< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ الآیة المأة و الستّين

﴿إِلاَّ الَّذينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحيمُ﴾[1] .

یکون البحث حول تفسیر آیة المأة و الستّین من سورة البقرة المبارکة. قال الله- تعالی- في الآیة السابقة: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدي‌ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْکِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾[2] یکون الکلام في هذه الآیة أنّ من أعظم المعاصي کتمان الحق؛ بمعنی أنّ الإنسان یعرف الحقّ ثمّ یکتمه؛ أي لا یبیّن ما وجب علیه بیانه. قد جاء في بعض الآیات أنّه لا یبیّن الحقّ ابتغاء الفلس و المسائل الأخری. قد یعلم المسائل البیّنة من العقائد مثل التوحید و صفات الله و المعاد و من الأحکام الشرعيّة و المعارف الإلهیّة، لکن لا یبیّنها. إنّ الذین یعلمون الحقّ في الاجتماع و یقصّرون في بیانه فأولئك یلعنهم الله و یلعنهم اللاعنون.

جهاد التبیین:

هذا أمر إلهيّ، هو جهاد التبیین الذي أکّده القائد المعظّم مراراً، من أنّ الإنسان یجب علیه أن یفهم الحقائق جیّداً ثمّ یبیّنها للناس. وظیفة الأناسيّ الذین یصبحون علماء، التبلیغ و التبیین. قد جعل الله- تعالی- للعالم و الجاهل وظیفتین. وجب علی العالم أن یعمل هو نفسه أوّلاً و أبلغ إلی الناس ثانیاً و وظیفة الجاهل أن یتعلّم أوّلاً ثم یعمل بعلمه. وظیفة جمیع الناس مبیّنة؛ نحن إمّا من العلماء و إمّا من الجهّال. إن کنّا علماء فعلینا العمل ابتداءً ثم الإبلاغ و إن کنّا جهلاء فعلینا أن نصبح عالمین ثم نعمل بعلمنا. إن صرنا علماء ثمّ کتمنا الحقّ فإنّا من مصادیق هذه الآیة.

التوبة من الکتمان:

إن صار إنسان مصداقاً لهذه الآیة ثمّ أراد أن یتوب فحیث إنّ کتمان الحقّ حقّ الله و حقّ الناس معاً؛ أي أنتم مأمورون بالبیان و لکنّکم لم تبیّنوا، هذه إحدی المعصیتین، المعصیة الثانیة هو أن لم تنبّهوا الناس الجاهلین فوقعوا في ضلالة و جهالة فحینئذٍ ظلمتموهم؛ فعلیه هنا حقّان علی أعناقکم، حقّ من الله و حقّ من الناس، فلذا تبیّن في هذه الآیة وظیفة هذه الأفراد ﴿إِلًّا الَّذينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا﴾ و هي أنّ علیکم أن تبیّنوا هنا و تجعلوا تصلحون و تبیّنون؛ هو جهاد التبیین. إذهبوا و بیّنوا الحقائق للناس. ﴿فَأُولئِکَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ إن تدارکتم و بیّنتم الحقائق، فصحیح أنّکم قد عصیتم الله مدّةً و لکنّ الله یقبل توبتکم و وسعتکم رحمته لأنّه هو التوّاب الرحیم.

للعالم هناك واجبان، عينيّ و کفائيّ و لکن للجاهل واجبان عینيّان. عندما یعرف العالم الحقیقة یکون بیانها و إبلاغها واجباً کفائیّاً؛ أي إذا بیّن الآخرون الحقیقة و أصبحت واضحةً للناس، فلا حاجة إلی بیانك. لا یجوز کتمان الحقیقة و یجب أن تبیّن فإذا بیّن الحقّ شخص نبیل فلا حاجة في أن تبیّن الحق؛ أي إذا قام «من به الکفایة» بالتبلیغ فیسقط التبلیغ و البیان عنك، لکنّ الجاهل یجب أن یرجع إلی العالم فیعلم، هذا واجب عینيّ و یجب علیه أن یعمل فهو واجب عینيّ آخر.

یجب بیان الحقیقة في المسائل المستحدثة أیضاً، قد نری أنّ القائد المعظّم (حفظه‌الله) یبیّن الحقائق و تری أن لا حاجة إلی تبیینك، فلا وظیفة علیك هنا و قد یجب تأیید كلامه (حفظه‌الله) و توضیحه و تبیینه. لکن أصل إبلاغ الحقیقة واجب کفائيّ و یجب أن یبیَّن.

تلبیس الحقّ بالباطل:

في بعض الأحيان يرتكبون المعصیة الکبری و هي معصیة التلبیس؛ أي أنّهم يمزّجون الحقّ بالباطل و یقولونه للناس بذكاء خاصّ بنحو یعتقد الناس أنّ هذا هو الحقيقة، إنّ لهؤلاء معاصيَ أکثر.

في الوقائع الأخیرة قد أحرق أفراد قلوبهم علی موت فتاة فلماذا لم یحرقوها علی شهادة جنديّ متطوِّع و إحراق القرآن و المسجد؟ لماذا لم يُدينوا؟ هذا الإشکال وارد علی بعض الخواصّ الذین أحرقوا جدّاً قلوبهم. هذه الأعمال مُدانة و یجب البیان. على افتراض أنّ شخصاًمّا قد ارتكب خطأً في مكانٍ‌ما فما علاقته بالآخرين؟ هؤلاء حفّاظ أمن البلد فبأيّ دلیل يقتلون؟ لماذا يحرقون المصحف و يُضرمون النار في المسجد و مكتب إمام الجمعة؟ لقد دمّروا أموال الناس و يجب إدانتهم.

فلذلك إنّ کتمان الحقيقة لأيّ سبب من الأسباب هو معصیة عظيمة.

إظهار الحق:

إعلموا أنّ کتمان الحقّ و لو کان معصیةً عظیمةً، لکن إظهار الحقّ لیس أمراً سهلاً أیضاً. من السهل جدّاً أن نقول أظهر الحقّ و لا تکتمه، لکنّ العمل صعب جدّاً عندما ترید إظهار الحقّ أمام الجوّ المنشأ و الفضاء المجازيّ و الأخبار الداخليّة و الخارجیّة.

لذلك يتمكّن من القيام بهذا العمل من عمل ب﴿وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلَاةِ﴾[3] أي يمكن القيام بهذا العمل بالاستعانة بالصلاة و الدعاء و الصبر؛ إذ في القیام بهذا العمل الملامة و المشاكل. ﴿وَ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾[4] أظهروا الحقّ فإنّکم ستواجهون مشاكل قطعاً، لا تظنّوا أن تمرّوا بالسهولة، سوف يؤذونكم كثيراً و يجب أن تتحمّلوها.

﴿وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الْکِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَکْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ﴾[5] إن أحد لم یبیّن الحقائق ابتغاء ثمن قلیل من المال الفلس أو المقام- لأنّ متاع الدنیا قلیل علی کلّ حال- و لأجل الدنیا و هوی النفس أو یلبس الحقّ بالباطل فأولئك ممّن قال- تعالی- فیهم: ﴿فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ﴾، هنا اثم عظیم.

شکر النعمة:

عندما يعطي الله الإنسان نعمةَ فلزم أساساً شکر هذه النعمة. إنّ لدیك لساناً يجب أن تكون شاكراً له، كلّ أعضائك و جوارحك نعمة الله و عليك أن تكون شاكراً لها. العلم من النعم و یجب شكره. «أَلْعِلْمُ نُورٌ یقْذِفُهُ الله‌ فِی قَلْبِ مَنْ یشآءُ»[6] لقد اكتسبت العلم بالاستعانة من صلاة الليل و الدعاء و السعي الذي بذلته، إنّ كثيراً من الناس ليس لديهم علم. شکر اكتسابك العلم هي أن تبیّن الحقائق للناس. ﴿ليَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ و يَحيي مَن حَيّ عَن بَيّنَة﴾[7] لقد وضع الله- تعالى- هذا القانون لأن یکون هلاك الهالکین عن حجّة مقنعة، حتّی لا یقول الظالم یوم القیامة إذا قیل له لمَ ظلمت؟ لم أکن عالماً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo