< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ آیة المأة و الستّ و الثمانین

 

﴿وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجيبُوا لي‌ وَ لْيُؤْمِنُوا بي‌ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[1]

کان البحث في تفسیر آیة المأة و الستّ و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. ﴿وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي﴾ إذا سألك عبادي یا من هو النبيّ عنّي فقل لهم: ﴿فَإِنِّي قَريبٌ﴾ أنا قریب منهم ﴿أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ﴾ من دعاني أجبته ﴿إِذا دَعانِ﴾ إن دعوني ﴿فَلْيَسْتَجيبُوا لي﴾‌ فأجیبوا دعوتي ﴿وَ لْيُؤْمِنُوا بي﴾ و آمنوا بي ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ لعلّکم تُزّکَون.

إجابة الدعوة:

من دعا أستجیب له. ﴿أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ من دعاني أجبته. بینا أنّك تری أنّ کثیراً من الأدعیة لا تستجاب، ما العلّة في ذلك؟

العلّة الأولی من هذه العلل هي أنّنا لا نرید الخیر. یجب علینا أن ندقّق النظر في أن یکون ما نطلبه خیراً. ندعو أن یصاب فلان بالبلاء و المصیبة و لیس هذا خیراً، یجب أن نسأل الله لنا أو لغیرنا خیر الدنیا و الآخرة. علی سبیل المثال: لنسأل الله أن یصبح الشخص المقصود صاحب بیت أو یتزوّج أو تحلّ مشاکله. لا تسألوا الله الحرام و المعصیة.

و العلّة الثانیة (عدم الصدق في السؤال) هي أن تسألوا الله بصدق، إذا دعانِ أي اطلبوا منّي؛ معناه أن اطلبوا مخلصین و لا تسألوا غیر الله. إذا أصِبتَ بخيبة من سائر الأبواب و طرقت كلّ باب و لم تحلّ مشكلتك فسَلِ الله عندما تعلم أن لا أحد يستطيع حلّ مشكلتك إلّا الله.

العلّة الثالثة (عدم الإیمان القلبي) هي أن تؤمنوا ﴿وَ لْيُؤْمِنُوا بي﴾ آمنوا بي؛ أي إذا كان لديك شكّ و لم تؤمن بالله أو النبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلّم) أو لم یکن لديك الإيمان الكامل في قلبك، فإنّه يمنع إجابة الدعاء. و قد ذهب بعض المفسّرين إلى معنى آخر في قوله- تعالی: ﴿وَ لْيُؤْمِنُوا بي﴾ أي یؤمنوا بالإجابة بمعنی أن آمنوا بإجابة الدعاء؛ فهذا يعني أنّك قبلت و أیقنت أنّ الله یستجيب دعائك. أمّا إذا شككت في أنّ دعائك سيستجاب أم لا، فلا فائدة فيه. يجب أن يكون لديك إيمان قلبيّ بأنّ الله يستجيب دعائك. أنا أؤمن بالله و أقبل الله و أعلم أنّ الله يستجيب دعائي، إذا كان لديك هذا الإيمان، فيستجيب الله أيضاً دعائك.

قد ذکر في تفسیر الآیة السابقة حیث قال- تعالی: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[2] صوموا. هذه الآیة ذیل الآیة السابقة؛ يعني أنّ الدعاء في شهر رمضان المبارك مهمّ جدّاً. كما تعلمون أنّ وقت الدعاء مهمّ جدّاً و من الأوقات المهمّة للدعاء هو شهر رمضان المبارك و له تأثير کثیر. من أهمّ أوقات الدعاء، السحر أو عند نزول المطر. كما أنّ للمكان أیضاً تأثيراً في إجابة الدعاء، تدعوا في حرم أبي عبدالله (علیه‌السلام) أو في الأماكن و الأعتاب المقدّسة و هذه الدعوات مستجابة.

فالحاصل أنّ للوقت و المکان تأثيراً علی الدعاء، كما أنّ لحالات الإنسان أیضاً تأثیراً علی الدعاء کحال البکاء، فاستیقضوا عن نومکم في السحر و صلّوا صلاة اللیل و ابکوا و اسألوا الله- تعالی.

معنی السؤال و الدعاء:

طلب العالي من الداني أمر و طلب الداني من العالي دعاء و یقال لطلب المساوي من المساوي الالتماس أو السؤال.

معنی قرب الله:

﴿وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ﴾ ما المراد من القرب، القرب المادّي أو المعنوي؟ قوله- تعالی: ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾[3] بمعنی أنّه معکم دائماً أو قوله- تعالی- في سورة الأعراف حیث قال: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[4] فلیس بمعنی أنّ لله جسماً قریباً، بل المراد القرب المعنويّ و الآیات کلّها تدلّ علی القرب المعنويّ و هو بمعنی قرب لطف الله و رحمته.

علّة مجيء المفرد أو الجمع في الآیات المرتبطة بالله:

﴿وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي﴾ «عنّي» جاءت علی صیغة مفردة و أیضاً ﴿فَإِنِّي قَريبٌ﴾ قد جاءت علی صیغة مفردة و لکن تقرأ في الآیات الأخری: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾[5] و ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[6] و ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾[7] فما العلّة في مجيء المفرد أو الجمع في هذه الآیات؟

قد يكون الله في موضع سلطان و قوّة و يريد أن يُظهر قوّته لمن خاطبه و قد يكون في موضع إظهار اللطف و المحبّة، فإذا کان في موضع اللطف و الامتنان، یعبّر بالمفرد الذي هو أمر مألوف إلى حدّ كأنّه يريد أن يقول فإن كنتم عبادي و آمنتم بي فأنا معكم و مصاحبکم و إذا کان في موضع الاقتدار فیعبّر بصورة الجم

محبوبيّة الدعاء:

قال الله- تعالی: ﴿وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[8] یأمر بأن ادعوا. یجب علینا الدعاء و إنّ الذين لا یدعون و یفکّرون أنّهم مستقلّون و یقدرون علی حلّ مشکلتهم فإنّه قد عبّر عنهم في القرآن بالذین هم ﴿یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی﴾[9] فإنّ الدعاء تواضع أمام الله؛ أي إنّا نستحقر أنفسنا أمام الله و نسأل منه. فلذا قال- تعالی: ﴿وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ﴾[10] ﴿إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي الذین لا یدعون و الذین لا یدعون الله فـــ ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ﴾.

شرائط الدعاء:

للصلاة أرکان و شرائط صحّة و شرائط کمال فالمستحبّات الموجودة في الصلاة هي شرائط کمال الصلاة،کما للدعاء أیضاً شرائط صحّة و شرائط کمال. فما شرائط صحّة الدعاء؟ أقرأها سریعاً فإنّ لکلّ واحد منها روایاتٍ کثیرةً: الأوّل: الإیمان، الثاني: الإخلاص، الثالث: الیأس من روح الله، الرابع: أن یکون ما یُسأل عن الله خیراً و ممکناً، الخامس: من دعا و أراد أن یستجاب دعاؤه فلیأکل الحلال و بعبارة أخری فلیحذر الحرام، السادس: أداء حقوق الناس و مظالم عباد الله.

و لکن شرائط کمال الدعاء أي شرائط لو وجدت لاستجاب الدعاء إن شاء الله: الأولی منها کونه متوضّأً و مغتسلاً حتّی یدعو متطهّراً و الثاني منها أن یدعو بما دعا به أولیاءه المعصومون (علیهم‌السلام) و الثالث منها أن یکون الدعاء بأسمائه الحسنی مثل «یا الله»، الرابع منها أن یستغفر الله قبل الدعاء، الخامس منها: أن یصلّي علی رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله) قبل الدعاء و بعده. السادس منها: أن یبکي و یدعو بعد البکاء. السابع منها: أن یکون الدعاء في السحر. و الثامن منها الدعاء في الأماکن المتبرّکة في الکربلاء و النجف. التاسع منها أن یدعو بعد إعطاء الصدقة. العاشر منها الدعاء مع الأدب و الحادي عشر أنّه إذا دعا رفع یدیه، الثاني عشر منها أن لا یصرخ عند الدعاء بل ادعوا خفيّاً مع هدوء النفس؛ أي لا یلتفت أحد إلی ما تقول. الثالث عشر الدعاء لجمیع النا الرابع عشر: أن یکون الدعاء لتکمیل نفسك و حوائجك الشرعيّة مثل الدعاء لحسن العاقبة. هذه شرائط الکمال لا نقول بلزومها بل هي أولی لاستجابة الدعاء.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo