< قائمة الدروس

التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

45/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة /آیة المأة و السبع و الثمانین

 

﴿أُحِلَّ لَکُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي‌ نِسائِکُمْ هُنَّ لِباسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَکُمْ فَتابَ عَلَيْکُمْ وَ عَفا عَنْکُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما کَتَبَ اللَّهُ لَکُمْ وَ کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَکُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاکِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها کَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.[1]

کان البحث في تفسیر آیة المأة و السبع و الثمانین من سورة البقرة المبارکة. قد دُورِسَت في الآیات السابقة، عدّة آیات من آیات الصیام.

قد حُرِّمَ في بداية البعثة الجماع ليلاً و نهاراً حال الصیام. و اختلف المفسّرون في أنّه هل كانت المقاربة مع النساء محرّمةً منذ البداية أو هناك ظنّ بأنّها محرّمة ثمّ نزلت هذه الآية بعد فترة. و لعلّ سبب نزول الآية هو أنّ الناس لم یکونوا یعملون بهذا الأمر و کانوا یعملون خلافه. فلمّا حدثت هذه الحالة نزلت الآية: ﴿أُحِلَّ لَکُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي‌ نِسائِکُمْ﴾. ثمّ السؤال الآن هو أنّه هل كان الرفث حراماً فأصبح حلالاً فهو حینئذٍ من النسخ، أو كان هناك ظنّ بأنّه حرام؟ یفهم من الآية مع القرائن الموجودة فیها أنّه کان حراماً ثمّ أصبح حلالاً، من القرائن قوله- تعالی: ﴿فَتابَ عَلَيْکُمْ وَ عَفا عَنْکُمْ﴾ أي: ستغتمض العین عن ماضیکم و ستُعفَون.

معنی الرفث:

التکلّم مقدّماً علی المقاربة يسمّى رفثاً. و المعنيّ‌ به الجماع و لكن يعبّرون عن هذه الكلمة بهذا اللفظ أدباً و کنایةً. قد يبیّن الناس مقصودهم بألفاظ قبیحة و قد يعبّرون عنها بألفاظ طیّبة مع الکنایة حتّى لا تكون قبيحةً. أستخدم الرفث في هذه الآیة بدلاً عن الجماع أو المباشرة؛ أي الكلمات القبیحة و مقدّمات المباشرة، محلّلة لکم.

المقصود من اللباس:

﴿هُنَّ لِباسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ نساءکم لباس لکم و أنتم لباس لهنّ فما معنى اللباس و ما مزایاه، لماذا تسمّى المرأة لباساً للرجل و الرجل لباساً للمرأة؟ و من خصائص اللباس أنّك تسعی في أن تلبس ملبساً مناسباً و لا تلبس أيّ ملبس، تلبس ملابس تناسب أخلاقك و سلوكك و شخصيّتك. و یجب للمرأة أن تكون هکذا؛ أي یجب أن تكون کفواً للرجل و مناسبةً له من حيث الأخلاق و السلوك و الثقافة.

و الثاني: أنّ اللباس زينة للإنسان و هو یوجب الهدوء له. و المرأة أيضاً تکون زینةً و هدوءاً للإنسان.

و الثالث: أنّ اللباس يستر عيوب الإنسان، و على الرجل و المرأة أن يستر كلّ منهما عيوب الآخر. إذا كانت لدى الزوج نقطة ضعف فلا یجوز للمرأة أن تعبّر عنها في أيّ مكان و كذلك إذا كانت المرأة لديها نقطة ضعف فلا یجوز للرجل أن يعبر عنها، فإنّ ماء وجه الإنسان في عائلته.

و الرابع: أنّ الملبس یجعل الإنسان دافئاً و المرأة أيضاً تجعل الأسرة دافئةً و عندما تكون زوجة الرجل عفيفةً و نبيلةً، تصیر الحياة دافئةً و حلوةً للغاية.

و الخامس: أنّك عندما تلبس الملبس تراقب علی ألّا یتّسخ و أن یکون نظیفاً مرتّباً. إذا سقط علی ثوبك وسخ فسوف تقوم سیّدتك بتنظیفه لیقول الناس بعد خروجك من بیتك إنّك صاحب زوجة ذات نظم و ترتیب، يتّضح من نظافة ملابس الزوج أنّ تلك المرأة تهتمّ بزوجها و تحترمه، فهي تنظف ملابسه و تكويها، هذه علامة على أنّ هذه الزوجة متفهّمة و مؤدّبة و ودود للغایة. هذه هي العلامات الموجودة في الملاب يجب على المرأة أن تراقب على أن لا یلوّث زوجها و قد يذهب الرجل إلى الإثم و الفساد و لكن على المرأة أن تسعی في حفظ الرجل. المرأة كذلك، قد تكون مائلةً إلی الفساد، لكن على الرجل أن يحفظ المرأة. يجب على الرجال و النساء أن يراقب بعضهم بعضاً و لا يتركوهم ليضلّوا؛ لأنّك لباس لها و هي لباس لك و أنت حاميها و يجب أن تكون حاميتك.

خاصّیّة أحکام الإسلام:

أحکام الإسلام سهلة و سمحة و ليست فیها مماسکة. أنت تصوم النهار و تعبد الله لكنّك في الليل مطلق، تأكل و تشرب و يمكنك القيام بأشياء أخرى كثيرة. هذا تخفیف قد ذکر في أحكام الإسلام. هذا هو الحال عادةً في الإسلام، يغلق طريقاً و يفتح طريقاً آخر. ليس الحال أنّ كلّ الطرق مغلقة، إذا أغلق طريق مثل أن یقال لا تباشروا في النهار، لكنّه يترك الطريق مفتوحاً في الليل حتّى لا يتورّط الناس في الفساد.

الحاجات ذوات الاتّجاهين:

الاحتياجات ذوات اتّجاهين؛ أي أنّ القضايا التي تُری للرجل، تُری للمرأة أيضاً. و ليس هکذا أنّ هناك امتيازاً للرجل فقط أو للمرأة فقط، بل کلاهما واحد، ﴿هُنَّ لِباسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ یجب علیکما أن تکونا مثلاً کالطیر تطیران معاً بالجناحين مع انتساق و تکونا حامیي حياتكما و أموالكما و أعراضكما و كرامتكما و شرفكما و لكن انتبها إلى أنّ الشهوة و غريزة الشهوة قويّة في الإنسان، فهي تخطئ. من المواضع التي يخطئ فيها الإنسان و ينحرف فیها هي مسألة الغريزة الجنسيّة. قال الله- تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَکُمْ فَتابَ عَلَيْکُمْ وَ عَفا عَنْکُمْ﴾ أنتم تختانون؛ يعني أنّ هناك حالةً من الخيانة عند البشر. لقد فتح الله الطريق للإنسان حتّى لا يكون لك عذر في الخیانة. و لعلّه إشارة إلى أنّه قبل صدور هذا الحكم الشرعي أي قوله- تعالی: ﴿أُحِلَّ لَکُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي‌ نِسائِکُمْ﴾ كنتم تختانون و ترتكبون الأخطاء، فأباح لكم الإسلام المباشرة في اللیل منعاً لهذه الخيانات. ﴿فَتابَ عَلَيْکُمْ وَ عَفا عَنْکُمْ﴾ توبوا، لقد غفرت ذنوبكم الماضية و لكن من الآن لا توجد مشكلة و تمكنكم المباشرة في الليل.

طريق المدیريّة في الآیة:

من أساليب المدیريّة عدم إغلاق كلّ الطرق الذي لا يتحمّله الناس، افتحوا دائماً طريقاً واحداً حتّی لا يضطرّ الناس إلى المخالفة. و هذا تدبير النبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله‌و‌سلّم) أنّ الآية الكريمة نزّلت لأنّ بعض الناس كانوا يعتذرون بأنّه لا محیص لنا فکانوا یختانون، نزلّت هذه الآية لتقطع عليهم الطريق.

جنسيّة الطفل:

كان العرب يبحثون عن أن یولد لهم الإبن فيدفنون البنت حيّةً و إذا كان طفلهم فتاةً کانوا ينزعجون. تقول الآية: ﴿وَ ابْتَغُوا ما کَتَبَ اللَّهُ لَکُمْ﴾ عسى أن يكون ولد الإنسان بنتاً و هي الرحمة أو غلاماً و هو النعمة. و أن يكون الطفل صالحاً لا فرق أن يكون بنتاً أو ابناً فکونوا شاکرین للجميع. ﴿وَ ابْتَغُوا﴾ أي أطلبوا.

حدود الصيام:

﴿وَ کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَکُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ كما يحلّ لكم الأكل و الشرب في ليالي شهر رمضان المبارك. و عندما يتحوّل اللون الأسود إلى اللون الأبيض و يريد الهواء أن يضيء فهذه علامة الصباح و يمكنك أن تأكل و تشرب قبله.

﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ ثمّ صوموا إلى الليل، ثمّ أکملوه إلى أوّل الليلة. ﴿وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاکِفُونَ فِي الْمَساجِدِ﴾ إلى الآن كنتم تصومون و لم تكونوا في المسجد، لكن إذا اعتکفتم في المسجد و صمتم، فحرام عليكم المباشرة ليلاً و نهاراً.

الوقاية من المعصیة:

﴿تِلْکَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها﴾ هذا حکم الله، فعليكم بالدقّة و لا تقربوا من هذا الحکم. الوقایة من المعصية أي عدم الاقتراب منها؛ عدم ارتكاب المعصیة بحث و عدم الاقتراب منها بحث آخر. عندما تمشي في الشارع و الشابّات يمشین في الشارع فغضّ بصرك حتّى لا تقترب من المعصية، لا أن ترفع عينيك و تخفضها عندما تقع عيناك على الحرام. عندما تقترب من المعصية يصعب منعك نفسك و قد لا تستطيع السيطرة على نفسك، فاحذر و لا تقترب من المعصية. إنّه أمر خطير، الشيطان يحيط بالخطيئة و يجعلك تميل نحو الخطيئة.

فلسفة الأحکام الإلهيّة:

﴿کَذلِکَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾، ﴿کُتِبَ عَلَيْکُمُ الصِّيامُ کَما کُتِبَ عَلَي الَّذينَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾[2] تصومون للتقوى و تصلّون للتقوى و تعبدون للتقوى و كلّ ما نعمل فهو للتقوى. ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهي‌ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ﴾[3] كلّ هذا لأن نکون من المتّقین. التقوى هي أهمّ ما يمكن أن يتبلور في الإنسان و يوصل الإنسان إلى الكمال، غایة الأمر أنّ الصلاة و الصيام و الذكر کلّها وسائل تحقّق التقوى. فلسفة الأحکام الإلهيّة هي التقوى. ذكر كلّ هذه الأحکام حتّی یصیر الإنسان من المتّقین. الأصل هو التقوى و الصلاة و الصوم و سائر الأحکام الموصی‌بها تکون لحصول التقوی للإنسان بفعلها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo