< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن: ثبوت الهلال بحكم الحاكم

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ في العروة الوثقى ما نصّه:

<السادس: حكم الحاكم الذي لم يعلم خطأه ولا خطأ مستنده>[1] .

هل يثبت الهلال بحكم الحاكم الشرعي وهو الفقيه الجامع للشرائع إذا استند إلى مستند صحيح كالتواتر أو البينة أو الرؤيا؟

فيه خلافٌ.

قال الشيخ يوسف البحراني: <ظاهر الأصحاب هو الحجية بل زاد بعضهم الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي ويظهر من بعض أفاضل متأخر المتأخرين العدم وأنه لا بدّ للمفطر من سماعه من الشاهدين، وأنه لا بجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي هنا، بل أن حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك وإلا فلا>[2] .

الأقوال في المسألة توجد ثلاثة أقوال:

القول الأول وهو ما نسب إلى المشهور وهو أن الهلال يثبت بحكم الحاكم.

القول الثاني التردد أو التوقف، وهو ظاهر السيد محمد في المدارك والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة.

القول الثالث المانع، وهو قول المحقق للشيخ أحمد النراقي في مستند الشيعة والسيد الخوئي في مستند العروة الوثقى وجملة من معاصريه وتلامذته.

وسيتضح إن شاء الله من خلال البحث أن الصحيح ما ذهب إليه المشهور المؤيد المنصور، وقبل الولوج في صميم البحث نذكر بعض المصادر التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة الأقوال الثلاثة والاستدلالات التي أقيمت، ومن ثم نشرع في بيان الأدلة:

القول الأول أن الهلال يثبت بحكم

للمشهور قال به أعظم يمكن مراجعة كلماتهم واستدلالاتهم:

القول الأول الشهيد الأول في كتاب الدروس الشرعية صفحة سبعة وسبعين من النسخة القديمة، والجزء الأول صفحة مئتين وستة وثمانين من النسخة الحديثة.

القول الثاني المحقق الشيخ محمد باقر السبزواري في كفاية الأحكام صفحة اثنين وخمسين، والذخيرة صفحة خمسمئة وواحد وثلاثين من النسخة الحجرية.

القول الثالث الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام السادس عشر صفحة ثلاثمئة وتسعة وخمسين من النسخة المتعارفة جزء سبعة عشر صفحة ثلاث مئة واثنين وعشرين نسخة تحقيق جماعة المدرسين.

القول الرابع السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوسطى الجزء العاشر صفحة مئتين وثمانية وستين من نسخة تعليقات الإحدى والأربعين خمسة عشر.

القول الخامس السيد الإمام الخميني في تحرير الوسيلة وتبعه تلميذه الشيخ مرتضى بني فضل في كتاب مدارك تحرير الوسيلة كتاب الصوم صفحة مئتين وأربعة وتسعين.

القول السادس السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى الجزء الثامن صفحة أربعمية وواحد وستين.

القول السابع السيد محمد المحقق الداماد كتاب الصوم والاعتكاف الجزء الثاني صفحة ستة وأربعين.

القول الثامن الميرزا جواد التبريزي صفحة مائة وستين.

القول التاسع الشيخ جعفر السبحاني كتاب الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء الجزء الثاني صفحة واحدة وثمانين.

هؤلاء الأعاظم ذهبوا إلى ثبوت الهلال بحكم الحاكم وفاقاً لما نسب إلى الأصحاب كما في الحدائق الناظرة والمشهور.

القول الثاني التردد أو التوقف

يظهر التردد من مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام السيد محمد العاملي الجزء السادس مئة وسبعين ومئة وواحد وسبعين إذ ذكر القول الأول والقول الثاني ولم يرجح أحدهما مما يظهر منه التردد.

القول الثاني الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة الجزء ثلاثة عشر صفحة مئتين وستين إذ صرح بأنه يتوقف، ومقتضى التوقف عدم ثبوت حكم الحاكم فيلتقي القول الثاني مع القول الثالث في النتيجة.

القول الثالث المانع أو الاستشكاء

تراجع الأقوال والكتب التالية:

الأول مستند الشيعة للشيخ أحمد النراقي الجزء العاشر صفحة أربعمائة وعشرين.

الثاني مستند العروة الوثقى السيد أبو القاسم الخوئي تقرير البروجردي الجزء اثنين وعشرين من موسوعة الإمام الخوئي صفحة تسعة وثمانين.

القول الثالث مصباح منهاج كتاب الصوم السيد محمد سعيد الحكيم صفحة مئتين وخمسة وتسعين.

القول الرابع المدارج الفقهية للسيد محمد اليثربي الكاشاني الجزء الثامن من الموسوعة، وهو الجزء الثاني من كتاب الصوم صفحة مئة وسبعة وأربعين.

القول الخامس حواشي العروة الوثقى الجزء العاشر صفحة مئتين وثمانية وستين هذه النسخة فيها واحد وأربعين حاشية كلهم وافق صاحب العروة عدا تسعة يعني الموافقون لصاحب العروة قرابة اثنين وثلاثين حاشي والمخالفون هم:

السيد أبو القاسم الخوئي، السيد علي السيستاني، السيد علي الميلاني، السيد أحمد الحوانساري، السيد عبدالله الشيرازي، السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، السيد تقي القمي، السيد حسن القمي، الميرزا هاشم الآملي، ومن الواضح أنهم من المعاصرين للسيد الخوئي أو في رتبة تلامذته.

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال في المسألة.

النقطة الثانية الأدلة

ويمكن الاستدلال على أن الهلال يث بحكم الحاكم بأحد دليلين:

الدليل الأول التمسك بإطلاقات الروايات التي نزلت الفقيه والحاكم والقاضي منزلة الإمام المعصوم في الحجية.

الدليل الثاني التمسك ببعض الروايات الخاصة في المقام كصحيحة محمد بن قيس.

ويمكن ذكر عدة من الروايات أهمها خمسة أربعة منها مطلق والخاص صحيحة محمد بن قيس:

الرواية الأولى مقبولة عمر بن حنظلة قال: <سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟ قال ـ عليه السلام ـ : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت> إلى أن قال: <قلت: كيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا ردّ وعلينا ردّ والراد علينا الراد على الله>[3] .

تقريب الاستدلال:

إن هذه الرواية وإن وردت في مورد خاص وهو المنازعة في الدين أو الميراث إلا أن هذا المورد الخاص ورد على لسان الراوي وهو عمر بن حنظلة ولم يرد على لسان الإمام ـ عليه السلام ـ فنحن نتمسك بإطلاق التنزيل فإن الإمام ـ عليه السلام ـ نزل الفقيه والراوي منزلته في القضاء والحكم، فظاهر الرواية ترتيب جميع وظائف القضاة والحكام على من جعله الإمام المعصوم نائب عنه فالفقيه والحاكم يقوم مقام الإمام ـ عليه السلام ـ في كل مكان يمارسه قضاة الجور وسلاطين الجور ومنه مسألة الهلال إذ لم يكن بناء المسلمين على الاكتفاء بخصوص الطرق الأربعة الرؤية والبينة والتواتر والشياع الموجب للعلم بل كانوا يرجعون إلى السلاطين وحكام الجور والقضاة فإذا حكموا افطروا وصاموا.

ولكن آآ هذه المقبولة قد يناقش فيها سنداً ودلالة وسيتضح أنها تامة سنداً ودلالةً.

أما المناقشة السندية فرجال الحديث كلهم ثقة عدا الراوي الأخير وهو عمر بن حنظلة فلم يرد في حقّه أي توثيق في كلمات الرجاليين، ومن هنا ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى ضعف هذه الرواية بعمر بن حنظلة لعدم ثبوت وثاقة ابن حنظلة بيد أنه وردت فيه رواية وصفه الإمام ـ عليه السلام ـ فيها بقوله: <إذاً لا يكذب علينا> الرواية هكذا <جاءنا عنكم عمر بن حنظلة بخبرٍ، الإمام ـ عليه السلام ـ يقول: إذاً لا يكذب علينا>[4] .

إذاً لا يكذب علينا الذي هو في أعلى مراتب التوثيق لولا أنها ضعيفة السند في نفسها[5] .

مداخلة: لا يكذب علينا إنشاء أم إخبار؟

الأستاذ: إخبار، إخبار عن أنه ثقة ولا يكذب، ما دام عمر حنظلة جاء عنا بخبر ٍفهو لا يكذب علينا إخبار.

وقد حاول الشهيد الثاني إثبات وثاقة عمر بن حنظلة بوجوه غير تامة في نفسها[6] .

لكننا نبني في الرجال وأيضاً في الأصول على حجية الوثوق الموجب للاطمئنان وإذا رجعنا إلى ترجمة عمر بن حنظلة سنجد أن هناك عدة قرائن إثبات ناقصة لو تجمعت لأورثت الوثوق والاطمئنان بوثاقته منها:

رواية الأجلاء عنه كزرارة بن عيان وصفوان بن يحيى بياع السابوري أحد الثلاثة الذين لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة وهذا المبنى تام عندنا وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بك وهؤلاء كلهم من أصحاب الإجماع وله أكثر من سبعين رواية.

ومن هنا قال شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي في تنقيح مباني العروة كتاب الصوم صفحة مئة وستين ما نصّه:

<ولا مجال للمناقشة في المقبولة من جهة السند فإن عمر بن حنظلة من المعاريف الذين لم يرد فيهم قدح>.

إذا الرواية صحيحة السند.

ولو تنزلنا جدلاً ولم نلتزم بوثائق عمر بن حنظلة إلا أننا نقبل خصوص هذه الرواية لأن الأصحاب تلقوها بالقبول فهي مقبولة عندنا ومشهورة عند الأصحاب وقد تلقوها بالقبول فلا مجال للوسوسة فيها كما يقول صاحب الجواهر كما سيأتي نقل كلامه إن شاء الله في نهاية البحث.

هذا تمام الكلام من جهة السند.

وأما الحيثية الدلالية فالمهم هو ثبوت إطلاق التنزيل حيث نزل الإمام الفقيه والحاكم منزلة القاضي والسلطان الذي حيث نزل الإمام الفقيه والحاكم منزلته في الحجية في الأمور التي يرجع فيها حكام الجور ويمارسونها ومنها الهلال، فمقتضى عمومها ثبوت حكم الحاكم.

قد ناقش السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في الاستدلال بمناقشتين[7] .

تتمة المناقشتين للسيد الخوئي وردهما يأتي عليهما الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo