< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: اعتراضات أربعة من قبل الشهيد الصدر على ما أفاده المحقق العراقي

 

المحاولة الثالثة في ردّ الإشكال الثالث على تعريف المشهور هي للمحقق آقا ضياء الدين العراقي ـ رحمه الله ـ[1] .

كان الكلام في مناقشة تعريف المشهور وهو أن علم الأصول هو عبارة عن العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي، أشكل عليه بثلاثة إشكالات وكان مفاد الإشكال الثالث النقد بدخول القواعد الفقهية فالقواعد الفقهية قواعد ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي التفصيلي، ومن هنا وجدت محاولات لردّ هذا الإشكال الثالث وهذه المحاولات تصلح أن تكون عنواناً وتعريفاً لعلم الأصول.

المحاولة الأولى للمحقق الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني الذي أضاف قيد الكبروية، القواعد الممهدة التي تقع كبرى في قياس الاستنباط.

المحاولة الثانية للسيد أبو القاسم الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ الذي أضاف عدم حاجة القاعدة لقاعدة أصولية أخرى، قال القواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي والتي لا تحتاج في استنباط الحكم الشرعي إلى قاعدة أصولية أخرى.

المحاولة الثالثة اليوم إن شاء الله نأتي إلى المحاولة الثالثة للمحقق العراقي ـ رضوان الله عليه ـ والذي أشار إلى أن ملاك المسألة الأصولية أن تكون ناظرة مباشرة إلى إثبات حكمٍ شرعي أو خصوصية فيه.

فالملاك في القاعدة الأصولية أن القاعدة الأصولية تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي بنحوٍ إما أن تكون ناظرة إلى إثبات الحكم بنفسه أو إثبات كيفية تعلق الحكم بموضوعه، ولتوضيح ذلك نذكر مجموعة من الأمثلة:

فمثلاً مسألة دلالة صيغة الأمر على الوجوب ودلالة صيغة النهي على التحريم ومسألة حجية خبر الثقة ومسألة الاستصحاب ومسألة البراءة كلها بنفسها تثبت الحكم الشرعي بنفس.

فلو كانت الحالة السابقة هي عدم الوجوب فإننا نستصحب عدم الوجوب، ولو كانت الحالة السابقة غير معلومة وشككنا ولم يثبت دليل على الوجوب فإن البراءة تثبت عدم الوجوب إذاً البراءة والاستصحاب وحجية خبر الثقة ودلالة الصيغ بنفسها تثبت الحكم الشرعي وهذا المورد الأول.

ولقد أسئ فهم كلام المحقق العراقي ـ رضوان الله عليه ـ وأشكل عليه بأنه يلزم من ذلك خروج مباحث العموم والإطلاق من علم الأصول وكذلك مباحث المفاهيم كالجملة الشرطية لأن هذه المباحث من قبيل استظهار كلمة الصعيد قال تعالى ﴿وتيمموا صعيداً طيباً﴾[2]

سؤال ما معنى كلمة؟ هذا بحث لغوي نبحث في كتب اللغة، لنرى أن معنى كلمة الصعيد هل هو ظاهرٌ في خصوص التراب الخالص أو مطلق وجه الأرض، فكلمة الصعيد مسألةٌ لغوية وليست مسألة أصولية وإن دخلت كلمة الصعيد في استنباط الحكم الشرعي في مباحث التيمم فيما يجوز التييم به إلا أن معنى كلمة الصعيد بنفسه مسألة لغوية وليست مسألة أصولية فكذلك دلالة لفظ كل على العموم ولفظ جميع على العموم فهذه مسائل لغوية وليست مسائل أصولية وبالتالي بناءً على تعريف المحقق العراقي للقاعدة الأصولية بأنه هي القاعدة التي بنفسها تثبت الحكم الشرعي يلزم خروج مباحث العموم والإطلاق والمفاهيم من مباحث علم الأصول.

والجواب فرقٌ كبيرٌ بين ظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب الخالص الذي هو مسألة لغوية وبين استظهار لفظة كل في العموم ولفظة جميع في العموم والسرّ في ذلك أن لفظة كل وجميع وجمعاء وقاطبة وغيرها من صيغ العموم تثبت خصوصية من خصوصيات الحكم وهو أن هذا الحكم مطلق أو مقيد، عامٌ أو خاص، إذاً كلمة الصعيد مسألة لغوية خالصة لا تثبت بنفسها الحكم الشرعي ولا تثبت بنفسها خصوصية للحكم الشرعي بخلاف مسائل الإطلاق والعموم والمفاهيم فإنها تبحث عن متعلق الحكم الشرعي أو موضوع الحكم الشرعي يعني تدرس خصوصية تثبت خصوصية من خصوصيات الحكم الشرعي وبالتالي يصير ضابط المسألة الأصولية هكذا المسألة الأصولية هي التي تقع بنفسها في طريق استنباط الحكم الشرعي أو إثبات خصوصية للحكم الشرعي كيفية إثبات تعلق الحكم بموضوعه أو كيفية تعلق الحكم بمتعلقه، هذا هو الضابط العام الذي يفهم ويستفاد من كلمات المحقق العراقي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

اعتراضات الشهيد الصدر على تعريف المحقق العراقي

وقد أعترض عليه الشهيد الصدر ـ رحمة الله عليه ـ بأربعة اعتراضات[3] ومفاد الاعتراضات الأول والثالث والرابع أن تعريف المحقق العراقي ليس بمانع، ومفاد الاعتراض الثاني أن تعريف المحقق العراقي ليس بجامع فلنشرع في بيان الاعتراضات باختصارٍ:

الاعتراض الأول توجد قواعد فقهية وهذه القواعد الفقهية تتعرض بنفسها لإثبات الحكم الشرعي أو إثبات خصوصية في الحكم الشرعي ومن المسلم أنها قواعد فقهية مع أنها وفقاً لضابطة المحقق العراقي يلزم أن تكون قاعدة أصولية وذكر الشهيد الصدر لذلك مثالين، نقتصر اختصاراً على خصوص المثال الثاني لأن المثال الأول قابلٌ للتأمل.

المثال الثاني توجد مسألة فقهية تبحث في الفقه هل الدليل الذي يدل على أن شيء مطهر يدل على أنه طاهر؟ فهل لو دلّ الدليل على أن الماء مطهر نفهم من هذا الدليل أن الماء طاهر؟ وهل إذا دلّ الدليل على أن الماء مطهر نفهم منه ملازمة أن التراب طاهر؟ إذا هذه مسألة تبحث في الفقه، هل توجد ملازمة بين مطهرية الشيء وطهارته؟

ومن الواضح أن هذه المسألة تثبت أصل الحكم الشرعي أي تثبت أصل الطهارة والضابطة التي ذكرها المحقق العراقي في القاعدة الأصولية من أنها القاعدة التي تثبت أصل الحكم الشرعي أو خصوصية تنطبق على هذه القاعدة مع أنه من المسلم أنها قاعدة فقهية وليست قاعدة أصولية.

إذاً مفاد الاعتراض الأول أن ضابطة المحقق العراقي ليست مانعة لقاعدة فقهية وهي قاعدة مطهرية الشيء يلزم منها طهارته وأن الدليل الدال على مطهرية شيء يلزم من هذا الدليل ثبوت الطهارة لذلك الشيء، ولاحظّ نحن ذكرنا كلام المحقق العراقي كمحاولة للإجابة على الاعتراض الثالث النقض بدخول القواعد الفقهية في تعريف المشهور.

إذاً محاولة الشيخ العراقي غير تامة ينقض عليها بالاعتراض الأول، والاعتراض الثاني ومفاده أن تعريف المحقق العراقي ليس بجامع وبقية الاعتراضات الأول والثالث والرابع مفادها أنه ليس بمانع.

الاعتراض الثاني مبنيٌ على التصور المشهوري لثمرة في بحث إن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أم لا؟ يوجد مسلكان:

المسلك الأول إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.

المسلك الثاني الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده.

سؤال: مسألة الملازمة قاعدة أصولية أم قاعدة فقهية؟ من الواضح أن مسألة الملازمة مسألة أصولية فلننظر هل تنتطبق عليها ضابطة المحقق العراقي أم لا؟ ما هي ضابطة القاعدة الأصولية هي القاعدة التي بنفسها تثبت الحكم الشرعي أو خصوصية من خصوصياته كتعلق الحكم بموضوعه أو بمتعلقه.

لاحظ الآن القاعدة على كلا المبنيين ـ أنت مسلوبة على أي حالٍ ـ نضرب مثال هل الأمر بالإزالة الفورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد فوراً يقتضي النهي عن الصلاة أم لا؟

بناءً على المسلك الأول إن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فالأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة فما هو الحكم؟ بطلان الصلاة، سؤال بطلان الصلاة هل هو نتيجة الملازمة أو نتيجة قاعدة أخرى؟ وهو أن النهي عن العبادة يفسدها ويبطلها؟

الجواب الحكم الشرعي وهو بطلان الصلاة مفاد قاعدة إن النهي عن العبادة يبطلها، إذاً القاعدة الأصولية حققت الموضوع وهو النهي ولم تحقق الحكم، القاعدة الأصولية مسألة الملازمة هل الأمر بالشيء ـ الإزالة ـ يقتضي النهي عن ضده ـ الصلاة ـ ؟ إذا قلنا نعم، تصير القاعدة الأصولية تثبت النهي النهي عن الصلاة ولا تثبت بطلان الصلاة، ثم تأتي بقاعدة أخرى النهي عن الصلاة يبطلها.

إذاً الحكم الشرعي وهو بطلان الصلاة مستفاد من قاعدة النهي عن العبادة يبطلها ولا يستفاد من قاعدة إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده هذا بناءً على الشق الأول احتمال الأول القول الأول.

وأما بناءً على القول الثاني إن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده فالأمر بالإزالة فوراً لا يقتضي النهي عن الصلاة فتكون الصلاة صحيحة، سؤال: صحة الصلاة حكم شرعي، هل استفدناه من قاعدة عدم الملازمة أم استفدناه من قاعدة حجية الإطلاق؟ صلّ، أقيموا الصلاة، فببركة حجية الإطلاق استفدنا ثبوت الوجوب لصلاة واستفدنا صحة الصلاة ولم نستفد صحة الصلاة من قاعدة عدم الملازمة.

نعم قاعدة عدم الملازمة أزالت المانع قاعدة الملازمة تقول إن الأمر بالإزالة لا يمانع من ثبوت وجوب الصلاة ثم تأتي الآية وتثبت المقتضي أقيموا الصلاة.

إذا على كلا المسلكين ثبت أن قاعدة الملازمة أو عدم الملازمة لا تثبت حكماً شرعياً ولا تثبت خصوصية لحكم شرعي، فيلزم بناءً على مبنى المحقق العراقي أن تكون مسألة الملازمة مسألة غير أصولية ومن الواضح أنها مسألة أصولية.

الاعتراض الثالث ومفاد الاعتراض الثالث أن تعريف المحقق العراقي ليس بمانعٍ فهو لا يمنع دخول القواعد المنطقية باعتبار أن القواعد المنطقية ناظرة إلى إثبات أصل الحكم عندما تقع في مقام الاستنباط.

ولا بأس أن نشير إلى كلام المحقق المدقق السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ قال هل نحتاج إلى علم المنطق في الاستنباط أم لا؟ قال لا نحتاج والذي نحتاجه هو القياس من الشكل الأول والقياس من الشكل الأول بديهي فلا نحتاجه، طبعاً يصير على مسلك السيد الخوئي هذا النقض لا يتم لأن السيد الخوئي يرى أن القاعدة إذا بديهية لا تدخل في علم الأصول والقياس بديهي، ويقول لا نحتاج إلى غير القياس من الشكل الأول وبالتالي هذا النقض لا يصح على مسلك السيد الخوئي يصير خلاف مبنائي، نحن الآن نتكلم كلام بنائي على مبنى المحقق العراقي.

القياس الذي هو من الشكل الأول مسألة منطقية وعلى الرغم من كونه مسألة منطقية فإنه يدخل في مباحث علم الأصول يعني في الاستنباط، لاحظ تقول هكذا (وجوب السورة قام عليه خبر الثقة) هذه صغرى، (وكل ما قام عليه خبر الثقة فهو ثابتٌ تعبداً) النتيجة ( فـ وجوب السورة ثابتٌ تعبداً) أغلب الاستدلالات يدخل فيها قياس من الشكل الأول.

إذاً القياس من الشكل الأول يثبت أصل الحكم وأثبت أصل وجوب السورة وجزئية السورة في الصلاة اليومية ومن الواضح بل من المسلم أن القياس من الشكل الأول مسألة منطقية وليس مسألة أصولية مع أنه بناءً على ضابطة المحقق العراقي يلزم أن يكون القياس من الشكل الأول مسألة أصولية لأنه بنفسه أثبت أصل الحكم الشرعي.

مولانا أيضاً في علم المنطق ندرس الهيئة في الجزء الثاني من المنطق المظفر والمادة في الجزء الثالث من المنطق أنها برهانية وظنية وأنها ... فالقياس بمادة وهيئته من المباحث المنطقية، نعم أنت تتكلم عن طبيعة المادة وليس نوع المادة وأما نوع المادة يدرس في المنطقة أنه برهان أو خطاب أو شعر أو مغالطة ولكن أنت كلامك طبيعة المادة المتحصل عليها.

هذا يحتاج أن تقول أن مراد المحقق العراقي ما يدخل بمادته لا خصوص الصيغة، كلام المحقق العراقي مطلق ما يثبت بنفسه الحكم الشرعي وهو مطلق سواء بالمادة أو الهيئة.

الاعتراض الرابع من الشهيد الصدر على المحقق العراقي الذي ذكر أن القاعدة الأصولية هي القاعدة التي بنفسها ناظرة إلى إثبات أصل الحكم أو إثبات خصوصية فيه، ونحن نسأل المحقق العراقي ما هو المقصود بالإثبات هل المقصود خصوص الإثبات اللفظي أو المقصود مطلق الإثبات سواء كان لفظياً أو معنوياً وهذا الإشكال الرابع يجيب على إشكالك.

فإن كان المراد هو الأول المراد بالإثبات هو خصوص الإثبات اللفظي فيلزم من ذلك خروج مباحث الاستلزامات عن علم الأصول، فإن مسألة الملازمة العقلية هل إذا حكم العقل يلزم أن يحكم الشرع؟ بحث الملازمات العقلية هذا ليس بحثاً لفظياً فإذا قلنا إن المراد بالإثبات إثبات الحكم خصوص إثبات الحكم لفظاً لا معنى يلزم خروج بحث الملازمات العقلية وهكذا سائر مباحث الملازمات كبحث استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده وبحث استلزام وجوب الشيء ووجوب مقدمته فإن هذه الدلالات هذه المباحث ملازماتها عقلية وليست دلالاتها لفظية هذا لو حصرنا المراد بالإثبات بخصوص الإثبات اللفظي وطبعاً أوضح إثبات له الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع لأن هذه الموارد قد يقال أنها وردت الأمر بالشيء ووجوب مقدمته وهكذا.

وإن كان مراد المحقق العراقي مطلق الإثبات اللفظي والمعنوي فيلزم من ذلك دخول بعض المسائل الرجالية في تعريفه كوثاقة الراوي لأن وثاقة الراوي دليلٌ على صدقه وهذا يدل على ثبوت الحكم الذي نقله فوثاقة الراوي ناظرة إلى إثبات أصل الحكم الشرعي إثباتاً معنوياً لا لفظياً فيلزم أن تكون وثاقة الراوي مشمولة بالتعريف فتكون حينئذٍ مشمولة لمباحث علم الأصول وليست خارجة عن علم الأصول.

إذا مفاد الاعتراض الرابع أنه لو حصرنا الإثبات وخصصناه بخصوص الإثبات اللفظي يلزم أن يكون التعريف غير جامع لأنه لا يشمل مسائل الاستلزامات وإن قلنا إن المراد بالإثبات مطلق الإثبات يلزم أن يكون هذا التعريف غير مانع فهو لا يمنع مسألة وثاقة الراوي التي هي مسألة رجالية.

إذاً الاعتراض الرابع فيه شقان الشق الأول يثبت عدم الجامعية والشق الثاني يثبت عدم المانعية هذا تمام الكلام في الاعتراضات الأربعة.

نحن هذه الاعتراضات وأغلب المسائل لن نناقش فيها كثيراً لأن البحث يطول ولا داعي للتطويل من دون طائل إلى هنا تطرقنا إلى محاولة السيد الخوئي وأستاذه العراقي وأستاذه النائيني وكلمات المشهور واتضح عدم تمامية شيء منها، يبقى الكلام في تعريف الشهيد السيد محمد باقر الصدر وتعريف السيد الإمام الخميني لأن بحثنا بحث مقارن بين آراء الأعلام الثلاثة السيد الخوئي والسيد الشهيد الصدر والسيد الإمام الخميني، تعريف السيد الشهيد الصدر المختار لعلم الأصول يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


[1] بدائع الأفكار تقرير البروجردي، ج1، صـ 24 ـ منهاج الأصول، ج1، صـ 21. ـ ويمكن أيضاً ملاحظة المطلب في كتاب مقالات الأصول ج1 للمحقق العراقي

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo