< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: جلسه 075 - الوجه الثاني الإطراد في الاستعمال

 

الوجه الإطراد في الاستعمال

يراد بالإطراد بناءً على الوجه الثاني الإطراد في الاستعمال لا الإطراد في التبادر كما عليه الوجه الأول وكأن الإطراد في الاستعمال هو المراد من كلمات سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي[1] ـ رحمه الله ـ .

والمراد بالإطراد في الاستعمال إننا حين نسمع شخصاً قد استعمل لفظاً في معناً مع علمنا بأن استعماله للفظ في معناً موقوف على أحد أمرين: إما الوضع أو القرينة، فإذا استعمله مرةً ولم ندري أنه استعمال حقيقي أم مع القرينة؟! فلا يمكن نفي احتمال القرينة في الاستعمال الواحد.

ولكن إذا رأينا المستعمل العربي قد كرر الاستعمار فمثلاً لو كرر استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس الذي هو ملك الغابة مئات المرات فحينها يبعد وجود قرينة في جميع هذه الموارد، ويحصل الوثوق والاطمئنان بل القطع بعدم وجود القرينة ولو في بعض الموارد، ومع عدم وجود القرينة يتعين الوضع وأن لفظة أسد قد وضعت للحيوان المفترس الذي هو ملك الغابة، فمن خلال الإطراد في الاستعمال نستكشف الوضع.

إلا أن هذا الوجه ليس بتامٍ والإطراد في الاستعمال ليس علامةً على الحقيقة لأن صحة الاستعمال عرفاً لا تنحصر بأحد أمرين: إما الوضع وإما القرينة فالمستعمل للفظةٍ قد يتعمد الإجمال فقد يطلق المستعمل لفظ الأسد ويقصد المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع ويتعمد أن لا يورد القرينة كلفظ يتكلم ولا يقصد وضع لفظ الأسد للرجل الشجاع.

فاستعمال اللفظ في معنى وإطراد هذا الاستعمال لا يتوقف على أحد أمرين فقط وهما: الوضع أو القرينة بل يوجد شيء ثالث وهو تعمد الإبهام والإيهام كما لو كان الشخص يعيش ظروف التقية فيكرر التورية أو الاستعمال المجازي من دون إيراد قرينة.

وتحقيق المطلب يقتضي بيان ما يلي وهو إننا أمام أمرين:

الأول الاستعمال الذي هو عمل المتكلم.

الثاني الانفهام الذي هو عمل السامع.

والانفهام أي فهم الكلام والانفعال بالكلام هذا هو الذي يتوقف على أحد أمرين إما العلم بالوضع وإما وجود قرينة صارفة.

فإذا سمع السامع متكلماً بشكلٍ مطردٍ ولم ينصب قرينه استكشف المستمع المتفهم أن اللفظ قد وضع لذلك المعنى والانفهام يعني الإطراد في التبادر الذي هو الوجه الأول لا الإطراد في الاستعمال الذي هو الوجه الثاني.

وأما الأمر الأول وهو الاستعمال فغرض المستعمل لا يتوقف وعلى أحد أمرين:

إما الوضع وإما القرينة فقد يتعلق غرض المستعمل والمتكلم بأمر ثالث وهو تعمد الإيهام وإيجاد اللبس، فقد يستعمل المتكلم اللفظ كـ الأسد في المعنى المجازي كـ الرجل الشجاع ويتعمد أن لا ينصب قريبة ولا يضع لفظ الأسد للرجل الشجاع.

فإذا كان مراد المستعمل هو الإبهام والإجمال فوجود استعمال اللفظ وإطراده في المعنى لا يكشف عن الوضع.

إذاً ما أفاده المحقق الخوئي من الإطراد في الاستعمال لا يوجب تعين الوضع لأنه لا ينحصر الأمر في احتمالين إما الوضع وإما القرينة نظراً لوجود احتمالٍ ثالث وهو تعمد الإبهام والإجمال، وإن أراد من الإطراد الإطراد في الانفهام لا الإطراد في الاستعمال.

قلناه: نعم، ينحصر الأمر في أحد أمرين: إما الإطراد وإما القرينة لكن الإطراد في الانفهام هو عبارة عن الإطراد في التبادر الذي هو الوجه الأول لا الإطراد في الاستعمال الذي هو الوجه الثاني، فاتضح أن الوجه الثاني ليس بتام.

الوجه الثالث إطراد الحيثية المصححة للاستعمال، وهو ما أشير إليه في كفاية الأصول، وأجاب عنه صاحب الكفاية[2] .

تقريب ذلك:

إن ميزان الإطراد هو إطراد الحيثية المصححة للاستعمار، فإذا أطلق لفظٌ على فردٍ وكان إطلاقه عليه بلحاظ وجدان ذلك الفرد لحيثيةٍ وخصوصية، فحينئذ ستكون تلك الحيثية والخصوصية هي المصححة للإطلاق، فننظر إليها فإذا كانت دائماً مصححة للإطلاق نعرف أن الإطلاقات حقيقية، وإذا كانت أحياناً كذلك وأخرى ليست كذلك فالاستعمال مجازي.

مثال ذلك:

إذا أطلقنا لفظ أسد على الحيوان المفترس الذي هو ملك الغابة، فإذا كانت الحيثية مطردة أي متى وجدت صححت الاستعمال فالاستعمال حقيقي، يعني متى ما وجدنا حيوان مفترس وهو ملك الغابة فحينئذ يصح أن نطلق عليه أسد، فحينئذ يكون إطلاق لفظ الأسد على ملك الغابة الذي هو حيوان مفترس إطلاقاً حقيقياً نظراً لوجود الحيثية المصححة للاستعمال وإطرادها.

الاحتمال الثاني إذا أطلقنا لفظة أسد على زيد باعتباره شبيهاً بالحيوان المفترس في شجاعته لكن هذه الحيثية ليست مطردة، نظراً لوجود كائنات شبيهة بالأسد في حيثية أخرى وهي الرائحة، فالأسد فاغر الفمّ نظراً لأكله للحوم فرائحة فمه فاغرة وكريهة، كذلك مثلاً النمر و بقية الحيوانات المفترسة قد تشترك مع الأسد في هذه الحيثية.

فمجرد إطراد الحيثية وعدم إطرادها لا يوجب كون إطراد الحيثية استعمالاً حقيقياً وعدم إطرادها استعمالاً مجازياً.

وناقش في ذلك صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ قائلاً إن الحيثية المصححة للإطلاق مطردة دائماً في الحقيقة والمجاز معاً أما في الحقيقة فواضح لأن الإطلاق الحقيقي لا يصح إلا إذا توفرت الحيثية المصححة للاستعمار، فإذا صدق على الحيوان المفترس أنه ملك الغابة انطبق عليه لفظ أسد بالاستعمال الحقيقي.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الاستعمال المجازي لأن ملاك صحة الاستعمال المجازي ليس مطلق المشابهة بل أظهر صفات المشابهة، فالأسد فيه أمور كثيرة يشترك مع أشياء أخرى منها أن رأسه كبير والفيل رأسه كبير، ومنها أنه فاغر الفم وحيوانات أخرى كالتمساح مثلاً فاغر الفم، لكن في الاستعمال المجازي وإطلاق لفظ الأسد على قحطان وعطية لا يكون بلحاظ رأس الأسد ولا رائحة فمه بل بلحظ شجاعة الأسد لأن الشجاعة أبرز صفات ملك الغابة التي أصبح ملكاً للغابة، وهذه الحيثية أظهر صفات الأسد حيثية مطردة في الاستعمالات المجازية أيضاً.

إذا الوجه الثالث وهو إطراد الحيثية المصححة للاستعمال ليس بتام لأن الحيثية المصححة للاستعمال كما هي مطردة في الاستعمال الحقيقي أيضاً هي مطردة في الاستعمال المجازي.

الوجه الرابع والصحيح إطراد الاستعمال بلا قرينة، بيان ذلك:

إن المراد من الإطراد إطراد الاستعمال بلا قرينة بمعنى أنه متى ما لاحظنا أن أبناء المحاورة يستعملون لفظ أسد بدون أن ينصبوا قرينه في تمام الاستعمالات كان ذلك علامة على أن لفظ أسد موضوع للحيوان المفترس الذي هو ملك الغابة.

والفرق بين التقريب الرابع وبين التقريب الثاني للسيد الخوئي فالسيد الخوئي تقريبه هو عبارة عن الإطراد في الاستعمال والتقريب الرابع أيضاً عبارة عن الإطراد في الاستعمال لكن بدون قرينة، والفرق بينهما أنه بناء على التقريب الثاني للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ كان يقال: إن الإطراد في الاستعمال عن كونه استعمالاً بلا قرينة فيكون من باب البرهان إني أي إن المعلول يكشف عن العلة، فإطراد الاستعمال معلول والعلة عدم وجود قرينة.

ونحن لا نسلم هذه الكاشفية من قال إن إطراد الاستعمار يكشف عن عدم وجود قرينة؟! فمن يتعمد الإبهام والإجمال قد يطرد في استعماله، ويتعمد أن ما ينصب قرينه.

وحينئذ لا يمكن أن نحمل اللفظ الذي استخدمه كـ لفظ الأسد على المعنى الحقيقي الذي هو ماذا؟ الحيوان المفترس فقد يقصد المعنى المجازي يستخدم لفظ الأسد في الرجل الشجاع وتعمد عدم نصب قرينة.

فبناءً على مسلك السيد الخوئي يكون الإطراد في الاستعمال يكشف عن كونه استعمالاً بلا قرينة، وأما بناء على الوجه الرابع فنقول يجب أن نحرز أنه استعمال بلا قرين لكي يكون الإطراد علامة على أنه المعنى الموضوع له.

ومتى نحرز؟ إذا أحرزنا أنه في مقام البيان لا الإجمال والإبهام، فالعربي إذا استعمل لفظ الأسد في الحيوان المفترس مرة واحدة في هذه الحالة نقول: إن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز فيحتمل أنه قد استخدم لفظ الأسد في معنى الحيوان المفترس ويحتمل أنه قد استعمل لفظ الأسد في الرجل الشجاع الذي هو معنى مجازي ولم ينصب قرينه لتعلق غرضه بالإجمال.

لكن إذا كان استعمال لفظ الأسد في في الحيوان المفترس ديدن أبناء المحاورة بدون نصب قرينة فالأمر يدور بين احتمالين:

الاحتمال الأول أن يكون لفظ الأسد موضوعاً للحيوان المفترس ولهذا استغنى أبناء المحاورة وأبناء اللغة عن اللجوء إلى نصب القرينة.

الاحتمال الثاني أن يكون لفظ الأسد غير موضوع للمعنى المذكور وهو الحيوان المفترس، ويكون أبناء اللغة قد استعملوه بدون قرين، ولكن اتفق ولو من باب الصدفة أن تعلق غرضهم جميعاً بالإجمال.

لكن هذا الاحتمال الثاني منفي عقلائياً لأن الإجمال وتعمد الإبهام قد يتفق مرة أو مرتين، ولكنه ليس حالة عامة ولا يعبر عن طريق عامة في اللغة والمحاورات العرفية، لأنه على خلاف الطريقة اللغوية في التفهيم، وبما أنه خلاف الطريقة العقلائية فحينئذ نستبعد الاحتمال الثاني ويتعين الاحتمال الأول.

إذا الوجه الرابع هو التقريب الصحيح لعلامية الإطراد أما الوجوه الثلاثة الأول فكلها ليس بتام.

واتضح أن العلامة الأولى على الحقيقة وهي التبادر تامة، والعلامة الثالثة على التبادر وهي الإطراد تامة بناء على الوجه الرابع إطراد الاستعمال بلا قرينة، لا على الوجه الأول الإطراد في التبادل، ولا على الوجه الثاني الإطراد في الاستعمال، ولا على الوجه الثالث إطراد الحيثية المصححة للاستعمال.

وأما العلامة الثانية وهي صحة الحمل فقد اتضح عدم تماميتها لكن البعض أضاف قيداً، وقال: صحة الحمل وعدم صحة السالب، فإذا أضفنا هذين القيدين يمكن أن تنهض هذه العلامة بالاعتبار، فيقال: يصح حمل لفظ الأسد على الحيوان المفترس، ولا يصح سلب هذا الحمل عنه.

هذا تمام الكلام في الأمر السابع علامات الحقيقة والمجاز.

الأمر الثامن من مقدمة مباحث الألفاظ الحقيقة الشرعية.

يأتي عليها الكلام إن بقينا أحياء وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

.


[1] يراجع محاضرات في أصول الفقه، تقرير الشيخ الفياض، ج1، ص124، الأمر السابع ذكروا للحقيقة علائم، علامية الإطراد.
[2] كفاية الأصول، ص20، الأمر السابع علائم الحقيقة والمجاز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo