< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم /تفسیر سورة البقرة /آیة 184

 

﴿أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَريضاً أَوْ عَلی‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَی الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْکينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.[1]

کان البحث حول تفسیر آیة المأة و الأربعة و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. و قد ذُکرت في البحث السابق آیة شریفة من قوله- تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَيْکُمُ الصِّيامُ کَما کُتِبَ عَلَي الَّذينَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾[2] . قال الله- تعالی- في الآیة المبحوث عنها الآن: ﴿أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ﴾ و هي شهر واحد ﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَريضاً أَوْ عَلی‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾؛ أي: توجد بعد شهر رمضان المبارك فرص كثيرة للصیام و یتمکّن المریض و المسافر من الصیام بعده. قال- تعالی: ﴿وَ عَلَی الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْکينٍ﴾؛ أي: و أمّا الذین یستطیعون الصیام مع کونه صعباً علیهم کما صعب و شقّ علی الذین کبروا فإنّ علیهم کفّارةً و لا یحتاجون إلی الصیام. و أمّا قوله- تعالی: ﴿فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْکينٍ﴾ أي: فلیطعم الذین یطیقون، الفقیر. قال- تعالی: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ أي: کلّما ازداد إطعامك المسکین و أکثرت المساکین في الطعام فهو خیر لك و أکثر ثواباً. ثمّ قال- تعالی- أخیراً: ﴿وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي خذوا الصیام بجدّ و خیركم في الصيام؛ فإنّه خیر لصحّتکم فصوموا قدر استطاعتکم و إذا لم تستطیعوا فدعوا الصیام.

ثمّ إنّ الله- تعالی- قد أمر بمتانة و درایة مطابقاً لحکم العقل بالصیام عند الاستطاعة و بالإفطار عند عدمها و قال: إن کنتم علی سفر أو کنتم مرضی فلا تصوموا. هذا قانون لجمیع الناس و مطابق لحکم العقل و لیس مخالفاً له بأن یأمروا بالصیام فیقولوا لا تسافروا و إذا کنتم مرضی فصوموا؛ لا، إنّ أوامر شریعة الإسلام مطابقة لفهم العرف و قانون العقل و لیست مخالفةً له. ثمّ إنّه لم یُذکر لقضاء الصوم یوم خاصّ بل قال- تعالی: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ کلّ یوم تحبّون صیامه فصوموا فیه فإنّ في السنة أیّاماً أخر فصوموا کلّ یوم شئتم.

القدرة علی الصیام:

ثمّ إنّ القدرة من شرائط التکلیف؛ فیلزم أن یکون المکلّف قادراً علی إتیان التکلیف فإنّ القدرة شرط في جمیع التکالیف و لکنّ القدرة التي تلزم في الصیام لیست هي القدرة العقليّة بل العرفيّة لئلّا تقعوا في العسر. لا یلزم أن تصوموا بالصعوبة و المشاکل، بل الصیام للإنسان السلیم فلیصم الإنسان السلیم فمن لم یتمکّن من الصیام فلا یجب علیه؛ أي القدرة اللازمة في الصیام لیست مثل القدرة اللازمة في الصلاة، یجب إتیان الصلاة في أيّ حال حتّی في حال الغرق و یجب الإتیان بها مع الإشارة أیضاً و تجب أیضاً علی المریض فلا یجوز ترك الصلاة في أيّ حال. و لیس الأمر کذلك بالنسبة إلی الصیام، نعم في الصیام الجوع و العطش و لکن إذا صار الصیام غیر قابل للتحمّل فلا یجب و یمکن للمکلّف أن یصوم في یوم آخر أو أن یعطي الفدیة.

معنی «يُطيقُونَهُ»:

﴿وَ عَلَی الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْکينٍ﴾ قد فسّر بعض المفسّرین «يُطيقُونَهُ» بـ «لا یطیقونه»؛ أي لا یستطیعون الصیام فإذا لم یستطیعوا فعلیهم الکفّارة و لکن نصّ الآیة هو ﴿يُطيقُونَهُ﴾؛ بمعنی أنّهم یستطیعون فإنّ المعنی حینئذٍ «إنّ الذین یستطیعون الصیام و لکن شقّ علیهم و صعب»؛ مثل الأفراد الکبراء الذین یشقّ علیهم الصیام.

الاهتمام بالفقراء في الفدیة:

قد أهتمّ في المجازاة و الکفّارات بالفقراء. و کان من الممکن أن تجعل الفدیة صیام یومین و لکن أهتمّ بالفقراء و المساکین حتّی تقلّ مشاکلهم أیضاً.

معنی «التطوّع»:

قال- تعالی: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ فمعنی ﴿تَطَوَّعَ﴾ هو أنّ الإنسان یأتي بفعل مع الرغبة و الشوق، علی سبیل المثال عندما تریدون أن تصلّوا نافلةً فصلّوها مع الرغبة و الشوق لا مع الکسل و الانزعاج. الصلاة جیّدة و لکن یلزم أن تکون مع الرغبة. علامة الشوق و الرغبة هي أن یؤذّن المصلّي و یقیم و یشرع بهدوء و یأتي بصلاته مع الطمأنینة و یأتي بالأذکار المستحبّة و یلتذّ بالصلاة. و لکن من یشعر بالکسل لا یؤذّن و لا یقیم و لا یأتي بالأذکار المستحبّة و یأتي بالأذکار الواجبة من دون التفات و بالسرعة کالغراب. هذا الرجل یمتاز من الذي یصلّي مع اشتیاق و یتلذّ من القیام في اللیل للصلاة و یحبّ هذا. إذا لم یستیقظ لیلةً استدمع و بکی لأنّه لمَ لم یستیقظ؟ فإنّ هناك کثیراً إذا تأخّر الوقت عنهم لیلةً و لم یستیقظوا، بکوا. هذا معنی التطوّع؛ أي فأتوا بالمستحبّات و لکن مع الشوق و الرغبة.

و لیکن إطعام المساکین و الفقراء أیضاً مع الرغبة، أطعموهم الطعام الجیّد و أحبّوا إلیهم لا أن تعطوهم الطعام الذي لا تأکلوه.

في أيّ مسائل یلزم التطوّع و الرغبة؟ من الموارد التي یلزم أن یؤتی بها تطوّعاً، الإطعام و لکن یمکن أن نرتبط التطوّع بکلیهما؛ أي في الإطعام و قضاء الصیام فإن لم یصم یومین مثلاً في شهر رمضان المبارك فلیصم أزید من یومین فهذا معنی ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ﴾ أي: إتیان الأفعال مع الرغبة.

الفرق بین المریض و المسافر في التعبیر:

ثمّ إنّ اختلاف التعبیرین في هذه الآیة حیث قال- تعالی: ﴿فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَريضاً أَوْ عَلی‌ سَفَرٍ﴾ مع أنّه یمکن أن یقال: «فمن کانَ مِنْکُمْ عَلی مَرَضٍ أو عَلَی سَفَرٍ» فهو بسبب أنّ المرض لا یکون تحت اختیار الإنسان بخلاف السفر فاختلاف التعبیرین إشارة إلی الاختیار في السفر و عدمه في المرض.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo