< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع عشر: حكم رؤية الهلال يوم الثلاثين من الشهر قبل الزوال

 

قال صاحب العروة ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ ما نصّه:

<ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فلا يحكم بكون ذلك اليوم أول الشهر>[1] .

رؤية الهلال تكون في الغالب في الليل أو في الغروب إما قبل الغروب بقليل وإما بعد الغروب بقليل هذا هو المتعارف وقد تتفق رؤية الهلال في النهار إما أن يكون قبل الزوال وإما أن يكون بعد الزوال.

فإذا شوهد الهلال بعد الزوال فحكمه حكم رؤية الهلال قبيل الغروب التي هي كثيرة جداً أو بعيد الغروب التي هي أيضاً كثيرة جداً.

فإذا رؤي الهلال بعد زوال الشمس إلى ما قبل الغروب أو بعد الغروب فهذا الهلال يثبت أن الليلة القادمة أي التي حل غروبها هي الليلة من الشهر الجديد.

ولكن لو رؤي الهلال قبل الزوال فهل هذا الهلال يثبت خروج الشهر في الليلة السابقة وأن الهلال واقعاً قد تكون في الليلة السابقة إلا أنه لم يرى وتمت رؤيته في نهار هذه الليلة قبل الزوال؟ أم أن الهلال قبل الزوال حكمه حكم رؤية الهلال بعد الزوال أو عند الغروب فيحكم بأنه لليلة اللاحقة وليس لليلة السابقة.

طبعاً فرض رؤية الهلال في النهار خصوصاً قبل الزوال نادر جداً إن لم يكن مستحيل ولا من نسمع بأنه رؤي الهلال قبل الزوال فهذا الفرض نادرٌ جداً لكنه لو وقع فهل يحكم بأن رؤية الهلال قبل تمام ثلاثين يوم من الشهر السابق أي قبل زوال اليوم الثلاثين من الشهر هل رؤية الهلال قبل الزوال في اليوم الثلاثين تثبت أن هذا الهلال لليلة السابقة؟ أي أن الشهر السابق تسعة وعشرين يوم وهذا هلال اليوم الأول فلن يتم الشهر السابق ثلاثين يوماً أم أن هذا الهلال في اليوم الثلاثين يثبت هلال الليلة اللاحقة؟ أي أن الشهر السابق ثلاثين يوماً ورؤية الهلال قبل قال أثبتت أن الشهر السابق ثلاثين يوماً وأن هذا هلال الشهر اللاحق.

اختلف الفقهاء ويمكن ذكر أربعة أقوال في المسألة:

القول الأول الثبوت

فيحكم بأن الهلال الذي رؤي قبل الزوال هو لليلة السابقة لا الليلة اللاحقة ولم يذهب إلى هذا القول من القدماء إلا السيد المرتضى ـ رحمه الله ـ في خصوص كتاب واحد من كتبه وهو كتاب الناصريات المسألة مئة وستة وعشرين، قال السيد المرتضى ـ رحمه الله ـ لما ذكر قول جده الناصر أنه إذا رؤي الهلال قبل فهو لليلة الماضية: <هذا صحيحٌ وهو مذهبنا>[2] .

وعبارة السيد مرتضى تشعر بالإجماع وأن هذا الرأي هو مذهب الطائفة المحقة لكنه لم ينقل عن أحد القدماء غير السيد المرتضى أنه أفتى بذلك. نعم، قد ينسب إلى ثقة الإسلام الكليني وثقة المحدثين الشيخ الصدوق أنهما قالا بذلك لأنهما أوردا الرواية الدالة على ذلك.

لكن سيتضح أن الشيخ الكليني ـ رحمه الله ـ لم يعمل بجميع ما ذكره من الروايات ففيها الروايات المختلفة، وكذلك بالنسبة إلى الشيخ الصدوق يمكن تخريج المسألة.

نعم ذهب إلى هذا القول بعض متأخر المتأخرين منهم الفيض الكاشاني في كتاب الوافي وكتاب مفاتيح الشرائع، وذهب إلى هذا القول المحقق السبزواري أي الفاضل الخراساني في كتابه ذخيرة المعاد[3] ، ويمكن مراجعة كلام الشيخ الصدوق ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ في كتاب من لا يحضره الفقيه[4] وكتاب المقنع[5] .

ونسب صاحب الحدائق الناضرة الشيخ يوسف البحراني[6] هذا القول إلى ظاهر الشيخ حسن صاحب المعالم بن الشهيد الثاني في كتابه منتقى الجمان في الأحاديث الصحيحة والحسان[7] ، ونقله عن خاله في كتاب مشارق الشموس[8] .

إذاً لم يذهب إلى القول من القدماء إلا السيد المرتضى في الناصريات[9] .

وقد ذهب إلى هذا القول جملةٌ قليلة من المعاصرين منهم السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى[10] وجملة من تلامذته كالسيد محمد الروحاني والسيد تقي القمي والسيد حسن القمي[11] فأكثر المحشين الذين نافوا عن أربعين وافقوا صاحب العروة في عدم الثبوت ولم يخالف إلا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ والسيد الروحاني والسيد تقي القمي والسيد حسن القمي والأصفهاني هذا تمام الكلام في القول الأول.

القول الثاني عدم الثبوت

وهو قول المشهور عند والخاصة نصّاً وفتوى.

قال الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ ما نصّه: <إذا رؤي الهلال قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة دون الماضية وبه قال جميع الفقهاء، وذهب قوم من أصحابنا إلى أنه إن رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن رؤي بعده فهو لليلة المستقبلة وبه قال أبو يوسف>[12] .

 

القول الثالث التفصيل بين هلال الصوم وهلال الفطر

فيقال باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال من اليوم الثلاثين في خصوص في خصوص الصوم دون الفطر، وهو قول العلامة الحلي في مختلف الشيعة[13] محتجاً بأنه أحوط للعبادة فكان أولى.

إذاً يقال باعتبار الرؤيا قبل زوال اليوم الثلاثين في خصوص هلال شهر رمضان حتى لا تصوم ماذا؟ يوم العيد يصير إذا ما قلت بالاعتبار تصير تصوم يوم الثلاثين وهو يوم العيد صوم يوم العيد محرم دون هلال الفطر.

إلا أن صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ لم يعتبر قول العلامة الحلي قولاً ثالثاً وإنما هو مجرد احتياط وسيأتي كلام صاحب الجواهر.

القول الرابع التردد والتوقف في المسألة

فقد تردد المحقق الحلي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ في كتاب المختصر النافع وكتاب المعتبر في شرح المختصر كما تردد المحقق الأردبيلي في كتاب شرح الإرشاد.

ولعل أكثر من تتبع الأقوال هو الشيخ يوسف البحراني في كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة[14] .

إذاً ذهب المشهور إلى عدم الثبوت هذا عند الخاصة وعند العامة أيضاً كذلك يوجد اختلاف ويوجد قولان، فالمشهور بينهم هو ما اشتهر عند الإماميين فالمحكي عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك وغيرهم عدم اعتبار ذلك بل قال صاحب الحدائق إنه المشهور بينهم فتوى ورواية.

لكن هذا لا ينافي اعتبار ذلك عند غيرهم كأبي ثور وهو سفيان الثوري وأبي يوسف وهما كانا في زمن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ بل حكى السيد المرتضى هذا القول عن ابن مسعود وابن عمر وأنس، وقال: إنه لا مخالف لهم[15] .

وتراجع كتب العامة لمعرفة أقوالهم[16] ، ويراجع جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن النجفي[17] .

إذاً المشهور بين المؤلف والمخالف عدم الثبوت وإن ذهب إلى الثبوت خصوص السيد المرتضى من القدماء وجملة من متأخر المتأخرين. نعم، استظهر العلامة الطباطبائي في المصابيح أن الصدوق والكليني يقولان بذلك[18] .

إلا أن صاحب الجواهر ردّ ذلك قال صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ : <وربما استظهر ذلك استظهر ذلك أيضاً من الصدوق والكليني باعتبار إيرادهما رواية التفصيل في الفقيه[19] والكافي خصوصاً الأول الذي ذكر في أوله أنه ما يورد فيه إلا ما يعتقد أنه حجة بينه وبين ربّه>[20] .

لكن من تتبع كتابه المزبور يعلم عدوله عن ذلك كما أن من تتبع الكافي يعلم أنه قد يورد فيه ما لا يعمل به.

ثم يقول: <لكن من غرائب الاتفاق خيرة العلامة الطباطبائي له في مصابيحه مع استقامة طريقه>[21] .

وأيضاً ممن قال بهذا القول المحقق السبزواري في كفاية الأحكام[22] ، والمحقق النراقي الشيخ أحمد النراقي في مستند الشيعة[23] ، ذخيرة الميعاد[24] .

ومن المعاصرين ذهب ذلك أيضاً السيد محمد سعيد الحكيم في مصباح المنهاج إلا أن صاحب الوسائل ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ أفتى بما ذهب إليه المشهور ويعلم ذلك من عنوان الباب، قال في تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: <باب أنه لا عبرة برؤية الهلال قبل الزوال ولا بعده، ولا يجب بذلك صوم ذلك اليوم في أول شهر رمضان ولا يجوز الإفطار في آخره>[25] .

هذا تمام في عرض الأقوال في المسألة.

أدلة المسألة

القول الأول الثبوت

ويمكن الاستدلال له من الروايات نذكر منها أربعة، وأهمها اثنتان صحيحتان:

الرواية الأولى موثقة عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير قال: <قال: أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان>[26] .

والرواية موثقة لأنه وقع في سندها الحسن بن علي بن فضال وهو شيخ الفطحية.

والرواية صريحة وواضحة في دلالتها على التفصيل وتامة ومعتبرة فهي موثقة.

الرواية الثانية معتبرة حماد بن عثمان عن أبي الله ـ عليه السلام ـ قال: <إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة>.

والرواية صريحة وتامة دلالتان وهي عامة لكل الشهود بخلاف موثقة عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير فهي خاصة في خصوص هلال شوال.

وهذه الرواية المعتبرة إذ عبر عنها الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة بأنها حسنة على المشهور وصحيحة على مبناه، وقد عبر عنها السيد الخوئي بأنها صحيحة، وقد عبر عنها السيد محسن الحكيم في المستمسك بأنها مصححة عثمان.

والسرّ في ذلك:

وقوع إبراهيم بن هاشم في السند فمن يرى أنه ممدوح ولم يوثق يرى أنها حسنة، ومن يرى أنه ثقة بل في سماء الوثاقة كما هو مبنانا يرى أنها صحيحة.

وقد دلت عدة قرائن على وثاقة إبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم فهذه الرواية صحيحة وهذا المبنى فيه روايتان معتبرتان، فمن التزم بكلام مشهور ولم يلتزم بهما لابدّ إما من إسقاطهما بدعوى إعراض المشهور عنهما أو قيام الإجماع أو الشهرة على خلافهما أو لابدّ من التصرف في دلالتهما إذ الجمع أولى من الطرح.

قال صاحب الوسائل في ختام هذه الرواية السادسة، ومروية في الكافي[27] ومروية أيضاً في التهذيب[28] والاستبصار[29] قال صاحب الوسائل ما نصّه:

<ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب ثم قال: وهذان الخبران لا يصح الاعتراض بهما على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة ثم حملهما على ما إذا شهد برؤيته شاهدان من خارج البلد ورأوه قبل الزوال>[30] .

أقول: يحتمل الحمل على الأغلبية وعلى التقية، إذا لا بدّ من التصرف بالحمل على الأغلبية أو على التقية لكن كيف تحمل على التقية والحال إن العامة عنده مبنيان في هذه المسألة، والقول المشهور هو الموافق لعدم الثبوت فهذه الرواية يمكن حملها على التقية أنها موافقة للقول الثاني.

قال السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: <فالعمدة في رفع اليدّ عن هذه النصوص إعراض المشهور عنها إذ لا يعرف القول بمضمونها إلا من المرتضى ـ رحمه الله ـ في شرح المسائل الناصرية دون غيره من كتبه. نعم، حكيت متابعته عن جماعة من متأخر المتأخرين كالمحقق السبزواري في الكفاية والذخيرة والكاشاني في الوافي والمفاتيح وغيرهما فلا مجال للاعتماد عليها لذلك والمسألة لا تخلو عن إشكال>[31] .

وسيأتي إن شاء الله أن الصحيح ما ذهب إليه السيد محسن الحكيم ـ رحمه الله ـ لأنه الجمع بين هاتين الروايتين والروايات المتعارضة يحتاج إلى مؤونة ويبتلى بإشكال وإشكالان فلربما تصل النوبة إلى عدم العمل بها نظراً لدعوى الإعراض عنها أو مخالفة المشهور أو الإجماع لها إذ أنه لا عبرة بأقوال متأخر المتأخرين المهم هو قول القدماء.

الرواية الثالثة موثق إسحاق سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن هلال رمضان يغم علينا في تسعٍ وعشرين من شعبان. فقال: <لا تصمه إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه، وإذا رأيته من وسط النهار فأتم صومه إلى الليل>[32] .

لكن هذه الرواية واردة في خصوص ما إذا كان هكذا الجو غائم يعني هكذا <يغم علينا> يعني يخفى علينا واردة فيما إذا شهد أهل بلد آخر يعني إذا كان الشاهدان من خارج البلد.

الرواية الرابعة المرسل عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: <وإذا رؤي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان>[33] .

طبعاً العمدة الروايتان الصحيحة صحيحة حماد وموثقة عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير.

هذا تمام الكلام في عرض الروايات التي استدل بها على القول الأول المخالف للمشهور.

أدلة القول الثاني وهو المشهور يأتي عليها الكلام.


[9] الجوامع الفقهية، ص206.
[11] العروة الوثقى، التعليقات 41، ج10، ص270 و 271.
[18] المصابيح في الفقه، مصباح في حكم رؤية الهلال، ورقة 192، مخطوط.
[19] من لا يحضره الفقيه، المقدمة، ج1، ص3.
[21] المصابيح، مخطوط، ص192.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo