< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم /تفسیر سورة البقرة /آیة المأة و الثمان و السبعین

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَيْکُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلی‌ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی‌ بِالْأُنْثی‌ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخيهِ شَيْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِکَ تَخْفيفٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدی‌ بَعْدَ ذلِکَ فَلَهُ عَذابٌ أَليمٌ﴾[1]

یکون البحث في تفسیر آیة المأة و الثمان و السبعین من سورة البقرة المبارکة. قد خاطب الله- تعالی- المؤمنین في هذه الآیة. قد ذکرنا في الجلسات السابقة أنّ الخطاب قد یکون إلی الناس کلّهم و قد یکون إلی المؤمنین خاصّةً و هنا خطابه- تعالی- إلی المؤمنین حیث قال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَيْکُمُ الْقِصاصُ﴾ إن قتل أحد أحداً فاقتصّوا من القاتل.

معنی «کُتِبَ»:

الکتابة علی صورتین، تکوینيّة و تشریعيّة؛ أن یقول الله- تعالی: ﴿كَتَبَ رَبُّكُم عَلی نَفسِهِ الرَّحمَةَ﴾[2] هي الکتابة التکوینيّة؛ کتب الله- تعالی- علی نفسه أن یکون رحماناً رحیماً فهو رحمن رحیم تکویناً. و أن یقول: ﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم﴾[3] هي الکتابة التشریعيّة؛ یعني شرّع علیکم أن تصوموا.

فالکتابة في قوله- تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَيْکُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلی﴾ هي الکتابة التشریعیّة.

مقدّمة القصاص:

إجراء القصاص یحتاج إلی الحکومة الإسلامیّة؛ أي قوموا بتشکیل الحکومة ثمّ إذا ارتکب شخص قتلاً فاقتصّوا منه. فالقصاص حکم إسلاميّ و هو غیر الصیام؛ لأنّ الصیام لا یحتاج إلی الحکومة. یجب علی الإنسان أن یصوم سواء کانت الحکومة الإسلامیّة قائمةً أم لا و لکنّ القصاص یحتاج إلی تشکیل الحکومة الإسلاميّة. فهذه الآیة یمکن أن تکون مشیرةً إلی المؤمنین بأن یقوموا بتشکیل الحکومة الإسلاميّة. حیث إنّ مقدّمة الواجب واجبة فمقدّمة القصاص و هي تشکیل الحکومة الإسلاميّة واجبة أیضاً.

الإلزام أو الترخیص في القصاص:

القصاص الذي هو حکم إلهيّ فهل یکون حکماً إلزامیّاً أو ترخیصیّاً؟ أي هناك إلزام علی القصاص أو هو ممّا یجوز لنا؟

القصاص من ناحیة القاتل إلزاميّ و من جانب أولیاء الدم ترخیصي؛ فعلی القاتل أن تعدّ نفسه للقصاص فهي وظیفة القاتل و لکن أولیاء الدم یجوز لهم أن یقتصّوا من القاتل أو یعفوا و یصلحوا.

﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخيهِ شَيْ‌ءٌ﴾ یعني من عفا عن أخیه شيئاً. فإنّ سرّ استعمال کلمة «أخیه» هنا في القاتل هو أنّه ممّن خاطبهم الله- تعالی- بقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ و قد ارتکب الخطأ للغضب أو أيّ دلیل آخر فحیث استعملت کلمة «أخیه» فيه فهو أخوکم في الدین.

ثمّ إنّ بعض المفسّرین بیّنوا أنّ القاتل قد خرج من التآخي و لکنّ التفسیر الصحیح هو أنّ القاتل حیث ارتکب الخطأ في القتل فهو بعدُ أخوکم في الدین أو في الخلق فإن عفوتم عنه و أخذتم منه الدیة أو تعفوا عنه تماماً فهو خیر ﴿فاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ﴾ فإنّ ﴿أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ﴾ إشارة إلی الدیة.

القاطعیّة جنب العطوفة

هنا جعلت العطوفة الإسلاميّة جنب القاطعیّة الإسلاميّة؛ القاطعيّة هي القصاص و العطوفة هي العفو و الصفح. توجد في جمیع إدارات المجتمع نکتتان؛ أي للرئیس الناجح توجد هاتان الصفتان، أولاهما أن یکون قاطعاً مع ما له من الاحتکاك القويّ و ثانیتهما أن یعفو، یجب أن تکون هاتان الصفتان معاً؛ لأنّ الناس إن علموا أن لیست له قاطعیّة فلن یسمعوا له لعلمهم بأنّه یعفو. و إن کان هناك القاطعیّة فقط فقد فرّ منه النا هاتان الصفتان إذا کانتا معاً، أوجبتا الأمنیّة و السلامة في الاجتما

هذا الحکم من الإسلام في مقابل الیهود حیث کانوا یؤکّدون علی القصاص و لم یقبلوا العفو و مقابل النصاری أیضاً حیث إنّهم کانوا یؤکّدون علی العفو فقط و لکن في الإسلام أتّخذت القاطعیّة و العفو معاً.

﴿ذلِکَ تَخْفيفٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدی‌ بَعْدَ ذلِکَ فَلَهُ عَذابٌ أَليمٌ﴾ ففي الجاهلیّة إذا قُتل شخص، قاتلت القبیلة مع قبیلة أخری فوقعت حروب عظیمة و لکنّ الله- تعالی- قال: اقتصّوا أو اعفوا و لکن بعد القصاص أو العفو أو الدیة- بأيّ صورة وقع التوافق- أغلقوا الأمر و لا یعتدِ أحد علی أحد حتّی یقع الصلح بینکم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo