< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الخمس و الثمانین

 

﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدیً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدي‌ وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ کانَ مَريضاً أَوْ عَلي‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِکُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِکُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلی‌ ما هَداکُمْ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ﴾.[1]

کان البحث في تفسیر آیة المأة و الخمس و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. قد سبق في الآیات السابقة کلامه- تعالی: ﴿أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ﴾ ثمّ قال- تعالی- في توضیح ذلك: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدیً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدي‌ وَ الْفُرْقانِ﴾ فإنّ في هذا القرآن دلائل عقليّةً تکون الهدایة معها. قیل إنّ ﴿بَيِّناتٍ﴾ هي الدلائل العقليّة التي توجب هدایة الإنسان. ﴿وَ الْفُرْقانِ﴾ هذا القرآن یهدي و فیها الدلائل العقلیّة أیضاً کما هو الفاصل بین الحقّ و الباطل. ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ کانَ مَريضاً أَوْ عَلی‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِکُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِکُمُ الْعُسْرَ﴾ ما الدلیل علی قضاء الصوم؟ ﴿وَ لِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ لتکمل عدّة أیّام شهر رمضان المبارك و لتصوموا شهراً کاملاً ﴿وَ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلی‌ ما هَداکُمْ﴾ أي لتکبّروا و تذکروا عظمة الله الذي هداکم ﴿وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ﴾.

قیمة شهر رمضان المبارك

من المسائل المهمّة التي قد ذکرت في هذه الآیة هي أنّ قیمة شهر رمضان المبارك تکون بنزول القرآن فیه، کما أنّ قیمة الإنسان یکون بالعمل علی طبق القرآن. إذا أردت أن تعلم قیمة الإنسان فانظر کم له عملاً بهذا القرآن؟

مراحل الهدایة:

للهدایة مراحل: واحدة منها أن یهتدي عموم الناس و لدیهم اعتقادات جیّدة و لا یتبعون الدلیل أیضاً. إن سُئل عنه لماذا تتعزّی للحسین (علیه‌السلام) قال أنا أحبّ الحسین (علیه‌السلام)‌، یبکي و لکن لیس لدیه دلیل، کثیر من الناس قد اهتدوا و لیس لدیهم علم بدلائل إیمانهم. ﴿هُدیً لِلنَّاسِ﴾ أي القرآن قد هداهم و لکن بعض الأفراد یهتدون بالدلائل الواضحة و یعتقدون فهذه مرحلة أخری للهدایة.

أنواع الهدایة:

الهدایة علی نوعین: واحدة منهما إرائة الطریق، یرون الطریق. و الأخری الإیصال إلی المطلوب؛ أي یأخذ بیدك و يصلك إلی المکان الذي تریده. یقول الله- تعالی: ﴿لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَی النَّاسَ جَميعاً﴾[2] ثمّ یصیر جمیع الناس مؤمنین متدیّنین و لا یعصون الله أبداً و لکنّ الله قد أراد أن یصیروا أتقیاء باختیارهم و قیمة العمل مع الاختیار أکثر. أن یقدر الإنسان علی المعصیة ثمّ لم یأت بها فهو الأولی منزلةً من أن یخلق الإنسان شبیهاً بالملائکة و هم الأعلون مکاناً، لم یصل هؤلاء إلی المقامات العالیة، نعم هذا حسن إلی حدّ و لکنّ الإنسان وصل إلی المقام العالي إذا کانت لدیه شهوة و غضب و الأهواء النفسانیّة ثمّ یقوم مقابل هذه الأهواء و یأتي بالأعمال الصالحة فهذا ذو قیمة. أن یقول الله- تعالی: ﴿لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَی النَّاسَ جَميعاً﴾ هو إیصال إلی المطلوب و لکنّ الله یقول نحن نهدي: ﴿هُدیً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدي‌ وَ الْفُرْقانِ﴾ هذه الهدایة التي یعملها القرآن فهي الإرائة للطریق؛ أي یري الطریق و یعرّف الحقّ و الباطل و یمیّز الخطأ من الثواب و هي الإرائة للطریق.

ثمّ إنّ لفظ «هدی» من وجهة نظر العلم العربيّ إن تعدّی للمفعولین من دون حرف جرّ فمعناه الإیصال إلی المطلوب و إن تعدّی إلی واحد بالحرف فمعناه إرائة االطریق. فإنّ ﴿هُدیً لِلنَّاسِ﴾ في هذه الآیة قد استعمل مع الحرف الجرّ فهو بمعنی إرائة الطریق؛ أي القرآن یري الطریق، نعم قد ذکرت أیضاً الدلائل العقليّة في القرآن.

عوامل الهدایة:

لهذه الهدایة طرق توصل إلی النتیجة إیصالاً أسرع و تهتدون: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[3] الذین جاهدوا في الله و آثروا و خالفوا مع نفوسهم فیفتح لهم الطریق؛ أي تحلّ مشاکلهم و یهتدون. إن کنتم تریدون أن تهتدوا فواحدة من طرقها المجاهدة.

من الموارد التي توجب الهدایة، الصوم. طریق الهدایة قد یکون مفتوحاً جدّاً و قد تکون هنا إرائة للطریق. من الأعمال التي یفتح الطریق للإنسان، الصوم و منها الجهاد. من جاهد تقرّباً إلی الله جهاداً أکبر أو أصغر فهم یهتدون.

إنّ أحکام الله میسورة، قال- تعالی: ﴿يُريدُ اللَّهُ بِکُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِکُمُ الْعُسْرَ﴾ إذا لم تقدروا علی التوضّأ فتیمّموا أو إذا لم تقدروا علی الغسل فتیمّموا أو إذا لم تقدروا علی الصیام لمرض شدید أو سفر فصوموا أیّاماً أخر. یمکن استنباط هذا الحکم الشرعي من هذه الآیة و لا یحتاج إلی الروایة.

نزول القرآن:

﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ﴾ نزّل القرآن في شهر رمضان و في بعض الآیات إنّه نزّل في لیلة القدر کما قال- تعالی: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[4] أو قال- تعالی: ﴿إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبٰارَكَةٍ﴾[5] .

و امّا نزول القرآن في لیلة واحدة أو في شهر رمضان کلّه، نزولاً دفعیّاً أو تدریجیّاً و کیفيّة نزوله ففیها مباحث مفصّلة لا ندخل فیها فعلاً و مجمل القول فیها أنّ القرآن قد نزّل في شهر رمضان. قد نزّل القرآن في لیلة القدر و هي في شهر رمضان و تصرّح هذه الآیة بالوضوح أنّ القرآن قد نزّل في شهر رمضان ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ﴾.

قد ذکر في القرآن جمع کلمة «شهر» بصورة «الأشهر» و «الشهور» في قوله- تعالی: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾[6] و في آخر کــ ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾[7] .

تدلّ هذه الآیات علی وجوب الصوم في شهر رمضان لأن تصیروا شاکرین لله – تعالی- کما قال: ﴿وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ﴾؛ أي لیس الأمر بأنّنا إن صمنا شهر رمضان فجمیع الهدی لنا و لکن یحتمل أن نسعد بالصیام. کما في زیارة الحسین (علیه‌السلام) من أنّها توجب الهدایة، فإنّ هنا کثیراً من الفسّاق و العاصین قد اهتدوا بزیارة واحدة. إعتقادنا أنّ هذه الحکومة الإسلاميّة یجب أن تسهّل طریق الزیارات فإنّ الزیارات تهدي الناس. یمکن أن نخطب الناس سنین و مع ذلك لم نقدر علی هدایة أحد، لأنّ في بعض الأحیان لا ینطبق کلامنا علی عملنا. و الناس إذا سمعوا منّا کلاماً نظروا و دقّقوا في أن هل نعمل به أم لا؟ إن رأوا أنّا لا نعمل به فإنّه مع أنّه لا أثر لکلامنا فله أثر معکوس أیضاً. إذا أردنا أن نتکلّم حول الخمس فعلینا أن نکون من أهله ثمّ ندعوا الآخرین إلی إعطائه.

برأینا إنّ طریق الزیارة یهدي الإنسان و یلین قلبه. قالوا لآیةالله الخوانساريّ (رحمه‌الله) إنّ عندنا شخصاً فاسقاً و فاجراً فهل نأتي به حتّی تنصحه؟ قال (رحمه‌الله): إذهبوا به إلی کربلاء بأيّ حیلة فإنّ نصیحتي لا تؤثّر فیه. ثمّ ذهبوا به إلی کربلاء و صار هناك متحوّلاً. هکذا نکون، إذا مشینا في طریق الأربعین فعندئذٍ تحوّل روحیّاتنا. فعلینا أن نجد طریق الهدایة و نمشي فیه. من هذه الطرق الصوم، و الآخر الجهاد في سبیل الله و الطریق الآخر زیارة الأئمّة (علیهم‌السلام).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo