< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الخمس و الستّین

 

﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَ لَوْ يَرَي الَّذينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَميعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعَذابِ﴾[1] .

یکون البحث في تفسیر آیة المأة و الخمس و الستّین من سورة البقرة المبارکة. قد استعرض الله- تعالی- في هذه الآیة بعبدة الأوثان. في مقابل من کانوا یقولون ﴿و اِلهُكُم اِلهٌ واحِدٌ﴾[2] و کانوا یعبدون الله، عدّة من الناس لا یعبدون الله و یعبدون الأوثان و قال الله- تعالی- فیهم ﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً﴾.

معنی«أنْداداً»

إنّ المراد من الأنداد هنا أنّهم صنعوا لأنفسهم شيئاً شبیهاً لله- تعالی- و یقولون نحن نعبده. نعم ورد في روایات أنّ المراد من الأنداد، الأئمّة الظلمة؛ أي تشمل الأنداد سلاطین الجور أیضاً بمعنی أنّ أحداً یتبع سلطان الجور و الظالمین و الآلهة الکاذبة من دون التفات إلی الله- تعالی. إن أحد نبذ الله- تعالی- وراءه و اتّبع غیره، فهو یمکن أن سیصیر عابد الأوثان و تابع سلاطین الجور و الأهواء النفسانیّة.

في إراديّة المحبّة و عدمها:

﴿يُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللَّهِ﴾ یکون هنا بحث و هو أنّ المحبّة هل تکون إراديّةً أو تکون اختیاريّةً؟ عندما کانت لدیك محبّة بالنسبة إلی شخص و تحبّه، هل هذه المحبّة تحت اختیارك أم لا؟ المحبّة بالزوج و الأولاد أمر إختیاريّ أو توجد بالإرادة؟

یقول بعض العلماء: المحبّة أمر غیر إرادي، قد تری محبّتك الخاصّة بالنسبة إلی شخص من دون أن رأیته سابقاً.

قد تکون المحبّة ناشئةً من رفع الاحتیاج؛ أي إذا رأی الإنسان أنّ أحداً یرفع احتیاجه أحبّه. قد یکون احتیاج الإنسان مقاماً و قد یکون شهوةً و مالاً و ثروةً و ... یحبّه مادام رافعاً لاحتیاجه و أمّا إذا رُفعَ احتیاج الإنسان أو لم یُجب احتیاجه فحینئذٍ تقلّ محبّته و علاقته به شيئاً فشيئاً. یحبّ المرء زوجتها مادامت حسنة الخلق معه و یرفع حاجتها. یمکن بعد فترة أن یقع الاختلاف بینهما و یفترقا فتزول تلك المحبّة و یُستبدل البغض مکانها. لذا یمکن أن یکون الاحتیاج في الأمور المختلفة موجباً للمحبّة إلی فرد أو أفراد. نعم لا ملازمة بینهما؛ إذ یمکن أن یکون الإنسان محتاجاً إلی أحد و لکنّه متنفّر منه و مع ذلك وافقه؛ حاجةً إلیه.

هذه المحبّة التي توجد لأجل حاجة الإنسان هل تکون إراديّةً أم غیر إراديّة؟ الظاهر أنّ مقدّمات هذه المحبّة في اختیار الإنسان غالباً. یری الإنسان أحداً و اختلف إلیه و مع مشاهدة خصوصیّاته یجد في قلبه علاقةً بالنسبة إلیه. هذه العلاقة في اختیار الإنسان، لکن إذا حصلت العلاقة و المحبّة فلا تکون حینئذٍ تحت اختیار الإنسان. فعلیه یمکن ألّا تکون نفس المحبّة و العلاقة تحت اختیار الإنسان و لکن مقدّماتها تکون تحت اختیاره.

المحبّة في حیاة الإنسان ذات أهمیّة جدّاً و حیاته منوطة بها، محبّة الحسین× و محبّة الله و أنبیائه و أولیائه و المراجع و العلماء ومحبّة الزوج و الولد و محبّة البیت و الشهوات و اللذّات؛ فإنّ هذه المحبّة یدور العالم مدار وجودها. لدی کلّ أحد محبّة تخفیها في نفسه فإذا ازدادت هذه المحبّة فسیصیر المحبوب إلهاً کما قال- تعالی: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[3] بعض الناس یتّبعون أهواءهم إلی أن تصیر أهواءهم آلهتهم.

لهذه المحبّة أقسام و لا یمکن ألّا تکون للإنسان محبّة، بل لکلّ إنسان محبّة لکنّها قد تکون بالنسبة إلی الله- تعالی- و قد تقع في الطریق الشیطانيّ و غیر الإلهيّ. إفترض أنّ أحداً یتّبع هوی نفسه و یشتغل بالشذوذ الجنسيّ دائماً، لا یبالي من شيء في طریق الوصول إلی الشهوة. یمکن أن تکون هذه الشهوة، شهوة المقام أو الثروة، فهو لأجل الوصول إلی المقام لا یبالي بالکذب و الغیبة و العداة في غیر محلّها. هذا الشخص ممّن قال- تعالی- فیهم: ﴿مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾.

المحبّة الإلهيّة:

فالمحبّة قد تکون إلهیّةً و قد تکون شیطانیّةً. کلتاهما محبّة لکن إذا کانت المحبّة إلهيّةً، فدا الإنسان بنفسه و فدا بما کانت له قیمة عنده. فلذا یقول القرآن: ﴿وَ الَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ﴾ هذه المحبّة الإلهیّة أغور من الشهوات، هي بعید الغور و عریق؛ عبدة الأوثان یحبّون أوثانهم و یعبدونها و یظنّون أنّ فیها نفعاً لهم و لکنّ المؤمنین أشدّ حبّاً لِـلّهِ.

یرجع ضمیر «هم» في ﴿يُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللَّهِ﴾ إلی الأناس و المراد أنّ الأنداد لیست هي الأصنام فقط، بل یقال للأناس الظلمة الذین یحبّهم الناس، الأنداد أیضاً. فالأنداد تشمل الأصنام و الأناس الظلمة التي یمکن أن یکون دخلهم و مقامهم و ثروتهم لأجل سلاطین الجور.

لسلاطین الجور و الشیاطین أحبّاء و هنا أفراد یحبّونهم و لکنّ ﴿الَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾.

فالله- تعالی- یعطینا الالتفات في هذه الآیة لنفکّر في أنّ محبّتنا بمن تعلقّت؟ یمکن اصلاح العلاقة و المحبّة. لا یجوز للإنسان أن یحبّ أيّاً من الأشخاص، تجب الدقّة في أنّه بمن تعلّقت محبّتنا و ما العلّة فيها؟ هل تکون علّة المحبّة، الثروة و المقام و الجمال و بشکل عامّ المادیّات أو تکون له علّة آخری؟

یرشد الله- تعالی- أن اسعوا في أن تکون محبّتکم إلهيّةً؛ أي تحبّونه لتدیّنه و حسن خلقه و إطاعته لله- تعالی. حیث إنّ مقدّمات المحبّة تحت اختیار الإنسان، یمکن أن یُعمل هکذا؛ أي أن یُحلِّل المحبّةَ في نفسه بأنّ ما هي علّتها؟ و یهدي محبّته و علاقته إلی الله- تعالی.

مراقبةالعلاقة:

یجب الالتفات إلی أن تکون الاحساسات و العلائق مطابقةً للعقائد الصحیحة، لا أن تکون علی أساس الاحساسات غیر الطبیعیّة. له محبّة یخلطها بالإحساسات لأجل التیّار غیر الحقّ، لکن یقول إحساسه أن یفعل هذا العمل. کثیر من أعمال الخلاف یُفعل طبقاً للإحساسات، هي علاقة و لکنّها غیر صحیحة. إذا کان لدی الإنسان علاقة غیر صحیحة فهي توجب أن تکون له إحساسات باطلة و یمشي و یعمل طبق الإحساسات الباطلة. فلذا تجب علی الإنسان مراقبة علائقه و السعي في أن تکون محبّته إلهيّةً و ألّا تُنشأ من إحساساته.

القدرة الواقعیّة:

قال الله- تعالی- في هذه الآیة: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَميعاً﴾، یکون اتّجاه المحبّة إلی القدرة؛ أي ترون قدرةً و تذهبون إلیها لتکونوا تابعیها و أن تصیروا قادرین من ناحیة قدرتها، فلذا توافقون معها. و لهذا یتّبع عدّة من الناس السلاطین الجائرة حتّی یصلوا إلی القدرة. لکنّك إذا علمت أنّ هذه القدرة زائفة و یمکن أن تدمّر بعد ساعة و لا تکون قدرةً واقعیّةً، فحینئذٍ تقلّ علاقتك بهذه القدرة. ترید أن تکون ذا قدرة، لکن تصیر تابعاً إلی قدرة زائفة ظالمة لها قدرة الآن لکنّها زائفة. إن وصلت إلی هذه النتیجة من ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾ قمت أمام القدرة کما قام الإمام الراحل (أعلی‌الله‌مقامه‌الشریف) أمام الدنیا کلّها؛ لأنّه أدرك قدرة الله- تعالی. إن أدرکت قدرة الله- تعالی- فستقوم أمام کلّ الظالمین في العالم؛ إذ تعلم أنّ قدرتهم کلّها زائفة.

یذکّر الله- تعالی- في هذه الآیة هذه النکتة من أنّ القوی الزائفة قد تجلب الناس و هم یحبّونها بینا أنّ هذه القوی زائفة و القدرة الحقیقیّة لله و إن کنت ترید محبوباً فلیجب أن یکون هو الله- تعالی.

ورد في روایة أنّ بعض الناس یعبدون الله خوفاً من نار جهنّم و بعضهم یعبدونه طمعاً لوصول الجنّة. الطائفة الثالثة التي عبادتهم هي الفضلی المعبّر عنها بعبادة الأحرار و هي العبادة حبّاً لـلّه؛ أي حیث إنّه یحبّ الله یعبده[4] .

نقرأ في زیارة الجامعة أنّ أهل البیت^ قد بلغوا الدرجات الأعلی في محبّة الله «التَّامِّينَ‌ فِي‌ مَحَبَّةِ اللَّهِ‌»[5] . هذا المقام عالٍ و یجب علینا الوصول إلیه. إذا وکلت أمورك إلی الله کفاك. قد عُرضت لجمیع الناس مشاکل و طریق حلّها التوکّل علی الله- تعالی. إن توکّلت علی الله و نجوت منها تزدد علاقتك و محبّتك إلی الله- تعالی. إذا اعتمدنا علی الناس و الأفراد المختلفة فسنفهم بعد مدّة أنّه لا فائدة في هذا الاعتماد و لکنّ الله یحلّ مشاکلنا و سیوجب ازدیاد محبّتنا إلیه.

علامة محبّة الله- تعالی:

علامة محبّة الله، محبّة أهل البیت^ کما قال- تعالی: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[6] إن کنتم تحبّون الله فاتّبعوا الرسول| و الأئمّة^ فحینئذٍ یحبّکم الله- تعالی. أو نقرأ في زیارة لجامعة: «مَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ الله»[7] طریق محبّة الله هو أن نحبّ أهل البیت^.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo