< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/09/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن عشر: الأمارة الرابعة عدّ خامس أيام هلال رمضان من السنة الماضية وجعله أول شهر رمضان للسنة الآتية

 

قد ورد في بعض الروايات عدّ خمسة أيام من هل شهر رمضان السنة الماضية فيجعل اليوم الخامس هو أول أيام شهر رمضان السنة الآتية فإذا كان أول شهر رمضان من السنة الماضية هو يوم السبت كان أول شهر رمضان من السنة القادمة هو يوم الأربعاء.

وقد وردت عدة روايات كلها ضعيفة السند بل بعضها لا يمكن قبول ما جاء فيه وقابل للتأمل نذكر منها بعض الروايات:

الرواية الأولى ما رواه صفوان بن يحيى عن محمد بن عثمان الجدري أو عثيم الخدري عن بعض مشيخه عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: <صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه أول عام>[1] .

والرواية ضعيفة فإن محمد بن عثمان الجداري أو الجدري ولم يعلم ضبط تلفظه مجهولٌ كما أن عثيم الخدري أو الخدري أيضاً مجهول فالرواية ضعيفة.

مضافاً إلى أنها مرسلة فقد جاء فيها عن بعض مشايخه.

نعم، لو قلنا بأن صفوان بن يحيى لا يروي إلا عن ثقة وهذا نبني عليه الثلاثة لا يروون ولا يرسلون عن ثقة ثبتت وثاقة محمد بن عثمان لكن الرواية مرسلة فتبقى ضعيفة السند.

الرواية الثانية ما رواه عمران الزعفراني قال: قلت لأبي عبدالله ـ عليه السلام ـ إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال: <انظروا اليوم الذي صمت فيه من السنة الماضية وصمّ اليوم الخامس>[2] .

الرواية الثالثة عن عمران الزعفراني أيضاً قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا ترى الشمس ولا نجم فأي يوم نصوم؟ قال: <انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعدّ خمسة أيام وصمّ اليوم الخامس>[3] .

والروايتان ضعيفتان لأن عمران بن إسحاق الزعفراني مجهول.

الرواية الرابعة ما ارسله الصدوق في مراسله الجازمة قال: قال ـ عليه السلام ـ : ـ أي أن الصدوق جزم بأن الإمام ـ عليه السلام ـ قال: قال ـ عليه السلام ـ : <إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعدّ في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام وصمّ اليوم الخامس>[4] .

وهذه الرواية من مراسيل الصدوق ونحن لا نبني على حجية مراسيد الصدوق كما بنى عليها شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ ولا نلتزم بالتفصيل كما عليه السيد الإمام الخميني إذ قال بحجية مراسيل الجازمة دون مراسيله غير الجازمة، وهذه من المراسيل الجازمة.

فعلى مبنى شيخنا الأستاذ الدوري وعلى مبنى السيد الإمام الخميني من حجية المراسيل الجازمة تكون هذه الرواية صحيحة وعلى مبنانا كما هو مبنى السيد أبو القاسم الخوئي من أن مطلق مراسيل الصدوق ليست حجة تكون هذه الرواية ضعيفة.

الرواية الخامسة ما رواه السيد رضا الدين بن طاووس في كتاب الإقبال نقلاً عن كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم الثقفي الثقة عن أحمد بن عمران بن أبي عن عاصم بن حميد عن جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ قال: <عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة أيام بعده وصوموا يوم الخامس فإنكم لن تخطئوا>[5] .

وقد نسب الحر العاملي في كتاب الوسائل كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم الثقفي، وهكذا نسب صاحب المستدرك المحدث النوري الميرزا حسين النوري في خاتمة المستدرك[6] نسب هذا الحديث إلى إسحاق بن إبراهيم الثقفي أيضاً.

ولكن لو دققنا طبعاً المحدث النوري وثقة إسحاق بن إبراهيم الثقفي.

لكن لو دققناه سيتضح أن صاحب كتاب الحلال والحرام هو أبو إسحاق إبراهيم وليس إسحاق بن إبراهيم، وقد وضح ذلك شيخ مشايخنا الشيخ بزرگ الطهراني الذي أجاز أستاذنا الشيخ جعفر السبحاني وحصلنا إجازة في الرواية من الشيخ جعفر السبحاني فهو في سلسلة السند آقا بزرگ الطهراني.

الشيخ آقا بزرگ الطهراني ـ رضوان الله عليه ـ ذكر في الذريعة إلى تصانيف الشيعة الجزء السابع صفحة واحد وستين رقم الترجمة ثلاث مئة واثنين وعشرين ذكر أن صاحب كتاب الحلال والحرام هو أبو إسحاق إبراهيم وسيأتي أنه مجهول بخلاف إسحاق بن إبراهيم الثقفي الذي هو ثقة.

إذا السيد ابن طاووس في الإقبال سيد ابن طاووس في كتاب الإقبال صفحة مئتين وستة وأربعين ذكر أن الكتاب لإسحاق بن إبراهيم الثقفي، والصحيح أنه لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الثقة المتوفى عام مئتين وثلاثة وثمانين.

وأبو إسحاق اثنان أيضاً ولهما كتاب الحلال والحرام.

الأول إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني.

قال النجاشي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني الراوي عن الإمامين الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ وكان مختصاً بهما ولذلك كانت العامة تضعفه، وحكى بعض أصحابنا عن بعض المخالفين إن كتب الواقدي سائرها إنما هي كتب إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى نقلها الواقدي وإدعاها لنفسه[7] .

توفي إبراهيم بن إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني أبو إسحاق سنة مئة وأربعة وثمانين أو سنة مئة واحد وتسعين يراجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي[8] .

وذكر هذا آقا بزرگ الطهراني أن كتاب أبو كتاب أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني كتابه في الحلال والحرام مبوب رواه عن جعفر بن محمد يراجع الزريعة إلى تصانيف الشيعة[9] .

هذا أبو إسحاق الأول المتوفى سنة مئة وأربعة وثمانين أو مئة وواحد وتسعين.

الثاني أبو إسحاق الثاني توفي سنة وثلاثة وثمانين يعني بعده تقريباً بمئة سنة، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي.

إذاً أبو إسحاق أحدهما من أصحاب الإمامين الباقر والصادق توفي سنة مئة وأربعة وثمانين تقريباً وهو المدني، والثاني أبو إسحاق الثقفي توفي سنة مئتين وثلاثة وثمانين، وسواء كان أبو إسحاق الثقة الذي من أصحاب الصادق أو الآخر فإن الرواية ضعيفة لأن أحمد بن عمران بن أبي ليلى لم يوثق.

نعم، عاصم بن حميد ثقة الذي يروي عنه أحمد بن عمران.

إذا هذه الرواية الخامسة ضعيفة السند أيضاً.

الرواية السادسة رواية السياري وهي مشكلة من ناحية السند والمتن معاً.

روى السياري قال: كتب محمد بن الفرج إلى العسكري ـ عليه السلام ـ يسأله عما روي من الحساب في الصوم عن آبائك ـ عليهم السلام ـ في عدّ خمسة أيام بين أول السنة الماضية والسنة الثانية الذي يأتي. فكتب: <صحيح ولكن عدّ في كل أربع سنين خمساً وفي السنة الخامسة ستاً فيما بين الأولى والحادث وما سوى ذلك فإنما هو خمسة خمسة>.

قال السياري: وهذا من جهة الكبيسة.

قال: وقد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحاً.

قال: وكتب إليه محمد بن الفرج في سنة وثلاثين ومئتين هذا الحساب لا يتهيأ لكل إنسان إلى آخر الرواية الشريفة[10] .

هذه الرواية ليست تامة سنداً ولا دلالةً.

أما من جهة السند فالسياري ضعيف جداً غير منضبط في نفسه ولا يمكن تصديقه فالرواية ضعيفة السند.

كما أن متنها ومضمونها لا يمكن قبوله إذ يلزم منه تعدد أيام شهر رمضان بحسب أعداد الناس وأعداد النفوس، فما هو أول شهر رمضان بالنسبة إلى السنة الماضية؟!

فإذا حسبناه من حيث بلوغ الشخص وتكليفه فإن من بلغ هذا العام يكون أول شهر رمضان بالنسبة إليه بعد خمس سنوات هو خامس أيام هذه السنة التي بلغ فيها لكن الشخص الذي قد بلغ قبله بسنة يكون أول شهر رمضان هو خامس يوم بعد أربع سنوات ويحسب أول يوم من شهر رمضان للسنة الماضية.

وهكذا الذي بلغ قبلهما بسنتين فإنه يحسب هلال ما قبل سنتين ويكون خامس يوم بعد السنة الثالثة وهذا يلزم منه تعدد شهر رمضان وتعدد أيامه بحسب أعداد المكلفين، وهذا لا يمكن الالتزام به.

قال السيد أبو القاسم الخوئي[11] ـ رحمه الله ـ : <فإنا لو فرضنا أن زيداً بلغ وكان أول رمضان ما بعد بلوغه يوم السبت فبالنسبة إليه يعد إلى أربع سنين خمسة أيام وبعده يعد ستة وأما بالنسبة إلى شخص آخر بلغ بعد ذلك بسنة فالسنة الخامسة للأول رابعة لهذا كما أنها ثالثة لمن بلغ بعده بسنتين وهكذا وكذا الحال في من بلغ قبل ذلك ولازمه اختلاف أول الشهر اختلاف الناس وعدم كونه منضبطاً وهو كما ترى>.

إذا هذه الرواية السادسة ليست تامة سنداً ودلالةً.

إذاً هذه الأمارة الرابعة ليست تامة واتضح أن جميع الأمارات الأربع لا يمكن قبولها.

ولقد أجاد وأفاد شيخنا الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة[12] إذ قال في حقّ هذه العلائم ما نصّه: <إنها لا تخلو من تعارض وتناقض بعضها مع بعض لأن العمل على بعضها منها ربما ينافيه العمل على البعض الآخر فالأظهر هو طرح الجميع والرجوع إلى الأخبار المستفيضة بالرؤية أو شهادة العدلين أو عدّ ثلاثين يوماً من شعبان كما عليه كافة العلماء الأعيان والله العالم> انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

إلى هنا انتهينا إلى ثبوت الطرق الستة لثبوت الهلال من شهادة البينة والشائع المفيد للعلم والتواتر إلى حكم الحاكم، وأما ما ذكر من الأمارات غير هذه الطرق الستة وقد ذكرنا أربع أمارات فهي ليست تامة.

ثم بعد ذلك صاحب العروة الوثقى يتطرق إلى عشر مسائل مهمة إن شاء الله فيما بعد إذا صار وقت وربّ العالمين أطال أعمارنا نكمل هذا البحث، وبالتالي الطرق الستة طرق ثبوت الهلال تمت وتمت هذه الرسالة، يبقى الكلام في فروع تتفرع عليها كأنه هل مثل أنه حكم الحاكم هل يثبت على خصوص مقلديه أو على الجميع؟ الرؤية هل يراد الرؤية خصوص المجردة أم تجزئ الرؤية بالعين المسلحة كالتلسكوب؟ هل نقول بتعدد الأفق أو بوحدة الأفق؟

هذه مسائل مهمة تحتاج إلى بحث دقيق وعميق وانتهى شهر رمضان اه نكتفي بهذا المقدار في شهر رمضان فإذا صارت فرصة أخرى إن شاء الله نوفق لبحث المسائل العشر.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه غفور رحيم وتواب حليم والحمد لله رب العالمين صلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo