< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

فرائد الاصول

42/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: تفصيل صاحب الفصول في التجري

نشرع اليوم السبت 28 من شهر ربيع الأول من عام 1442 هجرية قمرية ، الموافق 14 نوفمبر من عام 2020 ميلادية ، المصادف 24 من شهر أبان من عام 1399 هجرية شمسية .

 

قال الشيخ الأنصاري " رحمه الله " هذا وقد يظهر من بعض المعاصرين التفصيل في صورة القطع بحتريم شيئاً غير محّرم واقعاً .[1]

 

تنقيح المطلب

كان الكلام في قبح التجّري ، واتضح أن الشيخ الأنصاري " رحمه الله " يرى أن التجّري قبيحٌ بالنظر إلى الفاعل ، لا بالنظر إلى نفس الفعل .

اليوم إن شاء الله يشرع الشيخ الأنصاري في بيان مطلب جديد ، وهو إن قبح التجّري هل هو ذاتي أم ليس بذاتي ، وإنما يخضع بالوجوب والأعتبارات ، فإذا قلنا أن التجّري قبيح ، أما بالنظر إلى الفعل كما عليه مشهور ، أم بالنظر إلى الفاعل كما عليه الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية ، نسأل هل هذا القبح بالنظر الفعل أم الفاعل ذاتي للتجّري أم ليس بذاتي ؟ ذهب الشيخ الأنصاري " رحمه الله " إلى أن القبح ذاتي للمتجّري ، كما إن الحسن ذاتي للمنقاد ، نعم قال : حسن الإنقياد وقبح التجّري بلحاظ الفاعل لا الفعل فيهما ، وذهب صاحب الفصول الغروية للمحقق - الشيخ محمد حسين الغروي – " أعلى الله مقامه الشريف " إلى أن قبح التجّري وحسن الإنقياد ليس ذاتياً ، وإنما بالوجوه والأعتبارات ،

ومن هنا فإنه قد فّرق بين أمرين :

1- بين التجّري فيما إذا حصل القطع بواجب التوّصلي .

2- بين التجّري فيما إذا حصل القطع بغير الواجب التوّصلي ، كالواجب التعبدي أم المباح .

مثال : إن قطع المكّلف أنا لموجود أمامه كافرٌ حربي يجب قتله ، ولكن كان في الواقع هذا الشخص من عباد الله الصالحين الذين يجب الحفاظ عليهم فوجوب حفظ النفس المؤمنة والمحترمة واجب توّصلي ، وليس واجباً تعبدّية ، فإن قطع أنه كافرٌ وأراد قتله لكنه لم يقتله ، في هذه الحالة يرتفع قبح التجّري ، لماذا يرتفع قبح التجّري ؟ لأن حصلت معارضة بين التجّري ظاهراً ، وأراد أن يقتله ، وبين الوجوب التوّصلي واقعاً في الواقع هذا مؤمن يجب الحفاظ عليه ، حين إذٍ يرتفع قبح التجّري ، هذا يختلف عن صورة ما إذا قطع أن هذا المائع خمرٌ ، وشربه فبان ماءاً فإن إقدامه على شرب الماء واقعاً ، والذي هو خمر بإعتقاده فإن هذا قبيحٌ ، إذن ذهب صاحب الفصول إلى التفرقة في قبح التجّري بين التجّري في ما إذا تعّلق القطع بواجبٍ توّصلي فإن قبح التجّري يزول ويرتفع ، لماذا ؟ لوجود المعارضة بين قبح التجّري ظاهراً ، وحسن ورجحان الوجوب التوّصلي واقعاً ، حين إذٍ لا قبح في البين ، وإن كان إذا قتل من يعتقد أنه كافر ، كان معذوراً لأن القطع حجّة ، فإذا أعتقد أن الذي أمامه كافراً حربي يجب قتله لكنه لم يقتله ، تبين في الواقع هو نبي من أنبياء الله ، في هذه الحالة يرتفع القبح ، يرتفع القبح بدرجات إن تبين أنه مؤمن يختلف إن بتبين وأنكشف أنه نبيّاً من أنبياء الله ، لأن درجة الحفاظ على النبي أم الوصي أم الولي ، أقوى من درجة الأختفاظ على المؤمن ،

إذن قبح التجّري يخضع للوجوه والأعتبارات ، بخلاف ما إن كان الذي قطع به واجب تعبّدي مثل إن قطع بوجوب صلاة الجمعة ، لكنه لم يصّلي ، وأنكشف في الواقع أن صلاة الجمعة ليست واجبةً ، هنا يثبت عليه أنه قبح التجّري لأن لا يستطيع الإتيان بصلاة الجمعة إذا لم ينوي القربان ، الواجبات التعبدّية مشروطة بقصد القربان ، مع إعراضه عن الصلاة لا يترتب عليه قصد القربان ، وهكذا إن قطع بما هو مباح واقعاً كما إن قطع بحرمة شرب التتن ، لكنه تجرّأ وشرب التتن ، وانكشف في الواقع أن شرب التتن مباح ، وليس بحرام ، فإنه يستحق المؤاخذة ، وقد أرتكب قبيحاً .

الخلاصة : النكتة في المطلب ، ذهب الشيخ الأنصاري إلى أن قبح التجّري من ذاتيات التجّري ، ولا يعقل التفكيك بين التجّري وقبحه ، إما بلحاظ الفعل كما عليه المشهور ، وإما بلحاظ الفاعل كما عليه الشيخ الأنصاري ، وذهب صاحب الفصول إلى أن التجّري قبيح ، لكن قبح التجّري ليس ذاتّياً بل يعقل التفكيك بين التجّري والقبح ، بل إن قبح التجّري إنما هو بالوجود والأعتبارات ، ومن هنا ذهب إلى التفصيل بين التجّري إذا تعّلق القطع بواجباً غير تعّبدي أي بواجب توّصلي فإن قبح التجّري يزول ، وبين التجّري إذا تعّلق القطع بواجب تعّبدي أم مباح أم مستحب أم مكروه ، فإن قبح التجّري يثبت ولكنه يتفاوت ، يعني إن قطع بحرمة شيئاً وأقتحمه فتبين مباحاً أم مستحباً أم مكروهاً ، فإن درجات قبح التجّري تتفاوت .

مثال1 : إن قطع أنه حرام واتضح أنه مباح يعني قطع حرمة شرب التتن واتضح أن شرب التتن مباح هنا عندما يشرب التتن وجاء بقبيحاً ، وإن أتى بمباحاً واقعية .

مثال2 : إن قطع بحرمة السواك فعاند وعارض واسناك ، واتضح أن السواك مستحبٌ في الواقع هنا قبح التجّري في السواك لأن السواك مستحبٌ واقعاً ، وشرب التتن مباحٌ واقعاً .

مثال3 : إن قطع بحرمة شيئاً فأنكشف أنه مكروهٌ في الواقع يعني قطع بحرمة خلف الوعد ، واتضح أن خلف الوعد مكروه في الواقع ، هنا أخلف وعده ، هنا يثبت القبح بدرجة أشد ، يعني عندما يخلف وعده قبح التجّري بالنسبة إلى خلف الوعد أشد من قبح التجّري بالنسبة إلى شرب التتن ، وقبح التجّري بالنسبة إلى شرب التتن أشد من قبح التجّري بالنسبة إلى السواك ، لأن هذا الشئ المقطوع به إما أن يكون مباحاً في الواقع كشرب التتن ، أم مكروه في الواقع كخلف الوعد ، أم مستحب في الواقع كالسواك ، أم واجب توّصلي في الواقع ، إذا كان واجب توّصلي يرتفع قبح التجّري ، وأما إذا كان مباح أم مكروه أم مستحب فيبقى بتفاوتاً ، والنكتة المهمة في الموضع إن قبح التجّري ليس ذاتياً للتجّري ، وإنما يخضع للوجوه والأعتبارات الواقعية ، هل هو مستحب واقعاً أم مكروه واقعاً ، أم واجب واقعاً .

نطبق العبارة ونقرأ أمثلة مختلفة .

 

تطبيق العبارة

يقول الشيخ الأنصاري : خذ هذا ، يعني إن قبح التجّري بلحاظ الفاعل للفعل ، وأن قبح التجّري من الذاتيات لا بالوجوه والأعتبارات ، وقد يظهر من بعض المعاصرين ، وهو صاحب الفصول الغروية – الشيخ محمد حسين الأصفهاني – الشيخ الأنصاري كان في النجف ، وصاحب الفصول كان في كربلاء .

الصورة الأولى : التفصيل يعني في قبح التجّري في صورة القطع بتحريم شيئاً غير محّرم واقعاً ، قطع بتحريم شئ غير محّرم بالواقع ، يعني أما مباح أم مستحب أم مكروه ، فرجح إستحقاق العقاب بفعله يعني بفعل الشئ غير المحّرم واقعاً والذي قطع بتحريمه ، رجّح إستحقاق العقاب يعني أثبت القبح للتجّري لأانه قطع بالتحريم فأقتحامه لما قطع بحرمته يستحق عليه العقاب .

الصوة الثانية : إلا أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة يعني يعتقد تحريم واجب توّصلي غير مشروط بقصد القربة ، فإنه لا يبعد عدم إستحقاق العقاب عليه مطلقاً في جميع الموارد ، أم في بعض الموارد كما سوف يأتي ، وهو خصوص مورد ما إذا كان الواجب توّصلياً ، الأن لا يبعد عدم إستحقاق العقاب عليه يعني لا يثبت قبحاً للتجّري في ما إذا قطع بواجباً توّصلي ، إذا قال بالتفصيل في إستحقاق العقاب أي قال بالتفصيل في ثبوت القبح للتجّري ، التجّري ليس بقبيحاً إذا قطع بحرمة شيئاً فاتضح في الواقع أنه واجب توّصلي ، ولكنه قبيح في بقية الموارد ، في بعض الموارد سوف يشير إليه في الصفحة المقابل ، الأن يبّين لا يبعد عدم الإستحقاق نظراً إلى معارضة الجمهة الواقعية أي الواجب التوّصلي للجهة الظاهرية أي القطع بتحريم الشئ ، فإن قبح التجّري هذا كلام صاحب الفصول فإن قبح التجّري لدينا ليس ذاتيّاً خلافاً للشيخ الأنصاري والمشهور ، بل يختلف يعني قبح التجّري بالوجوه والأعتبارات يعني حسب الوجوه والأعتبارات الواقعية أنه مستحب واقعاً أم حرام واقعاً أم مكروه واقعاً ، الأن يأتي بأمثلة :

مثال1 : فمن أشتبه عليه مؤمنٌ ورعٌ عالمٌ بكافر واجب القتل ، هنا قطع بالوجوب فحسب أنه ذلك الكافر ، لكن وتجرّأ فلم يقتله ، جرحه ولكن لم يقتله ، فإنه لا يستحق الذم على هذا الفعل عقلاً عند من انكشف له الواقع أن هذا مؤمن وليس بكافراً ، وإن كان معذوراً إن قتله ، لحجية القطع ، لأنه قطع والقطع حجة

مثال2 : وأظهر من هذا المثال لاشتباه بالمؤمن الورع ، ما إن جزم بوجوب قتل نبيّ أم وصيّ فتجرّأ ولم يقتله ، فإنه لا يستحق الذم ، لماذا قالوا وأظهر من المؤمن الورع ؟ لأن وجوب الحفاظ على النبي أم الوصي أشد من وجوب الحفاظ على المؤمن .

مثال3 : ألا ترى أن المولى الحكيم إذا أمرعبده بقتل عدّو للمولى فصادف العبد إبن المولى ، وزعمه ذلك العدو يعني وأعتقد أن إبن المولى هو ذلك العدو فتجرّأ ولم يقتله ، كان يفترض قتله إبن المولى لكن لم يقتله مع أنه عدو المولى لكن لم يقتله ، أن المولى إذا أطّلع على حاله لا يذّمه على هذا التجّري ، بل يرضى به لأن حافظ على إبنه لم يقتل إبنه ، وإن كان معذوراً إن فعل يعني إن قتل إبن المولى ، لماذا معذور ؟ لحجية القطع .

مثال4 : أحياناً لم يقطع ، وإنما المولى ينصب علامة ، يقول المولى : كل من يطلق النار في الهواء اقتلوه ، أم كل من يشهر السيف فهو عدّواً لي أقتلوه ، أم كل من يدخل من هذه البوابة فهو عدوّاً لي أقتلوه ، أم كل من يلبس لباس أحمر أقتلوه فنصب علامة هذا العبد وجد شخص يطلق النار أم يشهر السيف أم لابس أحمر وكان إبن المولى ، وأراد يقتله لكن لم يقتله ، هنا لا يستحق الذم لأنه يجب الحفاظ على إبن المولى .

وكذا يعني لا يستحق الذم ولايستحق العقاب إن نصب له يعني إن نصب المولى للعبد طريقاً من شهر سيفه من أطلق ناراً من لبس ثوباً حمراء ، إن نصب له علامة ، غير القطع إلى معرفة عدّوه غير القطع ، مثل من شهر السيف ، من لبس العمامة الخضراء ، فأدى الطريق إلى تعيين إبنه ، إبن المولى هو الذي لبس العمامة الخضراء ، فتجرّأ العبد ولم يقتل الإبن ،

وهذا الإحتمال حيث يتحقق عند المتجّري لا يجديه إن لم يصادف الواقع ، طبعاً هو العبد وجد شخص لابس عمامة خضراء ، وفقاً لرابطة المولى يجب قتله لأن المولى قال عدوّي يلبس العمامة الخضراء ، ولكن يوجد أحتمال أخر يوجد أحتمال أنه هذا هو غير عدو المولى إحتمال إن هذا صديق للمولى أم شخص لايعلم أنه لابس عمامة خضراء ، إحتمال الذي يلبس العمامة الخضراء أم الثوب الحمراء شخصٌ ليس عدّواً للمولى ولا يدري إن المولى قد عممّ هذا الحكم .

يقول : وهذا الأحتمال حيث يتحقق عند المتجّري لا يجديه إن لم يصادف الواقع ، ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب .

مثال : المولى يقول كل من يلبس العمامة الخضراء أم الزرقاء أقتله ، جاء العدو ولابساً عمامة زرقاء أم خضراء ، ولم يقتله العبد ، اتضح أن صاحب العمامة ليس هو الإبن بل هو العدو ، في هذه الحالة يؤاخذ المولى بالتجّري حينما لم يقتله أم لم يؤاخذة ؟ يؤاخذه لأن صادف الواقع ، قال : وهذا الأحتمال حيث يتحقق عند المتجّري لا ينفعه إن لم يصادف هذا الأحتمال الواقع ، ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ، العقل يقول يجب أن تعمل بالكريق المنصوب ، المولى قال من يلبس العمامة الزرقاء أقتله يجب أن تقتله ،

لما في العمل بالطريق المنصوب من القطع بالسلامة من العقاب ، يعني إذا قتل صاحب العمامة الزرقاء يسلم من عقابه المولى ، سواءاً كان صاحب العمامة إبن المولى أم عدو المولى ، يسلم من العقاب ، بخلاف إذا لم يقتله وفي الواقع لم يكن إبن المولى ، في الواقع كان عدو المولى ، يستحق العقاب في هذه الحالة ،

بخلاف ما إن ترك العمل بالطريق المنصوب ، فإن المظنون فيه ترك العمل بالطريق المنصوب ، عدمه السلامة ،

المولى قال له : كل من يلبس قبعة سوداء أقتله ، وشاهد شخصاً يلبس قبعة سوداء ، قال لكن هذا يشبه إبن المولى أن لم أقتله ، لم يقتله واتضح انه عدو المولى هنا بما أن لم يعمل بالطريق المنصوب قتل صاحب القبعة السوداء ، يستحق العقاب أم لا ؟ نعم ، لم يسلم من العقاب ،

ومن هنا يظهر أي ومن أن استحقاق العقاب وعدم استحقاق العقاب يخضع للوجود والاعتبارات وليس ذاتيّاً للتجّري أن التجّري يقول في قبح التجّري بلحاظ الواقع : إذا الذي قطع به في الواقع واجب توّصلي قبح للتجّري غير موجود لم يكن لا شكوى لا شئ ، إذا الذي قطع به مباح في الواقع ، قبح التجّري موجود استحقاق موجود ، إذا الذي قطع به مكروه في الواقع ، هنا قبح التجّري أشد ، إذا المقطوع به في الواقع مندوب ومستحب ، قبح التجّري أخف .

من هنا يظهر أن التجّري على الحرام في المكروهات الواقعية أشدّ منه أي من قبح التجّري ، في مباحاتها الواقعية ، لماذا أشد ؟ لأن في الواقع مكروه أقتحم المكروه ولم يقتحم مباحاً ، وقبح التجّري في المباحات الواقعية ، أشد من التجّري في المندوبات الواقعية ، ويختلف قبح التجّري بأختلاف الأمور الواقعية ضعفاً وشدّةً كالمكروهات ، فالمكروهات أشد ، ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعية ، ماهو الأقوة من جهات الواقع ، وجهات التجّري[2] يعني لدينا جهات التجّري الظاهرية ، وجهات الحكم الواقعية ، قال : ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعية ماهو الأقوى من جهات الواقع وجهات التجرّي إنتهى كلامه رفع مقامه ، يعني أي منهم الأقوى الواجب أم الحرام ؟ هو قطع بأنه كافر حربي يجب قتله أتضح في الواقع أنه نبي يجب الحفاظ عليه ، أيهما أقوى ملاكاً ؟ الحفاظ على النبي أم قتل الكافر ؟ الحفاظ على النبي ، إذن هنا يرتفع حكم التجّري ، يعني إن تجّرى ولم يقتله ، حافظ على الواجب الأشد فيرتفع القبح .

هذا كلام الشيخ الأنصاري يناقش بمناقشته أنتبهوا جيداً للمناظرة الدقيقة لشيخ الأعظم الأنصاري " أعلى الله مقامه الشريف " في مناقشة الأولى له مسألة الحسن والقبح العقليين لاحظوا معي ، الظلم قبيحٌ ، الكذب قبيحٌ ما الفرق بينهما ؟

الجواب : الظلم علّة تامّة للقبح ، والكذب علّة ناقصة للقبح يعني لا يوجد ظلم يثبت له الحسن متى ما وجد الظلم وجد القبح ، فالظلم علّة تامّة للقبح ، واستحقاق العقاب ، بخلاف الكذب ، الكذب مقتضٍ لإستحقاق العقاب ، مقتضٍ للقبح أحياناً يرتفع عنه القبح في ما إن ترتبت مصلحة أفضل يكذب لإنقاذ النفس المحترمة .

مناقشة الأولى لاحظ الأبداع للشيخ الأنصاري يقول : التجّري علّة تامّة لأستحقاق العقوبة ، وليس علّة ناقصة يا صاحب الأصول حتى تقول قبح التجّري بالوجوه والاعتبارات ، ياصاحب الأصول أنت تقول التجّري علّة ناقصة يعني مقتضٍ ، هذا المقتضٍ متى يصبح فعلي إذا توّفرت الشروط وانعدم المانع ، أما إذا وجد مانع ككون الشئ واجباً في الواقع تقول إذن لا فعلية لهذه المقتضي ، هذا كلام صاحب الفصول .

الشيخ الأنصاري يقول : قبح التجّري من السنخ الأول من قبيل العلّة التامّة يعني مثل الظلم ، وليس من قبيل السنخ الثاني العلّة الناقصة والمقتضي ، وكذلك أيضاً الإنقياد ، الإنقياد علّة لأستحقاق الثواب وليس لعلّة ناقصة لأستحقاق الثواب ،

يرد عليه أولاً منع ما ذكره من عدم قبح التجّري ذاتياً بل نرى أن التجّري ذاتي يعني علّة تامة ، لأن التجري على المولى قبيحٌ ذاتاً سواءاً كان القبح لنفس الفعل كما عليه مشهور ، أم لكشف الفعل عن كون المتجّري جريئاً ، هذا رأي الشيخ الأنصاري يعني القبح للفاعل ، الفعل يكشف عن خبث الفاعل ، الفعل يكشف عن سوء سريرة الفاعل عن شقاوة الفاعل ، نحذف الجملة المعترظة يقول لأن التجّري على المولى قبيح ذاتاً كالظلم ، الظلم قبيح ذاتًا يعني الظلم علّة تامّة للقبح والتجّري علّى تامة للقبح بل هو قسم من الظلم يعني بل التجّري قسم من الظلم والظلم علة تامة فالتجّري أيضاً على تامة ، فيمتنع عروض الصفة المحصنة للتجّري ، لأن التجّري على تامة للقبح ، وفي مقابله يعني وفي مقابل التجّري الإنقياد لله سبحانه وتعالى يعني الإنقياد لله سبحانع وتعالى على تامة للحسن ، فإنه يمتنع أن يعرض للإنتقياد جهة مقّبحة ، لأن الإنقياد على تامة للحسن وليس على ناقصة فلا يعرض له القبح .

الشيخ الأنصاري يأتي بالمناقشة الثانية ، المناقشة الأولى مفادها ، إن التجّري على تامة للقبح مثل الظلم وليس بعلى ناقصة للقبح مثل الكذب .

المناقشة الثانية : يقول تنزلنا وسلمنا جدلاً إن التجّري على ناقصة وليس بعلة تامة فهنا نقول : العلة الناقصة تكون فعلية ، إلا إذا وجد المانع وحيث لا يوجد المانع فالمتضي فعليٌ مثلاً الكذب على ناقصة للأستحقاق العقاب ، فإن الكذب يكون فعليّاً ويثبت استحقاق العقاب إلا إذا ثبت المانع وهو إنقاذ المؤمن .

كذلك الكلام بالنسبة إلى التجّري ، التجّري قبيحٌ ما لم يثبت المانع وهو انكشاف الواقع إذا انكشف الواقع أنه واجب توّصلي ، وحيث لم ينكشف الواقع فنحن في عالم الظاهر وفي الظاهر التجّري مقتضٍ للحرمة واستحقاق العقاب .

ثانياً : إن سلّم أنه لا إمتناع في أن يعرض للتجّري جهة محصّنة ، إذا لا مانع يعني التجّري أصبحت على ناقصة يمكن أن يعرض عليه جهة محّصنة يعني مانع يثبت الحسن ، لكن التجّري باقٍ على قبحه يعني يكون قبح التجّري فعليّاً ما لم يعرض للتجّري تلك الجهة المحسّنة يعني ما لم يثبت المانع من القبح ، وليس مما لا يعرض له يعني وليس التجّري مما لا يعرض له في حد نفسه حسنٌ ولا قبحٌ إلا بعد ملاحظة ما يتحقق في ضمن التجّري ، يعني يريد أن يقول : ياصاحب الفصول لاتقول إن التجّري بما هو هو لا قبيح ولا حسن ، حسنه وقبحه يخضع للوجوه والاعتبارات بل قل إن التجّري بما هو هو قبيحٌ إلا إذا عرض عليه ما يوجب تحصينه ، فرق كبير بين أن تقول إن التجّري ليس فيه لا حسن ولا قبح ، حسنه وقبحه خاضع للوجوه والاعتبارات هذا ما قاله صاحب الفصول ، الشيخ الأنصاري يقول : إن تنزلنا وسلمنا إن قبح التجّري ليس ذاتيّاً ، وإنما هو جزء علة ، علة ناقصة رغم ذلك نقول هنا فعلية لقبح التجّري إلا إذا ثبت المانع ووجد المانع الذي يوجب التحسين ،

وثانياً إن سّلم أنه لا إمتناع في أن يعرض للتجّري جهة محسّنة ، لا إمتناع يعني القبح ليس ذاتيّاً للتجّري ، لكن باقٍ على قبحه ما لم يعرض للتجّري تلك الجهة المحسّنة ، وليس مما لا يعرض له في نفسه حسنٌ ولا قبحٌ ، إلا بعد ملاحظة ما يتحقق في ضمن التجّري أي بعد الملاحظة يثبت الحسن أم القبح ، وهذا لا يلتزم به الشيخ الأنصاري .

بعبارة أخرى : إن سلّمنا عدم كون التجّري علّة تامّة للقبح كالظلم ، الظلم علّة تامّة يعني هو يقول ليس كالظلم الذي هو علة تامة للقبح ، فلا شك في كون التجّري مقتضّياً للقبح كالكذب الذي هو على ناقصة للقبح ، وليس التجّري من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها في أنفسها لا يدرك حسنها ولا قبحها ، إن قال وليس من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها بملاحظتها في أنفسها ، وحين إذ يكون التجّري مقتضٍ للقبح فيتوقف أرتفاع قبح التجّري على أنضمام جهة يتدارك بهذه الجهة قبح التجّري كالكذب المتضمن لإنجاء النبي ، الكذب بما هو هو قبيح ، ولا تقول الكذب بما هو هو لا قبيح ولا حسن بل الكذب بما هو هو قبيحٌ ما لم يثبت جهة محّصنة إن جاء نبي وتخلصه من الموت ،

ومن المعلوم أن قتل المؤمن بوصف أنه مؤمنٌ في المثال الذي ذكره كفعله يعني كفعل قتل المؤمن ليس من الأمور التي تتصف بحسنٍ أم قبحٍ للجهل بكونه قتل مؤمن ، ويجهل وظاهراً يراه كافر حربي يجب قتله لا يتصف بالحسن ، لأن لا يعلم بأن هذا مؤمن بالواقع ، ولذا اعترف صاحب الأصول في كلامه بأنه إن قتله كان معذوراً ، ولذا للجهل بكونه قتل مؤمن أعترف صاحب الفصول في كلامه بأن العبد إن قتل إبن المولى كان معذوراً ، لماذا كان معذوراً ؟ لحجية القطع والواقع مجهول لديه ، فإذا لم يكن هذا الفعل الذي تحققت التجّري في ضمنه مما يتصف بحسن أم قبح لم يؤثر في اقتضاء ما يقتضي القبح ، كما لا يؤثر في اقتضاء ما يقتضي الحسن ، إن فرض أمره بقتل كافرٍ فقتل مؤمناً معتقداّ كفره فإنه لا إشكال في مدحه من حيث الإنقياد وعدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن .

هذا تمام الكلام في مناقشة الشيخ الأنصاري لصاحب الفصول ، وإثبات أن قبح التجّري ذاتيّاً ، لا أنه يخضع للوجوه والأعتبارات .

ودعوة أن الفعل يأتي عليه الكلام ..

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo