< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر قرآن الکریم /تفسیر سورة البقرة /آیة المأة و الإثنین و الستّین

 

﴿إِنَّ الَّذينَ کَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾[1] ﴿خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾[2] .

یکون الکلام في تفسیر آیة المأة و الإثنین و الستّین من سورة البقرة المبارکة. قد نزلت هذه الآیات ذیل آیة ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَ الْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾[3] الذین یکتمون الحقّ و الحقیقة ف ﴿أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾. یقول- تعالی- في الآیة الآتیة: ﴿إِنَّ الَّذينَ کَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾[4] .

قد أستخدمت في آیة المأة و التسع و الخمسین ﴿يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ صیغة المضارع و في آیة المأة و الواحد و الستّین ﴿أُولئِکَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ الجملة الإسمیّة و هي تدلّ علی الدوام و مشعرة بشدّة اللعنة أکثر؛ إذ یمکن للذین یکتمون الحقیقة أن یتوبوا و هو قوله- تعالی: ﴿إِلاَّ الَّذينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحيمُ﴾[5] . إن تاب الکاتمون و أصلحوا و بیّنوا الحقائق فالله یقبل توبتهم. لهذه الأفراد لعنة أقلّ فإنّهم یُلعنون في حین کتمان الحقیقة و ترفع عنهم اللعنة بعد التوبة. و الحاصل أنّ «یلعنهم» صیغة مضارعة، مشتملة علی لعنة أقلّ و لکنّ الذین لم یوفّقوا للتوبة ف ﴿عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾ کلّ یلعنهم و هذه اللعنة دائمة؛ إذ هم قد کتموا الحقّ و لم یتوبوا أیضاً.

إن کتم أشخاص حقیقةً و ماتوا ف﴿أُولئِکَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ و ﴿خالِدينَ فيها﴾ و هم في هذه اللعنة مخلّدون و لهم اللعنة دائماً و ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ﴾.

أنواع التخفیف:

التخفیف قد یکون کمّیّاً و قد یکون کیفيّاً؛ فهو في قوله- تعالی: ﴿وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ﴾[6] یکون کمّیّاً. و التخفیف الکیفيّ هو أن یقلّلوا عن کیفيّة العذاب و شدّته. علی أيّ حال فإنّ الله- تعالی- یقول: ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ﴾ أي لا یخفّف عن عذاب کاتمي الحقائق؛ لأنّ کتمان الحقائق یبید (یدمّر) الاجتماع بالإضافة إلی إبادة (تدمیر) الشخص نفسه. و حیث إنّ کتمان الحقائق معصیة عظیمة جدّاً فالله یعذّب الذین یکتمون فوق عذاب الکفّار و یحتكّ بهم احتکاکاً أقوی و أشد. كلّ مشاكل المجتمع و نکباته ناتجة عن کتمان الحقيقة من قِبل أولئك الذين فهموا الحقيقة.

صورة أسوء من کتمان الحقیقة هو أن یلبسوا الحقّ بالباطل؛ أي یبرّرون الباطل و یبیّنونه للناس بدل الحقیقة. هذا إثم عظیم و له عذاب أشد. هذا غیر أنّ الکافر لا یؤمن بالله و یشرب في بیته الخمر. ذلك الشخص یفسد جمیع المجتمع؛ إذ هو مبرّر السلطان الظالم الجائر.

و السبب في لعن الناس لمن يکتمون الحقيقة هو أنّهم يدركون أنّ الکاتم کان یعرف الحقائق و لم يبیّنه لهم بل برّرها لهم و یعدّون سبب بؤسهم و ضلالهم الکاتم للحقائق.

معنی «خَالِدينَ»:

و قد ذکروا للخلود المستفاد من «خَالِدينَ» معنيین: أحدهما المکث و العذاب الطويل و الآخر المکث و العذاب الدائم؛ أي هم داخلون في عذاب الله دائماً.

معنی «يُنْظَرُونَ»:

﴿وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ في کلمة «يُنْظَرُونَ» احتمالان: من أنّه من الثلاثي المجرّد من «نَظَرَ» و من أنّه من باب الإفعال «أنظر یُنظر إنظار». إن کان من الثلاثيّ المجرّد فهو بمعنی أنّ الله- تعالی- لا ینظر إلیهم یوم القیامة کما قال- تعالی: ﴿و لايُكَلِّمُهُمُ اللّهُ و لايَنظُرُ اِلَيهِم يَومَ القِيامَةِ﴾[7] أي إنّهم ممّن لا یعتني الله بهم. و لكن إذا كان من باب الإفعال فهو بمعنی الإمهال؛ عندما یعصی أحد، یمهلونه ليتفكّر و يتوب.

في الأساس، الذین ذهب بهم إلی السجن، يتحدّثون معهم و يقدّمون النصح و الإرشاد لهم ثمّ یمهلونهم للتفكّر، فإن تابوا و رجعوا يشملهم التخفیف، أمّا إذا لم يتوبوا فيجزون ما کانوا یعملون. و السؤال الآن أنّه هل یمهل للخاطئین يوم القيامة لا سیّما الذین ﴿ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ﴾ حتّی یتفکّروا أم لا؟ يقول الله- تعالی: لا یمهل لهذه الأفراد أيّ إمهال.

هنا نکتة:

لا بدّ لتوضيح هذا البحث، من الانتباه إلى هذه النکتة:

قد بیّن في آية القرآن أنّه إذا کان هناك شخص عليه دين و يقول إنّي لا أستطيع أداء ديني، فقد قال الله- تعالی: ﴿وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‌ مَيْسَرَةٍ﴾[8] أي یُمهل حتّی یؤدّي دینه قدر استطاعته. يسمّى هذا بالإمهال و هو لأن یتفکّر و یحلّ مشکلته. لکنّه لا یُعطی یوم القیامة لأحد هذا الإمهال.

لتوضيح المطلب فلنقدّم مثالاً: عندما تتألّم يد الإنسان، يعمل دماغه فيذهب الشخص إلى الطبيب و يعالج و يتعافى. و إذا عاب رجله، عمل دماغه فيذهب إلى الطبيب. کذلك بالنسبة إلی أجزاء أخر من الجسم یسعی إلى علاج نفسه ما دام دماغ الشخص و عقله صحیحین. و لكن إذا كان دماغ الشخص أو قلبه صارا ذوَي مشكلة، فإنّ عقله لا يعمل فلا یسعی في علاج بنفسه. و حینئذٍ على الآخرين أن یساعدوه و یذهبوا به إلى الطبيب.

الذين هم مخلّدون في نار جهنّم فإنّ أدمغتهم و قلوبهم قد صرن ذوات مشاكل و لا يمكن إمهالهم للتفکّر؛ لأنّ أدمغتهم و قلوبهم قد دمّرن؛ لذلك قیل فیهم ﴿خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ فجملة ﴿وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ تشير إلى أنّ النار قد أحاطت کلّ وجود الکاتمین و لن یمهلوا و لن یخفّف عنهم العذاب ألبتّة.

يجب أن يفهم الروحانیّون الحقائق جيّداً و یبیّنوها للناس فإن کتموا أو لبسوا الحقّ بالباطل فأعدّت لهم النار.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo