< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة/ رؤیة فلس السمك مع العین المسلّحة

 

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول حکم الأسماك التي لها فلس دقاق لم تمکن رؤیته بالعین العادیة و تمکن مع الجهاز. یلزم تحصیلاً للعلم بأنّ مثل هذه الأسماك حلال أم حرام، دراسة الأدلّة. أوّل دلیل دارسناه روایة قد دلّت علی أنّ «کلّ حیوان بحريّ حلال» هذه الروایات لها أسناد و دلالات صحیحة. بناءاً علی هذه الروایات فکلّ حیوان بحريّ حلال إلّا الخنزیر.

«وَ يُكْرَهُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنَ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ مِثْلُ الْوَرَقِ وَ لَيْسَ بِحَرَامٍ إِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ».[1]

السمك الذي له فلس دقاق، حیوان بحريّ و أکله بناءاً علی هذه الروایة حلال.

الدلیل الثاني: الروایات الدالّة علی حلّیّة الأسماك کلّها

بعض الروایات جعل الأسماك الموجودة في البحر حلالاً مطلقاً.

الدلیل الثالث: إطلاق روایات اشتراط الفلس

قد اشترط بعض الروایات أنّ السمك ذا الفلس حلال و إذا لم یکن له فلس فحرام.

«كُلْ مَا لَهُ قِشْرٌ مِنَ السَّمَكِ وَ مَا لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ فَلَا تَأْكُلْهُ».[2]

إنّ «كُلْ» فعل أمر و دالّ علی الوجوب.

قیل سابقاً أنّ للروایة معارضاً.

السمك إذا کان له فلس دقاق فله فلس أیضاً؛ فأکله بناءاً علی هذه الروایة حلال. لم یذکر في هذه الروایة أنّ الشرط، رؤیة الفلس بل المناط وجود الفل في بحث صوم رمضان قد ذکرت رؤیة الهلال و هي مناط الصوم و الإفطار و لکن لا تکون هنا الرؤیة. و لو أنّه بناءاً علی الروایات الصحیحة لم یکن معیار الحلّیّة وجود الفل

أنواع الشبهات في المسألة

هل الشبهة في معنی الفلس مصداقیّة أو موضوعیّة أو مفهومیّة؟

المثال الأوّل: إذا شککنا في أنّ هذا الماء طاهر أم نجس، فهذه شبهة موضوعیّة. أعلم أنّ الماء الطاهر حلال و الماء النجس حرام؛ الحکم معلوم و أمّا الموضوع فمردّد. و القاعدة في الشبهة الموضوعیّة هي أنّ «کلّ شيء لك حلال» أو «کلّ شيء لك طاهر».

المثال الثاني: «أکرم العلماء إلاّ الفسّاق» تعلم أنّ من ارتکب کبیرةً فهو فاسق لکنّك تشكّ في أنّ مرتکب الصغیرة فاسق أیضاً أم لا؟ إن أتی عالم بکبیرة فلا یجب إکرامه قطعاً و أمّا مرتکب الصغیرة فبناءاً علی هذه القاعدة داخل في أمر الإکرام. فهذه مثال للشبهة المصداقیّة.

ثمّ إنّه قد حُکم طبقاً علی هاتین القاعدتین بأنّ «السمك إن کان له فلس فأکله جائز و إلّا فلا تأکله» و هذا السمك مشکوك وجود فلسه و عدمه، له فلس و لکنّه دقاق جدّاً؛ فیشكّ حینئذٍ هل خرج من الحلّیّة أم لا؟ فالحکم هنا عامّ یشمله فیجوز أکله.

یجوز أکل هذا النوع من السمك بناءاً علی الشبهة المصداقیّة و الموضوعیّة و لکن لیس الأمر هکذا إذا کانت هناك شبهة مفهومیّة. الشبهة المفهومیّة أي لیس معنی الفلس معلوم عندنا؛ هل الفلس ما یری بالعین العادیة أم یطلق علیه الفلس و لو یری بالعین المسلحّة؟

مثلاً یقال: «الکرّ کلّه طاهر إلّا إذا تغیّر لونه أو ریحه» إذا تغیّر لون ماء الحوض بوقوع الدم فیه ینجّ ثمّ بعد مدّة ترسّب الدم و صار لون الماء زلالاً أیضاً بحیث إن قلّبنا ماء الحوض تغیّر اللون مرّةً أخری. إذا ترسّب الدم و صار الماء زلالاً فما حکم هذا الماء؟ في البدایة إذا وقع الدم في الماء فتغیّر لونه، صار نجساً، و لکنّ الآن حیث راق لونه فما حکمه؟ هل التغییر الحسّيّ هو الملاك أو التغییر التقدیريّ أیضاً من الملاك؟ إن کان التغییر الحسّيّ هو الملاك فالماء طاهر و إن کان التغییر الأعمّ من الحسّيّ و التقدیري ملاکاً، فحیث یتغیّر لون الماء مع تقلیبه فالماء الزلال الذي ترسّب الدم فیه فهو نجس أیضاً.

بناءاً علی قاعدة الشبهة المفهومیّة في علم الأصول، یؤخذ بالقدر المتیقّن فیخرج من الحکم و لکنّ الموارد المشکوك فیها فیدخلونها في حکم العام. إذا حصل التغییر الحسّيّ فبالیقین ینجّس الماء. التغییر الحسّيّ هو القدر المتیقّن من النجاسة و لکن التغییر التقدیريّ مشکوك فیه؛ فالماء طاهر حینئذٍ.

بناءاً علی ما قیل في الشبهة المفهومیّة فإن کان للسمك فلس فهو حلال و إلّا فلا. ما یخرج من الأدلّة الحلّیّة هو السمك غیر ذي الفلس و السمك الذي له فلس دقاق جدّاً، مشکوك فیه أنّه خارج من الأدلّة أم لا؟ السمك الذي لیس له فلس هو القدر المتیقّن و یخرج من الحکم بالحلّیّة و الموارد المشکوکة مثل السمك ذو الفلس الدقاق یبقی في حکم الحلّیّة.

ثمّ إنّا قد ذکرنا هذا البحث لأنّه أستفتؤَ من القائد المعظّم أنّ الشبهة في السمك ذي الفلس الدقاق، شبهة موضوعیّة أم مفهومیّة حتّی یتمکّنوا من الحکم بالحرمة بعد إثبات کون الشبهة مفهومیّةً؟ لکن بناءاً علی ما قلنا فالمورد المشکوك فیه داخل تحت حکم العام.

فتوی مراجع التقلید العظام

ثمّ إنّ وجود الضرر أو النفع لأفراد في بعض الأسماك، لا یکون دلیلاً علی الحرمة أو الحلّیّة فإنّه قد استفتؤ في هذا الصدد من آیةالله المکارم (سلّمه‌الله) و أجاب بأنّه: «إذا کان له فلس بتصدیقٍ من أهل الابتلاء به فلحمه حلال و إلّا فلا».

«أهل الابتلاء» أي المتخصّصون؛ لا نری فیه فلساً بأعیننا و لکنّ المتخصّصین یرونه ذا فل

جواب القائد المعظّم أیضاً أنّه: «إن کان من أنواع السمك ذي الفلس فهو حلال و إلّا فلا و تمییزه علی المکلّف و علی کلّ حال فإن قال المتخصّص الأمین و العالم بالمسألة إنّ له فلساً و حصل الإطمئنان من قوله، فهو کافٍ في الحکم بالحلّیّة».

یمکن أن یتفاوت المتخصّص في زماننا هذا مع المتخصّص الذي کان یعیش في خمس‌مأة سنة سابقة.

فتواه في رؤیة الهلال مع العین المسلّحة في إثبات الهلال، یمکن أن تکون قرینةً علی أنّ رؤیة الفلس مع العین المسلّحة دلیل علی الحلّیّة.

قال آیة‌الله البهجة&: «الحلّیّة دائر مدار صدق الفلس عند العرف الذين هم مطّلعون علی الخصوصیّات». المطّلع یمکن أن یکون المتخصّص أو یمکن أن تکون هذه الفتوی نافيةً لرأي المتخصّص. قال أیضاً: «إصداره إذا کانت له منفعة محلّلة فلا بأس به».

ثمّ إنّه بناءاً علی هذا ففي رأینا أنّه لا شبهة في حلّیّة السمك مع الفلس الدقاق الذي لا یری بالعین العادیة؛ إذ یکره عندنا أکل السمك إذا لم یکن له فلس، هذا أوّلاً. و ثانیاً إذا اشترطنا تبعاً للمشهور وجود الفلس، ففي الحقیقة یوجد هنا فلس؛ لأنّ الفلس الواقعيّ هو الملاك لا رؤیة الفلس.

أسماك التي یتناثر فلسها علی مرّ الزمان

هناك بعض الأسماك مثل «الحفش» یکون له فلس في الأصل و لکن یتناثر علی مرّ الزمان. حکم هذه الأسماك واضح و الروایات دالّة علی حلّیّتها.

قد جاء في صحیحة حمّاد بن عثمان[3] : «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ×: جُعِلْتُ فِدَاكَ الْحِيتَانُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ قِشْرٌ. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي الْكَنْعَتِ‌ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ، فَقَالَ لِي: بَلَى وَ لَكِنَّهَا سَمَكَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ تَحْتَكُّ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ وَ إِذَا نَظَرْتَ فِي أَصْلِ أُذُنِهَا وَجَدْتَ لَهَا قِشْراً».[4]

یفهم من هذه الروایة أنّ ملاك الحلّیّة، وجود الفلس و لو لم یوجد في الظاهر أو قد تناثر فلیس الملاك رؤیة الفل

 


[3] إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo