< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

41/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الدرس الثامن والأربعون: الأمر السادس تأسيس الأصل في المعاطاة من حيث اللزوم والجواز

 

الأمر السادس في ملزمات المعاطاة [1]

خلاصة الدرس

التنبيه السادس الذي تطرق إليه الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" يتوقف على المباني التي تبنى في المعاطاة فعلى مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" الذي يرى أن المعاطاة تفيد الملك اللازم لا معنى لبحثها لتنبيه السادس إذ أن التنبيه السادس يتطرق إلى الأمور التي تجعل المعاطاة ملزمة فإذا كان مبنى الشيخ الأنصاري أن المعاطاة تفيد اللزوم فلا معنى لبحث الأمور التي تجعل المعاطاة لازمة نعم التنبيه السادس يفيد بناء على مبنى المشهور القائلين بالإباحة ويفيد أيضا بناء على مبنى المحقق الكركي القائل بالملك المتزلزل والجائز إذن أتضح أن التنبيه السادس إنما يبحث بناء على مبنى المشهور ومبنى المحقق الكركي ولا داعي لبحثه بناء على مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري والكثير من أعلام العصر.

يقع الكلام في الأمور التي توجب اللزوم، الأمر الأول التلف، وفيه ثلاث صور :

الصورة الأولى تلف كلا العوضين الثمن والمثمن، الصورة الثانية تلف أحد العوضين إما الثمن وإما المثمن، الصورة الثالثة تلف بعض أحد العوضين إما الثمن وإما المثمن

يقع الكلام في الصورة الأولى وهي تلف كلا العوضين سؤال فهل تلف كلا العوضين الثمن والمثمن العوض والمعوض يفيد لزوم المعاطاة أو لا وقبل أن نبحث أن التلف يفيد اللزوم أم أن الجواز باق لابد من بحث مقتضى الأصل في المعاطاة قبل أن نبحث أي شيء فهل المعاطاة بما هي هي تقتضي اللزوم أو تقتضي الجواب.

الجواب بناء على القول بالملك أن المعاطاة تفيد الملك فالمعاطاة عقد من العقود والأصل في العقود هو اللزوم فبمقتضى هذا الأصل نلتزم بأن المعاطاة تفيد اللزوم فحتى لو بنينا على مبنى المحقق الكركي "رحمه الله" القائل بأن المعاطاة بما هي هي تفيد الجواز والملك المتزلزل إلا أنه قام الإجماع على أن المعاطاة تفيد، طبعا مقتضى الأصل يعني أصل أي عقد أنه يفيد اللزوم خرجنا عن هذا الأصل ببركة الإجماع إذن إن قلنا بأن المعاطاة تفيد الملك المتزلزل كما عليه المحقق الكركي فإن الذهاب إلى القول بالملك المتزلزل أو الملك الجائز ليس بمقتضى أصل المعاطاة وأصل العقد إذ أن مقتضى أصل العقد هو اللزوم لأن الأصل في العقود هو اللزوم والمعاطاة صغرى لهذه الكبرى فيكون الأصل في المعاطاة هو اللزوم خرجنا عن هذا الأصل ـ أصل اللزوم في العقود ـ في خصوص المعاطاة ببركة الإجماع القائل بأن المعاطاة تفيد الجواز، النتيجة النهائية بناء على القول بالملك فإن المعاطاة تفيد اللزوم لا الجواز هذا مقتضى الأصل، مقتضى الأصل في المعاطاة بناء على الملك هو أن المعاطاة تفيد اللزوم وهذا بحث صناعي قبل أن تبحث أي مسألة لابد أن تبحث مقتضى الأصل في المسألة.

وأما بناء على الإباحة فإذا قلنا بقول المشهور إن المعاطاة تفيد الإباحة فالأصل في المعاطاة هو الجواز لدليلين:

الدليل الأول قاعدة السلطنة الناس مسلطون على أموالهم وبالتالي المعطي المبيح هو مسلط على ملكه الذي أباحه فله أن يتراجع عن إباحته ملكه لغيره هذا الدليل الأول قاعدة السلطنة.

الدليل الثاني الاستصحاب، استصحاب بقاء سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة فقبل المعاطاة المبيح الأول مالك لما أباحه والمبيح الثاني أي المعطي الثاني مالك لما أباحه شككنا في زوال الملكية بالتعاطي الذي يفيد الإباحة لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء المالك المبيح على المملوك الذي أباحه عند التعاطي لا تنقض اليقين بالشك إذن الأصل في المعاطاة بناء على الإباحة هو الجواز وعدم اللزوم لقاعدتين، القاعدة الأولى قاعدة السلطنة القاعدة الثانية استصحاب بقاء الملك على ملك المالك المعطي قبل المعاطاة.

إشكال هذا الاستصحاب الدليل الثاني استصحاب سلطنة المالك الثابتة قبل التعاطي معارض باستصحاب آخر وهو أصالة بقاء الإباحة قبل رجوع المالك فإذا حصل التعاطي قطعنا وتيقنا بثبوت الإباحة ولكن عندما تراجع المعطي المبيح نشك في بقاء الإباحة لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء الإباحة.

استصحاب بقاء الإباحة قبل رجوع المالك يعارض استصحاب سلطنة المالك قبل التعاطي تعارض تساقطه فيسقط الدليل الثاني.

الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" يشكل بإشكالين:

الإشكال الأول بناء على مبناه يقول الاستصحاب الثاني أصلا لا يجري يعني استصحاب بقاء الإباحة قبل تراجع المعطي هذا لا يجري لأن هذا من موارد الشك في المقتضي والاستصحاب إنما يجري في موارد الشك في الرافع لا في موارد الشك في المقتضي يعني الإباحة مع رجوع المبيح ليس فيها قابلية للبقاء، الإباحة تبقى إذا المالك ما تراجع إذا المبيح ما تراجع وأما المبيح إذا تراجع الإباحة غير قابلة للبقاء يعني مقتضى البقاء في الإباحة غير موجود قابلية البقاء في الإباحة مفقود والاستصحاب إنما يجري في موارد الشك في الرافع لا الشك في المقتضي لأن النقض إنما هو عبارة عن ثل ما هو محكم وقوي فالحبل القوي والمحكم يصدق عليك أنك تنقضه إذا حللت عقده وأما إذا الحبل أصلا لا يوجد فيه عقد ما يصدق أنه أنت فككته ونقضت ذلك الحبل من هنا ذهب الشيخ الأنصاري إلى أن الاستصحاب إنما يجري في موارد الشك في الرافع يعني يوجد مانع شكينا هذا المانع موجود أو لا، لا تنقض اليقين بالشك وأما في موارد الشك في المقتضي نشك أن قابلية البقاء موجودة أو لا فلا يجري الاستصحاب إذن الإشكال الأول على الاستصحاب الثاني استصحاب بقاء الإباحة بعد تراجع المبيح والمعطي أولا هذا الاستصحاب لا يجري بناء على مبنى الشيخ الأنصاري لأنه من موارد الشك في المقتضي، ثانيا لو سلمنا أنه يجري لأنه هذا خلاف مبنائي فلو تمسكنا بإطلاق لا تنقض اليقين بالشك كما في صحيحة زرارة وهذا الإطلاق كما يشمل موارد الشك في الرافع يشمل الشك في المقتضي قلنا أيضا الاستصحاب الثاني لا يجري لأنه من موارد تعارض الأصل السببي والمسببي والأصل السببي حاكم على الأصل المسببي لأن الأصل السببي يرفع موضوع الأصل المسببي.

ما هو الأصل الثاني؟ استصحاب بقاء الإباحة بعد تراجع المعطي يعني عند التعاطي كنا على يقين من ثبوت الإباحة ولما تراجع المعطي شككنا في بقاء الإباحة لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء الإباحة.

وأما الاستصحاب الأول مفاده استصحاب بقاء سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة يعني المالك الأصلي كان مالكا للعوض أو المعوض عندما قام بالمعاطاة نشك هل هذا الثمن أو المثمن انتقل من ملكه إلى ملك من أعطاه لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء ملكيته على الثمن أو المثمن ولا ينتقل الثمن أو المثمن إلى المتعاطي الآخر إذا ما انتقل يعني إباحة لا توجد، الاستصحاب الثاني مبني على اليقين بثبوت الإباحة الاستصحاب الأول يقول لا يقين بثبوت الإباحة.

سؤال لا يقين بثبوت الإباحة حقيقة وواقعاً أو تعبداً؟ الجواب تعبداً لأننا نفي الإباحة بجريان الاستصحاب الذي هو دليل شرعي فصار الاستصحاب الأول استصحاب بقاء سلطنة المالك على ملكه قبل المعاطاة ناف للإباحة شرعا نفا الإباحة ببركة الدليل الشرعي ببركة الاستصحاب هذا ما يقال له حكومة، الحكومة عبارة عن النظر بحيث يتصرف في الموضوع أو المحمول تعبداً عناية لا حقيقة التصرف الحقيقي هو ملاك الورود الدليل الوارد يتصرف في موضوع الدليل المورود حقيقة يثبته أو يرفعه حقيقة وأما الحكومة يحصل التصرف في الموضوع أو المحمول عناية وإدعاء.

الخلاصة بحثنا فيما يجعل المعاطاة ملزمة بناء على أن المعاطاة جائزة، المعاطاة تكون جائزة بناء على مبنيين المبنى الأول الملك المتزلزل للمحقق الكركي المبنى الثاني الإباحة وهو مسلك المشهور وصاحب الجواهر أما بناء على مبنى المحقق الكركي من أن المعاطاة تفيد الملك المتزلزل فالمعاطاة عقد والأصل في العقود هو اللزوم فمقتضى الأصل بناء على مبنى المحقق الكركي أن المعاطاة تفيد اللزوم، خرجنا عن هذا الأصل وقلنا بالجواز ببركة الإجماع وأما بناء على مبنى المشهور من أن المعاطاة تفيد الإباحة فإن المعاطاة تفيد عدم اللزوم الأصل في المعاطاة عدم اللزوم لدليلين الدليل الأول قاعدة السلطنة الناس مسلطون على أموالهم والقاعدة الثانية الاستصحاب، استصحاب سلطنة المالك على ما يملكه قبل التعاطي، إن قلت هذا الاستصحاب معارض باستصحاب آخر وهو استصحاب بقاء الإباحة قبل تراجع المعطي، الجواب هذا الاستصحاب أولا لا يجري في حد نفسه لأنه من باب استصحاب عند الشك في المقتضي وثانيا لو سلمنا جدلا أن الاستصحاب يجري في موارد الشك في المقتضي فإن الاستصحاب الأول حاكم على الاستصحاب الثاني لأن استصحاب بقاء ملكية المالك قبل المعاطاة استصحاب سببي ينفي الإباحة تعبدا ببركة الاستصحاب واستصحاب بقاء الإباحة بعد التراجع المعطي استصحاب مسببي محكوم.

 

تطبيق المتن

الأمر السادس في ملزمات المعاطاة على كل من القول بالملك يعني الملك المتزلزل مبنى المحقق الكركي والقول بالإباحة مبنى المشهور الإباحة المجردة يعني دون القول بالملك اللازم لأنه لازم من الأساس فلا حاجة للبحث عن الملزم مبنى الشيخ الأنصاري، أعلم هنا تأسيس الأصل في المعاطاة، أعلم أن الأصل على القول بالملك هو اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة من صفحة 51 إلى صفحة 56 الوجوه الثمانية اذكرها باختصار.

الوجه الأول استصحاب بقاء الملك وعدم زواله بفسخ أحد المتعاطيين

الوجه الثاني التمسك بعموم الناس مسلطون على أموالهم[2]

الوجه الثالث التمسك بقوله “عليه السلام” (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه[3] )

الوجه الرابع التمسك بعموم قوله تعالى ﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض﴾[4]

الوجه الخامس التمسك بالمستثنى منه من الآية الكريمة ﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾[5]

الوجه السادس التمسك بقوله "صلى الله عليه وآله" (البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع)[6]

الوجه السابع التمسك بعموم ﴿أوفوا بالعقود﴾[7]

الوجه الثامن التمسك بقوله “عليه السلام” المؤمنون عند شروطهم[8]

هذه وجوه ثمانية استدل بها الشيخ الأنصاري "رحمه الله" على اللزوم، إلى هنا انتهينا من أن المعاطاة بناء على الملك تفيد اللزوم.

وأما على القول بالإباحة بأن المعاطاة تفيد الإباحة وهو مبنى المشهور صاحب الجواهر فالأصل في المعاطاة بناء على الإباحة عدم اللزوم لقاعدة تسلط الناس على أموالهم هذا الدليل الأول والمعطي المبيح مسلط على ما أباحه فله الرجوع فهذا يثبت الجواز.

الدليل الثاني وأصالة سلطنة يعني واستصحاب سلطنة المالك هذه السلطنة الثابتة قبل المعاطاة يعني كنا على يقين من ملكيته لما يملكه قبل التعاطي شككنا بعد المعاطاة المفيدة للإباحة هل زالت الملكية لا تنقض اليقين بالشك نستصحب بقاء الملكية، هذا أصل سببي حاكم على الأصل المسببي وهي يعني أصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة حاكمة يعني مقدمة ببركة التعبد بالاستصحاب حاكمة على أصالة يعني على استصحاب بقاء الإباحة هذه الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك هذا الوجه الثاني والوجه الأول لو سلم جريانها يعني لو سلم جريان أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لماذا لو سلم جريانها؟ لأنها من موارد الشك في المقتضي والشيخ الأنصاري لا يرى أن الاستصحاب يجري في موارد الشك في المقتضي.

إلى هنا اسسنا الأصل في المسألة من الآن يشرع الشيخ الأنصاري "رحمه الله" في الملزم الأول، ما هو الملزم الأول؟ التلف وله صور ثلاث الصورة الأولى تلف كلا العوضين الصورة الثانية تلف أحد العوضين الصورة الثالثة تلف بعض أحد العوضين، يشرع في الصورة الأولى تلف كلا العوضين، هل تلف كلا العوضين يفيد اللزوم أو لا؟ نعم قام الإجماع على ذلك وإذا نرجع إلى عبائر العلماء نجد بعضها ظاهر وبعضها صريح في قيام الإجماع، صريح لما يقول قام الإجماع على كذا وبعضها ظاهر كما لو قال لا خلاف إذا عرفت هذا يعني الأصل في المعاطاة من حيث اللزوم والجواز فأعلم أن تلف العوضين ملزم إجماعا، من أين عرفنا الإجماع؟ يقول على الظاهر المصرح به بالإجماع في بعض العبائر[9] يعني بعض العبائر ظاهرة وبعض العبائر صريحة مثلا صرح بعدم الخلاف هذا ظاهر، صرح الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة الجزء 18 صفحة 362، الشيخ جعفر كاشف الغطاء في شرح القواعد من النسخة المخطوطة صفحة 50، السيد محمد المجاهد في كتابه المنائر صفحة 269 والسيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة الجزء الرابع صفحة 157.

هنا نسأل هذا السؤال لمَ تلف كلا العوضين يفيد اللزوم؟ أيضا الجواب بناء على الإباحة وبناء على الملكية، أما بناء على الإباحة فثبوت اللزوم واضح لأن التلف إنما يكون من ملك المالك المبيح لا من ملك من استلمه وهو المباح له لأن المعطي لم يملك وإنما أباح فإذا أعطى المعطي ثمناً أو مثمناً وتلف الثمن أو المثمن في يد الطرف الآخر الذي تعاطا فإن هذه الخسارة إنما هي من كيس المالك المعطي المالك المبيح وليست من كيس الطرف الآخر الذي قبض هذا الثمن أو المثمن لماذا؟ أولا الثمن أو المثمن تلف في ملك المبيح وليس في ملك المباح له ثانيا أدلة الضمان ما تشمل من تلف الثمن أو المثمن في يده لأن يده يد أمانة وليست يد عدوان لو كانت يده يد عدوانية أتعمد إتلافه يصير على اليد ما أخذت حتى تؤدي يمكن التمسك بقاعدة اليد لكن يده يد أمانة وليست يد ضمان وليست يد عدوان حتى يثبت الضمان بالتالي الخسارة من كيس المالك المبيح والمباح له لا يضمن يعني لا يلزم بالإتيان بالبدل لأن أدلة الضمان لا تشمله إن قلت نتمسك بقاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي الجواب مورد قاعدة اليد اليد العدوانية لا اليد الأمانية.

أما على القول بالإباحة فواضح يعني أن تلف العوضين يفيد اللزوم لأن تلفه من مال مالكه ولم يحصل ما يوجب ضمان ما يقتضي الضمان ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه يعني لم يحصل ما يقتضي ضمان كل منهما مال صاحبه وتوهم جريان قاعدة الضمان باليد يعني قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي هنا يعني بناء على المعاطاة التي تفيد الإباحة مندفع بما سيجيء، يجيء في صفحة 98 عند قول الشيخ الأنصاري والتمسك بعموم على اليد هنا في غير محله لماذا في غير محله؟ لأن قاعدة اليد إنما تجري في اليد العدوانية لا اليد الأمانية، إلى هنا درسنا أن تلف العوضين يوجب الضمان بناء على الإباحة وأما بناء على الملك ففيه مباحث دقيقة جداً في الاستصحاب، وأما على القول بالملك يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo