< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/13

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس التاسع: تمام دلالة عمر بن حنظلة على حجية حكم الحاكم

 

اتضح أن مقبولة عمر بن حنظلة تامةٌ سنداً ودلالةً على حجية حكم الحاكم، وبالتالي حكم الحاكم حجةٌ في ثبوت هلال شرعاً.

أما من ناحية السند فلقيام أمارات توجب الوثوق والاطمئنان بوثاقة عمر بن حنظلة وعلى بعض التقادير لو سلمنا جدلاً أنه لم تثبت وثاقته إلا أنه في خصوص هذه الرواية قد تلقاها الأصحاب بالقبول فسميت مقبولة فهي حجة سنداً.

وأما من ناحية الدلالة فإن هذه وإن كان موردها خاصاً وهو المنازعة في دينٍ أو ميراث إلا أننا نتمسك بإطلاق التنزيل حيث إن الإمام ـ عليه السلام ـ نزل الفقيه والحاكم الشرعي منزلة السلطان والقاضي الذي كان يقضي بين الناس وقد جعل له الحجية، ومن الواضح أن الناس يوم ذاك كانوا يرجعون إلى الحكام والقضاة في أمور ثبوت الهلال.

فمقتضى عموم الرواية وإطلاق التنزيل ثبوت حكم الحاكم الشرعي وقوله حجة في ثبوت الهلال.

لكن أورد على عموم التنزيل بوجهين للسيد أبو القاسم الخوئي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ فيراجع[1] . وأهم ما أورد على الصحيحة وجهان:

المناقشة الأولى

إن النصب في الرواية خاص بمورد التنازع والترافع المذكور في صدر الحديث فكل أمر وقع فيه التخاصم والتنازع فالمرجع فيه هو الحاكم الشرعي.

فلو كان مورد الهلال من موارد التنازع فحينئذ يكون حكم الحاكم حجة فيه كما لو اختلف المستأجر والمؤجر في انقضاء الشهر برؤية الهلال وعدمه وترافعا إلى الحاكم الشرعي وحكم الحاكم الشرعي بثبوت الهلال فإن حكمه حينئذ يكون حجة بملاك وجود الترفع فيه.

وأما إذا لم يكن المورد من موارد الترافع والخصومة كما لو حكم الحاكم الشرعي بثبوت الهلال للناس من دون وجود أي مورد خصومة أو منازعة فحجية حكمه عندئذ خارج عن مصب الرواية.

وفيه ما أفاده الشيخ جعفر السبحاني في كتابه[2] ولقد أجاد وأفاد في مناقشة السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فقال: إن من قرأ الرواية وأمعن فيها يقف على أن الإمام ـ عليه السلام ـ بصدد ردع الشيعة من الرجوع إلى أبواب الطواغيت، وذلك بإيجاد حلولٍ تغنيهم عن الرجوع إليهم، وذلك بنصب الفقيه حاكماً يفزع إليه، ومثل ذلك يقتضي عموم المنزلة لا تخصيصها بالمرافعات وتركهم في غيرها حيارا وأمرهم فوضى لا يعرفون وظائفهم ولا يدرون إلى أين يرجعون؟!

وما ذكرناه وإن لم يكن أمراً قطعياً لكنه يكفي في ردّ القطع بأنها وردت حول الدعاوى والمرافعات فقط.

على أن خصوصية الدعوة والمنازعة في دين أو ميراث هذا القيد قد ورد في كلام الراوي وهو عمر بن حنظلة ولم يرد في كلام الإمام ـ عليه السلام ـ ، ومجرد وجود حلول أخرى في خصوص الهلال كالرؤية وشهادة البينة والتواتر والشياع العلمي لا يرفع الحيرة في بعض الموارد كمورد عدم التمكن من الرؤية فيما إذا كان الجو غائم وبه علة.

فإذا تعسر تحصيل هذه الموارد من رؤيةٍ أو شياعٍ أو تواترٍ أو بينه فحينئذ يمكن الرجوع إلى غيرها كحكم الحاكم.

والخلاصة:

قد ذكر السيد الخوئي رحمه في مناقشة المقبولة ومشهورة أبي خديجة أن القاضي على نحوين:

الأول القاضي المنصوب والذي ترفع إليه القضايا والذي يفصل في المنازعات وإن لم ترفع إليه.

الثاني قاضي التحكيم وهو الذي يحكم في المنازعات والخصومات.

وقد استظهر السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في مشهورة أبي خديجة الآتية أن موردها هو قاضي التحكيم وليس القاضي المنصوب إذ قال ـ رحمه الله ـ معلقاً على مشهورة أبي خديجة القادمة ما نصّه:

<فالرواية وإن كانت معتبرة بهذا الطريق إلا أنها قاصرة الدلالة لكونها ناظرة إلى قاضي التحكيم أي الذي يتراضى به المتخاصمان الذي لا يشترط فيه إلا معرفة شيء من أحكام القضاء لا إلى القاضي المنصوب ابتداء الذي هو محل الكلام ويعتبر فيه الاجتهاد كما تقدم>[3] .

إلا أن نفس السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ استظهر من مقبولة عمر بن حنظلة أنها ناظرة إلى القاضي المنصوب لا قاضي التحكيم، فقال ـ قدس الله نفسه الزكية ـ معلقاً على مقبولات عمر بن حنظلة ما نصّه:

<وغير خفيين المقبولة وإن كانت واضحة الدلالة على نصب القاضي ابتداءً ولزوم إتباعه في قضائه حيث أن قوله ـ عليه السلام ـ فليرضوا به حكماً بعد قوله ينظران من كان منكم إلى آخر الرواية كالصريح في أنهم ملزمون بالرضا به حكماً باعتبار أنه ـ عليه السلام ـ قد جعله حاكماً عليهم بمقتضى وقوله ـ عليه السلام ـ : فإني قد جعلته حاكماً الذي هو بمثابة التعليل للإلزام المذكور>[4] .

والخلاصة:

سواءً التزمناه أن القاضي والحاكم في مقبولة عمر بن حنظلة هو قاضي تحكيم يفصل في منازعات حكم فيها بالخصوم أو قاضي عام منصوب من قبل الإمام ـ عليه السلام ـ فإننا لا نتشبث بخصوصية كون القاضي قاضي تحكيم أو قاضي منصوب بل إننا نتشبث بإطلاق التنزيل وأن الإمام ـ عليه السلام ـ في الموارد التي يبتلي بها الناس في الرجوع إلى سلاطان الجور أو قاضي الجور نزل الفقيه أو الحاكم الشرعي منزلة السلطان أو منزلة القاضي وجعل له الحجية.

ومن الواضح آنذاك أن الناس كانت ترجع إلى سلاطين الجور وإلى قضاة الجور.

إذا المناقش الأولى للسيد الخوئي ليست تامة.

المناقشة الثانية

الوجه الثاني إن هذا الاستدلال مبنيٌ على أن القضاة كانوا يتولون أمر الهلال وكان الناس يعملون على حكمهم فيه بلا ريب، ولكنه غير واضحٍ فإن مجرد تصدي قضاة العامة لأمر الهلال خارجاً لا يكشف عن كونه من وظائف القضاء في الشريعة المقدسة حتى يدل نصب الفقيه قاضياً على كون حكمه نافذاً في الهلال، ولعلهم ابتدعوا هذا المنصب لأنفسهم.

وفيه ما أفاده الشيخ جعفر السبحاني أيضاً في كتابه[5] بأن من سبر الروايات الواردة حول الهلال يقف على وجود السيرة في عصر أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ من رجوع الناس إلى السلاطين والقضاة في ثبوت الهلال.

روى الصدوق بسندٍ صحيح عن عيسى ابن أبي منصور أنه قال: <كنت عند أبي عبد ـ عليه السلام ـ في اليوم الذي يشك فيه، فقال: يا غلام! اذهب فانظر أصام السلطان أم لا؟ فذهب ثم عاد، فقال: لا. فدعا بالغداء فتغدينا>[6] .

وعلى فرض صحة هذه الرواية فإن مورد هذه الرواية مورد التقية وحملها على التقية لا يضر بالمقصود إذ على أي تقدير هذه الرواية تكشف عن أن الحكام كانوا يمارسون أمر الهلال حتى أن الإمام ـ عليه السلام ـ قال: يا غلام! اذهب فانظر أصام السلطان أم لا؟

واحتمال أنه لم يكن من مناصب القضاء القضاة والحكام وإنما تبنوه لأنفسهم هذه دعوة لا يمكن المساعدة عليها لأن الناس بطبعهم يرجعون فيما يبتلي به العامة إلى رؤسائهم ويرجعون في الأمور الدينية إلى زعمائهم في ذلك المجال.

ومن الواضح أن أبرز الزعماء الدينيين القضاة الذين يرجعون يرجعون إليهم في الأمور العامة ومنها الهلال.

إذاً مقبولة عمر بن حنظلة تامة الاستدلال سنداً ودلالةً.

وعمدة دليلنا في ثبوت حكم الحاكم هو التمسك بإطلاق التنزيل في مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة الأولى والثانية كما سيأتي لا التمسك بالتوقيع الشريف <وأما الحوادث الواقعة فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله>[7] ولا التمسك بصحيحك محمد بن قيس.

وما ذهبنا إليه موافق لما ذهب اليه السيد محسن الحكيم ـ رحمه الله ـ إذ قال ـ رحمه الله ـ : <فإن إطلاق التنزيل يثبت حجية الحاكم في موارد الحكم والقضاء ومنها ثبوت الهلال>[8] ثم ذكر[9] ـ رحمه الله ـ عدة موارين من شواهد تاريخية وروايات شريفة تثبت الأمر الثاني الذي ناقش فيه السيد الخوئي، وهو أن كان من المتعارف شرعاً وعرفاً الرجوع إلى الحكام والقضاء والقضاة في ثبوت الهلال.

إذاً الدليل الأول وهو مقبولة عمر بن حنظلة تامٌ عندنا وعند بعض الأعلام كالسيد محسن الحكيم والشيخ جعفر السبحاني و غيرهما خلافاً للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ الذي ناقش في مقبولة عمر بن حنظلة سنداً ودلالةً وانتهى إلى عدم نهوضها بذلك بل انتهى إلى عدم نهوض الروايات الخمس التي سنقرأها إن شاء الله.

إذ قال ـ قدس الله نفسه الزكية ـ ما نصّه: <والمتحصل من جميع ما قدمناه لحدّ الآن أنه لم ينهض لدينا دليل لفظي معتبر يدل على نصب القاضي ابتداءً وإنما نلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على القدر المتيقن>[10] .

فحكم بثبوت حكم الحاكم في خصوص مورد المنازعات والخصومات لا مطلقاً، واتضح أن التمسك بعموم التنزيل في مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة يدل على ذلك.

هذا تمام الكلام في الرواية الأولى أو الدليل الأول.

الرواية الثانية مشهورة أبي خديجة الأولى يأتي عليه الكلام.


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج22، ص66.مستند العروة الوثقى، ج22 من موسوعة الإمام الخوئي النسخة الجديدة، ص58.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo