< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المکاسب المحرمة/ معونة الظالمین/ حکم معونة الظالمین تکلیفا

 

إشکالان فی القول الثالث

الإشکال الأوّل

إنّ السيرة القطعيّة على خلاف ذلك، بل هو منافٍ لسهولة الملّة و سماحتها و إرادة اليسر؛ ضرورة عدم سوق مخصوص للشيعة و عدم تمكنّهم من الامتناع عنهم، بل هو منافٍ ل‌ما دلّ على مجاملتهم و حسن العشرة معهم و الملق[1] لهم و جلب محبّتهم و ميل قلوبهم؛ كي يقولوا رحم الله جعفر بن محمّد، ما أحسن ما كان يؤدّب به أصحابه. [2]

دفع الإشکال

إنّ المسلّم من مخالفة السيرة إنّما هي في الضرورات المبيحة للمحظورات، لا مطلقاً. ألا ترى سيرة الصلحاء و العلماء على كمال الامتناع و الإباء من مصاحبة الجهلة، فضلاً عن الظلمة و فضلاً عن إعانتهم![3]

أقول،

أوّلاً: البحث في الجواز، لا في الرجحان. و عمل العلماء و الصلحاء من باب الرجحان. و إلّا لا بدّ من الفتوی بالحرمة و الحال أنّهم یفتون بالجواز. و
ثانیاً: بأنّ السیرة علی الجواز و المنع و الحرمة یحتاج إلی الدلیل و الدلیل صدق الإعانة علی الظلم أو الإثم و لا دلیل علی غیرهما.

الإشکال الثاني

لو حرمت إعانتهم على المباح و الأفعال المباحة لهم مطلقاً_ كما هو مورد الأخبار_ لم يقم للمسلمين سوق. كيف و الدراهم و الدنانير و أكثر ما يخرج من المعادن المنطبعة ممّا تصل إلى أيدي الناس من أيديهم و بالمعاملة معهم و كذا الزراعات و توابعها ممّا تكون غالباً معهم! على أنّ سدّ باب المعاملة معهم مثير للفساد و باعث على أذيّة العباد، خصوصاً من الفرقة المحقّة. و كيف يخطر بالبال و يجري في الخيال أنّ أئمّتنا (علیهم السلام) مع حثّهم لنا تشييع جنائز القوم و عيادة مرضاهم و الصلاة معهم و إظهار المحبّة لهم يأمروننا بتجنّب معاملتهم و ترك الدخول معهم في مباحاتهم و التنفّر منهم ظاهراً و التباعد عنهم![4]

دلیل القول الثالث: الروایات

فمنها: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[5] عَنْ أَبِيهِ[6] عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ[7] عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ[8] عَنْ أَبِي بَصِير[9] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ[10] (ع) عَنْ أَعْمَالِهِمْ، فَقَالَ(ع) لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ: «لَا وَ لَا مَدَّةَ[11] قَلَمٍ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئاً إِلَّا أَصَابُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ» أَوْ[12] قَالَ(ع): «حَتَّى يُصِيبُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ».[13]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [14]

أقول: الروایة صحیحة سنداً و لکن موردها الإعانة علی الظلم و لا إشکال في حرمتها.

فمنها: [15] ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ[16] عَنْ بَشِيرٍ[17] عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ[18] قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ لَهُ(ع): أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَ الرَّجُلَ مِنَّا الضَّيْقُ أَوِ الشِّدَّةُ، فَيُدْعَى إِلَى الْبِنَاءِ يَبْنِيهِ أَوِ النَّهَرِ يَكْرِيهِ‌[19] أَوِ الْمُسَنَّاةِ[20] يُصْلِحُهَا، فَمَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع): «مَا أُحِبُّ أَنِّي عَقَدْتُ لَهُمْ عُقْدَةً أَوْ وَكَيْتُ[21] لَهُمْ وِكَاءً[22] وَ إِنَّ لِي مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا وَ لَا مَدَّةً[23] بِقَلَمٍ إِنَّ‌ أَعْوَانَ‌ الظَّلَمَةِ يَوْمَ‌ الْقِيَامَةِ فِي‌ سُرَادِقٍ مِنْ نَارٍ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَاد». [24]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [25]

أقول،

أوّلاً: إنّ موردها صدق أعوان الظلمة و لا إشکال في حرمة المعاونة للظلمة. و
ثانیاً: عدم الحبّ؛ لأنّ المعاونة في المباحات قد تنجرّ إلی الورود في المعاونة علی المحرّمات، فیصیر المعین من أعوان الظلمة.

إشکالات في الاستدلال بروایة إبن أبي یعفور

الإشکال الأوّل

إنّ التعبير فيها في الجواب بقوله(ع): «ما أحبّ» ظاهر في الكراهة. [26]

و قال بعض الفقهاء(رحمه الله): «التعبير بقوله(ع): «ما أحبّ» إلى آخره، الظاهر في الكراهة و إن كان ذلك بالإضافة إلى شخص الإمام(ع)».[27]

قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «الظاهر أنّ الإمام(ع) يحبّ أن لا يعمل لهم أعمالاً مباحةً لئلّا يتدرّج في العمل و ينسلك في سلك أعوان الظلمة، فإنّ الإنسان يتدرّج من مباح إلى مباح و من مباح إلى مكروه حتّى يصير عوناً للظلمة، فيحمل النهي على التنزيه». [28]


[1] أي: الرأفة.
[3] التعلیقة علی المکاسب، اللاری، عبدالحسین، ج1، ص216.
[5] عليّ بن إبراهیم بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة.
[6] إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[7] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[8] إماميّ ثقة.
[9] یحیی أبو بصیر الأسدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[10] الإمام الباقر(ع).
[11] المدّة_ بالفتح_ غمس القلم في الدواة مرّةً للكتابة.
[13] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص106. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی).
[15] عليّ بن إبراهيم [بن هاشم القمّي: إماميّ ثقة] عن أبيه‌ [إبراهیم بن هاشم القمّي: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی].
[16] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[17] هاشم بن سالم: إماميّ ثقة.
[18] عبد الله بن أبي یعفور: إماميّ ثقة.
[19] أي: کریت النهر: اذا حفرته.
[20] أي: ما يُبنى للسَيْل لِيَرُدّ الماء.
[21] أي: ببندم.
[22] أي: الخيط الذي تشدّ به الصّرّة و الكيس و غيرهما.
[23] المدّة_ بالفتح_ غمس القلم في الدواة مرّةً للكتابة.
[24] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص107.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة علی الأقوی)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo