< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم /تفسیر سورة البقرة /آیة المأة و الثلاث و الستّین

 

﴿وَ إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ﴾[1]

یکون الکلام في تفسیر آیة المأة و الثلاث و الستّین من السورة البقرة المبارکة. قلنا في الآیات السابقة التي منها ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَ الْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾[2] إنّ المراد من «البیّنات» هي العقائد المسلّمة في الإسلام نحو: وجود الله و توحیده و النبوّة و المعاد و المراد من «الهدی» هي المعارف و النصائح. الکاتمون قد یکتمون المباحث المسلّمة مثل العقائد و لا یبیّنون للناس و قد یکتمون المعارف. الذین یکتمون الحقّ و الحقیقة فهم ملعونون بلعنة الله إلّا الذین تابوا و تدارکوا کتمانهم و بیّنوا کما قال- تعالی: ﴿إِلاَّ الَّذينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِکَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحيمُ﴾[3] و قال أیضاً ﴿إِنَّ الَّذينَ کَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ کُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾[4] الذین یکتمون الحقیقة ثمّ لم یتوبوا و ماتوا قال الله- تعالی- فیهم ﴿أُولئِکَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعينَ﴾، ﴿خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾[5] ثم ّ قال- تعالی: ﴿وَ إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ﴾ تناسب هذه الآیة مع الآیات السابقة هو أنّهم کتموا الحقائق و لکنّ الله- تعالی- قال فیهم: ﴿وَ إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ﴾.

سبب تفرّد الله:

﴿إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾ علّة و معلول؛ أي علّة تفرّد الله هي إلاهيّته؛ بمعنی أنّه لما کان هو اللهَ فهو واحد. هذا الإله الذي کلّ العالم مخلوقه و هو القادر و القهّار و المقتدر في هذا العالم، فیجب أن یکون واحداً. قد عبّر أحیاناً بالقهّار کما قال- تعالی: ﴿وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾[6] القهّار هو المقتدر؛ أقدر الموجودات، وجود الله- تعالی. الألوهيّة هي علّة الوحدة؛ نحن نفهم من «لا إلهَ إلّا الله» شیئین: من أنّ هناك إلهاً و هو وجود ذات الباري- تعالی- و من أنّه لا إله إلا هو؛ أي توحیده. إنّ «لا إلهَ إلّا الله» قضیّة یفهمن مفهومین: وجود الباري- تعالی- و توحیده.

 

و في البراهين المذکورة في إثبات التوحيد؛ مثل: ﴿لَوْ کانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾[7] هذا برهان على أنّه إذا كان هناك إله آخر فإنّه يسبّب الفساد. الألوهيّة نفسها هي دليل التوحيد؛ أي مجرّد أن یکون الله إلهاً فله الوحدة. یمکن أن تفترض إلهاً آخر، لكن هذا الإله المفترض ليس هو أعلى قوّةً.

یمکن أیضاً أن يكون الصنم إلهاً لعدّة، لكن يجب أن يكون من هو أعلی قوّةً و خالق و قهّار، واحداً؛ لأنّه عندما تفحّصتَ الوجود، يجب أن تصل إلى وجود واحد هو الأعلى، إفترض أنّ النبات أعلى من الجماد و أنّ الحيوان أعلى من النبات و هکذا یستمرّ حتّى یصل إلى ما هو الأعلى؛ أي أنّه لا وجود أعلى من ذلك الوجود و ذلك الوجود واحد فقط و إلّا فلن يصیر هو الأعلی؛ لأنّه إذا كان هناك وجودان، فأيّهما أعلى؟ إن قلنا إنّ واحداً منهما أعلى فهو الله و إن قلنا ليس واحد منهما أعلى من الآخر، فإنّنا لم نصل إلى أعلی الوجود الذي هو الله. لذلك فـــــ «الإله» في هذه الآية، هو سبب وحدة الله.

هذه الآية لبیان التوحيد و إثبات ذات الباري- تعالى- و ﴿هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ﴾ معلول لـ ﴿إِلهٌ واحِدٌ﴾؛ أي عندما یصیر الله «إلهاً» و «واحداً» یصبح أیضاً رحماناً و رحیماً.لمَ یکون الله رحماناً و رحیماً؟ إذ هو «إله» و «واحد». الإله الواحد هو المقتدر و الخالق الواحد، صفات الباري- تعالی- توجب أنّ یکون الله رحماناً رحیماً. لذا جعلوا هذه الجمل التي وضعت بعضها جانب بعض، بمعنی العلّة و المعلول.

معنی «الإله»:

هناك عدّة احتمالات في معنی «الإله» و في رأینا مع الالتفات إلی آیات أخر أنّ «الإله» بمعنی المعبود فلا معبود إلّا الله. إنّ الإله في آیة ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾[8] بمعنی المعبود؛ لا یری بعض عبدة الأوثان، الوثنَ خالقهم بل یرونه معبوداً فیعبدونه. ﴿أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ اِلهَهُ هَواهُ﴾[9] أي جعلوا هوی أنفسهم معبوداً لهم؛ یعني أنّه مطیع هوی نفسه فهو في الحقیقة یعبد هوی نفسه فمعنی الآیة هو أنّ معبودکم «إله» واحد.

 

المراد من «واحدٌ لا بعددٍ» في کلام عليّ×:

قال أمیر المؤمنین× في خطبة المأة و الخمس و الثمانین من نهج البلاغة: «وَاحِدٌ لاَ بِعَدَدٍ وَ دَائِمٌ لاَ بِأَمَدٍ وَ قَائِمٌ لاَ بِعَمَدٍ»[10] «واحدٌ لا بعددٍ» یعني× أنّ الله واحد، أ لا تکون هذه الوحدانيّة عدداً؟ هنا بحث و هو أنّ الواحد عدد أم مولّد العدد؟ مولّد العدد أي کلّ الأعداد یبدأ من الواحد، الواحد یُجعل جنب الواحد و یبدّل بالإثنین و یجعل واحد آخر جنب الإثنین فیبدّل بالثلاث. لکن نفس الواحد یعدّ موّلد العدد و لا یعدّ عدداً. الصفر لیس عدداً و لا مولّد عدد و لکنّ الواحد لیس عدداً بل هو مولّد العدد.

نقول هنا أیضاً: إنّ الله- تعالی- واحد، لکن وحدته لیس بوضع عدد الواحد له. لله فیض یشمل جمیع الموجودات و الخلائق. هذا الفیض واحد و کلّ من کان موجوداً في هذا العالم الإمکان فقد شمله فیض الله فوجد. هذا الفیض من الله، شامل مطلق بلا حدّ لا یعدّ و لا یُحصی. الله- تعالی- واحد لا حدّ له.

کلّ عالم الوجود فیض من الله و لا حدّ له، لکنّ الواحد له محدودیّة. فأن قال أمیرالمؤمنین×: «واحدٌ لا بعددٍ» أي لا تظنّوا أنّ الله واحد بمعنی أنّه لیس إثنین أو عشراً؛ إذ الواحد و العدد له المحدودیّة أي لا یکون إثنین و لا ثلاث و هو- تعالی- واحد یشمل الکلّ، أي یشمل المأة و الألف و کلّ الموجودات. فوحدة الله وحدة فیض الباري- تعالی- الذي یشمل جمیع الموجودات و لیس أحد من المخلوقات خارجاً من فیض الله.

﴿أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾[11] قالوا هنا: «تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بعلیّته للحکم»؛ أي في ﴿الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾ القهّار وصف الواحد؛ لماذا یکون الله واحداً؟ إذ هو القهّار. نقول «أکرم العالم» فیوجد في هذه العبارة «لأنّه عالم» أیضاً؛ أي أکرم العالم بدلیل کونه عالماً. هکذا في قوله- تعالی: ﴿أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾ فإنّ القهّار وصف للواحد مثل العالم الذي یکون وصفاً للرجل فحینئذٍ تبیّن صفة القهّار علّة الوحدانیّة، حیث إنّ الله أقهر القاهرین فلذا هو واحد.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo