< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: شمولية التعريف ومانعيته

 

شمولية تعريف الشهيد الصدر لجميع مسائل علم الأصول وعدم شموليته لغير المسائل الأصولية، تطرقنا إلى التعريف الذي توصل إليه الشهيد الصدر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ وهو أن علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة والتي يستعملها الفقيه أدلةً على الجعل الشرعي[1] .

وسيتضح إن شاء الله بعد مزيد تحقيق أن الشهيد الصدر قد أدخل بعض التعديلات على هذا التعريف وقد نصّ عليه في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر ج1، صـ 52 قال في آخر فقرة (وعلى هذا الأساس يصح أن يقال أن علم الأصول هو العلم بالقواعد المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة)[2] يعني في القياس الأخير، ونفس هذا التعبير ولكن بشكل أفضل وأدق ذكره الصدر الثاني الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر في تقريره محاضرات في علم أصول الفقه ج1، صـ 3 إذ في هذا التعريف الأخير استبدل الشهيد الصدر مفردة العناصر المشتركة بمفردة القواعد المشتركة هذا أولاً، وثانياً نصّ على القياس الأخير أي أن القاعدة الأصولية يستدل بها في القياس الأخير على المسألة الفقهية وهذا ما سيتجلى إن شاء الله عندما نتطرق إلى ضابط المسألة الأصولية.

اليوم إن شاء الله نتطرق إلى أن تعريف الشهيد الصدر جامعٌ مانعٌ فهو جامعٌ لكل الأفراد ومانعٌ لكل الأغيار، أي أن تعريف الشهيد الصدر يشمل جميع مسائل علم الأصول من البداية إلى النهاية ويمنع المسائل الغير أصولية، خصوصاً التي أدعي دخولها في تعريف علم الأصول وهي خمسة: أولاً علم الحديث، ثانياً القواعد الفقهية، ثالثاً القواعد المنطقية، رابعاً المسائل اللغوية، خامساً القواعد الرجالية، سيتضح إن شاء الله كيف تخرج هذه المسائل الخمسة التي أدعي دخولها في تعريف علم الأصول ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول شمولية التعريف لكل مسائل علم الأصول، وهذا يتضح عن طريق الاستقراء أي استقراء وتتبع جميع القواعد الأصولية فلو تتبعنا جميع القواعد والمسائل الأصولية لوجدنا واجدة للنكته المذكورة في التعريف وهي كونها مأخوذة بنحو اللابشرط من جهة المادة.

والمراد بالمادة أفعال المكلفين كالصوم والحج والخمس والزنى والعياذ بالله وغير ذلك فأفعال المكلفين التي تقع ضمن الأحكام التكليفية الخمسة هي عبارة عن المواد، إذا نكتة القاعدة الأصولية وضابطة القاعدة الأصولية هي أن تكون لا بشرط من ناحية المادة أي من ناحية أفعال المكلفين.

والغريب العجيب اللطيف أن تقرير أستاذنا المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي لم ينص ولم يذكر مفردة اللابشرط مع أنه أشار إلى روح اللابشرط في تعريف الشهيد الصدر لمسائل علم الأصول[3] ،

ولكن بحث اليوم وهو شمولية التعريف ومانعيته وكذلك بحث الغد إن بقينا أحياء ضابط المسألة الأصولية وفقاً لتعريف الشهيد الصدر خصوصاً البحث الثاني ضابط المسألة الأصولية قيدين أو ثلاثة قيود وهي أن تكون لا بشرط وأن تكون المقدمة في القياس الأخير، لم يشر إليها السيد محمود الهاشمي ولم يصرح بهما، نعم ذكر السيد محمود الهاشمي الجزء الأول صـ 31 أربع خصائص للتعريف، وفي الخصيصة الأولى ذكر أمرين الأمر الأول يشير إلى نكتة اللابشرط والأمر الثاني يشير إلى قضية القياس الأخير ولكن لم يصرح بذلك مع أن هذين القيدين قيد اللابشرط والقياس الأخير قد ذكرا بصراحة وإسهاب في ثلاثة تقارير تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، وتقرير الشهيد الصدر الثاني، وتقرير السيد كاظم الحائري، يعني ذكرها الشهيد الصدر في الدورة الأولى والثانية بهذا التفصيل ولكن تقرير السيد محمود خالي منها.

عموماً القواعد والمقدمات المأخوذة على نحو اللابشرط من حيث المادة على قسمين:

القسم الأول أن تكون مأخوذة بشرط شيء بالنسبة للحكم الذي يثبت بها، فمثلاً صيغة افعل في الوجوب هي لا بشرط من ناحية المادة فصيغة افعل لا بشرط من جهة الصيام والصلاة والحج والخمس هذه مواد، صيغة افعل هي لا بشرط من ناحية المادة أي من ناحية أفعال المكلفين ولكنها بشرطٍ شيء من ناحية نوع الحكم، فصيغة افعل ناظرة إلى الوجوب وصيغة لا تفعل ناظرة إلى الحرمة فمن هنا يقال لاحظ معي جيداً الدقة صيغة افعل ولا تفعل لا بشرط من ناحية المادة وأفعال المكلفين لكنها بشرط شيء من ناحية نوع الحكم فصيغة افعل بشرط شيء من ناحية نوع الحكم الوجوبي وصيغة لا تفعل بشرط شيء من ناحية نوع الحكم التحريمي.

والملاك كل الملاك في المسألة الأصولية هي كونها لا بشرط من ناحية المادة وإن كانت بشرط شيء من ناحية نوع الحكم لكن بشرط أن يكون هذا الحكم سيالاً في جميع أبواب الفقه الإسلامي فالوجوب والتحريم سيالٌ وموجود من الطهارة إلى الديات بخلاف قاعدة إن الدليل الدال على مطهرية شيء يدل على طهارته فإنه بشرط شيءٍ لمادة معينة وهي خصوص الطهارة ولا تشمل كتاب الصلاة ولا تشمل كتاب الخمس والزكاة والحج وسائر مباحث علم الفقه.

إذا لاحظ معي دقة الشهيد الصدر يقول ملاك المسألة الأصولية، أن تكون لا بشرط من جهة المادة وإن كانت بشرط شيء من جهة نوع الحكم على أن لا ينحصر الحكم في باب معين بل لا بدّ أن يكون الحكم سيالاً في جميع أبواب الفقه.

إذاً القسم الأول من اللابشرط أن يكون لا بشرط من ناحية المادة وبشرط شيء من ناحية نوع الحكم على أن يكون الحكم سيال في سائر المباحث الفقهية.

القسم الثاني ما كان مأخوذاً على نحو اللابشرط في كلا الحيثيتين أي من حيث المادة ومن حيث نوع الحكم، فالاستصحاب مثلاً فالاستصحاب يجري في كل فعل من أفعال المكلفين تركاً كان أو فعلاً، كما أن الاستصحاب لا يختص بنوع معين من الأحكام الشرعية فهو لا يختص بالوجوب أو خصوص التحريم أو الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة.

إذا الاستصحاب كما يثبت الحرمة أو الوجوب يثبت أيضاً الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة، إذا الاستصحاب لا بشرط من ناحية المادة فهو يعم جميع أفعال المكلفين وهو أيضاً لا بشرط من ناحية نوع الحكم فهو يشمل الحكم الوجوبي والتحريمي والاستحبابي والكراهتي والإباحة يشمل الأحكام التكليفية الخمسة.

والجامع لهذين القسمين هو كونهما مأخوذين في الاستدلال بنحو اللابشرط من حيث المادة ويكفي في أصولية المسألة أن تكون مأخوذة بنحو اللابشرط من حيث المادة فقط، وإن كانت مأخوذة بشرط شيء من حيث نوع الحكم ولكن بشرط أن يكون هذا الحكم سارياً في جميع أبواب الفقه ولا يختص بـ باب معين، ومن هنا يتضح ضابط المسألة الأصولية والنكتة المهمة في المسألة الأصولية وهي أن تقع المقدمة في الاستدلال وتكون لا بشرط من ناحية المادة هذا القيد الأول.

القيد الثاني ولو كانت بشرط شيء من ناحية نوع الحكم يشترط أن يكون الحكم سارياً في جميع أبواب الفقه.

وستأتي النكته الثالثة أن المراد من المقدمة الواردة في الاستدلال بنحو اللابشرط هو خصوص المقدمة الأخيرة في الاستدلال لا المقدمات البعيدة فالمنطق خصوصاً القياس من الشكل الأول هذا موجود في جميع العلوم ولكنه من المقدمات البعيدة فبقيد القياس الأخير في الاستنباط نخرج علم المنطق ونخرج أيضاً علم الرجال، لأن مسائل علم الرجال ومسائل علم المنطق تقع في مقدمات الاستنباط ولكنها تقع في المبادئ أو مبادئ المبادئ ولا تقع في القياس الأخير للاستنباط الفقهي.

إلى هنا انتهينا من المقام الأول شمولية التعريف لجميع مسائل علم الأصول فجميع مسائل علم الأصول تشملها هذه النكتة وهي أنها لا بشرط من ناحية المادة وأفعال المكلفين.

المقام الثاني عدم شمولية التعريف لغير المسائل الأصولية، ونتطرق إلى خمس مسائل خارجة:

الأمر الأولى مسائل علم الحديث كالروايات الواردة في الكتب الأربعة، فهذه الروايات بشرط شيء من ناحية موادها، فهي ناظرة إلى الخمس والزكاة والحج و و فكل رواية بشرط شيء من ناحية المادة، وبالتالي تخرج عن ضابط المسألة الأصولية، لا بدّ أن تكون لا بشرط من ناحية المادة هذا الأول الأول.

الأمر الثاني مسائل علم اللغة كظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب الخالص فإن هذه المسائل اللغوية بشرط شيء من ناحية المادة فهي مختصة بخصوص مفردة الصعيد المختص ببحث التييمم وبالتالي تكون خارجة عن مباحث علم الأصول.

وهذا الأمر هو الذي جعل العلماء يفرقون بين المسائل اللغوي فبعضها كظهور كلمة الصعيد أخرجوه عن علم الأصول لأنه بشرط شيء من ناحية المادة وبعضهما أدخلوه في علم الأصول مثل دلالة لفظ كل وجميع وقاطبة وجمعاء على العموم وظهور صيغة الأمر في الوجوب وصيغة النهي في التحريم لأنها لا بشرط من ناحية المادة وإن كانت بشرط شيء من ناحية نوع الحكم ولكن هذا الحكم ليس بسيان فانطبقت عليها ضابطة المسألة الأصولية وهي أنها لا بشرط من ناحية المادة ومسألة الصعيد هي بشرط شيء من ناحية المادة بينما ظهور صيغة الأمر في الوجوب وظهور صيغة النهي في التحريم هي ليست بشرط شيء من ناحية المادة هي لا بشرط من ناحية المادة، إلى هنا أخرجنا الأمر الأول مسائل علم الحديث والأمر الثاني مسائل علم اللغة.

الأمر الثالث القواعد الفقهية والقواعد الفقهية هي أيضاً بشرط شيء من ناحية المادة كـ قاعدة الطهارة كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه حرامٌ بعينه فتدعه فهو خاص بخصوص مادة الطهارة وهكذا قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أو قاعدة هل يثبت الضمان بالغرامة إذا بطل الضمان بالمعاوضة فهو ناظر إلى خصوص مادة الضمان.

إذا خرجت القواعد الفقهية لكونها بشرط شيء من ناحية المادة، فالقاعدة الفقهية مقدمة مادية وليست مقدمة مشتركة بالاستدلال الفقهي فلا يشملها التعريف.

الأمر الرابع قواعد علم الرجال وهذه القواعد من قبيل وثاقة زرارة تدخل في التعريف هي عنصر مشترك وليست عنصر خاص ولكنها تخرج لأنها تقع في المقدمات البعيدة يعني هي من مبادئ مبادئ الاستدلال.\

فمثلاً يوجد عندنا قياسين:

القياس الأول هذا خبر زرارة وزرارة ثقة إذا هذا خبر الثقة هذا القياس الأول.

القياس الثاني وجوب السورة أخبر به الثقة، وكل ما أخبر به الثقة فهو ثابت، فوجوب السورة ثابت.

القياس الأول متقدم مبدأ وقعت فيه المسألة الرجالية ولم تقع المسألة الرجالية في القياس الأخير إذا وثاقة زرارة التي هي مسألة رجالية وإن وقعت كعنصر مشترك وقاعدة عامة في قياس الاستنباط لكنها تقع في المبادئ أو مبادئ المبادئ ولم تقع في القياس الفقهي الأخير.

إذا أخرجنا مسائل علم الرجال ببركة اشتراط القياس الأخير في التعريف.

الأمر الخامس والأخير القواعد المنطقية فقد يشكل أن القواعد المنطقية أيضاً عناصر مشتركة في الاستنباط الفقهي فالشكل الأول أيضاً نحتاج إليه في الاستدلال الفقهي والجواب هو الجواب إذ أن علم المنطق والقياس من الشكل الأول يقع في القياس البعيد فهو من المبادئ أو مبادئ المبادئ وحينما يقال هذا من مسائل العلم لا يقال من مبادئ العلم أو مبادئ المبادئ بل يراد مسائل نفس العلم وليس من مبادئ العلم.

النتيجة النهائية أخرجنا الأمور الثلاثة الأول ببركة أنها بشرط شيء من ناحية المادة فأخرجنا مسائل علم الحديث والمسائل اللغوية والقواعد الفقهية كما أخرجنا الأمرين الأخيرين وهما مسائل علم الرجال ومسائل علم المنطق ببركة اشتراط القياس الأخير.

لذلك التعريف الأصح هو أن نعرف علم الأصول بهذا التعريف (هو العلم بالقواعد المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة) لأنه الاستدلال الفقهي خاصة يخرج الاستدلال المنطقي والفلسفي يعني في القياس الأخير من الاستنباط.

هذا تمام الكلام في بيان أن تعريف الشهيد الصدر جامع مانع، جامع لكل مسائل علم الأصول ومانع عن غير مسائل علم الأصول.

يبقى تعميق هذا المطلب ببيان الضابط للقاعدة الأصولية غداً نكرره ونعمقه أكثر، ذكرنا ضابطين أو ثلاثة، الضابط الأول أن تكون المسألة لا بشرط من ناحية المادة، الضابط الثاني أن تقع المقدمة في القياس الأخير للاستنباط هذان الضابطان وردا في تقرير الشيخ عبد الساتر والشهيد الصدر الثاني، السيد كاظم الحائري أضاف القيد الثالث وهو أن تكون المسألة سيالة في جميع أبواب الفقه، هذا القيد الذي جعل قيد ثالث من قبل السيد كاظم الحائري هذا قيد توضيحي للعناصر المشتركة أو قيد توضيحي للأمر الأول لـ اللا بشرط أن اللا بشرط قد يجتمع مع اللا بشرط من ناحية المادة وقد يجتمع مع بشرط شيء من ناحية نوع الحكم بشرط أن يكون سيالاً فالصحيح ما ورد في تقرير الشيخ عبد الساتر والشهيد الصدر الثاني.

تراجع المسألة تراجعون بحث السيد كاظم الحائري مباحث الأصول، ج 1، صـ 37، وتراجعون بحث الشيخ عبد الساتر ج 1، صـ 53 تقرير الشيخ عبد الساتر.

الضابط للقاعدة الأصولية يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo