأنها بمعنى التسالم على شيء ولذا حملوا الرواية الواردة في قول احد الشريكين لصاحبه لك ما عندك ولي ما عندي[2] حملوها على الصلح فاستدلوا بهذه الرواية المذكورة على صحة المصالحة مع جهالة المصطلحين بما وقعت فيه المنازعة.

الاحتمال الرابع هذه معاوضة مستقلة ليست بيعا ليست معاطاة ليست مصالحة ليست هبة، أو كونها معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة من بيع وإجارة وعارية وهبة ومصالحة وجوه يعني وجوه أربعة.

شيخنا الأنصاري ماذا ترجح؟ يرجح الثاني أوفق بالعرف عادة عرفا الذي يقدم ويتقدم هو البائع والذي يتأخر هو المشتري.

قال لا يخلو ثانيها عن قوة لصدق تعريف البائع لغة وعرفا، في اللغة مبادلة مال بمال البائع هو الذي يقوم بالمبادلة وعرفا من يتقدم هو البائع ومن يتأخر هو المشتري.

لا يخلو ثانيها عن قوة لصدق تعريف البائع لغة وعرفا على الدافع أولا دون الآخر وصدق المشتري على الآخذ أولا دون الآخر فتدبر، هذه فتدبر تشكيكية، فتدبر لعله إشارة إلى أننا لا نسلم انه دائما الإيجاب يتقدم على القبول بل في بعض المعاملات يتقدم القبول على الإيجاب هذا أولا.

وثانياً أحيانا يحصل تقارن بينهما لا يتقدم الإيجاب ولا يتقدم القبول يحصل تقارن في الاعطائين فكيف نشخص البائع من المشتري عند التقارن فهذا القول الثاني ما يشمل هذه الصورة فيما لو حصل تقارن بين الاعطائين، طبعا لب الإشكال أنه لا نسلم أن الإيجاب دائما يتقدم على القبول فقد يتقدم القبول على الإيجاب كما في بعض البيوع وسيأتي الكلام عليها، هذا تمام الكلام في الأمر الثالث، الأمر الرابع التنبيه الرابع يتكلم عن أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين، القسم الأول تمليك المال بإزاء المال، القسم الثاني تمليك المال بإزاء التمليك، القسم الثالث إباحة المال بإزاء العوض، القسم الرابع إباحة المال بإزاء الإباحة، هذه الأقسام يأتي عليها الكلام في الأمر الرابع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo