< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس (العشرون): عدم اختصاص حكم الحاكم بمقلديه ونفوذه على الجميع

 

المسألة الثالثة:

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ رحمه الله ـ المسألة الثالثة من طرق ثبوت الهلال من كتاب الصوم:

«لا يختص اعتبار بحكم الحاكم بمقلديه بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه[1] ».

مضى الكلام في نفوذ حكم الحاكم في أمر الهلال، واستشكلنا في ثبوت ذلك، لكن لو فرضنا أن حكم الحاكمين نافذٌ، وبنينا هذا التقدير وهذا المبنى، فحينئذ لا يفرق في نفوذ حكم الحاكم بين مقلديه ومقلدي غيره الأعم من العوام بل حتى المجتهد الآخر وإن كان اعلم والناس كلهم مقلدون ولا يوجد مقلد لهذا الحاكم أصلاً فبمقتضى إطلاق دليل نفوذ حكم الحاكم يكون حكمه نافذاً على الجميع.

فبمقتضى الدليل يكون الفقيه والحاكم الشرعي مرجعٌ ينفذ حكمه إما في خصوص مورد النزاع والخصومة إذا أخذنا بما دلّ على حجية قول الحاكم في القضاء أو حجية قول الحاكم في مطلق الأمور العامة لو بنينا على ولاية الفقيه المطلقة أو العامة.

فبناءً على هذين التقديرين نفوذ حكم القاضي أو الفقيه في الأمور العامة ينفذ حكم الحاكم والفقيه على الكل عملاً بإطلاق المستند إلا إذا ثبت خلافه فإنه لا ينفذ حكمه حينئذ نظراً لأن حكم الحاكم طريق ظاهري محض كسائر الطرق. نعم، هو يتقدم على جميعها عدا إقرار المحكوم له، لكن حكم الحاكم له طريقية ولا موضوعية له بحيث يغير الواقع ولا يوجب التبدل في الواقع وإن نسب هذا التبدل أو ما يشبه التصويب إلى فقهاء العامة.

فلو إدعت المرأة الزوجية وأنكرها الزوج وترافعا عند القاضي والفقيه والحاكم الشرعي فحكم الحاكم الشرعي بعدم الزوجية بمقتضى الموازين الشرعية التي ثبتت لديه فحيئذ لا يجوز لمن قطع بأنها متزوجة أن يتزوجها لأن حكم الحاكم طريق ظاهري لا يغير الواقع عما هو عليه، وبالتالي تختص طريقية حكم الحاكم بغير العالم بالخلاف.

الدليل على أنّ حكم الحاكم ظاهريّ

ويدل على كون حكم الحاكم حكماً ظاهرياً قوله ـ عليه السلام ـ في صحيحة سعد وهشام الحكم على رواية الشيخ الطوسي وسعد بن أبي خلف عن هشام بن الحكام على رواية الشيخ الكليني والرواية صحيحة على التقديرين عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «إنما أقضي بينكم والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار»[2] .

وهذه الرواية صريحة في أن حكم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ المستند إلى الموازين الشرعية لا ينفذ في حق من يعلم أنه قطع له من مال أخيه شيء، وبالتالي ليكون ما اقتطع له حينئذ قطعة من نار جهنم، فالنبي يقول: أنا أقضي بالأحكام الظاهرية البينات والحلف والأيمان ولا يقضي بأمور واقعية، إذاً إذا ثبت خلاف الحكم وأن هذا الحكم ليس واقعياً أو ثبت خلاف مستند الحكم كما لو تخيل الحاكم عدالة الشهود فبانوا فسقة أو تخيل الحاكم تعدد الشهود والحال أنه شاهد واحد فقط بحيث لو نبهنا الحاكم لقبل وتراجع فحينئذٍ لا يكون حكمه نافذاً.

ومرجع ذلك إلى الشبهة الموضوعية أي أن الحاكم اشتبه في الموضوع فالشاهد واحد وتوهمه متعدداً أو الشاهد فاسق وتوهمه عادلاً وهذا لا يشمل الشبهة الحكمية والمسألة الخلافية، كما لو كان الحاكم ممن يرى قبول شهادة ابن الزنا أو يرى كفاية الشياع الظني أو يرى أن الهلال يثبت بالرؤية بالعين المسلحة كالتليسكوب فحينئذٍ يكون حكمه نافذاً حتى بالنسبة إلى من يخالفه في هذا المبنى كمن يلتزم بخصوص الرؤية المجردة بالعين المجردة ولا يرى حجية الشهادة بالعين المسلحة، فإن حكم حاكم لو استند إلى العين المسلحة يكون نافذاً حتى على من يشترط الرؤية المجردة.

والسر في ذلك:

إن حكم الحاكم مطابق للموازين المقررة عنده وقد أدى نظره إلى هذا المبنى بمقتضى بذل وسعه واجتهاده المستند إلى القواعد الشرعية، ولم يثبت خلافه لدينا واقعاً لجواز كون الصحيح بحسب الواقع هو ما أدى إليه نظره من جواز الشهادة بالرؤية بالعين المسلحة وإن كان نظرنا هو ماذا؟ خصوص الشهادة بالعين المجردة، فلعل الواقع هو ذهب إليه ذاك المجتهد فلا مقتضي لردّ حكمه بعد إطلاق دليل النفوذ.

نعم، لو لم يثبت اجتهاده وأنه ليس بمجتهد أو ثبت اجتهاده لكن ثبت بطلان مستنده من ناحية موضوعية لا من ناحية الشبهة الحكمية فحينئذ لا ينفذ حكمها لعدم اجتهاده فهو ليس بحاكم أو لخطأ مستنده.

ولكن لو أفتى الحاكم بفتوى لا يراها الحاكم الآخر وكانت هذه الفتوى صحيحة وفق نظر الحاكم فإن حكمه يكون نافذاً على المجتهد الآخر.

هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة.

المسألة الرابعة مهمة وعملية جداً إذا ثبتت الرؤية في بلدٍ آخر ولم تثبت في نفس البلد فهل تثبت الرؤية في البلد أو لا؟

المسألة أربعة:

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ :

«إذا ثبتت رؤيته في بلد آخر، ولم يثبت في بلده فإن كان متقاربين كفى وإلا فلا، إلا إذا علم توافق أفقهما وإن كانا متباعدين»[3] .

توجد عدة صور وموارد ثلاثة منها متفق عليه ووقع الخلاف في المورد الرابع، وهذه الموارد كما يلي:

المورد الأول لا إشكال في عدم اعتبار كون الرؤية في نفس البلد بل يكتفى برؤية الهلال في خارج البلاد بمقتضى الأدلة بل صرح في بعض الأدلة بقبول الشهادة من الشاهدين الذين يدخلان المصر ويخرجان فهي صريحة الدلالة على جواز الاكتفاء بالشاهد الذي رأى الهلال خارج المصر ودخل إلى المصر، إذا المورد الأول لا خلاف فيه بين الأصحاب والفقهاء ولا تشترط أن تكون الرؤية في نفس البلد دون غيره.

المورد الثاني لا إشكال في كفاية الرؤية في بلد آخر إذا كان متحداً في الأفق مع البلد، وإن لم يرى الهلال في نفس البلد نظراً للملازمة بين الرؤيتين كما هو واضح فلا توجد خصوصية للبلد بعد ثبوت الهلال في بلد آخر متحد معه في الأفق.

أي في الشروق والغروب كما سيأتي التفصيل أكثر.

المورد الثالث لا إشكال أيضاً في كفاية الرؤية في بلد آخر، وإن اختلفا في الأفق فيما إذا كان الثبوت في ذلك البلد مستلزماً للثبوت في نفس البلد بالأولوية القطعية، كما لو كان بلد الرؤية شرقياً بالنسبة إلى البلد الذي لم تتم فيه الرؤيا كبلاد الهند بالنسبة إلى العراق، وإيران بالنسبة إلى الخليج دول الخليج العربية، إذ لا يمكن رؤية الهلال في الدول المشرقية من دون قبول الرؤية للهلال في الدول المغربية، فالهلال متقدمٌ وسابقٌ في دول الشرق على دول الغرب فالثبوت في دول الشرق مستلزم للثبوت في دول الغرب بطريق أولى، فالبينة القائمة على الأول وهي رؤية الهلال في دول الشرق تخبر بالالتزام عن الثاني أي رؤية الهلال في دول الغرب.

هذه موارد ثلاثة مسلمة.

المورد الرابع وهو موطن الخلافة، وهو عكس المورد الثالث، وهو ما لو اختلف الأفق، والمراد بالأفق خط الطول وليس خط العرض لأن البلدان فيها خط طول وفيها خط عرض الذين يتفقون في خط الطول يصير أذان الظهر عندهم متقارب مو أذان المغرب أذان الظهر يصير متقارب، فالمورد والرابع لو اختلفت الدول في الأفق يعني لم يتفقا في خطّ الطول أذان الظهر مختلف وشوهد الهلال في البلاد الغربية كما لو شوهد في الخليج والعراق، فهل يكفي ذلك للبلاد الشرقية أي لثبوت الهلال في الهند وإيران؟ كبلاد الشام بالنسبة إلى العراق، فالعراق شرق والشام غرب، فلو ثبت الهلال في سوريا ولبنان، فهل يثبت الهلال في إيران والخليج والعراق أو لا؟

يوجد خلاف ويوجد قولان:

القول الأول ما ذهب إليه المشهور حيث ذهبوا إلى القول باعتبار اتحاد الأفق وأن الرؤية في دول المغرب لا تثبت الهلال في دول المشرق.

القول الثاني الثبوت في قطر كافٍ لثبوت الرؤية في جميع الأقطار، وهذا القول الثاني اشتهر منذ زمن العلامة إلى الفيض الكاشاني والمحدث البحراني، وقال به في الزمن المتأخر السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ لكن اشترط أن تشترك البلدان في الليل ولو في مقدار بلدان الرؤية[4] .

أولاً عرض الأقوال في المسألة.

هذه المسألة ليس لها عين ولا أثر قبل الشيخ الطوسي في المبسوط، وأول من طرحها الشيخ الطوسي في المبسوط، واشتهر اشتراط وحدة الأفق من زمان الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ إلى زمن صاحب المدارك، ولنذكر أقوال من ذهب إلى اشتراط وحدة الأفق:

الأول الشيخ الطوسي في المبسوط[5] قال ـ رحمه الله ـ :

«علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البينة» إلى أن قال: «ومتى لم يرى الهلال في البلد ورؤي خارج البلد على ما بيناه وجب العمل به إذا كان البلدان التي رؤي فيها بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة لرؤي في ذلك البلد أيضاً لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط والكوفة وتكريت والموصل، وأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان وبغداد ومصر فإن لكل بلدٍ حكم نفسه» ولم يتعرض الشيخ الطوسي لهذه المسألة في كتابيه الآخرين[6] .

الثاني ابن حمزة في الوسيلة الشيخ الطوسي متوفى سنة أربعمئة وستين ابن حمزة متوفى حوالي خمسمئة وخمسين، قال: «وإذا رؤي في بلدٍ ولم يرى في آخر فإن كانا متقاربين لزم الصوم أهلهما معاً وإن كانا متباعدين مثل: بغداد ومصر أو بلاد خراسان لم يلزم أهل الآخر»[7] .

الثالث المحقق الحلي في شرائع الإسلام والمعتبر متوفى سنة ستمئة وستة وسبعين هجرياً قال في الشرائع:

«وإذا رؤي الهلال في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيهما أجمع دون المتباعدة كالعراق وخراسان»[8] .

الرابع العلامة الحلي في التذكرة[9] ، والمنتهى[10] ، وقواعد الأحكام[11] .

الخامس الشهيد الأول في الدروس[12] المتوفى سنة سبعمئة وستة وثمانين وإن كان ذكر احتمال كفاية تعدد الأفق لكن كلامه ظاهر في وحدة الأفق.

السادس الشهيد الثاني المتوفى سنة تسعمئة وستة وستين[13] .

السابع المقدس الأردبيلي المتوفى سنة تسعمئة ثلاثة وتسعين[14] .

السابع السيد محمد العاملي سبط الشهيد الثاني صاحب المدارك المتوفى سنة تسعمئة وأحد عشر[15] هؤلاء اشترطوا وحدة الأفق بين البلدان، فإذا كان الأفق مختلفاً لم تكفي الرؤيا حينئذٍ.

القول الثاني عدم اشتراط وحدة الأفق

ومن القائلين بذلك:

الأول العلامة في المنتهى[16] .

الثاني الفيض الكاشاني في الوافي[17] .

الثالث الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة[18] لأنه كان يرى أن الأرض مسطح وليست كروية فإذا رؤي في بقعة كفت لثبوت الرؤية في البقعة الأخرى.

الرابع المحقق أحمد النراقي في مستند الشيعة[19] .

الخامس ماله إليه صاحب الجواهر الشيخ محمد حسن النجفي[20] واحتمل هذا القول الشهيد الأول في الدروس[21] .

وهذا الرأي هو الصحيح بنظر سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي وأضاف إليه قيداً وهو أنه يثبت في خصوص البلدان التي تشترك ولو بجزء يسير في الليل دون البلدان التي لا تشترك في الليل[22] .

وهذا القول الثاني وهو عدم اشتراط وحدة لم يشتهر إلا بعد الفيض الكاشاني إلى زماننا هذا حيث أثرت فتوى السيد أبو القاسم الخوئي في الكثير من تلامذته، وهذه المسألة ليس لها عين ولا أثر قبل الشيخ الطوسي في المبسوط، وقد اشتهر اشتراط الأفق من الشيخ الطوسي ـ رضوان الله ـ عليه المتوفى سنة أربعمئة وستين هجرية إلى السيد محمد صاحب المدارك المتوفى سنة تسعمئة وأحد عشر هجرية.

هذا تمام الكلام في عرض الأقوال في المسألة.

يبقى الكلام في بيان أدلة المسألة، والصحيح من القولين، يأتي عليه الكلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo