< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/05

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثالث: الطريق الخامس لإثبات الهلال البينة الشرعية

التواتر هي عبارة عن شهادة شاهدين عادلين يشهدان على رؤيتهما للهلال حساً لا حدساً.

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ ره ـ في العروة الوثقى:

<الخامس البينة الشرعية وهي خبر عدلين سواءً شهدا عند الحاكم وقبل شهادتهما أو لم يشهدا عنده أو شهدا وردّ شهادتهما فكل من شهد عنده عدلان يجوز بل يجب عليه ترتيب الأثر من الصوم أو الإفطار ولا فرق بين أن تكون البينة من البلد أو من خارجه وبين وجود العلة في السماء وعدمها>[1] .

انتهى كلامه زيد في علو مقامه

الطريق الخامس لإثبات الهلال شهادة البينة الشرعية

وهي شهادة رجلين عادلين يشهدان بأنهما قد رأيا الهلال، وقد اختلفت أقوال الفقهاء في حجية البينة ولعل الأقوال أربعة:

القول الأول حجية البينة مطلقاً، وهو قول المشهور فالبينة حجةٌ مطلقاً سواءً كانت السماء صافية أم لا، وسواءً كانت البينة من البلد أم من خارجه، وهذا قول ابن الجنيد الإسكافي، والمفيد، والسيد المرتضى، وابن إدريس، والمحقق الحلي في الشرائع، ونسب صاحب الجواهر هذا القول إلى المشهور[2] .

القول الثاني عدم حجية البينة مطلقاً بل المدار على الشياع الموجب للعلم، ونقل هذا القول المحقق الحلي في شرائع الإسلام واعترف صاحب الجواهر لم يعرف القائل بهذا القول[3] .

القول الثالث يثبت الهلال بالشاهد الواحد في خصوص أول شهر رمضان المبارك لا هلال العيد، وهو مختار سلار في المراسم[4] وهذا القول موافقٌ لبعض آراء العامة كما سيأتي.

القول الرابع ما اختاره شيخ الطائفة الطوسي ـ ره ـ ومن تبعه من التفصيل فالبينة تقبل في ما إذا كانت في السماء علة ومع عدمها يثبت الهلال بشهادة خمسين، فالبينة حجة إذا كانت السماء غير صافية وأما إذا كانت السماء صافية ولم يره إلا اثنان فإن هذه البينة لا تثبت الهلال إلا إذا شهد خمسون شاهداً وهم عدد القسامة الذين يقسمون.

ذهب إلى هذا القول الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وجماعة من القدماء كأبناء زهرة وحمزة والبراج، يعني السيد ابن زهرة وابن حمزة وابن البراج وأبي الصلاح الحلبي.

ويظهر من الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة الميل إلى هذا القول استناداً إلى خبر حبيب الخزاعي بناءً على ضبط رجال الحديث للسيد الخوئي أو الجماعي بناءً على ضبط صاحب الجواهر وسيأتي الحديث عنه.

والصحيح ما ذهب إليه المشهور المظفر المنصور ووافقهم السيد محسن الحكيم في المستمسك والسيد أبو القاسم الخوئي في مستند العروة الوثقى وغيرهما من أعلام العصر كما سيأتي.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة عند الخاصة والشيعة الإمامية.

أقوال العامة وأهل السنة

وأما العامة وأهل السنة فهم يفرقون بين ثبوت هلال شهر رمضان وبين هلال شهر شوال فذهب الكثير منهم إلى أن هلال شهر رمضان يثبت بشهادة العدل الواحد من دون حاجة إلى البينة بخلاف هلال شهر شوال والعيد فلا بدّ فيه من البينة، ولنقرأ جملةً من الأقوال التي ذكرها ابن قدامه في المغني[5] .

قال الخرقي في متن المغني: وإن كان عدلاً صوم الناس بقوله. وقال ابن قدامه في شرحه: المشهور عن أحمد ـ يقصد أحمد بن حنبل ـ أنه يقبل في هلال رمضان قول واحدٍ عدل ويلزم الناس الصيام بقوله، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن مالك والشافعي في الصحيح عنه. وروي عن أحمد أنه قال: اثنين أعجب إلي ـ يعني قول اثنين أحب إلي يعني البينة ـ ، قال أبو بكر: ـ يقصد الخلاد ـ إذا رأه واحدٌ وحده ثم قدم المصر صام الناس بقوله وإن كان الواحد في جماعة الناس فذكر أنه رأه دونهم لم يقبل إلا قول اثنين لأنهم يعانون ما عاين... وقال أبو حنيفة في الغيم كقولنا، وفي الصحو لا يقبل إلا الاستفاضة لأنه لا يجوز أن تنظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم صحيحة والموانع مرتفعة فيراه واحدٌ دون الباقين.

هذا تمام الكلام في بيان آراء العامة.

وقد تطرقنا إلى آرائهم وفقاً لمنهج المحقق المدقق السيد حسين البروجردي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ فإنه كان يرى أن فقه الإمامية وروايات الأئمة ـ عليهم السلام ـ كانت بمثابة الحاشية على متنٍ والمتن كان هو آراء العامة إذ أن المنصور الدوانيقي أمر مالك بن أنس أن يكتب كتاب الموطأ لكي يكون كتاب الموطأ فقه الدولة العباسية وفقه السلطان في مقابل فقه الإمام جعفر بن محمد الصادق ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .

ولذلك إذا رجعنا إلى كثير من الروايات نجد الأئمة خصوصاً الباقرين ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ إذا سئلا يقولان: ماذا يقول الناس؟ والمراد بالناس في هذه الروايات العامة وفقهاء العامة، فقد تصدى الأئمة ـ عليهم السلام ـ إلى تصحيح الوضع القائم فبعض الروايات صدرت من الأئمة ـ عليهم السلام ـ لتصحيح الفقه السلطاني السائد آنذاك فيكون كلام الإمام بمثابة الحاشية والتعليقة ولمعرفة الحاشية والتعليقة لا بدّ من معرفة المتن لذلك ركز السيد البروجردي ـ ره ـ أولاً على تتبع أقوال العامة وثانياً على تاريخ المسألة الفقهية ومبدأ نشوئها وفي أي زمنٍ نشأت.

وقد استفدنا من محضر مجلس درس أستاذنا سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري ضرورة قراءة روايات الباب بشكلٍ إجمالي قبل الولوج في صميم البحث الفقهي، لذلك درسنا كتاب وسائل الشيعة وحضرنا عنده كتاب الطهارة وكتاب الحج، فكان أولاً يقرأ جميع الروايات ويلاحظ الأسناد والمتن وبعد أن ينهي روايات الباب يشرع في بيان البحث الفقهي.

فإذا ألم الطالب أولاً بالأقوال في المسألة أقوال العامة والخاصة، وثانياً ألم بتاريخ المسألة الفقهية ومبدأ نشوئها، وثالثاً راجع روايات الباب ودرسها بشكلٍ إجمالي فبعد ذلك إذا ولج صميم البحث الفقهي بشكلٍ تفصيلي فإنه سيستطيع أن يلم بأطراف الموضوع ويناقش.

هذا تمام الكلام في الأمر الأول وهو عرض الأقوال في المسألة، واتضح أنها أربعة أقوال وعمدتها القول الأول وهو رأي المشهور حجية البينة مطلقاً والقول الرابع الذي يرى التفصيل بين حجية البينة عند الغيم وإذا كان الجو معتلاً وعدم حجيتها عند الصحو وعدم الاستفاضة فلا بدّ من الاستفاضة وأقلها مقدار عدد القسامة خمسين شاهداً يشهدون برؤية الهلال وهو قول الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ـ قده ـ وجماعة من القدماء.

الأمر الثاني عرض الأدلة

ويمكن الاستدلال على قول المشهور بالروايات الشريفة، وهي على قسمين:

القسم الأول ما دلّ على حجية البينة مطلقاً.

القسم الثاني ما دلّ على حجية البينة في خصوص المقام، وهو ثبوت هلال شهر رمضان أو هلال شهر شوال.

القسم الأول ما دلّ على حجية مطلق البينة:

ويمكن التمسك لإطلاق حجية البينة بجملةٍ من الروايات:

منها قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ <إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان>[6] .

فالرواية الشريفة تشير إلى الكبرى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله كان يقضي بين الناس لا بعلمه بل استناداً إلى حجية البينة وشهادة الشهود، وأما الصغرى فمعلومٌ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يقضي بالبنية الشرعية المعروفة وهي شهادة رجلين عدلين أو شهادة رجل واحد وإمرأتين عادلتين، وسيأتي إن شاء الله أنه في خصوص المقام لا تكفي شهادة النساء بل لا بدّ من شهادة الرجال.

الرواية الثانية التي قد يتمسك بها على حجية عموم البينة بشكلٍ مطلق التمسك بموثقة مسعدة بن صدقة، قال ـ عليه السلام ـ : <كل شيءٍ لك حلال حتى تعلم أنه حرامٌ بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقه أو المملوك يكون عندك ولعله حرٌّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً أو إمرأةٌ تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة>[7] .

وقد تمسك بهذه الموثقة على حجية مطلق البينة سيدنا السيد محسن الحكيم[8] وقال به أيضاً الشيخ مرتضى بني فضل في كتابه[9] إلا أن الصحيح عدم صحة التمسك بموثقة مسعدة بن صدقة لإثبات حجية مطلق البينة، وفاقاً لما أفاضه سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[10] ، وقد أفاض القول في ذلك في كتاب الطهارة[11] .

وخلاصة ما أفادة ـ قده ـ :

أنها لا يمكن أن نحمل لفظ البينة الوارد في موثقة مسعدة بن صدقة على خصوص البينة الشرعية وهي شهادة رجلين عادلين بل نحمل لفظ البينة على المعنى اللغوي بمعنى التدين، تقول: فلانٌ على بينة من أمره أي على وضوحٍ من أمره.

والسرّ في ذلك: أنه لم تثبت لدينا الحقيقة الشرعية ولا المتشرعية لهذه الكلمة بل لفظ البينة في قوله ـ عليه السلام ـ : <والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة> محمولٌ على المعنى اللغوي أي مطلق الحجة كما هي مستعملةٌ في الكتاب الكريم كثيراً كقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾[12] وقوله تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾[13] إلى غير ذلك من الآيات.

والذي يرشد وينبه إلى أن المراد بالبينة في الموثقة ليس خصوص البينة الشرعية بل مطلق الحجة أن هذا الحصر الوارد في موثقة مسعدة بن صدقة لو حملناه على خصوص البينة الشرعية لا يكون حاصراً لإمكان ثبوت بعض الأشياء بغير القطع والبينة، فالرواية ذكرت موردين: الاستبانه بقوله: <حتى تستبين> وقيام البينة.

مع أنه توجد أشياء توجب الثبوت والإثبات غير الاستبانه وقيام البينة كـإقرار المكلف نفسه وحكم الحاكم الشرعي، فيكشف ذلك عن أن المراد بالبينة مطلق الحجة الشامل للبينة الشرعية وإقرار المكلف نفسه وحكم الحاكم وغير ذلك من الحجج.

فيكون حاصل معنى الرواية ليس الأشياء كلها على ذلك إلى أن تقطع أو تقوم البينة العادلة بل يكون معنى موثقة مسعدة بن صدقة إن الأشياء كلها على هذا حتى تستبين أي تتضح بنفسها بالعلم الوجداني أو تقوم به البينة يعني أو أن تقوم به الحجة المعتبرة أي الطريق العلمي من الخارج فإن البينة بمعنى ما يتبين به الأمر، أي الرواية ناظرة إلى العلم القطعي الوجداني وإلى الطريق الثاني أي الطريق العلمي الذي قام عليه دليلٌ قطعي، فالأشياء كلها على هذا حتى تستبين يعني حتى تعلم وجداناً يحصل لك قطع بالوجدان أو تقوم به البينة يعني أو تثبت لك حجة شرعية بينة واضحة ومن أمثلها شهادة البينة العادلة، ومن أمثلتها حكم الحاكم لو كنت ترى حكم الحاكم الشرعي.

فتحصل أن موثقة مسعدة بن صدقة بمجردها قاصرة الدلالة على حجية مطلق البينة الشرعية أي شهادة الرجلين العادلين.

مداخلة من طالب ولكن سوف يندرج تحتها.

جواب الأستاذ يندرج تحتها ولكن لم تنصّ عليها بخصوصها، فيحتاج يصير ماذا؟ يصير التمسك بها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، يصير أول الكلام هل البينة؟ هل البينة؟ شهادة العادلين توجب التبين والوضوح حجة أم لا؟ تصير موثقة مسعدة بن صدقة تدل على حجية الحجة الشرعية لكن هل البينة مصداق للحجة الشرعية أم لا؟ هذا لا تثبته موثقة مسعدة بن صدقة لا بدّ من دليل خارج عن موثقة مسعدة بن صدقة كقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : <إنما أقضي بينكم بالبينات والأشهاد>.

إذا اتضح أن القسم الأول من الأدلة التي أقيمت على حجية البينة تام، وهو ما دلّ على حجية مطلق البينة في سائر موارد الفقه إلا ما خرج بالدليل، والدليل عليه ليس موثقة مسعدة بن صدقة كما ذهب إليه السيد الحكيم ـ ره ـ بل الدليل عليه بعض الروايات كقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : <إنما أقضي بينكم بالبينات والأشهاد>.

القسم الثاني الروايات الخاصة

وأما الروايات الخاصة التي وردت في خصوص المقام فهي كثيرة وبلغت حدّ الاستفاضة بل ادعى السيد أبو القاسم الخوئي ـ ره ـ أنها تبلغ حدّ التواتر الإجمالي، وهي عدة روايات، نذكر منها بعض الروايات:

الرواية الأولى صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : <إن علياً ـ عليه السلام ـ كان يقول: لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين>[14] .

الرواية الثانية صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: <صمّ لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه>[15] .

الرواية الثالثة صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لا يجوز شهادة النساء في الهلال، ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين>[16] .

الرواية الرابعة صحيحة شعيب بن يعقوب العقرقوفي عن أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ <أنه سءل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان، فقال: لا يقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر>[17] .

الرواية الخامسة صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه بينة عدلٍ من المسلمين>[18] .

الرواية السادسة صحيحة أخرى للحلبي عن عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: قال علي ـ عليه السلام ـ : <لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا بشهادة رجلين>[19] .

الرواية السابعة صحيحة شعيب بن يعقوب عن جعفر عن أبيه ـ عليه السلام ـ : <إن علياً ـ عليه السلام ـ قال: لا أجيز في الطلاق ولا في الهلال إلا رجلين>[20] .

الرواية الثامنة صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <سمعته يقول: لا تصم إلا للرؤيه أو يشهد شاهدا عدلٍ>[21] .

الرواية التاسعة مرفوعة أحمد بن عيسى عن أبيه رفعه: قال: <قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بشهادة الواحد واليمن في الدين، وأما الهلال فلا إلا بشاهدي عدلٍ>[22] .

هذه الرواية مرفوعة ضعيفة السند، الروايات الثمان الأول كلها معتبرة وغيرها من روايات الباب.

النتيجة النهائية:

ثبتت حجية البينة الشرعية بالأدلة العامة والخاصة.

يبقى الكلام في المعارض توجد أربع روايات معارضة يأتي عليها الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo