< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

45/08/30

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثاني والعشرون: مناقشة ما أفادة السيد الخوئي ـ ره ـ حول الظاهرة الكونية لهلال

 

القسمين في كلام السيد الخوئي في رد وحدة الأفق

كلام السيد الخوئي في ردّ أدلة القائلين بوحدة الأفق ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول بيان وتحليل الظاهرة الكونية التي توجب تولد الهلال.

القسم الثاني الاستدلال بالروايات العامة والخاصة على أن رؤية الهلال في بلدٍ ولو غربي تثبت الهلال في أي بلدٍ ولو كان شرقياً إذا اشتركا في مقدارٍ من الليل.

المناقشة في القسمين

الآن نناقش ما أفاده السيد الخوئي ـ ره ـ حول الظاهرة الكونية الموجبة لنشأة الهلال، ويمكن مناقشة ما أفاده ـ ره ـ بعدة مناقشات، بعضها تام، وبعضها قابلٌ للمناقشة وليس بتام.

إن ما ذكره السيد الخوئي ـ ره ـ بأن الشروق نسبة قائمة بين الشمس والأرض فقط بخلاف خروج القمر من المحاق فإنها نسبة بين الشمس والقمر فقط من دون مدخلية للأرض، فهذا الكلام ليس بتام.

وقد ناقشه الشيخ جعفر السبحاني ـ حفظه الله ـ في كتابه[1] قائلاً: «وذلك لعدم التفاوت بينهما، حيث إن وجه القمر المقابل للشمس مستنيرٌ أبداً والوجه المخالف مظلمٌ كذلك، ولا يتصور في الجانب المستنير الهلال ولا التربيع ولا التثليث ولا البدر إلا بالإضافة إلى الأرض وفرض الناظر فيه، ففي حالة المقارنة يكون وجه القمر المظلم إلى الأرض والوجه المستنير كله إلى الشمس، وإذا بدأ بالخروج عن المحاق يبدو نورٌ عرض حول القمر بالنسبة إلى الأرض، والناظر المفروض فيه. ثم لم يلبس يتحرك حتى يصل إلى التربيع بحيث يكون نصف الوجه المقابل مستنيراً ونصفه في ظلمه إلى أن يصل إلى التثليث والبدر» أي المراد يرى ربع الهلال أو ثلث الهلال.

«فلو لم يكن هناك أرضٌ ولا ناظرٌ مفروض بحيث جرد النظر إلى الشمس والقمر فلا يتحقق فيه تلك الحالات الأربعة الهلال والتربيع والتثليث والبدر، بل ليس هناك إلا حالة واحدة وهي كون نصفٌ منه مظلم ونصفٌ منه مستنير.

ويدل على ذلك أنه لو فرض ناظرٌ يرى القمر في كوكبٍ آخر غير الأرض لما يراه هلالاً فاتضحت بذلك صحة قيام بزوغ القمر ببزوغ الشمس فكما أن هناك مشارق ومغارب فهناك أيضاً بزوغات للقمر حسب اختلاف المناطق».

هكذا أفاد الشيخ جعفر السبحاني[2] .

ومثله مناقشة السيد محمد اليثربي[3] إذا قال ما نصّه:

«أقول: إن ما إدعاه ـ قدس سره ـ من عدم مدخلية الكرة الأرضية في وضع القمر مما لا يمكن الالتزام به لأن الكلام في رؤيته بالنسبة إلى ساكني كرة الأرض ووضع وقوع السيارات في الفضاء وهذا ملحوظٌ بالنسبة إليهم، وإلا فلو فرضنا خلو الفضاء من كرة الأرض كما فرضه المدعي لشوهد وحكم بأمور واقعية كثيرة لا ترتبط بنا من حيث الطلوع والغروب وإمكان المشاهدة وغيره، فالبحث في تولد الهلال وإمكان رؤيته مرتبط بساكن الكرة الأرضية كما أن خسوف القمر وكسوف الشمس يلاحظ كذلك» إلى آخره.

لكن الصحيح هذه المناقشة لا ترد على سيد أساتذتنا المحققين السيد الخوئي ـ ره ـ فإن مقصوده أن ظاهرة طلوع النهار وطلوع الليل ظاهرة تنشأ من علاقة الأرض بالشمس كما أن ظاهرة الهلال والبدر والتربيع والتثليث تنشأ من علاقة القمر بالشمس ولا مدخلية للأرض في نشأت هذه الظاهرة، وهذا لا يعني أن رؤية الهلال أو القمر في ثلثه أو في ربعه أو رؤية القمر كبدر لا تكون بالنسبة إلى ساكني الأرض.

بل مراد السيد الخوئي ـ ره ـ إن القمر كرة وكروي فنصفه يقابل الشمس ونصفه معتم لا يرى بالنسبة إلى سكان الأرض، وهذا القمر له منازل يدور فيها ويتحرك فيها حول الأرض خلال تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً.

ففي ليلة النصف وهي ليلة الرابع عشر أو الخامس عشر إذا كان الشهر ثلاثين يوماً، فإن القمر يرى كالبدر لأهل الأرض لا بسبب الأرض بل بسبب أن القسم المنير من القمر المقابل للشمس يرى لساكني الأرض كالبدر، ثم يتحرك فيحصل النزول التدريجي بالنسبة للناظر في الأرض، لكن سبب هذا النزول ليس هو الأرض بل هو مقابلة القمر للشمس وبسبب حركة القمر في منازله الفلكية وعلاقته بالشمس لا علاقته بالأرض يرى لأهل الأرض أنه هلال أو ثلث أو ربع أو بدر.

وهذا ما أشار له السيد الخوئي ـ ره ـ في جواب المرحوم آية الله السيد محمد الحسيني الطهراني.

المراجعة إلى ثلاثة مصادر مهمة

ولا بأس في هذا المبحث وهو بحث وحدة الأفق أو تعدد الأفق من مراجعة ثلاثة مصادر مهمة:

المصدر الأول ما طبع تحت عنوان رسالة حول مسألة رؤية الهلال، للسيد محمد الحسين الحسيني الطهراني ـ ره ـ وهو من تلامذة السيد الخوئي وقد أرسل رسالتين للسيد الخوئي يعترض فيهما على مبنى السيد الخوئي من إنكار أن لكل بلدٍ أفقه الخاص به، وكان السيد الطهراني يرى رؤية المشهور من أن لكل بلدٍ أفقه فيثبت الهلال بالرؤية في نفس البلد أو البلاد المجاورة له المتحدة معه في الأفق بحيث أن هناك تلازم في الرؤية إذا رؤي الهلال في هذا البلد رؤي في البلد المجاور، فارسل رسالتين للسيد الخوئي.

وردً عليه السيد الخوئي بالنسبة للرسالة الأولى، والرسالة الثانية أمر بعض طلابه أن يرد عليه، فعنونها السيد الطهراني الموسوعة الأولى، ثم الموسوعة الثانية، ثم الموسوعة الثالثة وطبعها في هذا الكتاب المؤلف من مئة وستة وسبعين صفحة.

المصدر الثاني موسوعة كبيرة طبعها بستان كتاب التابع لدفتر تبليغات، مكتب الإعلام الإسلامي، وهي موسوعة أشرف عليها المحقق الشيخ رضا مختاري ومحقق آخر طبعت في خمسة مجلدات باللغة الفارسية تحت عنوان "رؤية هلال" كل مجلد على الأقل 760 صفحة جمعوا في هذه الموسوعة آراء الفقهاء المعاصرين في رسائلهم حول رؤية الهلال في وحدة الأفق أو تعدد الأفق رسائل باللغة العربية أو الفارسية.

المصدر الثالث ما كتبه الشيخ محمد الجواهري في موسوعته الواضح في شرح العروة الوثقى، في المجلد الخامس عشر من صفحة 224[4] إلى نهاية المجلد، والمجلد السادس عشر كاملاً، يعني تقريباً مجلد وربع من موسوعة الواضح في شرح العروة الوثقى، وكان نظره إلى ما ذكر في موسوعة رؤية هلال، وملاحظة كلمات السيد الخوئي، إذ أن هذه الموسوعة الواضح في شرح العروة الوثقى هي تقريرات الشيخ محمد الجواهري لأبحاث السيد الخوئي التي حضرها.

فهذه ثلاث مصادر مهمة:

رسالة رؤية الهلال.

وموسوعة رؤية هلال.

والواضح في شرح العروة الوثقى جزء 15 و 16.

والسيد الطهراني ـ ره ـ أشكل على السيد الخوئي في إنكار أن يكون للأرض دورٌ في رؤية الهلال، وأجابه السيد الخوئي ـ ره ـ خطياً بأن مرادنا لم يتضح، قال السيد الخوئي ـ ره ـ ما نصّه[5] :

«فليعلم أن قولنا بداية الشهر ببداية الخروج عن المحاق» أي عن أشعة الشمس «لم نقصد منه أن تلك اللحظة مهما كانت فهي بداية حساب الأيام، أو مدار نصّ الفروض والأحكام، كي يرد عليه ما توهم»[6] أي ليس مراد السيد الخوئي مجرد تولد الهلال، بل مراده تولد الهلال وإمكان مشاهدته، وهي ما يعبر عنه إذا وصل إلى الدرجة الثالثة.

يقول السيد الخوئي:

«وإنما أردنا بذلك دفع ما توهم من أن بدو الهلال كبزوغ الشمس للنهار، ظاهرةٌ أفقية لسكان الأرض، فيهل الهلال في أفق لأناس ليلة ثم في آخر لآخرين ليلة أخرى كما تشرق الشمس في أفق ساعة لقوم ثم لآخرين ساعة أخرى وهكذا، فدفعنا الوهم بأن بداية النهار غير بداية الشهر، إذ الطلوع ظاهرة أفقية تحدث من حركة الأرض الوضعية فتحدد لها آفاق تجاه الشمس، فيتعدد لا محالة نهار لكل أفق فلا يكون نهار قومٍ نهاراً لمن لم يخرج بعد من ظلام الليل وليس هكذا الهلال فإنه حادثٌ سماوي يحدث من ابتعاد القمر من تحت الشعاع عدة درجات بالقياس إلى سكان الأرض يبدو لهم منه قوس الهلال» فهنا صرح السيد الخوئي أنه ظهور الهلال بالقياس وبالنسبة إلى سكان الأرض.

«حتى ولو قدر أن لم تكن الأرض بآفاقها وكان الناظرون في الفضاء كما هم على الأرض يحجبهم كوكبٌ عن الشمس فيبدو عليهم الليل يرون الهلال.

ولذا ترى في واقعنا الذي نعيش فيه لو رؤي الهلال في أفقٍ من الأرض كإسبانيا على ما مثلت» والمقصود السيد الطهراني «ولم يرى في طهران، فلا يصح أن يقال: صار القمر هلال في إسبانيا ولم يصر هلالاً في طهران، حين يصح أن يقال: صار الوقت نهاراً هنا ولم يصر بعد نهاراً هناك، وذلك لارتباط النهار بهما» أي إسبانيا والعراق «وعدم ارتباط الرؤية بأي منهما إلا بالرؤية» لا الهلالية.

فالسيد الخوئي فرق بين ظاهرة الهلالية ونشأت الهلال وبين الرؤية، رؤية الهلال صحيح بالنسبة إلى الأرض، ولكن نشأت الهلالية هي عبارة عن علاقة القمر بالشمس فقط، يقول:

«فالقمر حينئذٍ هلالٌ لإسبانيا ولطهران ولأي أفقٍ خيمت عليه ليلة الرؤية هذا ما أردنا من حديث بداية الخروج لبداية الشهر، أما بداية الحساب فلا بدّ أن تكون من أول الليل ليلة الرؤية مهما تحقق الخروج حتى يعلم بوجوده في السماء بالرؤية التي هي الطريق العام الوحيد في سهولة التناول لكل أحد، ولا تكون غالباً إلا في أول الليل أو قريب منه فيتخذونه بداية لأوقات شهورهم ﴿يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس﴾ فمواقيت الناس من الشهر تبدأ عندهم من أول ليل يرى فيه الهلال» إلى آخر كلامه ـ قدس الله نفسه الزكية ـ .

إذاً المناقشة الأولى ليست تامة، وخلاصة كلام السيد الخوئي، هو: التفرقة بين الرؤية وبين نشأت الهلال، أي الهلال الكوني والهلال الشرعي.

الهلال الكوني يتحقق بما أفاده ـ قدس سره ـ أن القمر مقابل للشمس نصفه مضيء ونصفه مظلم فإذا تحرك في منازله يصل إلى مرحلة يرى بعض الشيء المضيء منه، فهذه ظاهرة كونية هذا هو الهلال الكوني.

وهناك هلال شرعي الذي يقبله الشرع ويرتب عليه الآثار من نذر وبداية شهر وثبوت العيدين وهو الهلال الذي يرى.

المناقشة الثانية ما أفاده السيد الخوئي ـ ره ـ من تفريع على الظاهرة الكونية حينما قال[7] :

«ولعله إلى ذلك يشير سبحانه وتعالى في قوله: ﴿ربّ المشرقين وربّ المغربين﴾[8] باعتبار انقسام الأرض بلحاظ المواجهة مع الشمس وعدمها إلى نصفين لكل منهما مشرق ومغرب فحينما تشرق على أحد النصفين تغرب عن الآخر وبالعكس فمن ثم كان لها مشرقان مغربان، والشاهد على ذلك قوله سبحانه: ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين﴾[9] الظاهر في أن هذا أكثر بعد وأطول مسافة بين نقطتي الأرض إحدهما مشرق لهذا النصف والأخرى مشرق النصف الآخر».

وفيه: إن هذا مجرد احتمال، ولذلك عبر عنه السيد الخوئي «ولعله» ولكن هذا الاحتمال لا معين له، فكما يوجد هذا الاحتمال الذي ذكره السيد الخوئي، توجد احتمالات أخرى ذكرها الشيخ مرتضى بني فضل ـ ره ـ في كتابه[10] إذ قال مناقشاً السيد الخوئي ـ ره ـ :

«وفيه: إنه من المحتمل أن يكون المراد من المشرقين والمغربين مشرق الشمس ومشرق القمر ومغربهما، أو مشرقي الشمس في الصيف والشتاء ومغربيهما فيهما، كما ورد في التفاسير، ومن المحتمل أيضاً أن يكون المراد من المشرقين في قوله تعالى: ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين﴾ فاصلة ما بين المشرق والمغرب، وتثنية المشرق للتغليب» أي المراد المشرق والمغرب ولكن أحياناً تغلب وتقول المشرقين أو تغلب وتقول المغربين.

فكما يوجد الاحتمال الذي ذكره السيد الخوئي، توجد هذه الاحتمالات التي ذكرها الشيخ مرتضى بني فضل ـ ره ـ ، وإذا وردّ الاحتمال بطل الاستدلال فإن المناقشة الثانية تامة بخلاف المناقشة الأولى، وإن كانت ليست في أمر أساسي.

المناقشة الثالثة ذكر السيد الخوئي ـ ره ـ بعد استدلاله على عدم اشتراط وحدة الأفق بالروايات، قال ما نصّه[11] :

«ويؤكده ما ورد في دعاء صلاة يوم العيد، من قوله ـ عليه السلام ـ : «أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا»[12] فإنه يعلم منه بوضوح أن يوماً واحداً شخصياً يشار إليه بكلمة هذا هو عيدٌ لجميع المسلمين المتشتتين في أرجاء المعمورة على اختلاف آفاقها لا لخصوص بلدٍ دون آخر.

وهكذا في الآية الشريفة الواردة في ليلة القدر، وأنها خير من ألف شهر، وفيها يفرق كل أمر حكيم، فإنها ظاهرةٌ في أنها ليلة واحدة معينة ذات أحكام خاصة لكافة الناس وجميع العالم، لا أن لكل صقع وبقعة ليلة خاصة مغايرة لبقعة أخرى من بقاع الأرض».

هكذا أفاد سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ ره ـ وخلاصته: أننا إذا التزمنا بمسلك المشهور، وهو: أن لك أفقٍ هلاله كما أن لكل أفقٍ مشرقة ومغربه فحينئذٍ سيصبح لكل أفق صومه وعيده بخلاف ما لو التزمنا بأن الأفق واحد وأنه متى ما رؤي الهلال في بلدٍ وكان يشترك مع بلد آخر في الليل فإنه يثبت ويكون العيد واحد.

وفيه: أنه لا مناص من تعدد الهلال وتعدد العيد وتعدد هلال شهر رمضان، سواء قلنا بوحدة الأفق كما عليه السيد الخوئي، أو قلنا بتعدد الأفق، فبناءً على مسلك السيد الخوئي يكون شهر رمضان واحد لمن عندهم ليل وأما النصف الثاني من الكرة الأرضية الذين عندهم نهار فلا يثبت لهم العيد أو هلال شهر رمضان.

وهذه المناقشة ذكرها شيخنا السبحاني[13] ـ حفظه الله ـ إذ قال ما نصّه:

«إنه لا محيص من تعدد يوم العيد وليلة القدر على القول بكروية الأرض، والقائل بعدم اشتراط وحدة الأفق قد خص الحجية بالأقطار التي تشترك في الليل ولو بجزء يسير منه ولا يشمل النصف الآخر للكرة التي لا يشارك تلك البقعة في ليلتها فيتعدد يوم العيد، سواءً أقلنا باشتراط وحدة الأفق أم لا، كما أن ليلة القدر تتعدد حسب كروية الأرض».

هذا تمام الكلام في المناقشات الثلاث التي ذكرناها لمناقشة القسم الأول لكلام السيد الخوئي، وهو القسم الناظر إلى الحالة والظاهرة الكونية من الهلال وما قد يسقط عليها من استظهار للآيات الكريمة.

يبقى الكلام في القسم الثاني وهو العمدة وهو الاستدلال على وحدة الأفق أو تعدد الأفق بالروايات الشريفة.

يأتي عليه الكلام.

 


[3] كتاب الصوم، ج2، ج8 من موسوعة المدارج الفقهية، ص165 و 166.
[5] رسالة حول مسألة رؤية الهلال، ص79 و 80.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo