< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم /تفسیر سورة البقرة /آیة المأة و الأربع و الستّین

﴿إِنَّ في‌ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْکِ الَّتي‌ تَجْري فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فيها مِنْ کُلِّ دابَّةٍ وَ تَصْريفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[1] .

یکون الکلام في تفسیر آیة المأة و الأربع و الستّین. یقول الله- تعالی: خلقنا الأرض و السماء و یُستبدل اللیل مکان النهار و النهار مکان اللیل و الاختلاف بمعنی الاستبدال و التعاقب؛ أي مجيء واحد تلوَ الآخر. إنّ في ساعات اللیل و النهار دقّةً، قد یطول النهار و یقصر اللیل و هکذا في کلّ سنة و في فصول السنة تتغیّر مدّة اللیل و النهار و هذا التغییر یتکرّر کلّ سنة بشکل منظّم.

الآیات الإلهیّة:

الفُلك:

انظروا بالدقّة إلی الفُلك التي تجري في البحر فیها منافع للناس، تنتقل النفط و سائر الموادّ و الأناس. کیف تجري هذه الفلك علی الماء؟

المطر:

من الموارد التي یجب أن یُنظر إلیها هو المطر الذي ینزل من السماء قطرةً قطرةً، کیف تنمو الأشجار و النباتات؟ إذا سافرتم إلی شمال المملکة رأیتم الغابات و المراتع التي قد اخضرّت بالمطر. تری أنّ الأرض الخالیة التي لا نبات فیها قد اخضرّت بعد مدّة و نمت فیها النباتات المختلفة.

الدواب:

کلّ الدوابّ لها حیاة و حرکة علی الأرض و في البحر و انظروا إلی حرکة الدوابّ علی الأرض أو في البحر و البرّ.

الریح:

توجد في الأرض ریاح، تهبّ النسمات الباردة، قد یکون الجوّ بارداً و قد یکون حارّاً، قد یکون الجوّ ربیعیّاً و قد یکون خریفیّاً. قد تحرّك الریاح هذه السفن في البحر، قد یقع الاتّصال بین الشجر الذکر و الأنثی بالریح و یتمّ التلقیح. دقّقوا النظر إلی حرکة الریاح و انظروا إلیها بالتفات فإنّ کلّ هذه، قوّة و آیة للّــــه.

السحاب:

تري السحاب بین السماء و الأرض ﴿وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ﴾ لهذه السحب مسائل مهمّة قد استکشفها العلوم الجدیدة. یبیّن بعض المسائل، العلم الریاضيّة و یجب الالتفات إلیها.

کلّ هذه آیات الله و علامات لإثبات ذات الباري- تعالی. إن دُقّق النظر في السماء و الأرض حصل الاعتقاد بالله- تعالی. کلّ هذه آیات ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ إن تُعُقّل و ألتفت و دُقّق النظر فإنّ هذه آیات لله- تعالی.

برهان النظم:

من البراهین التي ذکرت لإثبات الله- تعالی- برهان النظم. إذا أعتدت زجاجة عظیمة و ألقیت فیها أعداد کثیرة، إفترض أن تکتب علی القراطیس التي تکون بمقدار الراجبة، أعداد (مثلاً من الواحد إلی الملیار) و تلقی القراطیس في الرجاجة مختلطةً ثمّ اهتزّت الزجاجة، هل یمکن جعل هذه الأعداد مرتّبةً من الواحد إلی الآخِر؟ أیّاً ما تهتزّ الزجاجة فلا یمکن ترتیب هذه الأعداد منظّمةً. لا یکون النظم تصادفیّاً، لا یمکن أن یقال إنّ لهذه الدنیا نظماً بصورة الصدفة. إن رأیت مکاناً منظّماً فلا بدّ من مدیر یدیر هناك و إن لم یکن هناك مدیر فلا یُنظّم هذا المکان من تلقاء نفسه تصادفاً.

برهان النظم هو إن رأیت نظماً فهو دلیل علی وجود الناظم له؛ مثلاً: في کلّ سنة یوم اوّل الربیع و لیلته مساویان معاً و الیوم التالي یختلف بدقیقة واحدة و الیوم الثالث بدقیقتین و هکذا یستمرّ و یطول الایام، إن نظرت إلی التقویم رأیت أنّ الأیام تطول دقیقةً دقیقةً و اللیالي تقصر هکذا.

بالنسبة إلی الدوابّ یُشاهد أنّها تأکل في البحر و تعیش فیها؛ الأشجار کیف تنمو؛ المطر کیف ینزل؛ تُسقی الأشجار و تُحیی بالمطر القنوات و الآبار، هذا النظم في العالم کاشف عن وجود ناظم. هناك أحد أوجد النظم و هو الله- تعالی.

أن یقول الله- تعالی- في القرآن أنظروا بالدقّة إلی الأرض و السماء و الریح و السحاب فبتقدّم العلم یُکشف کثیر من المسائل. لا علم لنا إلی الآن في ما یجري في العالم الأعلی و نحن في حال کشف بعض المسائل جدیداً لکن لیس لدینا إطلاع دقیق. هذا النظم و النظام و المسائل الموجودة، کلّها آیة لـلّه- تعالی.

برهان الحرکة:

من البراهین علی إثبات الله- تعالی- برهان الحرکة و هو أنّ لکلّ شيء في عالم الوجود حرکةً. قد یعبّر عنها بحرکة النفس الإنسانیّة و حرکة الأفلاك و الحرکة الجوهریّة و ذکر صدر المتألّهین الأخیرة. إبتداء جسم النفس الإنسانیّة نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ یبدّل عظاماً ثمّ ولداً و یتولّد من الأمّ و تری عینُه و یسمع أذنُه و ینمو. في هذا الولد روح یتکامل. لا یفهم في بدایة أمره ثمّ یفهم مطالب تدریجاً، یبلغ و یتکامل و یصیر شيئاً فشيئاً عالماً و طبیباً و مهندساً و یبلغ إلی مقامات. هذا التکامل یستمرّ في بعد الروح و الجسم و هذه حرکة تکاملیّة للجسم و روح الإنسان.

 

یمکن رؤیة هذا التکامل في الأفلاك. للأفلاك قصص و حرکات و تکاملات أیضاً. تخرج من منزلك و تمشي و تشرّف إلی الحرم و تزور فهذه حرکات موجودة في الإنسان و الحیوان و الجماد؛ أنت تزرع حبّةً في الأرض و هي تنمو شيئاً فشيئاً و تبدّل شجراً قویّاً، تری هذه الحرکة الجوهریّة في کلّ موجود یتحرّك إلی التکامل، هذه الحرکات علامة علی ما؟

تحتاج الحرکة أساساً إلی محرّك؛ أي الشيء المتحرّك یحتاج إلی ما حرّکه. إذا تحرّکت فإنّ نفسك و إرادتك یتعلّق بأن تذهب إلی الحرم. التي تحرّكك هنا التفکرّات و العزائم لفعل الخیرات. یقال: «کلّ متحرّك یحتاج إلی محرّك». هناك أشیاء یتصوّر أنّها متحرّکة، لکن لا تستطیع أن تکون محرِّکةً؛ مثلاً: ینمو الشجر بنفسه و یتکامل لکن لا یقدر علی فعل آخر. لکنّ الإنسان إذا ینمو، قد یحرّك مثل الإمام الخمیني& بلداً و عالم الإسلام و کلّ العالم. فبناءً علی هذا قد یکون المتحرّك هو بنفسه محرِّك؛ هو بنفسه متحرّك و یعطي أیضاً الحرکة للآخرین و قد یکون مثل الشجر یتحرّك نفسه فقط و لا یوجب الحرکة في الآخرین.

کلّ ما کان متحرّکاً فهو یحتاج إلی محرّك و یجب أن ینتهي في الغایة إلی محرّك غیر متحرّك و إلّا یتسلسل. إنّ الأشیاء قسمان: قسم متحرّك و محرّك و قسم متحرّك فقط لا محرّك. و هذه السلسلة تستمرّ حتّی تنتهي إلی ما هو محرّك غير متحرّك؛ أي لیس له حرکة بل هو محرّك فقط و هو الله- تعالی. یقال لهذا البرهان، برهان الحرکة؛ أي نحاسب أنّ حرکة الأناس إلی تکامل الجسميّ و الروحيّ و حرکة الدوابّ و الأفلاك و الریاح و الفلك و السیّارات و القمر و الشمس و الأرض، کلّها تحتاج إلی محرّك أم تتحرّك بلا محرّك؟ کلّ تحتاج إلی محرّك «کلّ متحرّك یحتاج إلی محرّك» و إلّا یتسلسل.

 

یمکن أن تکون هذه الآیة ناظرةً إلی برهانَيِ النظم و الحرکة و یمکن استخدامها في إثبات ذات الباري- تعالی. إن دقّق النظر في آیات الله و علاماته حتّی في وجود الإنسان و في الآیات الآفاقیّة و الأنفسیّة حصل العلم بوجود الباري-تعالی. الأطبّاء الذین یشرّحون أعضاء جسم الإنسان لیعلموا أنّه ماذا یوجد في وجود الإنسان من الأعضاء و النظم الحاصل في مواقع خاصّة؟ إذا حصلت مشکلة للقوّة السامعة أو الباصرة فانظروا ما اتّفقت من القصص و المسائل. أنظروا ما في الأنفس من الآیات، کلّها آیات لله لکن للذین یعقلون و یتفکّرون و ینظرون.

العلّة الغائيّة:

کذلك توجد في الحرکات الفاعلیّة و الغائیّة أهداف، یبلغ الشجر إلی غایة و یثمر ﴿ما يَنْفَعُ النَّاسَ﴾[2] و تستفید من ثمره، هذا الشجر یتکامل حتّی یبلغ إلی حدّ ینتفع الناس منه و یستفیدون من ثمراته الجمیلة اللذیذة. لنفس الإنسان غایة أیضاً و یجب أن تبلغ إلی تکامل و یجب علینا الالتفات إلی هذا التکامل و السعي للوصول إلیه حتّی ینتفع الناس من العلم و التقوی و الخدمة. هذه العلّة الفاعلیّة و العلّة الغائیّة و کلّ الحرکات الموجودة في العالم یجب أن یتقدّم علی طبق النظم و البرنامج و الأهداف الإلهیّة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo