< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس التاسع عشر: اشتراط استناد شهادة العدلين في الهلال إلى الحس دون الحدس والاجتهاد

 

انتهينا بحمد الله عزّ وجل في السنة الماضية شهر رمضان من عام ألف وأربعمئة وأربعة وأربعين من بحث طرق ثبوت الهلال التي تصل إلى ثمانية طرق قابلة للبحث.

بقي الكلام في القسم الثاني من هذا البحث وقد ذكر فيه السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى عدة مسائل وإن شاء الله نبحث هذه المسائل ونحن على مشارف شهر رمضان عام ألف وأربعمئة وخمسة وأربعين هجرية قمرية وبتمامها يكون مسك الختام في رسالة طرق ثبوت الهلال من كتاب العروة الوثقى.

المسألة الأولى قال السيد اليزدي:

«لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدوا بالرؤية بل شهدوا شهادة علمية»[1] .

يوجد فرق بين العلم والشهادة، فالشهادة قد أخذ فيها الحضور، فالشهادة من الشهود والحضور والمعاينة، وأما العلم فهو أعم قد يكون عن معاينة وحس وقد يكون عن حدس.

ذكر الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ في كتاب الشهادة أن الشهود لابد أن يستندوا إلى الحس دون الحدس والاجتهاد وإن كانت شهادتهم بنحو القطع والجزم والعلم واليقين فلا تقبل الشهادة على الملكية أو رؤية الهلال أو الطلاق أو الزواج وغير ذلك ما لم تستند إلى الحس فكذلك المقام لا تقبل شهادة الشاهدين على الهلال ما لم تستند إلى الرؤية الحسية وإن كانت شهادتهما شهادة علمية كما لو استندا إلى علم الفلك أو الجفر أو التنجيم وكانت معطيات هذه الأمور عند الشاهد علمية وقطعية فلا تكفي الشهادة العلمية الحدسية بل لا بد من الشهادة الحسية التي فيها معاينة.

ويمكن أن يستدل على اشتراط الحس والمعاينة بدليلين ذكرهما سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[2] .

الدليل الأول إن الحس والمعاينة مأخوذ في مفهوم الشهادة، فالشهادة ليست بمعنى مطلق العلم وإن استعملت الشهادة بمعناه أحياناً بل الشهادة ما كان عن حضورٍ، ومنه قوله تعالى: ﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكم﴾[3] ، وقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾[4] أي حضر الشهر كما فسر بذلك.

فلأجل أن الشهادة من الشهود بمعنى الحضور فلا جرم لا تصدق على ما لم يستند إلى الحس إذ غايته أن الشاهد عالم بالموضوع لا أنه شاهد عليه.

هكذا أفاد سيدنا الخوئي ـ رحمه الله ـ .

لكن الدليل الأول قابلٌ للمناقشة، وقد ذكر الشيخ جعفر السبحاني[5] ـ حفظه الله ـ ملاحظة ونقد على هذا الاستدلال.

ومفاد الملاحظة:

إن الله سبحانه وتعالى قد استعمل لفظ الشهود في مطلق العلم الجازم، قال سبحانه حاكياً عن لسان إخوة يوسف: ﴿فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا﴾[6] مع أنهم لم يحضروا وقت السرقة وإنما علموا بها من إخراج صواع الملك من رحله، ومع ذلك قالوا: «وما شهدنا» أي وما علمنا.

أضف إلى ذلك قوله سبحانه: ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولي العلم قائماً بالقسط﴾[7] إلى غير ذلك من الآيات التي استعملت فيها مادة الشهادة في مطلق العلم.

والتفريق بين هذه الآيات وبين ما ورد في باب ثبوت الدعوة بشهادة العدلين بتخصيص الثانية للمشاهدة والرؤية تفكيك بلا وجه بعد كون مادة الشهادة موضوعاً للمعنى العام ومستعملة في جميعها بملاك فارد، فلا بد من التماس تخصيص الشهادة بالحس في عامة الأبواب من الاستناد إلى الوجه الثاني الذي سيأتي وهو الروايات الخاصة، ففي المقام يكفي ما تظافر نقله من تعليق الصوم والإفطار على الرؤية.

إذا الالتزام بأن الحضور والمشاهدة قد أخذ في مفهوم الشهادة في الآيات الكريمة قابل للتأمل وقد صرح به نفس السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إذ قال: «إذ هي ـ أي الشهادة ـ ليست بمعنى مطلق العلم وإن استعملت بمعناه أحياناً» أي أنه يسلم أن الشهادة قد تستعمل بمعنى مطلق العلم.

إذاً الوجه الأول قابل للمناقشة.

نعم، من الواضح أن هذه الآيات أخذت الشهادة المعاينة لكن لقرينة لا لأن نفس مفردة الشهادة تستبطن المعاينة إذ أن نفس القرآن قد استخدم مفردة الشهادة من دون معاينة وحضور أي بمعنى مطلق العلم.

الدليل الثاني التمسك بالروايات الخاصة الواردة في ثبوت الهلال بشهادة العدلين، والتي دلت على اعتبار استناد الشهادة إلى الرؤية

الرواية الأولى كصحيحة منصور بن حازم «صم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه»[8] .

الرواية الثانية وصحيحة الحلبي قال: قال علي ـ عليه السلام ـ : «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»[9] .

فقد ذكر فيهما رؤية الهلال.

الرواية الثالثة صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه بينة عدل من المسلمين»[10] وإن كان هذا الحديث ذكر رؤية الهلال والإفطار لرؤيته ثم ذكر شهادة البينة.

عموماً بهذه الروايات التي نصت على الرؤية والمشاهدة والمعاينة يمكن أن نقيد الإطلاق في بقية النصوص لو سلم أنها مطلقة، فالنصوص التي دلت على شهادة العدلين ولم تنص على رؤية الشاهدين العدلين فقد يدعى فيها أنها تشمل الشهادة على الشهادة أو الشهادة على الشياع، فشهادة العدلين بثبوت الهلال قد تكون شهادة على شهادة بينة أو بينات تثبت الهلال، وقد تكون شهادة على الشياع الظني أو العلمي برؤية الهلال فتكون روايات ثبوت الهلال بشهادة العدلين مطلقة إن سلم هذا الإطلاق لكنها تقييد بمثل صحيحة منصور بن حازم وصحيحة الحلبي الدال على اشتراط الرؤية إن سلمنا بوجود إطلاق في تلك الرواية.

هذا تمام الكلام في المسألة الأولى واتضح أنه يشترط في شهادة الشاهدين أن تكون شهادة حسيه عن مشاهدة ومعاينة ولا تكفي الشهادة العلمية والحدسية.

يفهم منها أن المراد بالشهادة هي الشهادة عن شهود ورؤية ومعاينة، يعني بحسب الظهور العرفي، يقول هكذا الإمام في صحيحة الحلبي: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجل» يفهم منها أن الشهادة إنما تكون في الرؤية في هذه الرؤية البصرية الحسية وأن الحدس خارجٌ.

أيضاً صم في صحيحة منصور بن حازم «صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته» هذه حيثية تعليلية يعني المدار على الرؤية «فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فأقضه» رواية صريحة.

من هذه الحيثية التعليلية «صم لرؤيته، وأفطر لرؤيته» يفهم الحصر ما يحتاج يقول: لا تثبت الشهادة إلا بالرؤية ما يحتاج إلى هذا تكفي هذه الحيثية التعليلية.

المسألة الثانية

فيها شقان:

الشق الأول:

«إذا لم يثبت الهلال وترك الصوم ثم شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم»[11] .

تقريب الاستدلال:

نظراً لتحقق الفوت بمقتضى الشهادة وموضوع قضاء الصوم هو أمر وجودي وهو فوت الصوم، وهذا الفوت يتحقق بمقتضى الشهادة برؤية الهلال فالمكلف وإن كان معذوراً في ترك الصوم بمقتضى استصحاب عدم دخول شهر رمضان فيوم الشك وهو آخر يوم من شهر شعبان يحتمل أن يكون آخر يوم من شهر شعبان ويحتمل أن يكون أول يوم من شهر رمضان.

ولم يثبت الهلال وترك الصوم وأفطر ويجوز له الإفطار عملاً باستصحاب بقاء شهر شعبان، فيكون في إفطاره قد استند إلى مسوغ شرعي وهو استصحاب بقاع شهر شعبان.

لكن حينما قامت الحجة الشرعية وهي شهادة البينة العادلة على ثبوته فحينئذ يجب عليه أن يقضي هذا بحسب القاعدة من دون حاجة إلى ورود نصّ خاص.

ولكن بالإضافة إلى أنه مقتضى دلت عليه صحيحة منصور بن حازم فهي صريحة في ذلك إذ قال الإمام ـ عليه السلام ـ : «فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه».

هذا تمام الكلام في الشق الأول من المسألة الثانية.

الشق الثاني:

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ : [12]

«وكذا» يعني يجب قضاء ذلك «وكذا إذا قامت البينة على هلال شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان أو رآه في تلك الليلة بنفسه، فهنا العيان والوجدان الذي لا تحتاج إلى بيان قد دل على أن هذا هو هلال شوال» كما لو رأى الهلال بعينه الباصرة بنفسه لكن رآه في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان فهنا يقطع أنه قد أفطر في اليوم الأول من شهر رمضان.

«وهكذا لو قامت البينة أو حصل شياع يوجب القطع والعلم واليقين بأن الهلال قد رؤي في ليلة التاسع والعشرين» أي أنه صام ثمانية وعشرين يوم أي أنه افطر في اليوم الأول من شهر رمضان لأن شهر رمضان والشهور القمرية إما ثلاثين يوم أو تسعة وعشرين يوم، لا تزيد على الثلاثين ولا تنقص عن التسعة وعشرين.

«فيستكشف برؤيته أو بشهادة البينة أن المكلف قد افطر في اليوم الأول من شهر رمضان» وإلا أصبح الشهر ثمانية وعشرين يوماً وهذا مقطوع البطلان.

«فلا مناص من وجوب القضاء بعد فرض ثبوت الهلال من شوال بالبينة الشرعية أو رؤية الشخص نفسه في تلك الليلة» نعم، هو كان معذوراً حينما أفطر في أول يوم من شهر رمضان.

يقول السيد الخوئي[13] ـ رحمه الله ـ وقد اتفق نظير ذلك في العصر المتأخر قبل ما يقرب من عشر سنين، يعني شهد هذه الحادثة السيد أبو القاسم الخوئي، بل هذه الحادثة وإن كانت على مقتضى القاعدة ولا تحتاج إلى نص لكنها وقعت في زمن حكم أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.

فهذا الحكم وهو وجوب القضاء مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى ورود نص خاص لكن تؤيده مرسلة عبد الله بن سنان، قال: «صام علي ـ عليه السلام ـ بالكوفة ثمانية وعشرين يوماً شهر رمضان فرأوا الهلال فأمر منادياً ينادي اقضوا يوماً فإن الشهر تسعة وعشرون يوماً»[14] .

هذا تمام الكلام في المسألة الثانية، واتضح أن المسألة الأولى والثانية تامة.

المسألة الثالثة تتعلق بحكم الحاكم يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo