< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و التسع و الستّین

 

﴿إِنَّما يَأْمُرُکُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾[1]

یکون البحث في تفسیر آیة المأة و التسع و الستّین من سورة البقرة المبارکة. قال الله- تعالی- في الآیة السابقة ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ کُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً﴾[2] فإنّ ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطاب للناس کلّهم. کلّ ما في الأرض حلال طیّب و یجب أن یستفاد منه. ثمّ إنّ المراد من الأکل مطلق التصرّفات؛ أي یمکن أن یستفاد ممّا في الأرض حلالاً طیّباً. ﴿وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾[3] لا تتّبعوا وساوس الشیطان و لا أقداماً یوسوس الشیطان بها إلی المعصیة لــ ﴿إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ﴾[4] .

خطوات الشیطان:

ما هي خطوات الشیطان و وساوسه؟ وساوسه و خطواته، أمره بالسوء. في المرحلة الأولی یأمر الإنسان بفعل الأعمال السيّئة. «إنّما» تدلّ علی الحصر؛ أي لا یرید منك أبداً فعل الخیرات و یرید منك فعل السيّئات فقط. و وساوس الشیطان في طریق الباطل لا غیر. یأمرك أن تفعل الأعمال السيّئة القبیحة الشنیعة و یبلغ الأمرَ إلی أن یرتکب الإنسان الفحشاء. الفحشاء هي المرحلة الثانية و هي مرحلة أعلی من السوء؛ فمن باب المثال إنّ الزنا و کلّ فعل یوجب ذهاب ماء الوجه فهي الفحشاء؛ أي مضافاً إلی أنّه عمل قبیح، یذهب بماء الوجه أیضاً.

المرحلة الثالثة هي ﴿أَنْ تَقُولُوا عَلَي اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ من الوساوس المهمّة للشیطان، التشریع في الدین؛ إدخال الخرافات في الدین من وساوس الشیطان. إذا کثرت الخرافات في الدین، یبید الدین و یفقد حقیقتَه؛ فلذا لا یجوز أن یسند الإنسان ما لیس یعلمه، إلی الدین.

من الواضح أنّ الشیطان یسیر في هذا الطریق ببطءٍ؛ أي في المرحلة الأولی یوسوس الإنسان أن یفعل السوء. ثمّ إذا عمل الإنسان السوء و صار قلبه أسود فإنّه یأتي بالأعمال القبیحة جدّاً و الفحشاء. لا یرتکب المؤمنون الفحشاء دفعةً واحدةً، بل یفعلون أوّلاً الصغار من الذنوب ثمّ یرتکبون کبائرها ثمّ ینتهي إلی البدعة و التشریع و إدخال ما لیس من الدین في الدین و في الغایة ینتهي إلی الکفر. هذه خطوات یخطوها الشیطان لإضلال الأناسي.

الحرمان من اللذائذ الدنیویّة المحلّلة:

یمکن أن یستفاد من هذه الآیة أنّه لا یجوز للإنسان أن یمنع نفسه من اللذائذ الدنیویّة المحلّلة. یجرّ الشیطان الإنسان إلی الانحراف من طریقین: واحد منهما أن یوسوس الإنسان في ارتکاب المعاصي و الفحشاء و الشهوات؛ و الآخر أن یرغّب بعضاً في عدم الاستفادة من لذائذ الدنیا. کلّ من الطریقین طریق الشیطان، الإفراط و التفریط کلاهما قبیحان فإمّا أن یجعل الإنسان في اللذات و الشهوات و المعاصي أو یُجرُّ إلی الانحراف من جانب أخری بسبب حرمانه من الدنیا و ابتعاده من اللذائد و المظاهر الدنیویّة التي أحلّها الله. کلّ هذه لیجعل الدین عند الناس کریه المنظر فإنّه لما رأی الناس أن لیس لدی شخص شيء من الدنیا و الزوجة و العیش فینضجرون من الدین.

شأن نزول الآیة:

شأن نزولها هو أن قد حرّم طائفة علی أنفسهم أشیاء فنزلت هذه الآیة و قبّح هذا العمل و قال: لمَ تحرّمون ما أحلّ الله لکم؟ تمتّعوا من حلال الله. یستفید الإنسان من الأشیاء المحلّلة و یجتنب من الأشیاء المحرّمة.

قد یقال أحیاناً إنّ المجازات علی ترك الفعل و قد یکون علی الفعل؛ أي أنّك لم تأتِ بفعل فقیل لك لمَ لم تفعل هذا؟ ترك الفعل معصیة أحیاناً؛ أي من الأشیاء التي یُعتِد خلفیّة الوساوس الشیطانیّة هو ترك الفعل. قد ترسخ وسوسة الشیطان في بعض الأفراد بفعل القبیح و في بعض بترك الفعل.

الکلمات المشکوکة:

قد یکون لتحدّثاتنا و استناداتنا عذاب. السوء و الفحشاء مرحلة واحدة من المعصية الکبیرة و المرحلة الأخری تکلّمنا و تحدّثاتنا التي تکون معاصي کبیرةً. إن تکلّمنا من غیر علم، کان عملاً سوءاً و سيّئةً عظيمةً لا سیّما أهل العلم فإنّهم حین یتکلّمون یظنّ الناس أنّهم یبیّنون القرآن و الروایات؛ فلذا تجب المراقبة في أن تکون کلماتنا مع الدلائل الواضحة و نتکلّم قویّاً و مستدلّاً. إن ذُکرتْ مطالب مشکوکة فسیصیر ذاك مشکلةً للناس؛ فلذا قال الله- تعالی: ﴿وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ لا تنسبوا إلی الله ما لا تعلمون. عندما تقول شيئاً فلیکن مع الدلیل البیّن و لا یجوز أن تستخدم کلمات «لعلّ» و «ممکن» و «محتمل». إن کان لدیك دلیل محکم فبیّنه. بالیقین و العلم فتکلّم و لا تذکر روایاتٍ ضعیفةً حتّی تصیر ملعبةً عند الناس و موجبةً لاستهزاءهم. قد تذاع أحیاناً في الفضاء المجازيّ خطابة بعض السادة. ثمّ إنّك إذا رأیته رأیت أنّه ینقل الرؤیا أو یذکر کلاماً بلا دلیل، إنّ هذه الکلمات توجب وهن الدین.

کثیراًما تقع الرؤیا و لکن لا موجب لنقلها فوق المنبر، الرؤیا لیست دلیلاً و حجّةً شرعیّةً، بل لا حاجة أیضاً في ذکر الروایات الضعیفة التي لا تنطبق تماماً مع العقل. یجب تدقیق النظر في محادثاتنا. فإنّ إحدی المشاکل المبتلی بها اجتماعنا الآن، المحادثات الموهنة التي لا أساس لها. الذین یتکلّمون فلا یتکلّمون بالاستدلال و المنطق و البرهان. إذا لم یکن لدیك برهان قويّ و استدلال منطقيّ فستعرض للهجوم و الإشکال و الانتقاد فإذاً یجب علیك أن تنطق بالمنطق و البرهان القويّ القاط

قد وردت في بیان هذه الآیة روایات دالّة علی أنّ خطوات الشیطان تتحقّق بأنّ الشیطان یُري طرقاً انحرافيّة للتقرّب إلی الله. یقول: إفعل هذه العبادة حتّی تتقرّب إلی الله و لکنّها في الحقیقة لیست عبادةً بل تکون تشریعاً و کذباً و انحرافاً. من إحدی أهداف الشیطان أن یُري الدین منقلبةً و انحرافیّاً. لکن الطریق الإلهيّ هو العدل و الاحسان و الصفح. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ﴾[5] مضافاً إلی أن وجب علیك أن تکون عادلاً ینبغي أیضاً أن تکون محسناً. یمکن لك القصاص أو الاحتکاك الشدید و لکنّك تصفح، هذا الطریق إلهيّ یجب سلوکه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo