< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة/ رؤیة فلس السمك مع العین المسلّحة

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة. قلنا إنّ السمك إذا کان له فلس واقعاً لکن لا یری في الظاهر (قد میّز الخبراء مع الجهاز أنّ له فلساً لکن لا یری بالعین العادیة) فما حکمه؟ هل یجوز أکله أم لا؟ قلنا یحلّ أکله مع ثلاث نکات:

1- کان في متن الروایة الصحیحة أنّ سمك «کنعت» له فلس واقعاً و إن تنظر إلی أصل أذنه یوجد مقدار من الفلس و أجاز الإمام المعصوم أکله؛[1] فالمناط، وجود الفلس لا رؤیته بالعین.

2- لا دلیل لأصل وجود الفلس و الروایات هنا متفاوتة؛ بعضها حکم بوجوب الفلس و بعض قد جعل السمك غیر ذي الفلس مکروهاً؛ «وَ يُكْرَهُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنَ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ مِثْلُ الْوَرَقِ وَ لَيْسَ بِحَرَامٍ إِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ».[2] فبناءاً علی هذه الروایة إذا لم یکن للسمك فلس فأکله جائز؛ فإذا کان له فلس مع الرؤیة بالجهاز فأکله جائز بطریق أولی.

هذا البحث لا یقاس ببحث «رؤیة الهلال»؛ قال بعض إنّ المناط في صوم شهر رمضان قوله× «صم للرؤیة و أفطر للرؤیة» فإذا رُأي الهلال أوّل الشهر یصومون و إذا رأي آخره یفطرون؛ فـ «الرؤیة» هي الملاك لا وجود الواقعيّ للفل لیس هکذا في الروایات بل وجود الفلس هو المناط حیث قال (إن کان له فلس) فبعد قول الخبراء بأنّ له فلساً فیصدق فیه «إن کان له فلس أو قشر». یمکن أن لا یستطیع الإنسان أن یقرأ شيئاً ثمّ إذا جعل المنظار علی عینه یستطیع أن یقرأه. یمکن أن یکتبوا القرآن بخط دُقاق لکن إذا أستخدمت عدسة مکبّرة أمکنت قراءتها، ألیس هي من آیات القرآن؟ هل یجوز مسّها من دون وضوء؟

هل یجب أن نجعل العرفَ في تعیین موضوع الفلس، هو الملاك أم رأي المتخصّص؟ یقول العرف في سمك الكوسج إنّه لا فلس له و لکنّ المتخصّص یقول له فلس. یبدو إلی النظر أنّ الواقع هو المعیار؛ یقول الواقع إنّ له الفلسَ فیجوز أکله أیضاً. من جانب آخر لا دلیل علی أصل وجود الفلس و الروایات متعارضة. فبرأینا لا یکون فهم العرف هو الملاك. نعم إذا کان هناك مورد لا یکون الواقع فیه ظاهراً و فیه شكّ فإنّا نستفید من العرف و لکن في ما إذا کان الواقع ظاهراً فلا یرجع إلی فهم العرف.

لأجل الوصول إلی الواقع یجب الرجوع إلی المتخصّص، لا العرف. الطبیب هو الذي یفهم المرض و یجوّز الدواء له. یمکن أن أقول إنّ هذا مفید لي لکنّ المتخصّص یقول هذا مضرّ لك و تُجعل نفسك في خطر؛ المعیار هنا، رأي المتخصّص المتدیّن، لا العرف. یظنّ هو نفسه أنّ السیجار لیس ضارّاً له و لکنّ المتخصّص یقول إنّه سیبتلی بعد مدّة بالسرطان و الاعتیاد. إن قلتُ إنّ الصوم لیس ضارّاً بي و لکن قال المتخصّص بل یضرّ الصوم بسلامتك، فعليّ اتّباع رأي المتخصّص.

في النجاسة و الطهارة إن أردنا أن نبحث عنهما بالمِجهَر لزم العسر و الحرج؛ فلا حاجة في الرجوع إلی المتخصّص، لکن إذا أستخدم المجهر فحصل له الیقین بالنجاسة فعلیه أن یزیلها؛ و لو قال العرف بأنّه طاهر، إلّا أن یستلزم العسر و الحرج.‌ نحن نتبع الواقع لکنّ الشارع یقول في موارد للسهولة: «کلّ شيء لك طاهر». قد وُسِّع في الطهارة و النجاسة بأنّ کلّ شيء طاهر حتّی تعلم أنّه نجس و إن شککت فقلْ إنّه طاهر.

نحن نتبع الواقع و إن علمنا به فلا نستطیع أن نعمل علی خلافه.

هنا إشکال

لدینا روایة جاءت فیها: «حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ حَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[3] إذا کان الناس ینظرون في زمن المعصومین إلی الأسماك قالوا لیس لها فلس فهو حرام، لکنّ الآن بعد تقدّم العلم یرون الفلس مع المِجهَر و یقولون هو حلال. هل یمکن أن یکون شيء حلالاً حیناً و حراماً حیناً آخر؟

الجواب:

لا بأس به، فقد جعل الإمام الخمیني& المکان و الزمان دخیلین في الحکم. لم یعدّوا بعض الأشیاء في السابق مضرّاً لکن قد عُلم مع تقدّم العلم أنّه مضرّ فإذا علم ضرره حرم. کان آیةالله العظمی الخوانساريّ& یدخّن في السابق ثمّ إنّه بعد مدّة حین قال الأطبّاء إنّه مضرّ لك، ترك التدخین. إذا ظهر لنا أنّ شيئاً ضارّ فعلینا أن ندعه. لیس هکذا أن یصیر الشيء الحرام حلالاً أو الحلال حراماً بل یکشف الواقع أنّه ما هو؟ في الزمن السابق حیث لم یعلم أنّ له فلساً و لیس علم الغیب موجوداً هنا فکانوا یحرّمونه و لکنّ الآن حیث تقدّم العلم و قد رأي فلسه یحکم بحلّیّته.

هنا إشکال

إذا لم یکن لدی الناس علم بالغیب و لم یعلموا بوجود الفلس فإنّ الإمام× لدیه علم الغیب فلمَ لم یبیّن لهم؟ کما أنّه× قد بیّن لهم أنّ «کنعت» له فل

الجواب

لا تکون وظیفة الإمام و المجتهد بیان الموضوع، بل علیهما بیان الحکم. علیهما أن یقولا إن کان للسمك فلس فهو حلال و إلّا فحرام؛ و حینئذٍ تکون وظیفة المکلّف أن یمیّز الموضو یقول الفقیه: «الخمر حرام» و لکن هل هذا المائع خمر أو ماء فلیست وظیفته تعیینه. یمکن أن یبیّن الشارع الموضوع في موارد و لکن لیست وظیفته الکلّیّة تعیین الموضوع، بل علیه بیان الحکم فقط.

قد قرأنا سابقاً هذه الروایة حیث قال الراوي: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ الْحِيتَانُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ قِشْرٌ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي الْكَنْعَتِ؟‌ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. قَالَ قُلْتُ لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ فَقَالَ لِي: بَلَى وَ لَكِنَّهَا سَمَكَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ تَحْتَكُّ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ وَ إِذَا نَظَرْتَ فِي أَصْلِ أُذُنِهَا وَجَدْتَ لَهَا قِشْراً»[4] .

قد بیّن الإمام المعصوم الموضوع في هذا المورد لکن لیس علیه أن یبیّن الموضوع في جمیع الموارد، بل علیه بیان الحکم. إنّ الشارع و المعصومین و الفقیه یبیّنون الحکم و تشخیص الموضوع وظیفة المکلّف.

المنافع و مضارّ سمك الکوسج

قد بیّنت لسمك الکوسج منافع و مضارّ لا یمکن أن تکون مناط الحرمة أو الحلیّة؛ إذ یمکن أن یکون لکلّ شيء منافع و مضارّ لبعض الأفراد. قال في القرآن في الخمر: ﴿يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ و لکن قال في امتداده: ﴿وَ إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ صحیح أنّ له منافع و لکن ضرره أکثر من نفعه.

وجود هذه المنافع أو المضارّ لا یکون دلیلاً بل نحن تابعوا الدلیل؛ إن کان هناك دلیل حلّله فهو حلال عندنا و إن حرّمه فحرام.

أدلّة حلّیّة الأسماك ذوات الفلس و لو رأي فلسها بالعین المسلّحة

الدلیل الأوّل: الروایات الدالّة علی حلّیّة جمیع الحیوانات البحریّة إلّا الخنزیر البحري

الروایة الأوّل: الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ[5] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[6] عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ[7] عَنْ زُرَارَةَ[8] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنِ الْجِرِّيثِ فَقَالَ وَ مَا الْجِرِّيثُ فَنَعَتُّهُ لَهُ فَقَالَ- لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ- ثُمَّ قَالَ لَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ شَيْئاً مِنَ الْحَيَوَانِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ بِعَيْنِهِ وَ يُكْرَهُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنَ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ مِثْلُ الْوَرَقِ وَ لَيْسَ بِحَرَامٍ إِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ».[9]

یستفاد من هذه الروایة أنّ الحیوان البحريّ سواء کان له فلس أم لا فهو حلال. طبقاً لهذه الروایة فالسمك الذي یُری فلسه بالعین المسلّحة فهو حلال.

الروایة الثانیة: «عَنْهُ[10] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ[11] عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ[12] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ[13] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْجِرِّيِّ وَ الْمَارْمَاهِي وَ الزِّمِّيرِ وَ مَا لَهُ قِشْرٌ مِنَ السَّمَكِ حَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ- قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ قَالَ فَقَرَأْتُهَا حَتَّى فَرَغْتُ مِنْهَا فَقَالَ إِنَّمَا الْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فِي كِتَابِهِ وَ لَكِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَعَافُونَ أَشْيَاءَ فَنَحْنُ نَعَافُهَا».[14]

قد سأل الراوي عن الصادق× عن بعض الحیوانات البحريّة التي لیس لها فلس إلی أن قال× ما حاصله: إنّ بعض الأشیاء لیس حراماً و لکنّ الناس یکرهون من أکلها و نحن أیضاً نکرهه.

یمکن أن یستفاد من هذه الروایات أنّ أکل الأسماك غیر ذوات الفلس جائ و إن کان لها فلس و لو لا نراه بالعین العادیة فهي أیضاً حلال.

 


[3] الکافي (ط – الإسلامیّة)، المجلّد 1، الصفحة 58.
[4] الکافي (ط – الإسلامیّة)، المجلّد 6، الصفحة 219.
[5] إماميّ ثقة جلیل القدر.
[6] إماميّ ثقة جلیل القدر من أصحاب الإجماع.
[7] إماميّ ثقة جلیل القدر.
[8] إماميّ ثقة جلیل القدر من أصحاب الإجماع.
[9] تهذيب الأحكام، المجلّد ‌9، الصفحة 6.‌.
[10] الحسین بن سعید و هو إماميّ ثقة جلیل القدر.
[11] إماميّ ثقة جلیل القدر.
[12] إماميّ ثقة جلیل القدر.
[13] إماميّ ثقة جلیل القدر من أصحاب الإجماع.
[14] تهذيب الأحكام، المجلّد ‌9، الصفحة 6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo