< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الإثنتین و السبعین

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ وَ اشْکُرُوا لِلَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.[1]

کان البحث في تفسیر آیة المأة و الإثنتین و السبعین من سورة البقرة المبارکة.

خطاب الآیة:

خطاب الآیة لا یشمل جمیع الناس. خطابات الربّ قد یکون بخطاب ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ﴾ و قد یکون بخطاب ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ و قد یکون بخطاب ﴿يا أَيُّهَا الرُسُل﴾ المخاطب به الأنبیاء و قد یکون الخطاب ب ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾[2] و هو الخطاب لنبيّ الإسلام (صلّی‌الله‌علیه‌وآله)؛ فخطابات الله- تعالی- قد تشمل الناس جمیعهم و قد تشمل المؤمنین و قد تخصّ الأنبیاء و قد تخصّ النبيّ (صلّی‌الله‌علیه‌وآله). هذا الخطاب کاشف عن التوجّه الخاصّ الملحوظ هنا؛ کما نری أنّ ﴿هُدىً لِلنَّاسِ﴾[3] قد ورد في مورد القرآن و ورد أیضاً ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾[4] ؛ أي الهدایة للمتّقین خاصّةً و قد تکون الهدایة لجمیع الناس و بین هذین الخطابین موارد من التفاوت.

قد أمر في هذه الآیة بأن ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ﴾ و قرأنا في أصول الفقه أنّ الأمر دالّ علی مطلق الطلب، منها الأمر هنا ب ﴿کُلُوا﴾ و هو یدلّ علی الإباحة لا الوجوب.

الاجتناب من الإفراط و التفریط:

هنا نکتة یمکن أن تکون ملحوظةً في هذه الآیة و هي أنّه یوجد في الجوامع، الإفراط و التفریط حیث إنّ بعض الأفراد کانوا یحرّمون ما أحلّ الله و یجتنبون ممّا یمکن لهم التمتّع و لا یتمتّعون منها. و بعضهم کانوا یفرّطون أي یستحلّون ما حرّم الله. قال الله- تعالی: لیس الإفراط و التفریط صحیحین، بل ﴿کُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ﴾.

معنی الطیّبات:

الطیّب إمّا تکوينيّ و إمّا تشریعي، یقال الطیّب التکوینيّ في الأشیاء المحلّلة؛ مثل: الماء و الخبز و الغنم و الحیوانات المحلّل لحمها في صورة التذکیة فإنّها من الطیّبات التکوینيّة؛ أي خلقها الله لنا؛ کما قال عزّوجل: ﴿خَلَقَ‌ لَکُمْ‌ مَا فِي‌ الْأَرْضِ‌ جَمِيعاً﴾[5] کلّ ما في الأرض فهو مخلوق لکم و یجوز لکم أن تتمتّعوا منها فهو محلّل لکم تکویناً.

لکن بجانب کلّ حلال تکوينيّ، یوجد حلال تشریعي؛ مثلاً: الغنم حلال و لکن إذا أردت أن تأخذ غنم الغیر و تأکله فهو حرام. الدجاجة حلال و لکن إذا أردت أن تأکل دجاجة الغیر فهو حرام. هذا من جهة التشریعي؛ أي یُتمتّع من الطیّبات التکوینيّة في طریق الحلال؛ أي الدجاجة و السمك و الغنم و کلّ ما یحلّ للإنسان فهي یمکن أن تکون حراماً تشریعاً؛ مثل أن تکون مال الغیر و غصباً.

فللطیّبات حیثیّتان: إحداهما تکوینيّة مثل الأشیاء التي تحلّ للناس و ثانیتهما التشریعیّة و هي أن یجب کون الحلال التکوینيّ حلالاً تشریعیّاً أیضاً؛ أي حصّلوها من الطریق الصحیح. تشتري الدجاجة و تأکلها فهو حلال تکوینيّ و تشریعيّ و أمّا إذا سُرقت الدجاجة فهي و إن کانت حلالاً تکوینيّاً و لکنّها لیست حلالاً تشریعيّاً؛ فلذا قیل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ خطاباً للمؤمنین و ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ﴾ خطاباً جمیع الناس. یجب علی المؤمنین أن یراعوا شرائط، منها عدم الغصبيّة و حصول الذبح الشرعي، فحینئذٍ صار الحلال حلالاً تشریعیّاً؛ فلذا یخاطب المؤمنون بأن یلتفتوا رعایة الجهتین من أن یکون حلالاً تکوینیّاً و تشریعیّاً معاً، فإذا حصلت هاتان الجهتان فهو حلال طیّب. في مثل هذه الصورة یصیر الحلال رزقاً لکم و إذا کان الشيء للناس فهو لیس برزقکم و لمـّا صار الشيء مالاً لکم فقد صار رزقاً لکم. و قوله- تعالی: ﴿مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ﴾ إشارة إلی هذا المطلب و هو أنّ الرزق یجب أن یکون طیّباً تکویناً و تشریعاً.

معنی الشکر:

قال الله- تعالی- في امتداد الآیة: ﴿وَ اشْکُرُوا لِلَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ معنی شکره- تعالی- إتیان الواجبات و ترك المحرّمات. إذا أتي بالواجبات و تركت المحرّمات فقد تحقّق شکر الله- تعالی- و أمّا مع ارتکاب المعصیة و ترك الواجبات فلا یتحقّق الشکر.

أنواع الشکر:

الشکر ثلاثة أنواع: الشکر الجوارحيّ و الشکر القلبيّ و الشکر اللساني. الشکر اللسانيّ هو أن یجري شکر الله علی لسانه؛ مثل أن یقول: «أشکر الله علی نعمائه» أو «شکراً لله».

الشکر القلبيّ هو أن یکون في قلبك هذا الاعتقاد بأنّ کلّ ما یوجد من اللطف و المحبّة فهو من الله- تعالی؛ إذا رأیت عندك أجود الفواکه و الأغذیة و لدیك الطیّبات، فاعلم أنّ کلّ هذه الألطاف و العنایات لربّك- تبارك‌وتعالی- فهذا شکر قلبي؛ أي في قلبك هذا الاعتقاد بأنّ هذه الألطاف من الله- تعالی. کثیر من الناس لا تکون لدیهم هذه الفواکه و الأغذیة و النعم؛ فلذا یجب أن نعتقد أنّ هذه الألطاف من الله- تعالی.

من النعم الإلهيّة الجسیمة هي نعمة الولایة؛ کما قال- تعالی: ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾[6] نعمة الولایة ذات قیمة جدّاً. أن تکون لدیك ولایة الأئمّة (علیهم‌السلام) و تقبل ولایة الفقیه و لك قائد صالح فکلّ هذه ألطاف من الله- تعالی؛ أي النعم الظاهرة کالماء و الطعام و غیرهما نعمة واحدة و نعمة الولایة من أهمّ مصادیق نعم الله- تعالی. کثیر من الناس محرومون من نعمة الولایة و لکن بحمدالله محبّة أهل البیت في قلوبنا و هذه نعمة یجب علینا أن نشکرها.

مفهوم الآیة:

ثمّ إنّ مفهوم ﴿کُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ﴾ هو أن «لاتأکلوا من الخبیثات». قد قرأتم في الکفایة مفهوم الوصف و هنا من مصادیقه و یستفاد من الآیة هذا المفهوم.

العبادة الخالصة:

و مفهوم قوله- تعالی: ﴿إِنْ کُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ هو ألّا تعبدوا إلّا الله. قد جاء هذا الأسلوب في آیة ﴿إیَّاکَ نَعْبُدُ و إیَّاکَ نَسْتَعِین﴾[7] حیث نقول: تقدیم ما حقّه التأخیر یفید الحصر؛ أي لیکن التفاتك إلی الله فقط و اعبده و أطعه فقط. من المهمّ أن تکون العبادة خالصةً، فاعبدوا الله خالصین نیّاتکم؛ فإنّ الأصل في ﴿إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ أن یقال «تعبدون إیّاه» فقدّم مفعول «تعبدون»؛ أي اعبدوا الله فقط. علینا أن نکون عباداً لله- تعالی- و نمتثل أوامره و لا یجب علینا امتثال أوامر غیره و إن نمتثل أوامر الأب و الأمّ فهو بأمره- تعالی؛ حیث قال- تعالی- امتثلنا. و هذا في طول أمر الله، أمَرَنا فنطیع.

فمن وظائفنا أن نعبد الله و نشکره؛ کما قال- تعالی: ﴿کُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ وَ اشْکُرُوا لِلَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾. و الأمر في ﴿وَ اشْکُرُوا لِلَّهِ﴾ کما قلنا في العبادة؛ أي اشکروا لله فقط، فلا تمیلوا یمیناً و شمالاً و لا تنحرفوا بل اقبلوا کلّ ما قال- تعالی- و امتثلوا أوامره أیضاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo