< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسير القرآن الکریم/ تفسير سورة البقرة/ آیة المأة و الثلاث و الثمانین

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَيْکُمُ الصِّيامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذينَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾[1]

يکون البحث في تفسير آیة المأة و الثلاث و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. إنّ خطاب القرآن قد يکون بــ ﴿يا أَيُّهَا النّاس﴾ و قد يکون بــ ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ و قد يکون بتعابير أخر.

أسلوب تبلیغ القرآن:

و في هذه الآية درس خفيّ في التعبیر بــ ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ و هو أنّه ينبغي لك أن تتحدّث مع الناس باحترام و أن تعامل مع من تريد أن تكلّفه عملاً، باحترام. إذا كنت تريد أن تأمر أطفالك فقد تأمرهم بتجهّم و مشاجرة و أحيانًا باحترام و كلمات محبّة؛ مثل عزيزي و نفسي و بُني. إذا استخدمت تعبيراتٍ جميلةً، فسيتمّ العمل بشكل أفضل و سيتعامل ولدك مع العمل بروح أفضل و يقوم به. و لذلك فإنّ إحدى طرق التبلیغ الصحيح هي استخدام خطاب جمیل.

هنا يريد الله أن يضع على الناس عملاً ثقیلاً نسبیّاً علی رقابهم و هو الصیام. صوموا شهراً و لاتأکلوا الطعام و لا تشرب الماء إلی آخر من تفصیلات تذکر في باب الصوم. و یعبّر الله- تعالی- عن ذلك بلطف و محبّة فإنّ التعبیر بــ ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ احترام؛ یا أیّها الذین آمنوا إنّکم ذووا شخصیّات عالیة و أنتم کبار فعلیکم أن تأتوا بهذا العمل.

هناك طريقة أخرى للتبلیغ و هي تسهيل الأمور على الناس و عدم جعلها صعبةً. إذا قلتُ عند بیان المطالب إنّ هذه المطالب صعبة، فلن تستمعوا. و لكن إذا قلتُ إنّها ليست صعبةً للغاية بل هي سهلة و لکن عليكم أن تدقّقوا النظر فستكونون جميعاً حريصين على الاستماع و الفهم. و هذا واحد من أسالیب التبلیغ، قال الله- تعالی- في هذه الآیة:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَيْکُمُ الصِّيامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذينَ مِنْ قَبْلِکُمْ﴾ أي کان الصوم واجباً علی کلّ الأدیان الماضیة و هم قد عملوا به فعلی هذا یسهل الصوم للإنسان. بخلاف ما إذا یقال: الصوم عمل صعب و قد جعلتُ علی رقابکم هذا العمل الثقیل، ففي هذه الحالة يصبح العمل صعباً على الإنسان.

ثمّ إنّه یصدق هذا المطلب علی الصلاة أیضاً، قال- تعالی: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾[2] حیث جاء هنا أیضاً ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ و هو یدلّ علی احترام المخاطب. هاتان الجهتان من أسلوب التبلیغ و یجب أن تُستخدما في حیاتنا الیومیّة.

ثمّ إنّه قیل إنّ تعبیر ﴿کُتِبَ عَلَيْکُمُ الصِّيامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذينَ مِنْ قَبْلِکُمْ﴾ يکون إخباراً في مقام الإنشاء؛ أي أخبر ﴿کُتِبَ عَلَيْکُمُ الصِّيامُ﴾ بأنّه کتب علیکم الصیام و الإخبار في مقام الإنشاء، نعم إنّه قد جاءت في آیات أخر کــ ﴿مَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ﴾[3] صیغة الأمر و قد أمر الله- تعالی- فیها بأن تصوموا. فعلیه إنّا قد استفدنا الوجوب من القرائن فالصوم واجب و هذه الإخبار في مقام الإنشاء.

إکتساب التقوی:

﴿لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾ یمکن أن یوجد في بعض الواجبات مثل الصلاة و الصيام و الزكاة و الخمس و الحجّ و نحوها، الریاء؛ أي إنّه من الممكن أن يصلّي شخص‌مّا و لكن لأن یعلن بأنّي شخص صالح، صلّی في الصفّ الأوّل لصلاة الجماعة أیضاً و لکنّه یرائي الناس فصلاته و حضوره الجماعة لأن یقول الناس هذا شخص صالح. و قد یمکن الریاء أيضاً في الحج؛ أي إنّه قد أتي به للدنیا أو خلط عملاً صالحاً و آخر سيّئاً، بعضها لله و بعضها للدنیا و هكذا في الخمس و الزكاة. قد یمکن الریاء في جميع الواجبات، أمّا في الصيام فقد يمکن أن یقول الإنسان إنّي صائم و يمدح نفسه و لکنّ الصوم فهو عدم الأكل حتّی في الخلوة؛ الصائم يکون وحده في البیت و هناك ماء بارد أیضاً و الهواء حارّ و كلّ شيء جاهز له ليشرب الماء، لكنّه لا يشربه، إنّ هذا العمل يقوّي التقوى. الصوم أقوى شيء في جميع الفرائض لإیجاد التقوى، مع أنّ «الصلاة قربان کلّ تقيّ»[4] و هناك روايات أیضاً حول الفرائض الأخرى، لکنّ الله- تعالی- قال في خصوص الصیام: «الصوم لي»[5] و هو يعني أنّ نيّة القربة الموجودة في الصيام ليست في غیره من الواجبات بهذه القوّة.

و من الممكن أن يصوم الإنسان أمام والديه و لكن في الخلوة يأكل الطعام و یشرب الماء فهو في هذه الحالة مفطر. إذا لم يكن لديه إیمان أمكنه أن يفعل أيّ شيء و لكن إذا نظر إلی الله- تعالی- فلن يفعل ذلك. و لذلك فإنّ الصوم له تأثير أكبر على التقوى و يزيد في تقوى الإنسان. صوموا تطهّروا و تتّقوا ﴿لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾ و لكنّ الذي لا يأكل و لا يشرب حتّی المغرب و لا يقترب من امرأة و مع ذلك قد يكذب و يفتري و يغيب؛ أي إنّه بارتكابه الذنب يفسد صومه و يفقد قيمته. فالصوم المصحوب بالمعصية لا یوجب التقوى و لكنّ صومه إذا کان خالصاً و لسانه محفوظاً أیضاً و أتی بأرکان صیامه فصومه هذا یوجب التقوی.

فالتعبیر بــ ﴿لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾ یشعر بأنّ خلفيّة التقوی کثیرة في الصیام. و الذي یصوم إذا کان یراقب لسانه و أعماله و یصوم صوماً عالیاً فهو یکسب تقویً أکثر و یجد إرادةً قويّةً، یری الطعام و لا یأکله و لیس في البیت أحد، هناك أجود الطعام و الفاکهة و الشراب و لکنّه لم یطعم منها، فهذا الشخص یجد إرادةً قويّةً و لصومه آثار کثیرة اجتماعيّة و ثقافيّة و صحّيّة و غیرها.

الصائم عندما يصوم، يجوع و عندما يجوع، يتفکّر في حال الفقراء و یقول إنّ لديّ طعاماً و لكن بعض الناس ليس لديهم هذا الطعام فيتذكّرهم. عندما صار يوسف عزیز مصر، قال إنّني يجب أن أعيش مثل الآخرين لأفهم الآلام و شدائد الناس. و هذه حقيقة من أنّنا إذا عشنا دائماً في یسر و راحة، فلن نفهم آلام المساکین. قد نكون أناساً صالحین و لكنّا حیث لم نذق طعم الفقر، فلا نفهم كيف هو حال هذا الفقير و كيف يوفّر ضروريّات حياته.

شخص لديه دائماً بطاقة مصرفيّة مليئة بالنقود و إن يأمر برعاية الفقراء و المحتاجین، لكنّه حیث لم يذق طعم الفقر، فلا يفهم ما يذوقه الفقراء. من ليست لديه نقود و مشی مسافةً طويلةً إذ لم يملك النقد حتّی یعطي أجرة السیّارة أیضاً فهو إذا بلغ هذه الحالة فهو یفهم آلام الناس و یعتني بهم و یتولّی أمورهم. فلذا نقول إنّ المسؤولين الذين يعيش أبناؤهم في الخارج ليسوا أهلاً للمسؤوليّة. و أن يقال إنّ ابن هذا المسؤول سافر إلى الخارج ليتعلّم العلم و يصبح عالماً و يعود لخدمة الوطن، صحيح و لكن هؤلاء الناس المرفّحون فإشکالهم أنّهم لم يذوقوا ألم الفقراء و لا یعلمون أنّ الفقراء ما ذاقوا من العناة و ما هي المشاكل التي لديهم؛ مثل أن يمرض طفله و عندما يذهب إلى المستشفى ليس لديه النقود لعلاج طفله، الطفل يموت و لكن ليس لديه النقود. ذلك المسؤول المرفّح لا يفهم هذا، نعم قلبه يتألّم و لكنّه لا يعمل من صمیم قلبه للفقراء. لذلك، من المهمّ جدّاً أن تكون لدينا تقوى إلهيّة في عملنا.

ثمّ إنّ الذي ليست لديه مسؤوليّة، يعيش كما يريد و لكنّ الذي يصبح قائداً و يقبل مسؤوليّةً يجب أن يعيش حياةً متوسّطةً، من أجل فهم آلام الفقراء و درکهم و أیضاً من أجل أنّ الشعب و الفقراء ینظرون إلیه و يحزنون أنّه کیف یعیش و كيف يعيشون.

و من جهات الصيام أنّ الناس مع الجوع و العطش خاصّةً في فصل الصيف و الجو الحار، يفكّرون في الفقراء أکثر و يقولون ما یذوق من لا يملك شيئاً و هم دائماً في المشاکل الماليّة؟ فالصيام له مثل هذه النتيجة. نعم للصيام فوائد صحّيّة أيضاً، لكن الفائدة المعنويّة المذكورة هنا هي التقوى التي هي أهمّ هدف في هذا العالم. إنّ التقوى الإلهيّة هدف عظيم لا يستطيع الجميع الوصول إلیها و الصوم أحد وسائل تحقّقه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo