< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة/ الأصل الأوّلي

خلاصة الجلسة السابقة:

قد بیّنّا نکاتٍ مقدّميّةً حول الأطعمة و الأشربة في الجلسة السابقة. منها: أن یجب علی المجتهد استنباط الأحکام الشرعيّة لکن لهذه الأحکام موضوعات. بعض الموضوعات مخترعات شرعيّة؛ نحو: الصلاة واجبة. «الصلاة» موضوع هذا الحکم و من المخترعات الشرعيّة و علی الفقیه أن یعیّن عدد رکعاتها و سائر شرائطها و یوضّح موضوعها. بعض الموضوعات الشرعیّة یکون بصورة یبیّن الفقیه حکمه و تشخیص موضوعه علی المکلّف؛ نحو: «الدم نجس»؛ فإنّ بیان حکم النجاسة علی الفقیه، لکنّ المکلّف هو الذي یجب علیه تشخیص ما هو الدم حتّی یجتنبه.

أنواع الموضوعات:

النوع الخامس: قد لا یتمکّن المجتهد و المقلّد من تشخیص الموضوع بشکل صحیح، بل یجب تشخیصه بید الحِذاق؛ مثل التمييز بين الكحول الطبّيّ و الكحول الصناعيّة أو حول الموت السَریريّ، يجب على الحِذاق تشخیص مصداقه. عند تعیین مصداق الموت، يجب على الحِذاق إبداء الرأي بأنّه إن ینذعف فهو ميّت أو إذا فشل دماغه فهو میّت؟ لأنّه لا یجوز إهداء الأعضاء قبل الموت.

یمکن عند المراجعة إلى المتخصّص أن یقع هناك اختلاف؛ يقول أحد المتخصّصين إنّه مات لأنّ دماغه معطّل، و یقول الآخر إنّه لم يمت بعدُ لأنّ القلب يعمل؛ فلا بدّ في مثل هذه الموارد من الرجوع إلى الحذّاق المتعدّدة حتّی نستنتج من مجموع أقوالهم إلی المصداق ما هو؟ قد یقع الاختلاف أیضاً في فتاوي الفقهاء في المسائل المستحدثة؛ إذ یرجع فقیه إلی متخصّص و هذا المتخصّص اعتبر الموضوع شيئاً و یرجع الفقیه الآخر إلی متخصّص آخر و هو اعتبر الموضوع شيئاً آخر.

قد أسّست بحمد الله في الحوزة المقدّسة مؤسّسة «استطلاع موضوع الأحکام الفقهيّة» بإشراف حجّة الإسلام ‌و المسلمين «فلّاح‌زاده» و بإذن من الفقهاء و الأکابر. وظیفة هذه المؤسّسة الحصول على موضوعات الأحكام بالفحص الدقیق و المراجعة إلى المتخصّصین المختلفين المتعدّدین. إنّها خطوة جيّدة لحلّ مشكلة المجتهدين و المقلّدين في تشخیص الموضوع. إذا تبیّن الموضوع حصل التمکّن من الوصول إلی الحکم من الآیات و الروایات و سائر الأدلّة. أنواع الأسماك و مسألة المحوّلات الوراثيّة و الجيلاتين و غیرها هي موارد تحتاج إلى استطلاع الموضوع.

قبل بیان الموضوعات علينا أن نبيّن الأحكام أوّلاً.

الأصل الأوّليّ في الأطعمة و الأشربة:

قد تکون لدینا آیات و روایات تدلّ علی أنّ هذا الشيء حرام و ذاك حلال؛ الحکم و الموضوع واضحان و لکن إذا لم يكن الحكم في الآيات و الروایات، فهل هناك أصل موجود؟ هل الأصل الأوّلي هو «کلّ شيء لك حلال» أو هو «کلّ شيء لك حرام»؟ هناك رأیان.

الرأي الأوّل هو أنّ الأصل الأوّليّ في الأطعمة و الأشربة هو الحلّيّة؛ فإنّه «كلّ شيء لك حلال» و الحرمة تحتاج إلی الدليل. «کلّ شيء مطلق حتّی یرد فيه النهي. ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾[1] إنّ ما في الأرض فهو خلق لكم؛ أي إنّه يحلّ لكم. ﴿وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾.[2] انتفعوا من نعم الله ما لم تحرَّم علیکم في آیة أو روایة.

قال الله- تعالی- في القرآن الکریم: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِي إِلَي مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يكُونَ مَيتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَ لَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[3]

علی أساس هذه الآیة: کلّ شيء حلال إلّا إذا قیل إنّه حرام.

یشترط في أكل لحم الحيوان، أن یذکّی و يلزم أن تكون لهذا الحيوان قابليّة التذکیة، لا كالخنزير أو الكلب اللذينِ لا یکونان غیر قابلین للتذکیة.

إذا كان هناك حيوان لم يرد حكمه في الآيات و الروایات، فهل يجوز أكله إذا ذبح ذبحاً شرعیّاً؟ يقول القرآن: إذا ذکّي فهو حلال، و إلّا فحرام. و لكنّنا في شبهة أنّه قابل للتذکیة أم لا؟ ما هو الأصل الأوّليّ في ذلك؟ هل الأصل الأوّليّ هو أنّ كلّ میتة حرام إلّا إذا كانت مزکّاةً؟ أم أنّه «کلّ شيء لك حلال حتّی تعلم أنّه حرام»؟

بدأ الإمام الخمينيّ& بحث الأطعمة و الأشربة على النحو التالي:

مسألة:«لايؤكل من حيوان البحر إلّا السمك و الطير في الجملة ]أي بعضها حلال و بعضها حرام[ فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتّى‌ ما يؤكل مثله في البرّ كبقره على الأقوى ]فإنّ البقر في البرّ حلال و في البحر حرام[»‌[4].

دلائل المسألة:

الدلیل الأوّل: الإجماع

یجب الالتفات إلی نکتتین حول الإجماع: النکتة الأولی: هل انعقد إجماع؟ النکتة الثانیة: هل الإجماع حجّة بعد فرض تحقّقه؟

قال الشیخ الطوسيّ& في مورد انعقاد الإجماع: «لا يؤكل من حيوان الماء إلّا السمك و لا يؤكل من أنواع السمك إلّا ما كان له قشر ... دليلنا: إجماع الفرقة» [5].

قد اعتبر الإمام الراحل& من الحيوانات البحريّة السمك و الطیر حلالاً، أمّا الشيخ الطوسيّ& فقد ذکر السمك فقط.

قال المحقّق&: «لما اتّفقوا علیه من أنّه لا یؤکل من حیوان البحر إلّا السمك و لا من السمك إلّا ما له فلس» [6] و هو& لم یذکر الطیر أیضاً.

قال المحقّق السبزواريّ&: «لا یؤکل من حیوان البحر إلّا السمك»[7].

قال صاحب الجواهر&: «و لا يؤكل منه إلّا ما كان سمكاً أو طيراً بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به في المسالك، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر و المعتبر و الذكرى و فوائد الشرائع الإجماع عليه[8].

قد عبّر صاحب الجواهر& ب «لا خلاف» و ذکر أیضاً أکابرَ قد ادّعوا الإجماع. إنّ تعبیر «لا خلاف» غیر الإجماع؛ الإجماع هو أنّه إذا کان هناك مأة عالم فإنّهم قد حکموا حکماً واحداً و لکن إذا أفتی خمسون عالماً، رأیاً واحداً و لکن لم یفت سائر العلماء، فحینئذٍ یستخدم تعبیر «لا خلاف». للإجماع قوّة فوق «لا خلاف».

قال المحقّق الأردبیليّ&: «المشهور بين الأصحاب تحريم حيوان البحر إلّا السمك الذي له فلس فإنّه الحلال و قد ادّعى إجماع المسلمين على حلّ السمك الذي فيه فلس و إجماع الأصحاب على تحريم ما ليس بصورة السمك من سائر حيوان البحر و هو غير ظاهر. و سيجي‌ء اختلافهم في السمك الذي لا فلس له؛ مثل الجِرِّي و المارماهي و الزمار[9].

قد ذهب& خطوةً إلى الأسفل و استفاد من تعبیر «المشهور». المشهور أي إنّ هناك رأي آخر. ثمّ إنّه قد ذکر& الإجماع علی حلّيّة السمك الذي له فلس، لا الإجماع علی حرمة غیره. لا یُقبل الإجماع علی حرمة حیوان لیس مثل السمك؛ إذ في موارد مثل المارماهي الذي لا فلس له، اختلاف الرأي.

مع وجود ثلاثة تعابیر من «الإجماع» و «لا خلاف» و «المشهور»، لا یتحقّق الإجماع.

النکتة الثانیة: هل الإجماع حجّة لو فرض تحقّقه؟

الإجماع إن کان منقولاً فلیس بحجّة. لو فرض تحقّق الإجماع فلیس بحجّة؛ لأنّه محتمل المدرکيّة. مدرك هذا الإجماع، هو الآیات و الروایات الموجودة.

الدلیل الثاني: الآیة

﴿حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... إِلَّا مَا ذَكَّيتُمْ ...﴾[10]. الحیوان المذکّی هو الذي یحلّ فقط؛ فإن اصطدنا حیواناً من البحر و نحن في شكّ من تذکیته و عدمها فالأصل عدم التذکیة و حرمتُه.

إشکال علی الاستدلال:

﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ وَ طَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَ لِلسَّيارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيهِ تُحْشَرُونَ﴾.[11] علی أساس هذه الآیة: یحلّ للإنسان صید کلّ حیوان من البحر.

﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيا﴾.[12] علی أساس هذه الآیة: سخّر الله- تعالی- البحر للإنسان حتّی ینتفع من اللحوم الموجودة فیه؛ فالأصل الأوّلي هو أنّ کلّ لحم في البحر حلال إلّا إذا ثبت حرمته. قد کانت هناك شبهة في أنّ هذا الحیوان میتة أم لا؟ فحینئذٍ حکم بالحلّيّة.

 

[1] سورة البقره، الآية 29.

[2] سورة الملک، الآية 15.

[3] سورة الانعام، الآية 145.

[4] تحرير الوسيلة(دو جلدى)، الخميني، السيّد روح الله، ج2، ص147.

[5] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج6، ص29.

[6] المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلي، ج2، ص84.

[7] مهذب الاحکام فی بیان حلال و الحرام، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج23، ص115.

[8] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج36، ص241.

[9] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج11، ص187.

[10] سورة المائدة، الآية 3.

[11] سورة المائدة، الآية 96.

[12] سورة النحل، الآية 14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo