< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الواحد و الستّین

﴿إِنَّ الَّذينَ کَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ أُولئِکَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾[1] .

یکون الکلام في تفسیر آیة المأة و الواحد و الستّین من سورة البقرة المبارکة. أتت هذه الآیة ذیل الآیتین السابقتین ﴿إِنَّ الَّذينَ يَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدي‌ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْکِتابِ أُولئِکَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾[2] ﴿إِلاَّ الَّذينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِکَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحيمُ﴾[3] من أهمّ المسائل التي توجب البؤس و الضلالة، کتمان الحقائق. کلّ مشاکل البشریّة من هذه الناحیة. کتمان الحقائق من أعظم المعاصي و هو أن یعلم الإنسان الحقیقة ثمّ لا یبیّنها. قد یتحقّق الکتمان في أصول الدین و قد یتحقّق في فروع الدین و جزئیّاتها. کان یعرف علماء اليهود و النصاری علامات النبيّ| في التوراة و الإنجیل، لكنّهم لم یکونوا یبیّنونها للناس حفظاً لمقاماتهم الدنیويّة. قد بعث نبيّ الإسلام| بالرسالة فکتم علماء الیهود و النصاری الحقیقة على الرغم من أنّهم کانوا یعرفون الحقيقة.

سبب إیجاد المشاكل في المجتمع:

التیّارات التي حدثت للإسلام منذ بداية الإسلام، هي عادةً نتيجة کتمان الحقائق. في السقيفة و في قضيّة غدير خمّ و المسائل الأخر التي نشأت للإسلام، كان هناك عدّة کان يعرفون الحقائق تماماً و لكن کتموها.

قد یكون بعض المسائل واضحةً جدّاً التي یعبّر عنها بالبیّنات بینما أنّهم یکتمونها أو یکتمون المعارف الإسلاميّة أو الأصول الاعتقاديّة. إن أحد في الاجتماع عرف الحقیقة و کتمها فسیوجد مشاکل للاجتماع و الحال أنّه یمکن أن تکون الواقعيّة سهلةً جدّاً و لا توجد أيّة مشكلة إلّا أنّهم إذا یکتمون فسوف یضرّون أکثر.

الذين يعيشون بشفّافيّة، فهم یبیّنون المسائل مع السهولة و ظاهرهم و باطنهم سواء. إذا کتمت فسیکون الناس حسّاسین بالنسبة إلیك خشیة أن تکون مرتبطةً بالأعداء. في الأساس کتمان الحقائق یضرّ بالبشريّة لا سیّما بالاجتماع. تری في تیّار السقیفة أنّ عدّةً کتموا الحقائق و حرّموا البشريّة من إمامة الأئمّة^ و أوجدوا هذه المشاکل للاجتماع البشري.

التوبة من الکتمان:

يلعن الله کاتمي الحقیقة ﴿أُولئِکَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ و اللاعنون أیضاً ﴿وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ إلّا أن یتوبوا و یصلحوا و یبیّنوا ﴿إِلاَّ الَّذينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا﴾ لأنّ کتمان الحقّ من حقوق الله و حقوق الناس؛ عندما يخفي شخص‌مّا الحقيقة یقع عّدة من الناس في الجهالة. إنّه يعرف الحقيقة و لکنّهم لا يعرفونها فلذلك يجب أن يقول الحقيقة، طريق التوبة من الکتمان، التبیین. حینئذٍ یقول الله فیهم ﴿فَأُولئِکَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التوَّابُ الرَّحيمُ﴾ يقبل الله توبتهم و الله هو التوّاب الرحیم.

توفیق التوبة:

یقول الله- تعالی- في هذه الآیة: ﴿إِنَّ الَّذينَ کَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ﴾ يقول الناس أحياناً إنّا سوف نتوب و هم ينجحون في التوبة أیضاً، لكنّهم أحياناً لا ينجحون فيها. ويل للذين كتموا الحقّ ثمّ لم ینجحوا في التوبة و ماتوا مع هذه الخطيئة العظيمة و هم كافرون. إنّهم قیل فیهم ﴿أُولئِکَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾.

التهديد و التشویق في القرآن:

إنّ التهديد و التشویق في القرآن موردا التفات جدّاً؛ أي إنّ الذين يعملون الصالحات فسیقعون مورد التشویق ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[4] هذا تشویق الله، قد جعل الله الجنّات للذین یعملون الصالحات و هي منفعة لهم. في مقابل التشویق، التهدید و هو قوله- تعالی: ﴿أُولئِکَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ هم ملعونون. لعنة الله- في هذه الآیة- هي جهنّم و اللعنة صفة الفعل أي إنّ الله لا یقول کما نقول باللسان «لعنة الله علی الظالمین» بل لعنُه- تعالی- إدخاله الملعونین في النار.

فالحاصل أنّ مسألة التشویق و التهديد من أهمّ المسائل التي ذكرت في القرآن و يجب أیضاً أن یوجدا في الاجتماع؛ أي إذا كنت تريد أن یُفعل الخير في الاجتماع فشوّق الناس. إنّ الأطفال الصغار الذين تريد تعليم القرآن إیّاهم فافعل ذلك بالتشویق. یمکن أن يتعلّم الطفل الصغير الموسيقيّ و العمل الفاسد، لكن يمكنك تربیة الأطفال بتشویقك. أعدّ جائزةً تناسبهم تشویقاً لهم على تعلّم القرآن و الصلاة. مع الأسف نحن لا نستخدم هذه الطريقة أو نستخدمها قلیلاً و یقرأ أطفالنا بعدُ في كتبهم قصصاً لا علاقة لها بالإسلام. الأطفال البالغون من العمر ثلاثة عشر أو أربعة عشر عاماً لا یعلمون أحکامهم الشرعیّة. هذا الترويج لسوء الحجاب و عدمه مسبّب عن جهل الناس بالأحکام الشرعیّة.

من المشاکل التي توجد في اجتماعنا هي الثقافة التي یجب أن تبدّل. یجب تبدیل الصفوف الدرسيّة، یجب أن یسعی الروحانيّون و الطلّاب الجامعیّون المتدیّنون في تبیین الأحکام الشرعيّة للأطفال بصورة هنريّة. یلزم للأطفال أن یدخلوا في الثقافة الإسلاميّة منذ أوان طفوليّتهم، من الأسباب التي تسبّب تشکیل هذه الثقافة هما التشویق و التهدید. یلزم التشویق أکثر حتّی یتعلّم الأطفال أحکامهم الشرعيّة.

الاختلاف في الاجتماع:

کتمان الحقیقة یسبّب إیجاد الاختلاف في الاجتماع؛ أي إذا تبقی مسألة مکتومةً ثمّ لا تُبیَّن للناس واضحةً، تزداد سؤالات الناس و شبهاتهم. إذا وقعت حادثة فعلیکم توضیحها للناس في أوّل فرصة، إن مضی یوم و لم تبیّنوها جعل صانعوا الشایعة یصنعون الشایعة و یشیعونها و یستفیدون منها سوءاً و یوجدون جعجعةً و ضوضاءً و یهیّجون الناس؛ إذ لم تبیّنوا الواقعیّة في أوّل فرصة. إن أخطأ شخص‌مّا فبیّنوا خطأه سریعاً فإن فُعل هذا فلا یوجد اختلاف في الاجتماع. یبیّن القرآن في موارد متعدّدة أن لا تکتموا فإنّ الکتمان یوجد التشنّج و الاختلاف و الفجوة بین الناس. هذا الاختلاف الجزئيّ سیصیر باعثاً للمشکلة و المعضل الاجتماعيّ بواسطة إثارة عدّة من داخل البلد و خارجه.

کتمان الحقائق کفر، بل هو أعلی الکفر لأنّه یتبع لعنة الله و الملائکة و الناس أجمعین. وظیفتکم ثقیلة جدّاً و یجب علیکم بیان الحقائق للناس، لدی الناس اعتماد و اعتقاد بالروحانيّة و لا یجوز إبادتهما.

أنواع الکتمان:

للکتمان صورتان: إحدیهما الکتمان بالسکوت و الآخر الکتمان بالتحریف. الکتمان بالسکوت هو أنّك تعلم الحقیقة و لکن لا تبیّنها و الکتمان بالتحریف هو أنّك تبیّنها بصورة أخری و تلبس الحقّ بالباطل، هذا أسوء. من المسائل التي یمکن أن تتّفق لنا أیضاً و توجب سلب اعتماد الناس لنا، هو أنّ لنا سکوتاً قذیعاً و لا نبیّن الحقائق حیث یجب علینا بیانها. قد نقصّر أحیاناً في بیان الحقائق مقداراً اضطرّ القائد المعظّم (حفظه‌الله) بالورود و تبیین الحقائق ، لکن لا یجوز لنا أن نسمح انسحاب الأمر إلی هنا و علینا أن نبیّن أنفسنا الحقائق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo