بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
44/03/19
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: المکاسب المحرمة/ الکهانة/ الکهانة
نکتة
السرّ في البراءة على ما دلّ عليه هذه الروايات الثلاث أنّ تصديق الكاهن فيما أخبر به من الغيب تكذيب للّٰه- عزّ و جلّ- فيما أنزله اللّٰه في كتابه على نبيّه من اختصاص علم الغيب به، قال- عزّ من قائل: ﴿وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ﴾[1] و قال أيضاً: و ﴿عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[2] . [3]
و منها: الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ[4] عَن الْهَيْثَمُ[5] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): إِنَّ عِنْدَنَا بِالْجَزِيرَةِ رَجُلاً رُبَّمَا أَخْبَرَ مَنْ يَأْتِيهِ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ يُسْرَقُ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ أَفَنَسْأَلُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ (ع): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ كَذَّابٍ يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتاب». [6] [7]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [8] [9]
أقول: هذه الروایة صحیحة و لکنّ الدلالة مختصّة بمن مشی إلی کاهن یصدّقه، کما سبق.
و منها: قال أمیرالمؤمنین (ع): «أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ؛ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَةِ وَ الْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَ الْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ[10] وَ السَّاحِرُ كَالْكَافِرِ». [11]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [12]
أقول: سند الروایة ضعیف، لکنّ الدلالة تامّة.
و منها: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ (رحمه الله)[13] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ[14] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ[15] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ[16] عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ[17] قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع): يَقُولُ: «الْمُنَجِّمُ مَلْعُونٌ وَ الْكَاهِنُ مَلْعُونٌ وَ السَّاحِرُ مَلْعُونٌ وَ الْمُغَنِّيَةُ مَلْعُونَةٌ وَ مَنْ آوَاهَا وَ أَكَلَ كَسْبَهَا مَلْعُونٌ» وَ قَالَ (ع): «الْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَ الْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ وَ السَّاحِرُ كَالْكَافِرِ وَ الْكَافِرُ فِي النَّارِ». [18]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [19]
أقول: الروایة ضعیفة، لکنّ الدلالة تامّة و لا یخفی أنّ حکمة حرمة الکهانة مبغوضيّة کلّ ما یشبه الوحي و یوجب التباس ما جاء من الله- تعالی- لإثبات الحجّة.
القول الرابع: الجواز مع الاعتماد علی بعض الأمارات الخفيّة بشرط الاعتقاد بالصحّة أو الاطمئنان بها [20] [21] [22] [23]
قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «الكهانة حرام و هي الإخبار عن المغيّبات بزعم أنّه يخبره بها بعض الجان. أمّا إذا كان[24] اعتماداً على بعض الأمارات الخفيّة، فالظاهر أنّه لا بأس به إذا اعتقد صحّته أو اطمأنّ به». [25] [26] [27]
أقول: لیس هذا القول تفصیلاً في المقام، بل ذکرنا سابقاً أنّ هذا من شرائط تحقّقها، فراجع أوّل البحث.
القول الخامس: الجواز مع الاعتماد علی بعض الأمارات الخفيّة أو مع الاطمئنان بصحّة تلك الأمارات إذا کان إخباره بغیر جزم و حرمتها مع الإخبار جزماً [28]
أقول: لیس هذا القول تفصیلاً في المقام، بل ذکرنا سابقاً أنّ هذا من شرائط تحقّق الکهانة لغةً.
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «الكهانة حرام و هي الإخبار عن المغيّبات بدعوى أنّ بعض الجانّ يخبره بذلك؛ نعم إذا كان إخباره هذا مستنداً إلى بعض الأمارات و العلائم[29] الخفيّة و لم يكن عن جزم، فلا بأس. و كذا لو فرض حصول الوثوق و الاطمئنان بصحّة تلك الأمارات، فعندئذٍ جاز إخباره عنها مستنداً إلى ذلك». [30]
أقول: الکهانة بعد تحقّق شرائطها حرام شرعاً و منها القضاء بالغیب و هو یلازم القطع، فلا تشمل صورة عدم الجزم أصلاً، فإنّ کلام الکاهن قد یکون کذباً و قد یکون فتنةً و یوجب سلب الاعتقادات للمؤمنین.
تنبیه: في قتل الکاهن[31]
هنا أقوال:
القول الأوّل: یقتل ما لم يتب [32] [33] [34]
أقول: لا دلیل علی جواز قتله، کالکافر فإنّ أقصی ما تدلّ علیه الأدلّة کون الکاهن کالکافر و الکافر لا یقتل إلّا إذا کان محارباً مع شرائطه، نعم لا بدّ من إیجاد المحدوديّة له لئلّا یوجب تشویش أذهان المؤمنین.
قال العلّامة الحلّيّ (رحمه الله): «الكاهن هو الذي له رئيّ[35] من الجنّ يأتيه بالأخبار. و يقتل ما لم يتب». [36]
أقول: لا دلیل علیه.
و قال المحقّق الأردبیليّ (رحمه الله) ذیل کلامه (رحمه الله): «لعلّه يريد قتل المستحل». [37]
أقول: هذا لا یختصّ بالکاهن.
و قال الشیخ حسین البحراني: «يقتل مستحلّه، بل مستعمله إن كان مسلماً، بخلاف الكافر». [38]
و قال کاشف الغطاء (رحمه الله): «هو[39] كالساحر يقتل ما لم يتب؛ بل أشدّ منه، حيث إنّ حدّه لا يتوقّف على الاستحلال، كما يظهر من كلامه[40] . و ظاهر الأخبار تشبيهه بالساحر و الساحر كافر و مساواتهما في الحكم بردّ حكم السحر إليه أو ردّ حكمه إلى السحر أقرب إلى التحقيق و عدم اشتراط الاستحلال في استحقاق القتل بهما أوفق بالدليل».[41]
أقول: لا دلیل علیه.
و قال السیّد العامليّ (رحمه الله): «يقتل ما لم يتب، ففي مجمع البرهان لا خلاف فيه [42] و كذا المستحل، بل هو أولى و الحكم معلوم و إن كان المصرّح به قليلاً». [43]
أقول: لا دلیل علیه.
یلاحظ علیه: أنّ عبارة «لا خلاف فیه» في کلام المحقّق الأردبیليّ (رحمه الله) لا ترجع إلی القتل، بل ترجع إلی حرمة أخذ الأجرة و إلیك صریح کلام المحقّق الأردبیليّ (رحمه الله): «قيل: الكهانة- بالكسر- قريب من السحر، قال فيه أيضاً: الكاهن- هو الذي له رئيّ من الجنّ يأتيه بالأخبار- يقتل أيضاً، إلّا أن يتوب. و يحرم عليه أخذ الأجرة؛ لما رواه السكونيّ عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغيّ و الرشا في الحكم و أجرة الكاهن».[44] لعلّه يريد قتل المستحلّ و الذي لم يتب. و إنّه لا خلاف فيه أيضاً، فلا يضرّ أيضاً عدم صحّة السند».[45]
القول الثاني: یقتل المستحلّ ما لم يتب [46]
أقول: هذا لا یختصّ بالکاهن.
القول الثالث: یقتل الکاهن [47]
قال ابن کاشف الغطاء (رحمه الله): «يقتل صاحبه من دون توقّف على الاستحلال؛ لأنّه ساحر أو بحكمه فتوىً و نصّاً. و لو توقّف على الاستحلال لم يكن فرق بينه و بين العاصي الأخر و الكاهن آلة للمحرّم كآلة اللهو يجب إتلافها و كسرها». [48]
أقول: لا دلیل علیه.
المقام الثالث: حکم تعلیم الکهانة و تعلّمها
هنا قولان:
القول الأوّل: الحرمة مطلقاً [49] [50] [51] [52] [53] [54]
قال العلّامة الحلّيّ (رحمه الله): «يحرم تعلّم الكهانة و تعليمها». [55] [56]
دلیلان علی الحرمة
الدلیل الأوّل: الروایتان
الروایة الأولی
«الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ[57] عَن الْهَيْثَمُ[58] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): إِنَّ عِنْدَنَا بِالْجَزِيرَةِ رَجُلاً رُبَّمَا أَخْبَرَ مَنْ يَأْتِيهِ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ يُسْرَقُ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ أَفَنَسْأَلُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ (ع): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ كَذَّابٍ يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتاب». [59]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [60]
أقول: الروایة صحیحة سنداً و إطلاق من مشی إلی کاهن یشمل المشي للتعلیم أیضاً. و بعد ثبوت المبغوضيّة لا بدّ من رفعها و دفعها و حسم مادّة الفساد فالتعلیم و التعلّم حرام قطعاً إلّا لدفع المتنبّي.
قال السیّد الخوانساريّ (رحمه الله): «لازم هذا حرمة التعليم و حرمة التعلّم؛ لظهور الخبر في أنّ الرجل المخبر كاهن و الكاهن كالساحر. و على هذا يشكل إخراج العلم الحاصل من الجفر و غيره، خصوصاً مع ترك الاستفصال في الخبر». [61]
الروایة الثانیة
قال أمیرالمؤمنین(ع): «أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ؛ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَةِ وَ الْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَ الْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ[62] وَ السَّاحِرُ كَالْكَافِرِ». [63]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [64] [65]
أقول: سند الروایة ضعیف و الدلالة تامّة.
قال السیّد السبزواريّ (رحمه الله): «لا فرق في الحرمة بين تعليمها و تعلّمها و عملها؛ للإطلاق الشامل للجميع». [66]
الدلیل الثاني: عدم الخلاف [67]
قال السیّد الخوانساريّ (رحمه الله): «أمّا حرمة تعلّم الكهانة، فالظاهر عدم الخلاف فيها». [68]